أقلام وأراء

محمد ابو الفضل يكتب الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي لا يلغي السياسي في مصر

بقلم محمد ابو الفضل 16-8-2021م

قطعت مصر شوطا مهما في مجال الإصلاح الاقتصادي، وأقدم الرئيس عبدالفتاح السيسي على تبني خطوات كبيرة لعبت دورا لافتا في تحريك المياه الراكدة منذ سنوات، وامتد الإصلاح إلى الشق الاجتماعي وبدأت حياة الكثير من المواطنين تتغير وتنتقل من العشوائية لتأخذ شكلا حضاريا جذابا.

وعد الرئيس المصري بمواصلة تحركاته في هذين المسارين أكثر من مرة، آخرها السبت، حتى يتم ضبط الخلل الفاضح فيهما، لكنه لم يتطرق إلى القيام بإصلاحات سياسية موازية، وهو الضلع الحيوي الثالث المسكوت عنه في الخطاب العام.

لكن إذا سألت مسؤولا كبيرا أو صغيرا بعيدا عن وسائل الإعلام عن رأيه سيبدي قلقا وربما انزعاجا من غياب هذا البعد في التصورات الرسمية لأن روافده قد تنعكس سلبا على جزء كبير من الإجراءات الإيجابية الاقتصادية والاجتماعية.

الإصلاحات السياسية تظل المدخل الذي يقيس به المجتمع الدولي مستوى النهضة في الدول الصاعدة، ولن تكتسب الجمهورية الجديدة في مصر زخما في الداخل أو الخارج ما لم تكن تملك مجموعة ركائز لإصلاحات سياسية واضحة

لم تستطع الخطوات التي اتخذت على هذين المستويين أن تنسي الناس الحديث عن ضرورة الإصلاح السياسي، فما يدور همسا وسرا اليوم أو في بعض لقاءات النخبة الضيقة يمكن أن يصبح مجالا للحوار في الفضاء العام سواء أرادت الحكومة أو لم ترد، فقد فتحت مواقع التواصل الاجتماعي الباب على مصراعيه لتداول قضايا عديدة لا تجد مكانا لمناقشتها في وسائل الإعلام التقليدية أو الندوات السياسية المفتوحة.

كما أن الجمهورية الجديدة التي يريدها الرئيس المصري بحاجة إلى رافعة سياسية متينة تتناسب مع طموحاتها وأحلامها، لأن أي جمهورية لا بد لها من سمات ومكونات وخصائص تميزها عن غيرها، فتحقيق نجاحات اقتصادية واجتماعية يمكن أن يحسن مستوى المعيشة، لكن في دولة مثل مصر عرفت الديمقراطية والحياة البرلمانية وحرية الأحزاب منذ قرن ونصف القرن لن تستطيع التكيف مع قوى سياسية تبدو معلبة أو متكلسة، كلها أو جلها تدور في فلك الحكومة، تؤيد توجهاتها الصحيحة والخاطئة.

تحتاج الجمهورية الجديدة إلى مصارحة شديدة لتستكمل مسيرتها الجادة ونخبة تعبر عنها من منطلق قناعات سياسية وليس مصالح آنية، فالأولى تجعلها أكثر تأييدا ودفاعا عنها، بينما الثانية يمكن أن تتهاوى عند أول محك أو تهديد لها.

هناك تجربة الحزب الوطني الديمقراطي الذي حكم مصر حوالي ثلاثة عقود في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك ماثلة في الأذهان، حيث انفرط عقده وتخلى عنه الملايين من الناس الذين كانوا أعضاء فيه وتبخروا بمجرد أن اندلعت احتجاجات واسعة ضده في يناير 2011، وانتهت علاقة المصلحة أو المنفعة التي ربطتهم به.

يخشى كثيرون أن تفضي تصرفات الكثير من الأحزاب التي تدور في كنف الحكومة إلى تشوهات تتجاوز هياكلهم الداخلية وتلحق أذى بنظام الحكم نفسه الذي يأبى حتى الآن الاعتماد على ظهير سياسي محدد وترك المسألة مفتوحة على احتمالات متباينة.

كان هذا الخيار مقبولا لدى الشارع في المرحلة التي أعاد فيها النظام الحاكم مراجعة الكثير من الحسابات السياسية، وبعد مضي حوالي سبعة أعوام على حكم السيسي لم تعد هناك حاجة إلى رؤية فضفاضة أو مخاوف من وجود حزب يطبق برنامج الرئيس بدلا من الاعتماد على تحالف (كوكتيل) من الأحزاب تتشابك فيه الهويات السياسية، بين اليمين واليسار والوسط.

يبدو أن النخبة التي يجري الاعتماد عليها حاليا من قبل الحكومة وأجهزتها تفتقر إلى الحنكة السياسية اللازمة التي تتناسب مع قوام الدولة الحديثة، لأنها لم تتشكل بصورة طبيعية وسط الناس وغالبية الكوادر هبطوا بـ”البارشوت” على الأحزاب ودخلوا البرلمان دون ممارسة نشاط سياسي ملموس، وهو ما جعل بينهم وبين الشارع فجوة.

تظل الإصلاحات السياسية المدخل الذي يقيس به المجتمع الدولي حجم التطورات ومستوى النهضة في الدول الصاعدة وأدوارها الرائدة، ولن تكتسب الجمهورية الجديدة التي يجري التبشير بها في مصر زخما في الداخل أو الخارج ما لم تكن تملك مجموعة ركائز لإصلاحات سياسية واضحة وتدفعها إلى الأمام.

ضرورة الإصلاح السياسي حديث الناس

قد يكون الاحتفال المتوقع عند افتتاح العاصمة الإدارية الجديدة قبل نهاية العام الجاري مناسبة جيدة للحديث عن الإصلاحات المؤجلة على أن يتم التمهيد لها مبكرا، لأن غيابها ارتباكا أو تغييبها عمدا سوف يقلل من أي إنجازات يمكن أن تحققها الدولة المصرية في أي مضمار اقتصادي واجتماعي، خاصة أن هناك جهات خارجية تربط ضخ استثماراتها في الدول بمنسوب الحريات السياسية.

وكما بدأت الحكومة المصرية تعديل جانب من أوضاعها في مجال حقوق الإنسان ويتم تحسينه حاليا بما يتوافق مع المضامين الدولية، عليها اتخاذ خطوة كبيرة في مجال الإصلاح السياسي بعد أن تلاشت المخاوف من التهديدات التي ظهرت تجلياتها مع سقوط نظام الإخوان، فالضوابط التي حكمت هذه الفترة كانت أمنية، بينما معايير الدولة المستقرة يجب أن تكون ذات معان سياسية تستوعب الاختلاف الداخلي.

تمكنت أجهزة الدولة من تقويض حركة الجماعة وفلولها الإرهابية في طول البلاد وعرضها، وجرى تجفيف جزء كبير من المنابع الرئيسية التي تغذت عليها في عهد مبارك، ولم تعد هذه الجماعة قادرة على استقطاب الكتلة الحرجة في المجتمع المصري الذي يمكنه أن يفرز نخبته السياسية بعيدا عنها وعن تأثيراتها الخادعة.

إذا كانت الحكومة تخشى استفادة الإخوان من الإصلاحات السياسية والقفز عليها فهي مخطئة، لأن عدم القيام بها يمنع ظهور قوى وطنية قادرة على سد الفراغ، والذي يؤدي استمراره إلى إتاحة الفرصة لحركة الإخوان وامتداداتها الخفية لتوظيفه في ضرب الروح التي أوجدها الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي وعدم تحجيم استيعاب تكاليفه الباهظة.

على العكس، يشير استمرار الانسداد السياسي إلى الخوف من عواقب الانفتاح ويوحي بضعف الدولة وأجهزتها وليس قوتها، وربما يغري بالعدوان السياسي عليها، ويقلل من أهمية مكتسبات يمكن جنيها من وراء التطورات الحاصلة في المجالات الأخرى، وبالتالي يؤثر إجمالا على الحوافر التي تنتظرها الجمهورية الجديدة.

من مكاسب تطبيع العلاقات مع قطر والتهدئة مع تركيا أنهما نزعا عن الإخوان سلاحا إعلاميا خطيرا وفقدت الجماعة الكثير من نفوذها، وأي خطوة للإصلاح السياسي الآن تقدم عليها القاهرة لن تفهم على أنها جاءت ابتزازا أو رضوخا لحملات معينة.

لم يعد ضمن أولويات الدول المعروفة بكثرة حديثها عن الأوضاع الداخلية المطالبة بمزيد من الحريات والتعددية والديمقراطية في مصر، وهي مناسبة تبدو فيها الحكومة غير مضطرة لتبني خطوات تحت وقع ضغوط خارجية، فمهما تضخمت الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي تقوم بها فلا غنى عن نظيرتهما السياسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى