أقلام وأراء

محمد ابو الفضل – حماس تستأنف لعبتها في مضايقة مصر

محمد ابو الفضل 15-12-2021م

استأنفت حركة حماس الفلسطينية لعبتها المفضلة في الشد والجذب مع مصر. فريق يهاجم وآخر يهادن، ضمن حسابات لم تعد خافية على القاهرة التي قبلت الدخول في حوارات معها وتعلم حجم انتهاكاتها سابقا في سيناء وطبيعة العلاقة التي تربطها بجماعة الإخوان المدرجة وعدد كبير من قياداتها على لائحة الإرهاب.

تسير تطورات اللعبة هذه المرة بصورة مختلفة وتتخطى الملفات التقليدية الخاصة بإنهاء الانقسام والمصالحة الفلسطينية وصفقة الأسرى وتثبيت وقف إطلاق النار، فالاتهامات التي وجهتها عناصر في الحركة والإعلام القريب منها أخيرا تشكك في التوجهات القومية لمصر وتظهر وساطتها كأنها طرف يعمل لصالح إسرائيل.

يعود الغضب الحمساوي الجديد إلى محاولة تعظيم مكاسب الحركة وهي ترى توجها نحو ترتيب أوراق المنطقة المبعثرة بعيدا عنها، حيث أخفقت جهودها الحثيثة وصعودها وهيمنتها الطويلة في أن تنتزع اعترافا بأنها الحركة الرئيسية والأقوى والأوحد على الساحة الفلسطينية، وتصر القاهرة على وضع حركة فتح والسلطة الوطنية في مقدمة المشهد السياسي، الأمر الذي يلقى تجاوبا إقليميا ودوليا.

تتجاوز القاهرة عن أخطاء فتح التي انعكست سلبا على القضية الفلسطينية وترفض خطاب حماس الذي يريد أن يخرج القضية من سياقاتها التاريخية ويضعها داخل رؤية عقائدية تضاعف من محنتها، وتصر على توطيد العلاقة مع إيران بما يضع بعض المفاتيح في حوزتها على حساب مصر.

تمارس حماس ضغطا بدائيا على القاهرة من خلال أذرعها لتخفي الأسباب الحقيقية للتعثر الحاصل في إعادة إعمار غزة والتوصل إلى قواعد لنجاح الصفقة الشاملة مع إسرائيل التي ربما تهيئ وضعا يسمح بتحسين أحوال الفلسطينيين، وهو ما يتعارض مع تصورات حركة ترى في استمرار المعاناة عنصرا مهما لكثير من تفاعلاتها.

تسعى حماس للحفاظ على أداتي التفاوض والمقاومة في وقت يتم فيه ترتيب أوراق المنطقة ليكون الفرز واضحا، مع أو ضد، فلم يعد رفع لافتات في العلن وأخرى في السر مقبولا من جهات متعددة، وهي المشكلة التي يمكن أن تؤثر على أحلامها في مواصلة الصمود والتصدي، فالتناقضات التي تحكم علاقاتها على جبهات متباينة وحققت من ورائها مكاسب في بعض اللحظات بدأت تتآكل تدريجيا.

تريد مصر أن تصطحب في تعاونها مع التطورات الجديدة بالمنطقة تغيرا حقيقيا في القضية الفلسطينية، لأن العواصف المقبلة يمكن أن تقضي على ما تبقى من ركائز، بما يجعلها تنظر للعلاقة مع حماس برؤية استراتيجية عميقة وترفض تكتيكاتها المرحلية التي تتجاوب مع المعطيات وفقا لحسابات أيديولوجية وضيقة.

لم تستوعب الحركة أن وجود المقاومة يمثل مصلحة لمصر وأنها لا تريد أن تتخلص منها، وكل ما تريده أن يكون سلاحها منضبطا ويتم تسخيره لخدمة القضية الفلسطينية وليس خدمة قوى لها أغراض في إفشال تطورات تعيد صياغة المشهد بعيدا عنها.

ما يدور في خلد المصريين أن حماس بحاجة لقفزة تحررها من القيود الداخلية والإقليمية التي تكبلها، فرهنها بقيود سوف يكون مكلفا، ولن يُمكن مصر من الحصول على مكاسب تضمن تهدئة طويلة المدى في غزة المجاورة لحدودها، ولن يوفر لحماس فرصة كافية لممارسة المراوغات والتقلبات التي جعلتها تنجو من بعض المطبات.

يتطلب تغير قواعد اللعبة أن تقوم حماس بمسايرة عملية للتغيرات المنتظرة وتخليا عن قناعات يقود التمسك بها إلى تبدل الأجواء من حولها، فالقوى الحليفة التي تعتمد عليها حماس، مثل إيران وتركيا وقطر، من المرجح أن تصبح جزءا في المنظومة الجديدة، بالتالي يتم نزع ورقة مهمة اعتادت الحركة التدثر بها أو المتاجرة بها.

نجحت مصر في سد الكثير من النوافذ والأبواب التي كانت تستغلها حماس من خلال تسللها إلى سيناء والداخل المصري، فلم تعد هواجس تسلل الإرهابيين وتهريب السلاح قضية ساخنة في حسابات القاهرة، وأسهم التعاون والتنسيق مع الحركة مؤخرا في لف الحبل على رقبة المتطرفين، وحقق جانبا كبيرا من أهدافه الأمنية والسياسية.

وتُستكمل هذه الحلقة بالمكون الاقتصادي في غزة الذي تجتهد مصر لإبطال مفعول القنبلة الموقوتة التي تاجرت بها حماس وإسرائيل وغيرهما لتفجيرها في وجهها، ما منح عملية إعادة إعمار القطاع بُعدا حيويا في التحركات المصرية الأخيرة.

تتحسب القاهرة من ألاعيب حماس ولا تنسى انتماءاتها، والاقتراب منها ينصب على منع شرودها وتقنين سلوكها السياسي، فقد جربت مصر الصدام مع الحركة وجربت التفاهم معها، وكانت النتيجة في الأولى مرهقة، بينما حصدت في الثانية مزايا متعددة.

لذلك لن تتمادى القاهرة في الرد على التصريحات السلبية من عناصر حمساوية، واكتفت بالرد عليها بطريقة عملية، حيث أعلنت قبل أيام عن البدء في المرحلة الثانية من خطة إعمار غزة، في إشارة توحي بأن رسائل التشكيك في نواياها لا تلقي لها بالا، وما تملكه من أدوات سيطرة يحشر حماس في زوايا ضيقة.

تعتقد الحركة في التطاول على مصر شجاعة أو هروبا من المأزق الذي تواجهه، وتجد في تعامل القاهرة العملي ردا لا يناسب أهدافها، لأنه يحرمها من اختلاق معركة تمثل خيطا رفيعا قد يفضي بها إلى الخروج من نفق مظلم على وشك أن تدخله.

تملك مصر مسطرة تقيس بها التعامل مع حماس، بالشدة أو اللّين، ومتى تغضب منها وتظهر معها وجها خشنا، ومتى تحتضنها وتمنعها من رفع مستوى الجموح، والآن تبدو الحركة مقبلة على الارتطام بالموقفين معا، أي موقف الخشونة والاحتضان، وهو ما يضيق مساحة الخيارات أمامها ويجبرها على العودة إلى كبت انفعالاتها.

قطع تقارب القاهرة مع تركيا وقطر، وارتفاع مستوى التعاون مع إسرائيل، أحد أهم خطوط النجاة لحماس، وفي حالة حدوث تفاهم دولي مع إيران يضمن تحجيم المخاوف الخليجية سوف تتزايد أوجاع الحركة وتعود إلى الحضن المصري.

مهما بدت تقديرات مصر غير منسجمة مع رؤية حماس ففي النهاية لن تكون على حساب القضية الفلسطينية، لأنها البعد المهم في الأمن القومي المصري والجزء المحوري في ثوابته الرئيسية، وأي خلل في هذا المضمار تنعكس عواقبه على القاهرة أكثر من حماس، فالأخيرة حركة مقاومة مؤدلجة وانتهازية ولم تصل قيادتها بعد بها إلى مستوى المقاومة المحكومة بالقواعد الوطنية المتعارف عليها.

فقدت لعبة حماس المفضلة في مضايقة القاهرة تأثيرها، فالمتغيرات التي حدثت في المنطقة وفي طريقة تعامل مصر معها تقلل من المردودات السلبية التي أجبرتها من قبل على التجاوب مع حركة تصر على الاشتباك مع تحولات كبيرة بأساليب ماضوية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى