أقلام وأراء

محمد أبو رمان يكتب – الإصلاح السياسي الأردني .. ماذا بعد؟

محمد أبو رمان – 7/3/2021

بصورة مفاجئة، تحرّكت مجدّداً نقاشات الإصلاح السياسي في الأردن، مرّة أخرى، مباشرةً بعد إشارة الملك عبدالله الثاني إلى ضرورة مراجعة التشريعات الناظمة للحياة السياسية (في مقابلته مع وكالة الأنباء الأردنية الرسمية) في نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، ثم ارتفعت وتيرة التوقعات، مع رسالته إلى مدير المخابرات العامة، والتي دعا فيها إلى ترسيم الحدود الفاصلة بين الجوانب الأمنية والجوانب الأخرى في الحياة العامة الأردنية.

تفاعلت القوى والأحزاب السياسية مع الإشارات الجديدة، لكن شكوكا محقّة ومشروعة ما زالت تُطرح من التيار السياسي العام في جديّة الحكومة بالمضي في طريق تحقيق نتائج فعلية على أرض الواقع، بعد مضي أعوام طويلة، ونحن، في الأردن، نمارس رياضة “مكانك سرّ”، على الرغم من التشريعات والأوراق والوثائق واللجان التي دفعت، نظرياً، الإصلاح السياسي إلى الأمام. ولكن المواطنين لم يجدوا قطاراً يتحرّك إلى الأمام في التحضير للحكومة النيابية، وفي تداول السلطة، وفي تطوير الحياة السياسية، وفي حماية الحريات العامة وحقوق الإنسان.

على النقيض مما سبق، سقط ترتيب الأردن في التصنيف العالمي لمجلة إيكونوميست من دولة هايبرد (شبه سلطوية أو ديمقراطية جزئياً) إلى دولة سلطوية. وفي الوقت نفسه، يقرأ السياسيون رسالة متضاربة من مؤسسات الدولة؛ بعضها باتجاه الانفتاح السياسي ومناقشة القوانين، وأخرى باتجاه حل نقابات وأحزاب، وكأنّ هنالك أكثر من موقف أو اتجاه في أروقة الدولة نفسها!

على الجهة المقابلة، يمكن بسهولة أن نلمس في حديث جيل الشباب (وهو المتغير المهم في المعادلات الراهنة) حالةً من الإحباط المزدوج؛ سواء في ضآلة تمثيلهم في مؤسسات صنع القرار، وفي قدرتهم على إيجاد مساحة حقيقية لهم لتمثيلهم في ظل ظروفٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ قاسية، أو في عجز الأحزاب السياسية عموماً عن استيعاب جيل الشباب والتعبير عن مطالبه وهمومه وأولوياته، وتسمّر خطاباتها (الأحزاب) عند البنى الأيديولوجية التقليدية، بالتزاوج مع حالة التشظي الحزبي وضعف قدرة الأحزاب على إقناع الشريحة العامة للمواطنين، ما انعكس في شبه انعدام التمثيل الحزبي في مخرجات الانتخابات النيابية الأخيرة!

كيف يمكن تجاوز هذه المشكلات المزمنة في المعادلات السياسية الأردنية، وتخطي العوائق الجوهرية التي تضع كوابح أمام انطلاق حقيقي لقطار الإصلاح؟ ناقشت هذا السؤال في ورقة سياسات أصدرها معهد السياسة والمجتمع في عمّان، وكتبتها بالاشتراك مع وزير الداخلية الأسبق حسين المجالي، لفتنا الانتباه فيها إلى ضرورة الانتقال مبدئياً من الحوار عن التفصيلات التشريعية والسياسية إلى القضايا الاستراتيجية الوطنية، والتوافق على ماذا نريد؟ وكيف نبني الثقة الاجتماعية بين القوى المختلفة؟ وما هي معالم الطريق ومراحله التي نرسمها حتى نصل إلى تحقيق ما جاء في الأوراق النقاشية الملكية المتتالية (منذ العام 2012 – 2017)، وهي بالمناسبة بمثابة وثيقةٍ مهمةٍ لا أظن أنّ مطالب قوى المعارضة والمجتمع المدني تتجاوز ما وصلت إليه من سقوف، من التأكيد على أنّ رؤية الملك، في نهاية اليوم، تتمثل بالوصول إلى حكومة نيابية حزبية، وتداول للسلطة وتكريس أدوار واضحة ومحدّدة ومعرّفة لمؤسسات الدولة والحكومة والبرلمان والمواطنين، ومهمّة الملكية في الأردن، فالملك رسم، في أوراقه، أيضاً دوره في النظام الملكي المنشود، بعد المرور في مراحل الإصلاح.

كتبت صحيفة الأهالي، المعارضة، افتتاحية تناولت ورقة السياسات بصورة نقدية، بدعوى أنّ الورقة لم تتناول التفصيلات السياسية المطلوبة. وفي الحقيقة، كان عدم الدخول في ذلك مقصوداً بحدّ ذاته، لأنّ المطلوب اليوم، قبل كل شيء، التوافق على الأهداف والقيم والمعالم الرئيسية. والأهم من ذلك مواجهة “فجوة الثقة” التي تتّسع بين مؤسسات الدولة والمجتمع، وبين الدولة وحزب المعارضة الرئيس في البلاد (جبهة العمل الإسلامي)، وفي أوساط المجتمع نفسه بين التيارين المحافظ والليبرالي وهكذا. وإذا كان هنالك مفهوم إجرائي من المفترض أن يتم الالتفات إليه في المرحلة المقبلة فهو “الثقة الاجتماعية”، كما وضّحها المفكر الأميركي والأكاديمي، فرنسيس فوكوياما، في كتابٍ خصّصه لذلك، وهو أحد أبرز المنظّرين المعاصرين في النظم السياسية والتحولات الديمقراطية.

لم تصدر الأوراق النقاشية وثائق مهمة، لم تصدر عن جهة أكاديمية، ولا عن أحزاب المعارضة، بل عن الملك نفسه. وهي تضعنا، أردنيّاً، أمام سؤال جوهري ومهم (ونحن على أبواب مئوية الدولة الثانية): ما هو النظام السياسي المفترض أن يتم تسليمه للأجيال القادمة؟

*محمد أبو رمانوزير أردني سابق، باحث ومتخصص في الفكر الإسلامي والإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في العالم العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى