أقلام وأراء

محمد أبو الفضل: هل تبالغ مصر في تدليل حماس

محمد أبو الفضل 12-2-2023: هل تبالغ مصر في تدليل حماس

تحظى حماس الفلسطينية بمكانة كبيرة في القاهرة لا تتناسب مع توجهات الحركة الإخوانية، فليس من الطبيعي أن تكون العلاقة معها جيدة كما تظهر في اللقاءات التي تعقد مع قياداتها في مصر من حين إلى آخر، وعندما تتصاعد الأوضاع في الأراضي الفلسطينية إما أن يذهب مسؤولون مصريون إلى قطاع غزة أو تأتي قيادات من حماس إلى القاهرة وفي أحيان كثيرة يتم الذهاب والاستقبال.

تقدم حماس نفسها على أنها حركة مقاومة، بينما تصرفاتها تقول إنها حركة سياسية براغماتية بامتياز، وتتبنى رؤى بعيدة المدى، مثل غيرها من تنظيمات الإسلام السياسي، خاصة ذات الجذور الإخوانية، ومع ذلك لا تألو مصر جهدا في الحفاظ على علاقات دافئة معها يعتقد البعض أنها تحمل قدرا كبيرا من المبالغة في التدليل.

ربما يكون هذا الاستنتاج صحيحا أو به ظلال من الحقيقة، لأن البراغماتية التي تتمتع بها الحركة من النوع الانتهازي المفرط الذي يجعلها تجيد توظيف أوراقها ولا تضعها كلها في سلة واحدة، فقد يكون هناك جزء من قلبها مع القاهرة وآخر مع تركيا، وعقلها أو نصفه مع إيران، ورأسها تمكث في قطر.

تعدد الولاءات التي يمكن أن تمتد إلى ما وراء هذه الدول عملية متأصلة في الحركة، وإذا تركتها القاهرة ستجد من يغدقون عليها ماديا ومعنويا لكن رد فعلها قد يبدو قاسيا، ربما تكون حماس في حاجة إلى مصر كمنفذ حيوي وحيد لها على العالم فتحرص على العلاقات معها، لكن حرص القاهرة من النوع الخاص بقضايا الأمن القومي.

فحماس التي تهيمن على قطاع غزة، وهو على مرمى بصر من الحدود المصرية، يصعب التعامل معها على أساس مواقفها الأيديولوجية ومعاقبتها بجريرة ما ارتكبته في حق الأمن المصري في سيناء وغيرها، أو علاقتها بجماعة الإخوان، لأن هذا النوع من القضايا لا يخضع لحسابات تقليدية ويحتاج إلى تجاوز الكثير من المحرمات.

أسفرت سياسة التواصل والحوار مع حماس عن سدّ الثغرات الأمنية على الحدود التي تحولت في وقت سابق إلى منغص بسبب اتساع عمليات تهريب الأسلحة والمتطرّفين إلى سيناء، وأدت إلى الحفاظ على التهدئة في قطاع غزة التي يفضي انهيارها إلى متاعب يمكن أن تقود إلى اختراق الحدود المشتركة، ومنعت ارتماء الحركة تماما في أحضان قوى إقليمية يمكن أن تزعج ممارساتها الأمنية مصر.

رسمت القاهرة لنفسها دورا محوريا في القضية الفلسطينية، حربا وسلما، وتتعامل مع جميع القوى الفاعلة، بصرف النظر عن درجة الانسجام السياسي معها، فالتوافق مع حركة فتح لا يعني نبذ حماس، لأن مصر تقوم بدور الوسيط بين جميع الحركات، ما يفرض عليها الانفتاح على الكل، وسط احترافها دور الوسيط بين الفصائل المختلفة، ومع إسرائيل، أو بين الحركات وإسرائيل، ما يجعلها في حاجة إلى علاقات جيدة مع الجميع.

تعد حماس الفصيل الموازي لفتح في القوة والحضور والانتشار، وتطمح إلى وراثة النفوذ السياسي للحركة الأقدم في الأراضي الفلسطينية، ولا يمكن لفصيل يحمل أفكارا عقائدية أن يكون بعيدا عن أعين مصر التي تفرض عليها الجغرافيا السياسية تعاملا خاصا مع غزة في ظل هيمنة حماس على معظم مفاتيحها.

وجدت القاهرة أن طريق الخصومة مع حماس مليء بالمطبات الأمنية والعثرات السياسية والشجون الإنسانية، ومن الضروري أن تحافظ على قدر كبير من الود والتفاهم معها، ولو أدى ذلك إلى تقديم تنازلات، فعملية تدجينها أفضل من نبذها في حالتي الضعف والاستقواء، لأن الأولى (التدجين) تسمح لمصر أن تضع حماس تحت سمعها وبصرها، بينما الثانية (النبذ) تدفع الحركة إلى توثيق علاقاتها مع قوى مناوئة.

تم تجريب السياستين، ووجد أن الأولى أكثر جدوى ونفعا وأقل ضررا، بينما الثانية تصطحب معها من الأضرار ما يفرض على مصر أن تراقب كل شاردة وواردة في غزة، فحماس الطامحة إلى انتقال إرث فتح إليها على استعداد لتبني تصورات يمكن أن تضر مصر من دون أن يهتز لها جفن.

ينطوي التدليل المصري الظاهر لحماس على رؤية عملية لا تترك لها مساحة للهروب إلى الأمام أو الخلف، ويجبرها على التمسك بالتزامات محددة وتوازنات يصعب الخروج عنها ففي هذه المرحلة لا تريد أن تظل مخنوقة بين قوات الاحتلال الإسرائيلي، وبين توترات مع مصر تدفعها إلى تكبد خسائر باهظة.

ولذلك فالتدليل في أحد وجوهه السياسية ينطلق من صيغة تبادلية، فكما تحرص القاهرة على علاقة دافئة معها ولا تقبل الدخول معها في تراشقات مستمرة، تحرص حماس على تجنب ارتكاب حماقات تتسبب في توتير علاقاتها مع مصر.

الخطورة أن ممارسات حماس بحجة المقاومة تضع القاهرة في وضعية “المُلامة والمتآمرة والمتقاعسة”، حيث تتدخل الثانية لنزع فتيل الكثير من الأزمات التي تختلقها إسرائيل أو الحركة، وتعمل مصر على الابتعاد عن شبح نشوب حرب ممتدة، وفي حالتي التدخل فيها أو النأي عنها ستجد نفسها في موقف حرج تعتقد أن السبيل الوحيد لعدم تحويله من الإطار النظري إلى العملي هو بقاء حماس تحت منظارها.

لا يعني التدجين فرض أجندة عليها أو إملاء شروط معينة، لكنه يؤكد وجود خط أحمر أو توافق حول قواسم مشتركة تحافظ على الثوابت الرئيسية للقضية الفلسطينية.

قد تكون لمصر رؤيتها في هذه المسألة ولحماس رؤية مغايرة، ومن الضروري تقريب المسافات بينهما كي لا يعود الصراع إلى مرتكزاته العسكرية، والتي تكاد تكون مصر نبذتها منذ التوقيع على اتفاقية سلام مع إسرائيل.

أدى المضي في هذا الطريق وحفاظ مصر عليه إلى محاولة تطبيقه مع الحركات الفلسطينية خوفا من تآكل قضيتهم، ولم يعد خيار الحرب المباشرة قادرا على نزع حق الشعب الفلسطيني، ما يستلزم التفاهم لأبعد مدى بين القاهرة وحماس بعد أن أصبحت الرقم المؤثر في غزة وتسعى لنقل نفوذها إلى الضفة الغربية.

لم تفرض علاقة القاهرة مع حماس قيودا على الأخيرة، ولم تمنعها من الانفتاح على قوى إقليمية، لكنها وضعت ضوابط جعلتها من الصعب أن تتبنى تصرفات تضر بالأمن المصري، كما أنها تعلم أن أيّ توجه من هذا النوع سيكون كفيلا بتعريض الحركة لضغوط قاسية تفقد بسببها ما تحصلت عليه من مزايا في السنوات الماضية.

بات تدليل الحركة أداة من أدوات الحفاظ على المصالح المصرية، وليس دعما لحماس أو تمييزا لها عن غيرها، لأن ما تحمله السياسة المقابلة للتدليل (النبذ) يحتاج إلى تبني إجراءات صارمة تزيد من التحديات الإقليمية على مصر، وتقدم منهج التدليل لا يلغي الخيارات الأخرى أو يعني أن سياسة العصا عفا عليها الزمن.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى