أقلام وأراء

محمد أبو الفضل: صيغة وسطية للتعاون بين مصر والخليج

محمد أبو الفضل 2022/06/25

بدأت العلاقة بين مصر ودول الخليج تتجاوز أطرها التقليدية، والتي حصرتها سابقا في نطاق الأمن مقابل الدعم الاقتصادي، ولم تحقق هذه الصيغة ما يتمناه كل طرف من الآخر، لكن حافظت على حد جيد من التعاون حال دون تفجر خلافات في بعض القضايا الإقليمية التي شهدت تقديرات متفاوتة في التعامل معها.

قدمت مصر ما استطاعت قولا وعملا في الناحية الأمنية، وتعاملت غالبية دول الخليج بالمثل، وحافظ الجانبان على درجة عالية من العلاقات المتينة.

والآن تمضي العلاقة في مسار آخر يخرجها من الصيغة المصرية – الخليجية (الأمن مقابل الاقتصاد)، لأن عددا مهما من القضايا الإقليمية هدأت أو في طريقها إلى الهدوء.

تتجه الأزمة اليمنية إلى التباحث حول سبل تطويقها بجدية، وتسير الأزمة السورية في طريق يمكن أن يؤدي إلى تسويتها، وتبقى العقدة الإيرانية التي تمثل خطرا مباشرا على الخليج العربي، وانصب جزء كبير من الهواجس الأمنية الخليجية على إزالة عوامل التهديد من جذورها، وهو الهدف الرئيسي من الحديث المتواتر عن الدعم الأمني المصري لدول الخليج.

لخصت القاهرة هذه القصة في عبارة “مسافة السكة” التي اتضح أن لها معاني مختلفة لدى كل طرف، فهي لا تعني إرسال قوات عسكرية على الفور إلى منطقة الخليج وصد المخاطر التي تحيط بدوله العربية كما رسخ في التصورات الخليجية، وهو ما جعل بعض الدول تعيد التفكير في مدى جدواها وهل تتواءم مع الأوضاع الراهنة.

تعد التفسيرات المتباينة للمواقف السياسية والأمنية من الإشكاليات الخفية التي كان يجري المرور عليها مرور الكرام خشية تعكير الأجواء، لأن مناقشتها تفصيليا قد تؤدي إلى صدام لا يريد الطرفان حدوثه، وكان يتم تغليب القواسم المشتركة والاعتماد على خطاب عاطفي يتم تصديره للجمهور العربي يؤكد أن العلاقة على خير ما يرام.

قدمت دول الخليج، خاصة السعودية والإمارات، دعما سخيا لمصر في أشكال متباينة، لعب دورا مهما في الحفاظ على تماسك الدولة وعدم انهيارها بعد مرورها بثورتين شعبيتين خلال أقل من ثلاثة أعوام، وهو ما اعترفت به القيادة المصرية أكثر من مرة.

تشير التطورات الجديدة إلى أن الصيغة السابقة قابلة للتغيير، فالولايات المتحدة لم تعد مسؤولة عن الحفاظ على أمن الخليج تماما، ومصر لن يطلب منها بمفردها صراحة المساهمة في هذا الدور الذي يندرج ضمن أمنها القومي في المقام الأول، فهناك رؤية تتم بلورتها تميل إلى تحويل هذه المسألة من اتفاقات ثنائية إلى جماعية.

تعيد هذه الفكرة التذكير بطبيعة الدور الأمني الذي شاركت فيه مصر عسكريا وبفاعلية عقب الغزو العراقي للكويت في أغسطس 1990، وكان ثمنه الاقتصادي جيدا في ذلك الوقت، حيث أسقطت الديون الخارجية عن مصر، وتحللت من أحد القيود التي كبلت قيادتها السياسية.

تقول دوائر عربية إن مصر أسرفت في الاقتراض من الخارج لسد حاجاتها التنموية، ولديها أمل في مساهمة جديدة لتخفيف هذا العبء، ولا أحد يعلم من أين تأتي هذه المساهمة السخية، لأن دول الخليج غير مستعدة لاستمرار الدعم الاقتصادي بالطريقة السابقة، فقد أدى غرضه في منع مصر من الانهيار، وباتت التحديات الأمنية منحصرة في إيران التي تنأى القاهرة عن الإشارة إلى الاستعداد لمواجهتها مباشرة.

لدى القيادة المصرية حسابات غير معروفة بدقة لدول الخليج حيال التعامل مع طهران، والتي يتعمد المسؤولون في القاهرة عدم الإفصاح عنها، وباستثناء المشاركة في بيانات جماعية عربية تحرص مصر على عدم التطرق إلى إيران بالخير أو الشر.

أرخى التعاطي الرمادي بظلاله على تصورات دول الخليج التي تعتقد أن طهران الهم الأمني الكبير الذي يجب مواجهته، وطالما أن القاهرة لا تبدي استعدادا في التصدي له من الضروري البحث عن صيغة أخرى توفر غطاء مناسبا يحل اللغز الإيراني، من هنا بدأ الحديث يتصاعد حول صيغة إقليمية يمكن أن تشارك فيها إسرائيل.

تستطيع مصر أن تسهم في نجاح الصيغة الجديدة أو تفشيلها أو تعديلها بما تملكه من وزن إقليمي مهم، وهو ما يتوقف على حجم ما يخدم مصالحها الأمنية والاقتصادية والسياسية من دون خدش العلاقة الاستراتيجية مع دول الخليج.

إذا سلّمنا أن صيغة الأمن مقابل الاقتصاد أخفقت في تحقيق أهدافها مصريا وخليجيا لأن حجم طموحات كل طرف كان مرتفعا بما يفوق طاقة الطرف المقابل، فإن البحث عن صيغة وسطية قد يصبح الحل الوحيد المتاح حاليا، لأن الطرفين دخلا منذ زمن في علاقة قوية وبعيدة تماما عن المعادلة الصفرية الشهيرة.

وإذا سلّمنا أيضا أن التحركات الجارية وفي مقدمتها قمة الرياض وزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة الشهر المقبل، فمن المتوقع أن تفضي إلى صيغة تعاون جديدة من أهم أطرافها مصر ودول الخليج، ومعهما إسرائيل والأردن والعراق، وهي الدول التي أعلن عن حضورها لقمة الرياض – بايدن.لا تبدي مصر اعتراضا مبدئيا على أيّ صيغة للتعاون الإقليمي المؤقتة أو الدائمة، وإن فضلت الصيغ الثنائية، إلا بعد الاطلاع على ما تمثله من إضافة أو خسارة، وقد لا تستطيع وقف قطار بعض الصيغ التي ترفضها وتراها تتناقض مع مصالحها، لكن لديها من الإمكانيات ما يساعدها على تخريبها بصورة لا يكتب لها النجاح.

يمكن أن تطرح الصيغة الوسطية المنتظرة شكلا مختلفا للعلاقة بين مصر والخليج فبدلا من “الأمن مقابل الاقتصاد” يصبح “التعاون الإقليمي مقابل الاقتصاد”، لأن الاقتصاد المحرك الأول للكثير من الأحداث في مصر حاليا والتغلب على أزماته المتفاقمة يحتاج إلى المزيد من التدفقات المالية، والتخلص العاجل من معضلة الديون التي تؤرق أيّ نظام مصري بعد وصولها إلى معدلات مرتفعة.

في التقدير العام لا توجد مشكلة في توفير تمويل فوري لمصر لحل جزء مهم من مشاكلها الآنية والمتصاعدة، لكن فكرة الدعم الخليجي المفتوح انتهت أو في طريقها إلى الزوال، والحل يأتي من رحم صيغة إقليمية للتعاون يربح فيها الجميع.

تريد القاهرة حلاّ مريحا لأزمتها الاقتصادية، وتسعى دول الخليج إلى فك شفرة العقدة الأمنية، وتعمل الولايات المتحدة على إتمام انسحابها من المنطقة دون أن تترك فراغا واسعا تستغله إيران وروسيا والصين.

كما تفكر إسرائيل في طريقة تنخرط من خلالها في شبكة تجعلها لاعبا طبيعيا وأساسيا في المنطقة. وهي الصيغة التي تحقق لجميع الأطراف الفاعلة أهدافها القريبة والبعيدة.

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى