أقلام وأراء

محمد أبو الفضل: الضغوط الخارجية تفيد النظام المصري

محمد أبو الفضل 17-4-2023: الضغوط الخارجية تفيد النظام المصري

تعتقد بعض قوى المعارضة المصرية أنه كلما زادت الضغوط الخارجية على النظام الحاكم لانت شكيمته في التعامل معها، وخفت حدته في تضييق الخناق عليها واضطر إلى تقديم تنازلات متباينة، وهو ما جعلها تعتقد أن تصاعد حدة الأزمة الاقتصادية وضيق الخيارات السياسية أمام القاهرة فرصة لإجبارها على الانحناء لعواصفها، والاستفادة من ضيق المساحات الإقليمية أمامها.

تخطئ تقديرات المعارضة القائمة على هذا المحدد، لأنها لن تتمكن من استثماره سياسيا، فقد أثبتت خبرة التعامل مع هذا النوع من الضغوط أنها تصب في صالح الأنظمة المصرية المتعاقبة، والتي تجيد توظيفها في الحشد الشعبي.

في أحلك المواقف وأشدها تأزما كان البعد الخارجي يمثل حبل إنقاذ في القاهرة، لأن شريحة كبيرة من المواطنين مهما بلغ غضبها من أي نظام حاكم كانت ترفض القبول بممارسة ضغوط خارجية عليه، وتعتبرها على سبيل العمالة والخيانة.

يبدو التهليل الذي ظهر في خطاب جماعة الإخوان تحديدا حول بعض التقارير الاقتصادية السلبية التي نشرت في وسائل إعلام دولية في غير محله، لأنه قد يترك انطباعا بأن هناك مؤامرة ضد مصر وليس فشلا في الإدارة الاقتصادية، ويمكنها من تخفيف الضغوط الداخلية عن النظام عقب اشتداد الأزمات المعيشية على شريحة كبيرة من المواطنين، بما يساعدها على تحمل المزيد من المتاعب في الفترة المقبلة.

كما أن احتفاء الإخوان بصور جرى تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي لجنود مصريين من الطواقم الفنية في قاعدة مروي السودانية ضمن أطر تعاونية بين جيشي البلدين ربما يجلب تعاطفا مع النظام المصري ويشعر قطاعا كبيرا من المواطنين بالتعاطف معه، لأن هؤلاء كانوا في مهمة تدريبية وليست مسلحة، والعزف على هذا الوتر يستجلب حماسا للدفاع عن الدولة وسمعتها، وليس الشماتة في النظام الحاكم.

تبني المعارضة خطابها على أساس منح أولوية للبعد الخارجي وتعمل جماعة الإخوان طوال الوقت على تعظيمه، لأنها لا تملك خيارات داخلية فاعلة، وتعلم أن مساحة الحركة محدودة أو مختفية تماما، فكل أذرعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية جرى تقويضها السنوات الماضية، ولم تعد لها أجنحة تمكنها من الطيران أو القفز فوق المصاعب المتشابكة التي تواجهها، وعليها الركون إلى ما يمكن أن تجد فيه وسيلة لمساعدتها في الضغط على النظام المصري.

على العكس، يمنح التعويل على التطورات الخارجية السلبية ميزة للنظام المصري لاتهام معارضيه بالعمالة، ويصور الموقف للرأي العام على أنه مستهدف بسبب دفاعه عن المقدرات الوطنية للدولة، وهذه زاوية تساعده على تبرير أي تأخر في المجالات الاقتصادية والسياسية، وتدعم إسرافه في الاهتمام بالجوانب الأمنية، فجدول الأولويات يتطلب تكاتفا في مرحلة ترتفع فيها التحديات وتزداد فيها التصرفات القاتمة.

عندما جرى تحسين العلاقات مع قطر وتركيا، تراجعت نبرة الاستهداف الخارجي، غير أن بعض التقارير الغربية الخاصة بالوضع الاقتصادي المصري وحالة حقوق الإنسان لم تتوقف، وهو ما يضفي عليها قدرا من الأهمية لدى المعارضة، بصرف النظر عن مدى دقتها، وبعيدا عن بعض الإشادات التي تتناول التحسن النسبي ويتم تجاهلها لأن التركيز ينصب على السلبيات وليس الإيجابيات.

يجد النظام المصري في المحاولات الكثيفة لتناول الأوضاع الداخلية بمبالغة فرصة لتأكيد أنه بات محل استهداف، والدليل التقاطع الذي تقوم به بعض قوى المعارضة مع التقارير السلبية، والتضخيم منها واستخدامها كأداة للتدليل على أن النظام الحاكم يقع في أخطاء تضر بمصالح البلاد والعباد، وهو ما لا يطرب له مواطنون يرفضون النيل من نظامهم حتى لو لم يحسن جيدا إدارة بعض الأمور.

في ظل عدم القدرة على تحسين الأوضاع الاقتصادية والتراخي في إدخال إصلاحات سياسية، تعتقد وسائل إعلام رسمية أن الهجوم والانتقادات الموجهة للنظام المصري من الخارج وسيلة جيدة للاستثمار فيها كذريعة لتفريغ خطاب المعارضة من مضمونه.

كذلك تنبيه الرأي العام إلى ما تواجهه الدولة من تربص تلتقي فيه عناصر من الداخل مع قوى من الخارج، وهو مدخل يقود إلى تهدئة المعارضة المطالبة بإصلاحات سياسية عاجلة، باعتبار أن الدولة تواجه خطرا محدقا، وعلى كل القوى الوطنية التكاتف خلف النظام الحاكم للتصدي له.

مع اتساع نطاق المصاعب الخارجية التي تهدد الدولة من جهة ليبيا أو السودان أو إثيوبيا أو حتى غزة، لا يحتاج الأمر إلى مزايدات المعارضة أو اتهامات بالتقاعس والتراخي، فالخطر تتعرض له الدولة وليس النظام والتهديد يضعف الدولة وليس النظام، ما يفرض تعاونا شعبيا كبيرا وتجاهلا لأي تقسيمات أيديولوجية أو تصنيفات طبقية، الأمر الذي يحتاجه النظام المصري في الوقت الراهن.

ففي ظل زيادة رقعة المخاطر الخارجية والأزمات الداخلية من الضروري أن تتوارى الخلافات والمطالب السياسية المتعلقة بالحريات وحقوق الإنسان والضمانات القوية لإجراء الانتخابات الرئاسية التي يفصلنا عنها أكثر من عام.

نجح النظام المصري في تجاوز أزمات عديدة السنوات الماضية بسبب التأييد الشعبي الجارف الداعم له، والآن نقص هذا الرصيد بعد تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، ما يلزمه العمل على استعادته ولن يجد أثمن من الاستفادة من الضغوط الخارجية التي تمارس عليه من جهات متباينة ليتمكن من استعادة شعبيته مرة أخرى. وهو يعلم أن المصريين يتغاضون عن تطلعاتهم الاقتصادية وطموحاتهم السياسية ولا يقبلون التفريط في كرامتهم التي تهتز مع قبولهم بضغوط ضد بلدهم أو نظامهم الحاكم.

أكدت الخبرة التاريخية أن أيادي المعارضة الخارجية قصيرة وقدرتها في الوثوب على أي مطية دولية أو إقليمية محدودة، وإذا مالت إلى هذا الاتجاه فإنها تكون وفرت فرصة للنظام الحاكم للحصول على المزيد من روافد الدعم الشعبي. ومكنته من الاستدارة الصحيحة وتحويل الضغوط إلى ورقة يستفيد منها في تفسير طبيعة الأزمات المحيطة به، فما يتعرض له من مكايدات ومؤامرات لن يضر بالطبقة الحاكمة فقط ويمتد إلى مواطنين سوف يصبح أمنهم واستقرارهم محاطا بشكوك كبيرة.

تختفي المطالب الفئوية ويتراجع الضجر من الأزمات الاقتصادية وتتوحد المعارضة الداخلية لدعم النظام المصري وتتلاشى خلافاتها معه حول القضايا السياسية، فالعلاقة تسير بين الطرفين في اتجاه عكسي في ظل وجود ضغوط خارجية يمكن أن تستثمرها بعض الأطراف المعارضة لتفكيك القيود التي كبلت حركتها، متصورة أن سخونتها كفيلة بردع النظام المصري وإجباره على تخفيف قبضته والتجاوب مع ما تسعى المعارضة لتحقيقه من خلال امتطاء حصان طروادة ممثلا في الضغوط الخارجية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى