أقلام وأراء

محمد أبو الفضل: التعاون الجماعي لا ينتج تحالفا مع أفريقيا

محمد أبو الفضل 19-12-2022م: التعاون الجماعي لا ينتج تحالفا مع أفريقيا

بدت القمة الأميركية – الأفريقية التي اختتمت في واشنطن الخميس كأنها إشارة لتدشين تعاون جماعي، متجاهلة الكثير من الفروق بين نحو خمسين دولة شاركت في القمة، وأن علاقة كل منها مع الولايات المتحدة متذبذبة في أحسن الأحوال، ما يجعل الحديث عن تحقيق نتائج جيدة تتمخض عن هذه القمم غاية في الصعوبة.

كانت الإدارة الأميركية واضحة إلى حد بعيد في التعامل مع القمة، وأهدافها محصورة تقريبا في تطويق النفوذ الصيني المتزايد اقتصاديا، والتسلل الروسي الآخذ في التوسع عسكريا، ربما استخدمت واشنطن عبارات دبلوماسية لجذب الانتباه إليها، لتعظيم الاستفادة مع دول القارة من قبيل تجدد الكلام عن تمثيلها العادل في مجلس الأمن الدولي ومنحها مقعدا دائما، وتمثيل الاتحاد الأفريقي رسميا في مجموعة العشرين.

جاء اللغط من المبالغة في تصوير القمة على أنها فتح أميركي جديد للقارة، وأن واشنطن قررت احتواء دولها والإفراط في المساعدات الاقتصادية دون قيد أو شرط، وهي عملية لا علاقة لها بالواقع الذي يقول إن الولايات المتحدة زادت هواجسها بعد إهمال القارة أو بمعنى أدق عدم تجاوبها مع تطوراتها بالطريقة التي تؤكد أهميتها.

أدى تسارع وتيرة التغلغل الصيني والانتشار الروسي بما يهدد مصالحها الحيوية في العالم إلى شعور صادم بحجم المخاطر، لأن القارة السمراء تمثل جزءا مهما في الصراع على النفوذ، ومن يتحكم في مفاصلها اقتصاديا وعسكريا سوف تكون له الغلبة إستراتيجيا، الأمر الذي دفعها للعودة إلى إحياء آلية دبلوماسية القمة التي عقدت اجتماعا وحيدا على مدار ثمانية أعوام لم يسفر عن تقدم يعكس القيمة التي تستحقها هذه القارة في منظومة التفاعلات الدولية.

حوت القمة الثانية أهمية رمزية في سياق التوجهات الأميركية نحو القارة الأفريقية وإعادة التموضع بعد فترة من الإهمال أو التراخي في أحسن الأحوال، مكنت قوى منافسة من احتلال مواقع متقدمة بدول عديدة في القارة، وإذا تأخرت واشنطن أكثر من ذلك قد لا تجد لقدميها موضعا متماسكا يساعدها في الحفاظ على مصالحها والحد من التهديدات المحتملة التي يمكن أن تتعرض لها لاحقا.

اخترعت العديد من القوى والتجمعات صيغة القمم الجماعية مع قارة أفريقيا من دون أن تهمل العلاقات مع دولها في صيغتها الثنائية التعاونية، كي تبرر لنفسها التطوير الذي تشهده الثانية ويظهر على أنه غير موجه لأحد أو ضد أحد، فهناك غطاء عام ومظلة تندرج تحتها الكتلة الأفريقية العامة بصورة جماعية.

رأينا قمما خلال السنوات الماضية كان العنصر المشترك فيها أفريقيا، ضمت غالبية القوى الساعية للهيمنة والنفوذ والطامحة لتنويع مصالحها، واتخذت أشكالا متنوعة، لكنها اختارت عنوانا عريضا تضع معه ما يحلو لها من اتفاقيات، وتتبنى من خلاله خططا موجهة نحو القارة.

ظهرت القمم الصينية، والروسية، والهندية، والأوروبية، واليابانية، والتركية مع أفريقيا، ناهيك عن الأميركية، وكل الأطراف وضعت نصب عينيها أن هذه القارة واعدة ومن الضروري تطوير المصالح معها، منها من نجح، مثل الصين، في تحقيق جانب كبير من أهدافه، ومن تقاعس وترك هذه الصيغة أو تعامل معها باعتبارها أداة للدعاية السياسية، مثل الولايات المتحدة.

لم تسفر الصيغ الجماعية في التعامل مع القارة الأفريقية ككتلة واحدة عن نتائج يعول عليها في تحقيق الأهداف المرجوة لمعظم الدول التي صاغت تصوراتها على هذا الأساس، وكل تقدم نجم عن تعاون ثنائي، بما يعني أن الاتحاد الأفريقي ليس له دور في تمكين الصين من التوسع في القارة، أو أسهم في اقتراب روسيا من بعض مناطقها الحيوية، وكان بعيدا عن فتح أو غلق المجال أمام الولايات المتحدة أو غيرها.

كل تطور حققته هذه القوة أو تلك يعود إلى قدرتها على نسج علاقات ثنائية مع دولها، وتحولت آلية التعاون الجماعي إلى وسيلة لتحييد الدول الغاضبة والمتشككة في نوايا بعض القوى الكبرى، عندما تقترب من دولة معينة وتحصل على مزايا نسبية داخل أراضيها لا تبدو كأنها طامعة في ثرواتها وراغبة في الهيمنة على مقاديرها.

جاءت هذه الحيلة – الغطاء لتفرغ الرواسب الاستعمارية من مضامينها القاتمة، والتي اعتمدت في معظم الأحيان على التقدم الفردي في الاستحواذ على مقادير القارة، وسادت عبارة شهيرة في الحقب التي انتشرت فيها الغزوات الاستعمارية مثل “فرق تسد” الدالة على رفض الصيغ الجماعية وتفضيل الفردية داخل الدولة وخارجها.

لم تحقق هذه الصيغ تقدما لأن هناك فوارق كبيرة بين دول القارة، وتباينا في مصالح القوى الكبرى تختلف من دولة لأخرى، علاوة على التصنيفات الغربية بين دول منبوذة وأخرى أليفة، وبين ديمقراطية ودكتاتورية، وكل الألوان التي تعزف على إظهار الأشكال المتفاوتة لدول القارة وتفيد بأنها ليست على قلب رجل أو هدف واحد.

نجحت الصين ثم تبعتها روسيا لأنهما ابتعدتا عن هذه التصنيفات وحققتا الكثير من أهدافهما في دول متعددة بعد أن تخلتا عن الربط بين المصالح الاقتصادية والعسكرية وبين الأوضاع السياسية في الداخل، والتي تمثل صداعا مزمنا في رأس دول القارة، عدا القليل منها الذي شق طريقه، كثيرا أو قليلا، نحو الديمقراطية.

في الوقت الذي تجاوبت فيه دول عديدة في القارة مع هذه القوى بعيدا عن السياسة أو عدم وضعها في مركز التطورات، كانت الولايات المتحدة ترهن الكثير من مقارباتها بالسياسة، وفي المرات التي جرى فيها تنحيتها وشهدت علاقات واشنطن تقدما مع أنظمة عسكرية ودكتاتورية، كان الطيف السياسي ممثلا في شعارات أو سلاح الحريات وحقوق الإنسان يظهر عندما ترى انسدادا أو تريد تنازلات معينة.

تقدمت الصين وتأخرت الولايات المتحدة في القارة الأفريقية لأسباب يصعب حصرها، لكن من بين التفسيرات أن الأولى لم تقم بابتزاز الدول أو تتدخل في شؤونها الداخلية بطريقة سافرة أو تشارك في مؤامرات وانقلابات عسكرية من وراء ستار ولم تدفع حركات وجماعات للتمرد على السلطة المركزية، ما كبّد واشنطن خسائر تسعى لتعويضها عبر إعادة الحياة للقمة الأميركية – الأفريقية بالتوازي مع أنشطتها الثنائية.

تشير بعض المعطيات إلى أن واشنطن تعود هذه المرة وقد استوعبت دروس ابتعادها النسبي في الفترة الماضية، فهناك أزمات اندلعت في دول أفريقية لم تنخرط فيها الولايات المتحدة بالطريقة التقليدية، وصبرت وحاولت إيجاد تسويات سياسية لها، كما هو الحال في إثيوبيا والسودان، لأنها تعلم أن تطبيق معاييرها السياسية ربما يأخذ أديس أبابا نحو بكين، والخرطوم نحو موسكو، ولذلك لا يحظى التعاون الجماعي بأهمية كبيرة ولا ينتج تحالفات صامدة مع أفريقيا، ويظل التعاون الثنائي نقطة جوهرية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى