أقلام وأراء

محمد أبو الفضل: إنذار إسرائيلي لمصر في أفريقيا

محمد أبو الفضل 10-2-2023: إنذار إسرائيلي لمصر في أفريقيا

استقر في العقل المصري الحديث أن التحديات التي تمثلها إسرائيل تقتصر على تصرفاتها في الأراضي الفلسطينية وتصعيداتها المتقطعة مع سوريا ولبنان، وأجادت التعامل مع ذلك منذ توقيع اتفاقية السلام معها، والآن ظهر متغير جديد يستحق أن يشغل اهتمام القاهرة، حيث ظهر أن إسرائيل قادرة على التمدد في تشاد والسودان وغيرهما من الدول وتوثيق العلاقات معها.

ظلت مسألة التطبيع مع إسرائيل من قبل دول عربية وأفريقية هاجسا للقاهرة، لأنها تخشى أن تنعكس سلبا على القضية الفلسطينية، وتضعف المزايا النسبية التي تمتعت بها مصر كأول دولة فتحت المجال لتوقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل.

أخذ توسع تل أبيب في هذا المجال يزيد من قلق القاهرة التي لم يغب عن رؤيتها الإستراتيجية أن انتشار نفوذ إسرائيل في أفريقيا يشكل أزمة لها وينطوي على مخاطر كبيرة في المستقبل، فأحد أهدافها الخروج من شرنقة الصراع التقليدي معها بسبب فلسطين، وهو ما يتم من خلال زيادة غلّتها من تطوير العلاقات مع الدول التي تقوم بالتطبيع معها بعيدا عن أيّ ربط بالقضية الأمّ في المنطقة.

مع دق إسرائيل لأبواب العديد من الدول العربية والأفريقية، كالسودان وتشاد، زالت تصورات مصرية حول اقتصار تغلغل إسرائيل على العمق الأفريقي في الوسط والجنوب والشرق والغرب، فلم يعد حضورها بعيدا عن فضائها الحيوي، ولم ينحصر التحسن الملحوظ مع إثيوبيا، والذي قد تكون له انعكاسات عديدة على التوتر مع أديس أبابا عقب تصميمها على المضي في تنفيذ مشروع سد النهضة بطريقة منفردة دون اكتراث بما يمثل من مشاكل مستقبلا في مسألة احتفاظ بمصر بحصتها من مياه النيل.

طرق تل أبيب لأبواب تشاد والسودان بقوة حاليا هو جرس إنذار مزعج للقاهرة، فاتفاقية السلام التي وقعتها مع إسرائيل لم تلغها هواجسها الأمنية ولم يكن مبرّرا لقبول تغوّلها، فما تحصل عليه إسرائيل من مكاسب في الدول القريبة والمحيطة حتما سوف يؤثر سلبا على مصر في الوقت الراهن.

تعمل إسرائيل على توسيع نطاق علاقاتها السياسية في الضوء وهي غير محكومة بمدى ما يعكسه ذلك من تداعيات على مصر أو غيرها، فمشروعها للتوسع قديم وخططت له جيدا حتى وصلت إلى اللحظة التي تعتقد فيها بعض الدول أنها تملك مفاتيح الجنة للأنظمة المأزومة في أفريقيا، وتستطيع أن تعينهم على مواجهة تحدياتهم الداخلية والخارجية.

لا تملك مصر عصا موسى التي تشق بها عباب البحر أو تختزن في جعبتها أدوات حاسمة تساعدها على القيام لهذا الدور في ظل تعدد الجبهات التي تتصدى لها، حاليا على الأقل، وتستخدم إسرائيل وسائل مختلفة تمكّنها من أن تسبق مصر وغيرها من الدول المسكونة بالمخاوف من انتشارها.

يشير ما حدث مع تشاد والسودان إلى أن القاهرة مطالبة بتبني خطة تعيد بها تموضعها، لأن الدلالة التي يحملها تعامل تل أبيب في النور مع نجامينا والخرطوم والتفاخر بما تم إنجازه مع دول أخرى، والإيحاء بالمزيد من التمدد، يلغي الشكل السابق للتسلل الخفي في القارة الذي كان يتردد منذ فترة، ويدور حوله الحديث تضخيما أو تقزيما.

يؤكد الدور الذي لعبته المخابرات الإسرائيلية في هندسة الكثير من الخطوات السياسية أن هناك دولا جديدة في أفريقيا يمكن الكشف عن تفاصيل بشأنها نجحت تل أبيب في توثيق العلاقات معها، بما يضاعف الصعوبات أمام مصر التي تحلم بعودة دورها الإقليمي.

تملك إسرائيل الكثير من الإغراءات التي تستطيع بموجبها استقطاب هذه الدولة أو تلك، بينما تفتقد مصر لهذه الميزة في الوقت الحالي، وسرعت تل أبيب في توظيف أوراقها جيدا وحققت تقدما لافتا فتحت به بعض النوافذ الموصدة، وحطمت الكثير من المحرمات.

ففكرة دغدغة العواطف القومية بالقضية الفلسطينية تراجعت، وعملية الاعتماد على النفوذ التاريخي للقاهرة تلاشى بريقه، والتلاحم العربي المعنوي لصد إسرائيل اختفى وكلها عوامل تؤكد أن مصر سوف تواجه في الفترة المقبلة إشكاليات أشد شراسة في الحد من نفوذ إسرائيل، من بينها عدم استبعاد التسليم بالرؤى الجديدة، لأن فرص كبحها تزداد صعوبة.

المشكلة أن الخطاب المصري لم يتحدث مباشرة عن الإزعاج الذي يمثله تقدم إسرائيل في أفريقيا أو غيرها لأنه جاء رضائيا، كما أن قدرتها على المناطحة ضعيفة لانشغالات في الداخل والخارج، ولذلك فتسليمها بالعلاقات السرية بين إسرائيل ودول أفريقية في وقت سابق يسمح بقبولها بالعلاقات العلنية، لأنها لا تملك بدائل أو خيارات تمكنها من فرملة اندفاعات الكثير من الدول نحو إسرائيل.

تفرض هذه النوعية من التحديات الوصول إلى مستوى الصمت عليها، خاصة أن التحولات الجارية في المنطقة لا تسير في صالح القاهرة وتعزز اختراقات إسرائيل التي لن تجد صعوبة كبيرة في تحقيق أهدافها بعد أن خلقت انطباعات أنها قادرة على تقديم خدماتها بلا تفرقة بين أنظمة مستقرة أو متذبذبة، فقيرة أو غنية.

تحتاج القاهرة إلى إجابة محددة حول ما إذا كانت إسرائيل عدوا أم صديقا، لأن السلام والتعاون والتنسيق معها أمنيا واقتصاديا لم يحوّلها إلى دولة طبيعية في نظر الحكومات المصرية المتلاحقة، ومهما كانت الإجابة فإنها قادرة على رفع الغطاء عن البخار الذي تراكم تحت الغطاء، ويمكن أن يؤدي إلى انفجار مّا عندما يستمر على حاله.

في كل الحالات تحتاج مصر إلى مقاربة تساعدها للتعامل مع التطورات المقبلة العاصفة، لأن ملف التطبيع والسلام من الواضح أنه عائد بقوة إلى الواجهة، وربما نشاهد تطورات مفاجئة بعد أن تأكد قيام إسرائيل بالقبض على العصا في يد والجزرة في اليد الأخرى، وهي معادلة عصية على أن تحاكيها القاهرة بعد أن فقدت جزءا من أوراقها، وبقيت لها مواجهة التحديات على أصعدة مختلفة كي لا يقوض نفوذ إسرائيل طموح مصر نحو إعادة الاعتبار لأدوارها المركبة، وهو إنذار شديد اللهجة يجب التعامل معه بحسم قبل أن تبتعد الدول القريبة من القاهرة عنها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى