ترجمات عبرية

مباط عال: مدى جاهزية إسرائيل لمواجهة الخطر المتعاظم لـلمُسيّرات

مباط عال 2022-08-23، بقلم: عدن كادوري، وليران عنتابي، ومئير إلران*

في الآونة الأخيرة، يعود موضوع المسيّرات إلى العناوين، المرة تلو الأُخرى. في مطلع تموز أطلق “حزب الله” ثلاث مسيّرات باتجاه منصة الغاز الإسرائيلية “كاريش”، شرق البحر المتوسط. المسيّرات التي لم تكن تحتوي على متفجرات، بحسب الأخبار، شاهدتها منظومة الكشف الجوي الدفاعي التابعة للجيش قبل وصولها، وأسقطتها منظومة “براك 1” المنصوبة على سفن سلاح البحرية، وطائرات “F-16” التابعة لسلاح الجو. اعترف “حزب الله” بإطلاق المسيّرات، وادّعى أن “المهمة أُنجزت”. يُضاف إلى ذلك الأخبار الواردة المتعلقة بمشروع تطوير المسيّرات على يد كتائب عز الدين القسّام، الذراع العسكرية لحركة حماس، والتي كشفت عن مسيّرات طوّرها ناشط في الحركة تم اغتياله خلال حملة “حارس الأسوار”. وفي المقابل أيضاً، انتشرت أخبار تفيد بوقوع هجوم آخر على قاعدة التنف الأميركية في سورية، باستعمال مسيّرات شغلتها ميليشيات مدعومة من إيران. وبحسب التقديرات، جاء هذا الهجوم رداً على هجوم نُفِّذ في بداية الأسبوع ونُسب إلى إسرائيل. يُضاف إلى هذا كله تطوُّر مقلق آخر على الساحة الدولية: صفقة تقدَّر بمئات المسيّرات الإيرانية ستسمح لروسيا بزيادة مخزونها من المسيّرات، والذي تضرر كثيراً خلال الحرب مع أوكرانيا.

وعلى الرغم من أنه يتم التعامل مع الحدث في تموز على أنه رد ناجح للجيش، فإنه من المبكر القفز إلى الاستنتاجات بشأن قدرة إسرائيل على مواجهة هذا الخطر المتزايد الذي يشكله وجود هذه المسيّرات في متناول دول ومنظمات عدائية. هذا التهديد يتحول في الأعوام الأخيرة من ظاهرة هامشية إلى إحدى الأدوات الأكثر أهمية في يد “حماس” و”حزب الله” وميليشيات أُخرى مدعومة من إيران، والتي تساعدهم على إزعاج إسرائيل وحلفائها. هذا بالإضافة إلى التهديد الدراماتيكي من جانب إيران ذاتها، التي تبدو كقوة دولية عظمى صاعدة في هذا المجال.

هذه ليست المرة الأولى التي حاولت مسيّرات “حزب الله” اختراق الأجواء الإسرائيلية، إذ جرت في حرب لبنان الثانية محاولات أولية قام بها التنظيم لإطلاق مسيّرات مصنّعة إيرانياً باتجاه إسرائيل، وأسقطها سلاح الجو بنجاح. ومنذ ذلك الوقت تعلّم “حزب الله” من تجربته وتجربة المنظمات “الإرهابية” الأُخرى في المنطقة، أن المسيّرات الصغيرة وغير القاتلة هي أدوات ناجعة للعديد من المهمات، وضمنها تمرير رسائل تؤثر في الوعي. هذا ما حدث في سنة 2012، مع اختراق مسيّرة الأجواء في محاولة لجمع المعلومات فوق قاعدة أمنية في جنوب إسرائيل. بالإضافة إلى أن “حزب الله” قام خلال الفترة 2019-2021 بجمع معلومات وراء الحدود بواسطة 74 حوامة كمعدل في العام الواحد. وفي العام الماضي، أطلق التنظيم مسيّرة بقيت داخل إسرائيل نصف ساعة تقريباً، ونجحت في العودة إلى لبنان دون أن يسقطها الجيش.

يشكل إطلاق “حزب الله” المسيّرات باتجاه منصة الغاز في مطلع تموز 2022 مرحلة جديدة من الحرب على الوعي التي يخوضها “حزب الله”. يبدو أن الهدف من المسيّرات كان تعظيم صورة الحزب وتجسيد قدراته العملياتية في الوقت الذي تدور مفاوضات بين إسرائيل ولبنان بشأن استخراج الغاز من المتوسط. ازدياد استخدام التنظيم للمسيّرات يدل على التركيز على هذه الأداة المتعددة المهمات خلال الحرب الشاملة مع إسرائيل، أو خلال المعركة ما بين الحروب. صحيح أن استخدام المسيّرات الأساسي يبدو خلال النشاط اليومي أنه يجري لجمع المعلومات والتأثير في الوعي، إلّا إن الهدف الأساسي من مشروع المسيّرات، إلى جانب الصواريخ الدقيقة، هو هجومي. تطرّق حسن نصر الله أيضاً خلال تصريحات صحافية إلى قدرة الإنتاج الذاتي التي طوّرها التنظيم في الأعوام الأخيرة بمساعدة إيرانية. في العام 2019، أعلن أنه “في سنة 2006 كان لدينا مسيّرات قليلة، وحاولنا القيام بشيء ما، لكننا كنا في البداية”. وفي الحدود الجنوبية، إسرائيل أيضاً مكشوفة لمحاولات اختراق مسيّرات لأراضيها، بعضها صناعة إيرانية.

وعلى الرغم من هذا، فإن مشروع المسيّرات الإيراني هو التهديد المحتمل الأخطر على إسرائيل. تظهر إيران في الأعوام الأخيرة عن شجاعة كبيرة إزاء كل ما يخص الهجوم عبر مسيّرات على أهداف في الشرق الأوسط. وفي المقابل، فإنها تساعد أذرعها في الساحات المتعددة، وتمرر لهم المعرفة بهدف تطوير الأدوات الخاصة بهم. ويُنسب إلى هذه التنظيمات العديد من الهجمات في الشرق الأوسط، بينها: هجوم على قواعد أميركية في سورية والعراق، الأكثر شهرة بينها حدثت في تشرين الأول 2021، وأدت إلى أضرار في المباني، ومحاولة اغتيال رئيس الحكومة العراقي، مصطفى الكاظمي، في تشرين الثاني، بالإضافة إلى الهجوم على سفن بملكية إسرائيلية، أو يشغلها إسرائيليون. والأبرز كان الهجوم على سفينة “مارسر ستريس” في تموز 2021، والذي أدى إلى مقتل اثنين من طاقم السفينة. كما أن الهجوم الذي استهدف قاعدة التنف في سورية بمسيّرات في 15 آب يشكل استمرارية لهذه السياسية الموجهة إيرانياً.

تشير هذه الأحداث – تركيز الجهود في مجال المسيّرات من جانب لاعبين غير دولاتيين، تتعاظم قدراتهم بدعم من إيران – إلى زيادة حدة الخطر الجوي على إسرائيل. استعمال البعد الجوي، عبر أدوات متعددة وخاصة، كان في الماضي حكراً على الدول التي تملك قوة وجيوشاً وأذرعاً جوية ممأسسة. خطر الطائرات من دون طيار، والتي يتم التحكم فيها عن بُعد، أو لديها قدرة على القيادة الذاتية، ينضم إلى خطر الصواريخ والقذائف الذي لا يزال هو الأهم، ومن شأنه الاندماج فيه. ويمكنه أيضاً الانضمام إلى تهديدات أقل خطراً – بالونات حارقة (من قطاع غزة)، قليلاً ما يتم استعمالها في الآونة الأخيرة.

في الأعوام الأخيرة، يزداد البحث في البلاد والعالم في المخاطر المتعددة النابعة من استخدام المسيّرات بأنواعها المختلفة كأسلحة جدية ورخيصة ومتوفرة على الصعيدين الاستخباراتي والهجومي، إلى جانب الصواريخ المنحنية المسار. ومن هنا، تنبع الحاجة إلى صوغ رد ناجع على هذه التهديدات، والسؤال: كيف يمكن لمنظومة الأمن الإسرائيلية أن تتجهز – على الصعيد النظري، والتطوير والتشغيل – بهدف الوصول إلى مواجهة ناجعة مع هذه التهديدات. وهذا، بعد أعوام من التركيز على الصواريخ المنحنية المسار، ومؤخراً مع توجهات زيادة الصواريخ الدقيقة.

على إسرائيل أن تفترض أن مكوّن المسيّرات، وخصوصاً تلك الهجومية، سيُستعمل إلى جانب الصواريخ المنحنية المسار. هذا التهديد المزدوج يحتاج إلى إجابات تكنولوجية وعملياتية تم تطويرها للاستجابة إلى الخطر المعروف للصواريخ، لكن يجب أن تكون هناك أدوات استجابة خاصة، بالأساس كهذه التي تتطرق إلى سيناريو إطلاق أسراب من المسيّرات، التي سيتم تفعيلها في ذات الوقت، أو بشكل منفرد عن القصف. تحدٍّ إضافي هو الحجم الكبير المتوقع للتهديدات الجوية المتعددة، وهو ما سيسمح بتنفيذ هجوم بأدوات مختلفة ضد أهداف حيوية، وقواعد عسكرية وأمنية، وكذلك ضد تجمعات سكنية مدنية. لذلك، يجب بناء قدرات متطورة للدفاع الكثيف في مقابل احتمالات هجوم واسع، وبصورة خاصة خلال مواجهة شاملة ومستمرة. وفي الوقت ذاته، يجب على أجهزة الأمن التطرق إلى أسئلة معقدة مثل تحديد أولويات مناطق دفاعية، ورفع المخزون الدفاعي للاستجابة إلى التهديد المتزايد، على صعيد عدد الجنود وعلى صعيد أنظمة الدفاع المطلوبة. وفي المقابل، يجب التذكير بأنه لا يوجد رد كافٍ لدفاع كامل، لذلك، يجب تحسين الحلول والدفاعات المطلوبة في الجبهة الداخلية غير الكافية اليوم في كثير من البلدات. كما أن التجهيز المستقبلي يجب أن يشمل أبعاداً مدنية، وعلى رأسها الملاجئ، وخططاً لإخلاء السكان وخططاً مرنة تفاضلية وقابلة للتحديث من أجل التوصل إلى السلوك المطلوب لمجموعات مختلفة خلال الحرب.

خلال بناء القوة الدفاعية المتعددة مقابل المسيّرات، كما مقابل الأدوات القتالية المعروفة، يجب الأخذ بعين الاعتبار أنها رخيصة جداً على صعيد التطوير والصناعة والتشغيل، مقارنةً بالمنظومات الاعتراضية القائمة. لذلك، هناك أهمية خاصة للاختراق الذي حدث في تطوير منظومات دفاع تستند إلى الليزر، التي من شأنها الوصول إلى المستوى العملياتي خلال الأعوام القريبة، وأن تكون الرد الرخيص نسبياً وبوتيرة عالية. لكن هذه من غير المتوقع أن تحل محل الأنظمة القائمة الأبرز بينها “القبة الحديدية”، إلاّ إنها ستكون إضافة نوعية لمواجهة المخاطر المتعددة. ومن المهم الإشارة أيضاً إلى أن الليزر المتطور، اليوم، جاء بهدف إحباط الصواريخ والقذائف. فبهدف إسقاط مسيّرة، لست بحاجة إلى منظومات ليزر قوية كهذه. ليزر بقوة أقل وبأسعار معقولة يتم تطويره، اليوم، في الولايات المتحدة وأوروبا، وبعض هذه المنظومات متوفر، اليوم، بينها أنظمة اشترتها فرنسا بهدف الدفاع المستقبلي عن الألعاب الأولمبية التي ستتم إقامتها في سنة 2024، من خطر المسيّرات الصغيرة.

وفي الخلاصة، سيكون من المفيد لإسرائيل أن تقوم بصوغ رؤية شاملة للتعامل مع الخطر الذي يتطور من الطائرات من دون طيار. وعليها أن تشمل ردوداً عملياتية مقابل سيناريوهات متطرفة، يمكن أن تبدو الآن كأنها ذات احتمالات منخفضة، لكنها ذات خطورة عالية. مثال على ذلك، سيكون إرسال مسيّرة تحمل مواد متفجرة إلى داخل إسرائيل (أو من داخل إسرائيل)، على يد تنظيم “إرهابي”. على الصعيد الاستراتيجي، على إسرائيل الاستمرار في تطوير تكنولوجيا متطورة ضد خطر المسيّرات، وتعميق الجهد الاستخباراتي في هذا السياق، وتوسيع التعاون الدولي، إلى جانب التصدير الأمني في هذا المجال. وذلك لأن التهديد المتوقع أن يزداد، لا يُقلق إسرائيل وحدها.

* باحثون في معهد أبحاث الأمن القومي.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى