ترجمات عبرية

مباط عال: عرين الأسود و كتيبة جنين: تحديات في الطريق

مباط عال 14-11-2022، بقلم: يونتان تسوريف : عرين الأسود و كتيبة جنين: تحديات في الطريق

وصل تنظيم “عرين الأسود” المسلح في نابلس نهاية طريقه بعد بضعة أسابيع من بدئه في العمل. كما ضعفت في الأسابيع الأخيرة أيضا منظمة “كتيبة جنين”. فكلتاهما لم تصمدا أمام الضغط الذي مارسه عليهما الجيش الإسرائيلي وكذا ضغط أجهزة الأمن الفلسطينية التي نجحت في احتوائهم دون سفك دماء. في نابلس، قُتل قسم من أعضاء التنظيم، وسلّم آخرون أنفسهم للأجهزة الأمنية، وفي جنين، استنزف رجال التنظيم بشكل مشابه. هكذا عمليا وصل الأول نهاية طريقه رغم استعراضاته وإيضاحاته أنه من السابق لأوانه تأبينه، وقل حجم نشاط التنظيم الثاني في جنين.

يخلف التنظيمان وراءهما “إرثا قتاليا” ونموذجا يحاول الكثير من النشطاء، حاليا، كأفراد في أماكن مختلفة في الضفة الغربية الاقتداء به. والدافع لأعمالهم هو الإحباط من الواقع الفلسطيني الداخلي والمتواصل المتمثل بغياب القيادة، والاتجاه والطريق، ما خلق فراغا يسمح بزعمهم لإسرائيل بالعمل في المناطق التي تحت سيطرة السلطة الفلسطينية كما تشاء. “فتح” و”م.ت.ف” والسلطة الفلسطينية التي تمثل قطبا واحدا من الفراغ تواصل رغم ضعفها الكبير الاعتماد على القواعد التي تقررت في اتفاقات أوسلو كفكر أساس، بما في ذلك السعي إلى المفاوضات السياسية، والتنسيق الأمني، والعلاقات الاقتصادية مع إسرائيل. بالمقابل، تسعى “حماس” للحفاظ على قواعد اللعب الجديدة التي نشأت بينها وبين إسرائيل في قطاع غزة، والتي أدت إلى هدوء يشعر به سكان المنطقة، وتسمح بإعمار وتنمية البنى التحتية في القطاع. ليس لـ”حماس”، هكذا يبدو وطالما قدرت بأن السلطة على شفا الانهيار، مصلحة في خرق هذه القواعد والدخول في مواجهة أخرى مع إسرائيل، مواجهة ستوقع مرة أخرى الدمار والخراب على القطاع. وهكذا فإن السلطة و”حماس” تسعيان لتحافظا على إنجازاتهما التي تعتمدان عليها في الصراع بينهما، طالما كان خيار الوحدة المنشودة بينهما لا يلوح في الأفق. وعليه، فإن مدى عمر أي تنظيم كـ”عرين الأسود” قصير؛ لأن حكمه أن يصبح على الفور هدفا لجهاز الأمن الإسرائيلي، وكذا لأن ليس له بنية تنظيمية أو شخصية تعالج الرسالة التي يسعى لأن يحققها من خلال أعماله إلى مفهوم فكري يعرض على الجمهور اتجاها مختلفا عن ذاك الذي تعرضه القيادتان القديمتان “فتح” و”حماس”. فما بالك أن القاسم المشترك لهؤلاء الشباب لا يقوم على أساس رؤية أو ميل سياسي مشترك، وكل طريق بديل يعرضونه من شأنه أن يفكك تنظيمهم.

إن الضعف القيادي وضياع الطريق بدآ يلوحان بعد بضع سنوات من الانقسام بين قطاع غزة والضفة الغربية، مع فشل مسيرة أنابوليس، وتعاظما جدا من 2015 حين تولت في إسرائيل حكومات تتميز بخط يميني واضح، أزالت عمليا عن جدول الأعمال خيار المفاوضات والتسوية السياسية، ما رسم في الساحة الفلسطينية علامة استفهام حول جدوى الطريق السياسي. كما أن الفساد الذي ينكشف لدى السلطة الفلسطينية في الحكم هو مادة اشتعال متراكمة. هذا هو الأساس لتنظيم “عرين الأسود”، شباب (من سنوات العشرين وحتى بداية سنوات الأربعين)، ممن ليس لهم قواسم سياسية محددة مشتركة. أما التعاطف الشعبي مع أعمالهم، والمهرجانات العديدة التي أجروها، والتغطية الإعلامية الكبيرة التي أُعطيت لهم، والانشغال المكثف لإسرائيل بهذه الظاهرة فقد زادت سمعتهم في نظر العديد من الشباب، وجعلتهم نموذجا للاقتداء.

سلوك المقلدين – عدي التميمي الذي قتل المجندة نوعا لازار في حاجز شعفاط في 8 تشرين الأول، ومحمد الجعبري، منفذ العملية من الخليل الذي قتل رونين حنانيا في 29 تشرين الأول – يدل على استعداد للتضحية يختلف عن ذاك الذي أبداه منفذو العمليات “الانتحارية” الإسلاميون في الماضي. فقد سعوا لأن يخلقوا صورة “أبطال” يحملون السلاح حتى بعد أن يصابوا. فمنفذ العملية الذي قتل المجندة لم يعثر عليه على مدى عشرة أيام، واكتشف مرة أخرى عندما جاء لينفذ عملية ثانية أخرى في مدخل “معاليه ادوميم” في 19 تشرين الأول. المنفذ الذي واصل إطلاق النار حتى بعد أن أصيب بعدة رصاصات إلى أن صفي، ترك رسالة أوضح فيها أن كل ما يريده هو أن يكون نموذجا لشباب آخرين، مع العلم أن ليس في فعله ما يحقق تحرير فلسطين. أما الثاني، الذي كان على ما يبدو مرتبطا بـ”حماس”، فقد أوضح في رسالة تركها بأنه لا يعمل باسم تنظيم، وسعيه هو أن يموت شهيدا. بالمقابل، فإن بيانا نشره رجال “عرين الأسود” مجده ووصفه كواحد من اسود الخليل. في عمليتي دهس أخريين انكشف سلوك مشابه للمنفذين الذين واصلوا العمل حتى بعد أن أُصيبوا: دهس مزدوج في 30 تشرين الأول في النبي موسى وفي حاجز الموغ المجاورين الواحد للآخر ودهس ضابط الجيش الإسرائيلي في حاجز بيت حورون في 1 تشرين الثاني.

تواتر العمليات من هذا النوع، إلى جانب النقد الحاد الموجه للسلطة الفلسطينية، يدلان على فجوة كبيرة بين السلطة وبين الجمهور. إسرائيل، وبقوة اكبر بعد انتخابات تشرين الثاني 2022، تعزز الفهم المتبلور منذ زمن بعيد في أوساط الفلسطينيين بأنها لن تعترف بهم كشعب ذي حقوق لتقرير المصير، وان ليس لها أي مصلحة في الدفع قدما بحل الدولتين أو المعالجة الناجعة لعنف المستوطنين اليهود ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم. وهكذا تساهم إسرائيل كثيرا في تسريع سياقات التفكك في الساحة الفلسطينية.

رجال “عرين الأسود” وأولئك الذين يأتون أو سيأتون بعدهم يسعون ليقولوا لإسرائيل إنهم لا يؤمنون بأن بوسعهم أن يطردوها من أراضي السلطة الفلسطينية ومن الضفة الغربية وان كل نيتهم هي أن يرفعوا، ليس فقط على خلفية نتائج الانتخابات في إسرائيل، المسألة الفلسطينية إلى جدول أعمال المجتمع الإسرائيلي.

الحكومة الجديدة التي ستقوم في إسرائيل قريبا والتي عنصر قوي فيها يرى الفلسطينيين رعايا بمكانة ضعيفة مطالبين بأن يبدوا الولاء ويسلموا بالحكم الإسرائيلي، وكذا ترى في استمرار مشروع الاستيطان تجسيدا لوجودها كجسم سياسي، ستكون مطالبة بلا شك بمراجعة منظمة للاعتبارات التي توجه مثل اكثر من 55 سنة جهاز الأمن في نشاطه في “المناطق” وفي علاقاته مع السكان الفلسطينيين.

كيف تمنع انفجارات عنف في أماكن مختلفة في المنطقة ذاتها في واقع تعيش فيه جماعتان سكانيتان معاديتان الواحدة إلى جانب الأخرى فيما يعتمل الغضب والمشاعر الوطنية الفلسطينية بشكل دائم. كيف يمنع انفجار واسع بين جماهير فلسطينية غير مسلحة؟ إذا لم يكن في نية إسرائيل أن تستجيب للتوقعات الفلسطينية في المجالات الوطنية والسياسية أو لاستئناف الحوار السياسي مع الطرف الفلسطيني فان عليها أن تقترح بديلا محترما يعطي جوابا للتعب اليائس بين الفلسطينيين من الواقع الذي يعيشون فيه، لتنمية الاندماج في الاقتصاد ومراكز العمل الإسرائيلية وبقدر ملموس من المساواة. في الساحة الداخلية في إسرائيل، ستحاكم الحكومة الجديدة وفقا لمدى الهدوء الذي سيسود في ساحة النزاع وبالأفق الذي تخلقه لمستقبلها كدولة يهودية. وفي الأسرة الدولية ستحاكم الحكومة وفقا لمعاملتها مع السكان الفلسطينيين.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى