مباط عال: تفكيك السلطة الفلسطينية لن يوقف العمليات
مباط عال 2023-02-02، بقلم: أودي ديكل*: تفكيك السلطة الفلسطينية لن يوقف العمليات
نفّذ “مخرب” منفرد، مساء الجمعة الماضي، عملية إطلاق نار مقابل كنيس في حي “النبي يعقوب” في القدس، وقتل 7 إسرائيليين. وفي يوم السبت، أطلق فلسطيني يبلغ من العمر 13 عاماً النار من مسدس على مجموعة من الإسرائيليين بالقرب من مدينة داود، وأصاب أباً وابنه إصابة بالغة. ويبدو أن العمليات الصعبة التي نُفّذت في القدس، هي عمليات انتقامية فردية جاءت في أعقاب المعركة التي دارت بين قوات الأمن ومسلحين فلسطينيين يوم 26 كانون الثاني في مخيم جنين، وقُتل خلالها 10 فلسطينيين، اثنان منهم على الأقل لا دخل لهم. نتائج العملية في “النبي يعقوب” يمكن أن تؤدي إلى موجة تقليد، يقوم بها “مخربون” منفردون. وفي الوقت الحالي، يبدو أن امتحان حكومة اليمين الجديدة في كل ما يخص منع “الإرهاب” صعب جداً. تبحث الحكومة عن مجموعة ردود حادة على الأحداث، وفي الوقت نفسه تتعامل مع السلطة الفلسطينية، التي تتحمل بعض المسؤولية عن خلق جو داعم لـ”الإرهاب”، كمسؤول مركزي عن موجة العمليات الحالية.
في حكومة إسرائيل، هناك أطراف لها أجندات ترى في الفوضى وعدم الاستقرار فرصة للدفع قدماً بسياسات، من ضمنها: إعدام “مخربين”، وشرعنة المستوطنات “غير المصرّح بها” (الاستيطان الشاب) في الضفة الغربية، والدفع بالسلطة الفلسطينية خارج أراضي المنطقة (ج)، إلى جانب هدم المنازل الفلسطينية “غير القانونية” هناك؛ وهدم الخان الأحمر. تتلاءم هذه الخطوات مع الخطوط العامة السياسية للحكومة، والتي تم صوغها في الاتفاقيات الائتلافية، ويُعَد تطبيقها تغييراً في الاستراتيجيا الإسرائيلية بشأن الساحة الفلسطينية، وفي صلبها:
– إضعاف السلطة الفلسطينية والاستعداد للدفع بها إلى التفكك، بدلاً من تقويتها كعامل مسيطر ومستقر وفاعل، وعنوان مسؤول عن حاجات المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية.
– القتال على مناطق (ج)، عبر توسيع الاستيطان فيها، وتشريع البؤر الاستيطانية، وفي الوقت نفسه طرد الفلسطينيين من المنطقة.
– خلق الظروف الملائمة لفرض السيادة الإسرائيلية (ضم) على المستوطنات وغور الأردن.
لن تؤدي هذه الخطوات إلى الهدوء في الميدان، إنما إلى زعزعة الاستقرار، وتغذي الدوافع إلى “الإرهاب”، وتسرّع تفكُّك السلطة الفلسطينية.
دائرة التصعيد المستمرة منذ قرابة العام تغذي نفسها بمنظومة فعل، ثم رد فعل، ثم رد على الرد. العمليات التي قام بها الجيش في إطار حملة “كاسر الأمواج” لإحباط “الإرهاب”، أدت منذ بداية العام إلى سقوط 35 قتيلاً في الجانب الفلسطيني (20 منهم في منطقة جنين) – أغلبيتهم نشطاء “إرهاب” وحملة سلاح. وفي المقابل، هناك حملة تشجيع على المقاومة المسلحة في وسائل التواصل الاجتماعي الفلسطينية، تدار على يد عدة جهات كـ”حماس” ومجموعات شبابية فلسطينية، كـ”عرين الأسود”، والحركة الإسلامية في إسرائيل، وأيضاً السلطة الفلسطينية. ومنذ بداية سنة 2023 جرت عشرات عمليات إطلاق النار التي نفّذها مسلحون فلسطينيون ضد قوات الجيش، وضد المستوطنات الموجودة في مناطق منعزلة، والطرق المؤدية إليها. في هذه المرحلة، لم ينضم المجتمع الفلسطيني الواسع إلى المقاومة الشعبية والعنيفة بعد، على الرغم من دعمه للنشاط المقاوم الذي يقوم به الشبان الفلسطينيون، الذين يحصلون على التقدير بسبب دفاعهم عن الشعب. وفي هذا السياق، من شأن التوافق ما بين “فتح” و”حماس”، وكذلك خطوات متطرفة من إسرائيل، الدفع باتجاه احتجاجات شعبية واسعة. وكلما تم تسريع مسار إضعاف السلطة الفلسطينية وتفكيكها، وتقليص احتكارها للقوة تعززت الظروف التي تنمو في إطارها مجموعات عنيفة تملأ الفراغ الذي تتركه. وسيكون على الجيش زيادة حدّة عمله في الشارع الفلسطيني.
ليس للسلطة الفلسطينية موطئ قدم في القدس، ولا تستطيع منع “الإرهاب” فيها. ولكن أيضاً في جنين ونابلس فقدت السلطة السيطرة واحتكار القوة لمصلحة المجموعات المسلحة. ازدياد وتيرة الاشتباك ما بين المسلحين الفلسطينيين وقوات الجيش يضر بالحوافز والقدرة لدى أجهزة الأمن التابعة للسلطة على فرض القانون والنظام، ويدفعها إلى الانسحاب من المناطق المشتعلة. وفي المقابل، هناك ارتفاع في نسبة انخراط أفراد من أجهزة الأمن في عمليات إطلاق نار ضد قوات الجيش، وفي العام الأخير، قُتل على الأقل 5 أفراد من أجهزة الأمن التابعة للسلطة خلال مشاركتهم في معارك ضد الجيش في نابلس وجنين.
أسباب ضعف السلطة الفلسطينية كثيرة منها: عدم وجود أفق سياسي، ومنع وصولها إلى مناطق مخصصة، في رأيها، لإقامة الدولة الفلسطينية، والأزمة الاقتصادية، وتقليص الدعم من جهات خارجية، والحسومات الإسرائيلية من الأموال التي تحولها إلى السلطة؛ وضعف أجهزة الأمن وفرض قيود على تسلحها وطريقة عملها، وازدياد قوة “حماس” وتعميق سيطرتها على غزة، وصراعات داخلية في حركة “فتح”، مع التشديد على معركة الخلافة في “اليوم التالي بعد محمود عباس”.
هناك مصلحة مشتركة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في استمرار التنسيق الأمني، وبصورة خاصة خلال التصعيد في الميدان. وفي نظر الفلسطينيين، فإن التنسيق يساعد على الحفاظ على السلطة مقابل “حماس”. وعلى الرغم من ذلك، فإن السلطة أعلنت وقف التنسيق الأمني في أعقاب ما حدث في جنين. هذا القرار تأثر بالرأي العام الشعبي الفلسطيني، الذي يدعم مقاومة الشبان الفلسطينيين، وأيضاً بسبب قرار حكومة إسرائيل حسم أموال من عائدات السلطة (الأموال التي يتم دفعها “للمخربين” وعائلاتهم، والتي ستحوّل لدفع تعويضات للعائلات الإسرائيلية المتضررة من “الإرهاب”)، بالإضافة إلى التشديد على منع الفلسطينيين من البناء في مناطق (ج)، إلى جانب نية إسرائيل “تشريع” البؤر غير القانونية وتوسيع المستوطنات.
خلاصة وتوصيات
تحضيراً لمنتصف آذار، شهر رمضان، سيكون على حكومة إسرائيل تبنّي سياسة مسؤولة، الهدف منها التهدئة، وليس التصعيد، والامتناع من القيام بخطوات متطرفة. وفي هذا السياق، يجب الاهتمام بحساسية الحرم القدسي (المحافظة على التصرف بما يتلاءم مع الوضع القائم) وبالاحتكاكات في مدينة القدس، التي تنعكس على ساحات أخرى بينها المجتمع العربي في إسرائيل.
السلطة الفلسطينية ليست المسؤول المركزي عن “الإرهاب”، فهي جهة ضعيفة ولا تستطيع وقف “الجهات الإرهابية”. إن استمرت الحكومة الإسرائيلية في سياسة معاقبة السلطة الفلسطينية وإضعافها، كردّ على كل “عملية إرهابية” وفشل أمني، دون فحص معمّق لمسارات تفكُّك السلطة وفقدانها الشرعية في أوساط المجتمع الفلسطيني، فإن هذا سيفاقم من إمكانية صمود السلطة. في حال انهارت السلطة، ولم تعد قادرة على تلبية حاجات المجتمع الفلسطيني، سيقع عبء المسؤولية عن السكان على إسرائيل، ما سيؤدي إلى تسريع الاتجاه المقلق على المدى البعيد – الانجرار إلى واقع دولة واحدة وفقدان إسرائيل هويتها كدولة يهودية وديمقراطية.
*باحث في معهد دراسات الأمن القومي.



