ترجمات عبرية

مباط عال: الموقف الصيني تجاه إسرائيل والفلسطينيين سياسياً واقتصادياً

مباط عال 2023-02-10، بقلم: غاليا لافي وعوديد عيران: الموقف الصيني تجاه إسرائيل والفلسطينيين سياسياً واقتصادياً

واصلت الصين، في المواجهات الأخيرة بين إسرائيل والفلسطينيين، دعم الطرف الفلسطيني بشكل غير محدود. مثلاً، بعد زيارة وزير الأمن القومي، ايتمار بن غفير، الحرم (في بداية كانون الثاني الماضي)، انضمت الصين للامارات وطلبت عقد جلسة مستعجلة في مجلس الامن، طلب فيها السفير الصيني من إسرائيل بشكل خاص وقف التحريض والاستفزاز”. أقوال مشابهة قالها ايضا وزير الخارجية الجديد في الصين، تشين غانغ، اثناء زيارته القاهرة في 16 كانون الثاني. في نهاية كانون الثاني تعاونت الصين مرة أخرى مع الامارات وفرنسا وطلبت عقد جلسة في مجلس الامن بشكل مستعجل في اعقاب عملية الجيش الإسرائيلي في جنين. لم تتغير خصائص رد الصين حتى بعد العمليات الاخيرة في القدس، وشملت التعبير عن الحزن على المصابين المدنيين في “النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني” وادانة العمليات “الارهابية”، ونفس الوقت ذاته استخدام القوة الزائد للرد، وطلبت من الطرفين، لا سيما إسرائيل، اظهار الهدوء وضبط النفس لمنع خروج الوضع عن السيطرة. كرر المتحدث بلسان وزارة الخارجية ادعاء الصين الذي يقول بأن النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني مستمر لأن “الطموحات الشرعية” للفلسطينيين بدولة مستقلة لم تتحقق حتى الآن. في هذا السياق يجب الذكر بأنه في نهاية كانون الاول 2022 صوتت الصين في الجمعية العمومية للامم المتحدة مع القرار الذي دعا محكمة العدل الدولية في لاهاي الى اعطاء رأي استشاري حول تداعيات الاحتلال الإسرائيلي في “المناطق” الفلسطينية.

هذا التصويت هو فقط التصويت الاخير في سلسلة تصويتات تؤيد الطرف الفلسطيني منذ حلت الصين الشعبية محل تايوان في الامم المتحدة في 1971. ولكن عمليا بدأ دعم الصين الشعبية للفلسطينيين في عهد ماو تسي تونغ. في حينه عبرت عن دعم الفلسطينيين كجزء من دعم جماعات التحرر الوطني، وضد “الامبريالية الغربية”. في العام 1965 قال ماو لاحمد الشقيري، رئيس م.ت.ف، بأن “الامبريالية تخاف من الصين ومن العرب. إسرائيل وفرموزا (تايوان) هي قواعد امبريالية في آسيا… الغرب لا يحبنا، ونحن علينا فهم هذه الحقيقة. المعركة العربية ضد الغرب هي المعركة ضد إسرائيل”. ورغم أن علاقة الصين والغرب تغيرت بصورة دراماتيكية منذ عهد ماو تسي إلا أن كبار رجال الصين يواصلون اطلاق تصريحات دعم للفلسطينيين حتى الآن. مثلا، في اللقاء الاخير لرئيس الصين، شي جي بينغ، مع محمود عباس في كانون الاول 2022، قال إن بلاده “دائما تؤيد بقوة الهدف العادل للشعب الفلسطيني: استعادة حقوقه ومصالحه الشرعية”. تحرص الصين ايضا على التعبير في كل مناسبة بأنها تؤيد حل الدولتين، وضمن ذلك العودة الى حدود 1967 وشرقي القدس عاصمة للدولة الفلسطينية. اضافة الى ذلك، منذ سنوات تطرح الصين خططا لانهاء النزاع، تشبه بعضها. هكذا فعلت في 1989 وفي 2004 وفي 2007 ومرة اخرى في ايار 2017 عندما استضاف الرئيس شي في ذلك الوقت رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ورئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، في عاصمة الصين. بعد شهرين من ذلك قام الرئيس الصيني بتحديث الخطة التي تتبنى قرار مجلس الامن رقم 2334 الصادر في كانون الاول 2016 والذي ينص على اقامة دولة فلسطينية في حدود العام 1967 وعاصمتها شرقي القدس. اضافة رئيس الصين كانت التعبير عن الاستعداد لاستضافة مؤتمر دولي بمشاركة الاعضاء الخمسة الدائمين والتأكيد على البعد الاقتصادي مع لفت الانتباه الى مبادرة “الحزام والطريق” التي نشرها قبل اربع سنوات من ذلك.

خلافاً للخطاب الذي أكد على الدعم السياسي فان المساعدات الاقتصادية الصينية للفلسطينيين، قليلة. حتى المساعدات الانسانية بوساطة “الاونروا” متدنية جدا، وبالتأكيد مقارنة مع مساعدات دول اخرى. مثلا، في 2020 بلغت المساعدة 3.3 مليون دولار. وفي 2021 بلغت  مليوني دولار فقط. تستثمر شركات صينية القليل جدا في “المناطق” الفلسطينية، ومولت منشآت صغيرة لتحلية المياه والطاقة الشمسية في غزة، خلافا لمشاركة شركات صينية في مشاريع للبنى التحتية في دول في المنطقة مثل مصر وإسرائيل. يبدو، حسب رأي بكين، أن الاستثمار الضئيل يلبي الحاجة السياسية التي تسمح لسفراء الصين في الامم المتحدة وفي السلطة الفلسطينية بالتعبير عن الدعم غير المحدود للخط السياسي الفلسطيني لتعزيز صورتها كدولة تحب السلام وتدافع عن القانون الدولي. هذا يضع الصين ضد الولايات المتحدة وسياستها التي تخلق حسب رؤيتها عدم استقرار، ومنافسة وعداء في الساحة الدولية. الموقف الثابت للصين في موضوع النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين يستند ايضا الى الحاجة الى ضمان دعم الكتلة العربية – الاسلامية لمواقفها في موضوع تايوان، وصمتها على ما يحدث في موضوع الاقلية الايغورية.

سياسة الصين تجاه إسرائيل هي بخلاف سياستها تجاه الفلسطينيين. في 2013 وقعت إسرائيل والصين على اتفاق تعاون في البنى التحتية، ومنذ ذلك الحين تعمل في إسرائيل شركات صينية متنوعة المجالات. اضافة الى مصالحها الاقتصادية المباشرة في إسرائيل فان الشركات الصينية تستعين بإسرائيل كـ “جسر للغرب”. من الناحية التجارية فانه بالنسبة لشركات صينية مثل شركة “اس.اي.بي.جي”، التي تشغل ميناء حيفا، فان إسرائيل هي مكان مثالي لتجربة النشاطات التجارية خارج الصين. من جهة، إسرائيل هي دولة متقدمة وديمقراطية، لكن من جهة اخرى هي صغيرة من حيث حجمها. والتجربة في السوق الإسرائيلية تسمح للشركات الصينية باكتساب المعرفة والتجربة لغرض نشاطات مستقبلية في دول مشابهة في السوق الاوروبية. بالمثل، ايضا بالنسبة للدبلوماسيين الصينيين فان إسرائيل تعتبر قناة لنقل الرسائل للولايات المتحدة وبالعكس، وفهم افضل للمواقف الأميركية.

في العام 2017 وقعت إسرائيل والصين على شراكة شاملة في الابتكار، حيث حصلت على مباركة رئيس الحكومة نتنياهو والرئيس الصيني، شي جين بينغ، وظهر أن الدولتين تقومان بنشاطات اقتصادية متشعبة في شركات تجارية، لا سيما في البنى التحتية والمؤسسات الاكاديمية. ولكن خلافا للصورة الشكلية التي اوجدتها الشراكة “الشاملة في الابتكار” بين إسرائيل والصين، يبدو أن ثمار هذه الشراكة ليست كثيرة. استثمارات الصين في الهايتيك في إسرائيل بلغت ذروة 8 في المئة فقط من اجمالي الاستثمارات الاجنبية في إسرائيل، ومنذ العام 2019 حدث انخفاض ايضا في هذا الحجم المنخفض. فرع الخدمات من إسرائيل، الذي شكل نحو نصف اجمالي التصدير الإسرائيلي في 2021 ، صدر للصين أقل من 0.5 في المئة. في نهاية 2022 قامت الصين بخطوة مهمة، عندما قامت في القمم الثلاث المختلفة مع الدول العربية ودول الخليج، بصياغة تعبر عن دعمها لمواقف دول الخليج في النزاع مع ايران، وبهذا أعطت اشارات عن رغبتها في توسيع التعاون الاقتصادي مع المنطقة، التي هي مهمة بالنسبة لها كمصدر اساسي للطاقة. تنتبه الصين بالتأكيد “لاتفاقات ابراهيم” التي في إطارها وفي ظلها زادت إسرائيل ودول الخليج التعاون الاقتصادي فيما بينها. هذه خلفية مريحة بالنسبة للصين وإسرائيل من اجل زيادة التعاون بينهما بمشاركة خليجية.

الدولتان، في المقابل، “وافقتا على عدم الاتفاق” حول عدة مواضيع سياسية. فصلت الصين هذه المواضيع عن نشاطها الاقتصادي في إسرائيل. وتجاهلت الاخيرة النشاط السياسي ضدها وركزت على استغلال الفرص الاقتصادية فقط. ولكن في السنتين الاخيرتين حدث تغيير. زادت الصين حدة تصريحاتها في الموضوع الإسرائيلي – الفلسطيني. وظهر أن إسرائيل غيرت سياستها، التي شملت تجاهل نموذج التصويت الاشكالي للصين ضدها في الامم المتحدة، وانضمت الى انتقادها في الساحة الدولية بسبب معاملة الصين للاقلية الايغورية. ايضا بدأت إسرائيل في استخدام آلية رقابة على النشاطات الاقتصادية الاجنبية كما فعلت عدة دول، يتبع فيها الاقتصاد الحر.

رغم استيقاظ إسرائيل من التوقعات الصينية على الصعيد السياسي يجدر أن نذكر بأن الامر يتعلق باقتصاد هو من الاقتصادات الكبرى في العالم، ولا توجد لإسرائيل أي مصلحة في الانقطاع عنه. في الحقيقة المنافسة المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين زادت حدة المعضلة الإسرائيلية بسبب الضغط الذي تستخدمه واشنطن على حلفائها من اجل تقليص علاقاتهم مع الصين في كل ما يتعلق بالتكنولوجيا المتقدمة. ايضا في هذا الوضع الجديد الذي توجد فيه اهمية كبيرة للدعم الاستراتيجي الأميركي ووزن يفوق الاعتبارات السياسية والامنية لإسرائيل، وتوجد للصين مصلحة اقتصادية وسياسية لتوسيع علاقاتها مع دول الخليج، فانه يوجد للدولتين مجال واسع فيه يمكن توسيع التعاون. ليس كل مجالات التطوير تضر بالمنافسة بين الولايات المتحدة وحلفائها وبين الصين. تسعى الادارة الأميركية نفسها الى توضيح أنها تريد التعاون مع الصين في مجالات تؤثر على مستقبل الانسانية مثل ازمة المناخ وتلوث الجو والامن الغذائي وتوفيره ووضع الصحة العالمية وما شابه. هذه مجالات يوجد فيها للصين وإسرائيل قدرة على البحث والتطوير والانتاج. علاقات الصين مع إسرائيل تم طرحها اثناء زيارة وزير الخارجية الأميركي ورئيس “سي.آي.ايه” ومستشار الرئيس للامن القومي – والحكومة الجديدة في إسرائيل مطلوب منها مناقشة المجالات المختلفة لهذه القضية. الصين هي امكانية اقتصادية كامنة لأي اقتصاد متطور ويرتكز إلى الابتكار مثل الاقتصاد الإسرائيلي. يوجد للدولتين مصلحة في تحسين العلاقات الاقتصادية بينهما من خلال محاولة انتاج قواعد لعب محدثة، التي تناسب عصر المنافسة بين الدول العظمى. يجب على إسرائيل العمل على بلورة تعاون اقتصادي لا يضر بعلاقاتها مع الولايات المتحدة، وفي المقابل مواصلة الحفاظ على حرية تعبير سياسية ترد بصورة موضوعية على نشاطات الصين السياسية ضد إسرائيل.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى