الصراع الفلسطيني الاسرائيلي

ما مآلات نزاع المياه بين الفلسطينيين وإسرائيل بعد اتفاقيات السلام العربية

لندن –  العرب – 1/2/2021

قادة إسرائيل يعتبرون أنه لا يمكن إعطاء شيء للفلسطينيين دون مقابل لكن الموقف يمكن أن يتغير في سياق مفاوضات السلام المتجددة.

عاد النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي على المياه إلى واجهة النقاش مرة أخرى على إثر اتفاقيات السلام العربية، وما إذا كانت الإدارة الأميركية الجديدة، ستبذل كل ما في وسعها من أجل التوصل إلى تسوية في هذه القضية المصيرية، رغم أنّ المتابعين لا يرون أن لإسرائيل سببا وجيها يدفعها إلى التفاوض على هذا الملف ما لم يكن هناك مقابل تأخذه من السلطة الفلسطينية.

يحصل الفلسطينيون على أقل بكثير مما توصي به منظمة الصحة العالمية من المياه رغم أنه يمكن لإسرائيل، التي تتحكم في 80 في المئة من مصادر المياه في الأراضي المحتلة، خاصة الآبار الجوفية في مناطق بالضفة الغربيةأبرزها الأغوار، أن تكون أكثر سخاءً في المساعدة على تصحيح هذا الأمر.

ولا ترى إسرائيل في الوقت الحالي أي سبب يدفعها لفعل ذلك. ويقول غريغ شابلاند، زميل مشارك في المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) في تقرير نشرته مؤسسة “عرب داجيست” الاستشارية إن قادة إسرائيل يعتبرون أنه لا يمكن إعطاء شيء للفلسطينيين دون مقابل.

ومع ذلك يمكن أن يتغير الموقف، بالطبع، في سياق مفاوضات السلام المتجددة. لكن احتمال بدء مثل هذه المفاوضات قريبًا، حتى مع وجود إدارة أميركية جديدة ذات موقف غير متوازن بشأن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، تبدو بعيدة.

وعلى المدى الطويل، يمكن لإسرائيل أن تقبل مكانة فلسطين باعتبارها ضفة نهر الأردن، مما يمنحها حصة من مياه الحوض. وبما أن الأردن ولبنان وسوريا دول مشاطئة أيضًا، فإن هذا سيتطلب موافقتها أيضًا، وسيحتاج النهر، شديد التلوث في مجراه السفلي، إلى عملية تنظيف كبيرة، ليكون ذا قيمة عملية للفلسطينيين.

ويرجح المراقبون السياسيون أن تعمل إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن على تقريب وجهات النظر بين الفلسطينيين والإسرائيليين للتوصل إلى تسوية بين الطرفين، خاصة وأنها ستعمل على ما بناه الرئيس السابق دونالد ترامب عندما توسطت إدارته في إبرام اتفاقيات سلام عربية شملت كل من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان.

وأعاد عرّابو “صفقة القرن” إنتاج مشاريع اقتصادية كانت طرحت خلال تسعينات القرن الماضي، كمدخل لحل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. ومن بينها توجيه استثمارات إلى البنية التحتية التي تزيد من إمدادات المياه، بما في ذلك مرافق تحلية المياه والآبار وشبكات التوزيع، ومضاعفة كمية المياه الصالحة للشرب المتاحة للفرد الواحد، في غضون خمس سنوات.

غريغ شابلاند : إسرائيل لا ترى سببا لإعطاء للفلسطينيين شيئا دون مقابل غريغ شابلاند: إسرائيل لا ترى سببا لإعطاء للفلسطينيين شيئا دون مقابل  .

غير أن مثل هذه المشاريع لا تزال حبرا على ورق، وستحتاج إلى مفاوضات طويلة بالفعل من أجل تنزيلها على أرض الواقع، فموارد المياه التي يتقاسمها الفلسطينيون مع الإسرائيليين جوفية، وتقع تحت الضفة الغربية وتمتد تحت الخط الأخضر إلى إسرائيل وتسمى أحيانًا “طبقة المياه الجوفية الجبلية”، وهناك طبقة مياه جوفية أخرى واقعة أسفل السهل الساحلي لإسرائيل وقطاع غزة.

ويتم تنظيم استخدام الفلسطينيين لمستودعات المياه الجوفية في الضفة الغربية بموجب الاتفاقية المؤقتة لعام 1995 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. وحددت الاتفاقية المستوى الذي يمكن للفلسطينيين عنده سحب المياه من طبقات المياه الجوفية، لكنها لم تسمح بالنمو في عدد السكان الفلسطينيين. وكان من المفترض أن يحل محل الاتفاقية بديل دائم بحلول مايو 1999، وهو ما لم يحدث.

والآن يوجد ما يزيد قليلاً عن ثلاثة ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية، أي ضعف عددهم تقريبًا في عام 1995. ومن البنود الجدية في الاتفاقية التي كانت قيدًا على الطموحات الفلسطينية لاستغلال الموارد المائية تحت أقدامهم إنشاء لجنة المياه المشتركة. وكانت موافقة لجنة المياه المشتركة مطلوبة لأي مشاريع تقترحها السلطة الفلسطينية – مما يمنح إسرائيل حق النقض.

وفي ظل هذه الظروف، اضطرت السلطة الفلسطينية في الكثير من الأحيان إلى قبول مشاريع المياه للمستوطنات الإسرائيلية من أجل الحصول على إذن للمضي قدمًا في مشاريعها الخاصة. ومن 2010 إلى 2017، أوقفت السلطة الفلسطينية موافقتها على مشاريع الاستيطان، ونتيجة لذلك، رُفضت الموافقة على مشاريعها الخاصة.

لكن في مطلع 2017، وقعت إسرائيل والسلطة الفلسطينية اتفاقية جديدة بشأن مشاريع الضفة الغربية. وقد أتاح ذلك للفلسطينيين القيام ببعض مشاريع المياه رغم عدم حفر آبار جديدة دون الحاجة إلى الذهاب إلى لجنة المياه المشتركة. ومع ذلك، فإن أي بنية تحتية تقترحها السلطة الفلسطينية بشأن المياه في الضفة الغربية لا تزال تتطلب موافقة إسرائيل.

ويقول شابلاند إنه في حين أن اتفاقية 1995 مثلت مكسبًا للسلطة الفلسطينية، فإن اتفاقية عام 2017 حررت إسرائيل أيضًا من بناء أي بنية تحتية مائية تريدها للمستوطنات. وما تم الترحيب به باعتباره عودة إلى التعاون كان في الحقيقة مجرد تعديل لنظام السيطرة الإسرائيلية.
وعلاوة على ذلك، لا يزال الفلسطينيون الذين يعيشون في الضفة الغربية يحصلون على إمدادات مياه أقل من كافية عند 62 لترا للفرد يوميا، يكون استهلاكهم المحلي أقل بكثير من 100 لتر للفرد يوميا، والتي حددتها منظمة الصحة العالمية على أنها الحد الأدنى الضروري للحفاظ على الصحة والنظافة، الرقم المكافئ للإسرائيليين يزيد عن 200 لتر للفرد يوميا.

لكن مشكلة المياه في غزة مختلفة نوعًا ما في طبيعتها. ويبدو للوهلة الأولى أن سكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة أكثر حظاً من نظرائهم الفلسطينيين في الضفة الغربية، حيث يمتلكون 88 لترًا للفرد في اليوم للاستخدام المنزلي.

ومع ذلك، لا يمكن شرب أي من المياه المتوفرة لسكان غزة تقريبًا، مما يترك معظمهم بلا بديل سوى شراء المياه فغالبًا ما تكون ذات نوعية رديئة من البائعين. وينفق بعض سكان غزة ما يصل إلى ثلث دخلهم على المياه. وهناك معدل مرتفع بشكل غير عادي لبعض الأمراض المزمنة في القطاع، ويعزى معظمها إلى عدم توفر المياه ذات النوعية الجيدة.

وهناك سببان رئيسيان لأزمة المياه في غزة، أولاً، وعلى مدى عقود، تم استهلاك المياه من الخزان الجوفي بمعدل أعلى بكثير مما يتم تجديده بفعل هطول الأمطار، وقد تسبب هذا في انخفاض منسوب المياه الجوفية وتسلل مياه البحر إلى طبقة المياه الجوفية، مما أثر بشدة على جودة المياه.

أما السبب الثاني فيتمثل في تلوث طبقة المياه الجوفية بشكل متزايد بمياه الصرف الصحي غير المعالجة، حيث أصبحت مرافق الصرف الصحي في الإقليم غير قادرة على التكيف. ويرجع ذلك جزئياً إلى نقص القدرات والذي تفاقم بسبب الدمار الذي سببته الهجمات العسكرية الإسرائيلية على غزة والقيود التي تفرضها على استيراد البضائع ولكن أيضاً بشكل جزئي إلى الانقطاعات المتكررة في إمدادات الطاقة التي تخضع لها غزة، بسبب نقص الوقود مرة أخرى في الكثير من الأحيان نتيجة للإجراءات الإسرائيلية رداً على الهجمات من القطاع.

” في ظل هذه الظروف، اضطرت السلطة الفلسطينية في الكثير من الأحيان إلى قبول مشاريع المياه للمستوطنات الإسرائيلية من أجل الحصول على إذن للمضي قدمًا في مشاريعها الخاصة “.

وقد شعر الفلسطينيون ببعض الارتياح من زيادة إمداد القطاع بالمياه من إسرائيل، مع الوعد بالمزيد في المستقبل عندما يتم إنشاء الأنابيب اللازمة. وتتيح تحلية المياه، بتمويل من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والصين، إمكانية الحصول على كميات إضافية من المياه النظيفة.

ولكن بالنظر إلى حجم المشكلة، فهذه تدابير ملطفة وليست تحويلية أو دائمة، لاسيما عند زيادة عدد السكان، حيث يبلغ معدل النمو الفلسطيني حوالي 2.4 في المئة سنويًا واحتمال انخفاض هطول الأمطار نتيجة لتغير المناخ.

وكما قد يبدو الوضع المائي الفلسطيني مريعاً، يجب أن يكون -مقارنة بالعناصر الأخرى للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني مثل القدس واللاجئين- سهل الحل بشكل نسبي. ونظرًا لنجاحها في تحلية المياه وإعادة التدوير التي توفر أكثر من 40 في المئة من مياه الري، يمكن لإسرائيل أن تزود غزة بمياه أكثر بكثير مما توفره حاليًا. وللسبب نفسه، يمكن لإسرائيل أن تسمح للفلسطينيين بسحب المزيد من المياه من طبقة المياه الجوفية الجبلية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى