#شوؤن دولية

ما بعد بولتون: كيف سيتعامل مجلس الأمن القومي الأمريكي مع الشرق الأوسط؟

حسام ابراهيم *، ٦-١٠-٢٠١٩

يعتبر مجلس الأمن القومي الأمريكي أهم المؤسسات التي يعتمد عليها الرئيس في اتخاذ قرارات السياسة الخارجية والأمن. ورغم الدور المحوري لهذه المؤسسة، إلا أنها لم تشهد أي استقرار خلال إدارة الرئيس “ترامب”، فقد شهدت خلال رئاسته تولِّي أربعة مستشارين منصبَ مستشار الأمن القومي، آخرهم “روبرت أوبراين” الذي تولى منصبه يوم 19 سبتمبر 2019، بعد إقالة “جون بولتون” يوم 10 سبتمبر.

ويدفع التغيير الأخير بتولي “روبرت أوبراين” الكثير من التساؤلات، حول مدى إمكانية تغيير طريقة عمل المجلس عن مرحلة “بولتون” التي شهدت سيطرة مستشار الأمن القومي على عملية صنع القرارات ذات الصلة بالسياسة الخارجية والأمن، وحول التغييرات التي ستحدث داخل المجلس، خاصة السياسات والبدائل التي يقدمها المجلس للرئيس بخصوص قضايا الشرق الأوسط. حيث تشير التوقعات إلى أن هذا التغيير يُمثّل بداية جديدة للمجلس، لكنه لن ينعكس كثيرًا على السياسات والبدائل التي يقدمها بشأن قضايا المنطقة.

دور محوري:

1- مهام مجلس الأمن: مجلس الأمن القومي The National Security Council: هو جزء من المكتب التنفيذي للرئيس The Executive Office of The President، ويعتبر الجهاز الذي يساعد الرئيس في إدارة شئون الأمن القومي والسياسة الخارجية، وتم إنشاء المجلس بموجب “قانون الأمن القومي” لعام 1947 الذي ينص على أنه “يجب أن يقدم المجلس الاستشارة للرئيس بشأن تكامل السياسات الداخلية، والخارجية، والعسكرية المرتبطة بالأمن القومي، وذلك لتمكين القوات المسلحة، والوزارات، والوكالات الحكومية الأخرى، للتعاون بشكل أكثر فعالية في المسائل المرتبطة بالأمن القومي”. وترك “قانون الأمن القومي” لكل رئيس تحديد الأطر التفصيلية لعمل المجلس. وفي هذا الإطار، أصدر الرئيس “ترامب” بعد توليه مسئوليات الحكم “مذكرة رئاسية” بتاريخ 28 يناير 2017 بشأن عمل المجلس، حددت عمل المجلس وتشكيله، وأكدت أن التهديدات الأمنية التي تواجه الولايات المتحدة الأمريكية في القرن الحادي والعشرين والتي تتجاوز الحدود تؤكد ضرورة أن تكون هيكلية اتخاذ القرار والعملية المرتبطة به قادرة على التعامل مع هذه التحديات. 

2- هيكل مجلس الأمن القومي: يقوم مجلس الأمن القومي بصياغة السياسات المتعلقة بالأمن القومي وفق عملية معقدة تجري داخل المجلس. وبشكل عام، تتم هذه العملية ضمن أربعة مستويات تشمل: أولًا- مستشار الأمن القومي National Security Advisor، وهو الذي يدير عمل المجلس اليومي والمسئول الذي يقدم البدائل ويرفعها للرئيس.

والثاني- طاقم فريق الأمن القومي ويطلق عليه في الأوساط السياسية والإعلامية الأمريكية National Security Team، ويُقصد به الوزراء والمسئولون الحكوميون ضمن تشكيلة المجلس، ويُحددهم الأمر أو القرار الذي يُصدره الرئيس بخصوص تشكيل مجلس الأمن القومي بحكم مناصبهم أو عملهم.

والمستوى الثالث- اللجان الرئيسية والفرعية ولجان التنسيق داخل المجلس التي تقوم بدراسة البدائل المختلفة، حيث تعمل هذه اللجان كآلية للتنسيق بين الوزارات والوكالات الحكومية المختلفة المعنية بقضايا الأمن القومي.

والمستوى الرابع- هو الفريق المعاون داخل مجلس الأمن القومي National Security Staff، ويُقصد بهم الأشخاص الذين يقومون بإدارة عمل المجلس بشكل يومي وتسيير مهام العمل المرتبطة بإعداد أوراق السياسات والدراسات والتقارير وغيرها من جوانب عمل المجلس.

3- مرحلة بولتون: يلعب مستشار الأمن القومي دورًا رئيسيًّا في توجيه العمل اليومي داخل المجلس، وذلك حسب طبيعة وشخصية هذا المستشار، حيث يستطيع صياغة دوره ومدى قدرته على أن يجعل المجلس مؤثرًا بشكل فعال في صياغة قرارات الأمن القومي والسياسة الخارجية مقارنة بالوزراء والمسئولين المعنيين في وزارتي الدفاع والداخلية وأجهزة الاستخبارات، ففي كل إدارة ومع كل مستشار للأمن القومي الأمريكي اختلفت الظروف والسياق وطبيعة التجربة. فخبرات عمل المجلس وإدارته اختلفت مع عدة شخصيات، مثل “هنري كيسنجر” في الفترة من عام 1968 إلى عام 1975، و”برنت سكورفيت” الذي تولى فترتين كمستشار للأمن القومي، الأولى من عام 1975 إلى عام 1977، والثانية من عام 1989 إلى 1993، و”زبغنيو بيرجينسكي” من 1977 إلى عام 1981، و”كونداليزا رايس” من عام 2001 إلى عام 2005، و”ستيفن هادلي” من عام 2005 إلى عام 2009، و”سوزان رايس” مستشار الأمن القومي في إدارة “أوباما” الثانية من عام 2013 إلى عام 2016.

وقد اتّسمت مرحلة مستشار الأمن القومي “جون بولتون” في إدارة مجلس الأمن القومي (أبريل 2018 إلى سبتمبر 2019) بسمتين رئيسيتين، الأولى أن “بولتون” حاول فرض توجهاته المتشددة تجاه بعض قضايا الأمن القومي الأمريكي، خاصة تجاه كوريا الشمالية وإيران وأفغانستان، والتي أفضت في النهاية إلى صدام بينه وبين الرئيس “ترامب”، دفع الأخير إلى إقالته، والسمة الثانية ارتبطت بطريقة إدارة “بولتون” لمجلس الأمن القومي، فـ”بولتون” حاول فرض سيطرته وأسلوبه على المجلس، فقد انفرد “بولتون” إلى حدٍّ كبير باتخاذ القرار داخل المجلس، وأصبح هو ذاته المجلس، فبدلًا من العمل الجماعي مع فريق الأمن القومي، وداخل اللجان، ومع الفريق المعاون؛ اعتمد “بولتون” على مجموعة صغيرة جدًّا من المساعدين. وقد لخصت صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير لها بتاريخ 10 سبتمبر 2019 ما فعله “بولتون” داخل مجلس الأمن القومي قائلة: “لقد كان الإنجاز الفريد لبولتون هو تفكيك هيكل صناعة السياسة الخارجية.. إن تركة بولتون ليست أحداث دمار في الخارج، ولكن الاختلال الوظيفي في واشنطن.. في غضون 17 شهرًا فقط قام بتدمير نظام مجلس الأمن القومي، وهو الهيكل المعقد الذي يحكم السياسة الخارجية الأمريكية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية”.

مرحلة جديدة:

1- تعيين مستشار جديد للأمن القومي بعد مرور عدة أيام على قرار الرئيس “ترامب” بإقالة “جون بولتون” مستشار الأمن القومي، حيث عين “ترامب” بدلًا منه “روبرت أوبراين”، الذي كان يشغل منصب مبعوث الرئيس لشئون الرهائن، ويعتبر “أوبراين” رابع مستشار للأمن القومي في ظل إدارة “ترامب”، ويمتلك خبرات متعددة في مجال السياسة الخارجية، فقد عمل في السابق مستشارًا لأكثر من مسئول في الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وأيضًا ممثلًا لبلاده في الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال إدارة “بوش الابن”، وخلال هذه الفترة عمل مع “جون بولتون” حينما كان مندوب الولايات المتحدة في المنظمة الدولية. وبعيدًا عن خبراته المهنية، تقترب أفكار “روبرت أوبراين” من التوجهات العامة للرئيس “ترامب”، ففي كتابه الذي أصدره عام 2016 بعنوان “بينما أمريكا نائمة: استعادة القيادة الأمريكية للعالم في أزمة” While America Slept: Restoring American Leadership to a World in Crisis، عكست الكثير من الأفكار التي تناولها تجاه قضايا مثل دور الأمم المتحدة، والصين، وكوريا الشمالية، وإيران، توجهًا يتقارب مع توجهات “ترامب”، فهو يعتبر أن الاتفاق النووي مع إيران كان كارثة.

2- التغيرات الجديدة في المجلس، وفقًا للمتعارف عليه في الأوساط الأمريكية، فإن تغيير مستشار الأمن القومي، الذي يعد المسئول الأعلى على رأس المجلس، تتبعه بالتالي عملية تغييرات في الأشخاص الذين يديرون المجلس وملفات الأمن القومي الرئيسية. وبشكل عام فإن إقالة “بولتون” أدت إلى إطلاق عملية التغييرات تلك التي بدأت منذ أيام وسوف تستمر حتى الانتهاء من التشكيلة النهائية للفريق المعاون داخل المجلس National Security Staff. وفي إطار هذه العملية، تم اختيار “مات بوتينجر” Matt Pottinger ليشغل منصب نائب مستشار الأمن القومي، وكان يشغل في السابق مدير مجلس الأمن القومي لسياسة شرق آسيا، وكان مسئولًا داخل المجلس عن السياسات الخاصة بالصين وكوريا الشمالية، وعمل عام 2005 مراسلًا لصحيفة “وول ستريت جورنال” في الصين. كما أن بعض الشخصيات اختارت ترك المجلس بعد رحيل “بولتون”، منهم “وليم هابر” مستشار المجلس للشئون العلمية، الذي كان مسئولًا أيضًا عن “اللجنة الرئاسية لأمن المناخ”، وكل من “غاريت ماركيز” و”سارة تينسلي” المسئولتين عن الاتصالات الاستراتيجية بمجلس الأمن القومي، واللتين كانتا تديران علاقة المجلس مع وسائل الإعلام. كما تركت عملها أيضًا “كريستين صامويليان” المساعدة الشخصية لجون بولتون في المجلس. ومن الجدير بالذكر أن عملية التغييرات في المجلس تعتبر في بدايتها، ومن غير المعروف حتى الآن ما هو الموقف بالنسبة لبعض المسئولين الذين يشغلون الإدارات المهمة داخل المجلس، خاصة الإدارات ذات الصلة بمنطقة الشرق الأوسط.

3- التغييرات المحتملة في طريقة عمل المجلس، مع رحيل “جون بولتون” عن مجلس الأمن القومي، فمن المحتمل أن تحدث تغييرات في طريقة عمل المجلس، وتصبح عملية صنع السياسات المرتبطة بالأمن القومي أو ما يطلق عليه في الأوساط الأمريكية “عملية الأمن القومي” National Security Process أكثر احترافية وداخل إطار جماعي. فعلى عكس “بولتون”، من المحتمل أن يركز “روبرت أوبراين” مستشار الأمن القومي الجديد على التنسيق أكثر مع طاقم مجلس الأمن القومي National Security Team والوزراء المؤثرين داخل الطاقم مثل الخارجية والدفاع والمسئولين عن أجهزة الاستخبارات، وأيضًا تعزيز دور اللجان الرئيسية والفرعية ولجان التنسيق، والاعتماد أكثر على فريق الأمن القومي المعاون National Security Staff، وتعزيز اجتماعات العمل الدورية داخل المجلس. إذ من المتوقّع بشكل عام أن تتغير طريقة العمل التي كان يدار بها المجلس خلال فترة “بولتون” إلى طريقة يصبح فيها للمجلس دور أكبر بكثير من دور مستشار الأمن القومي.

استمرارية السياسات:

التغيير الذي حدث في مجلس الأمن القومي القوي الأمريكي، سواء فيما يتعلق بتعيين مستشار جديد للمجلس، أو ما هو محتمل بشأن طريقة عمل المجلس؛ لن يؤثر على إدارة المجلس لقضايا السياسة الخارجية والأمن المرتبطة بمنطقة الشرق الأوسط، فالسياسات الأمريكية تجاه قضايا مثل إيران، وأفغانستان، وليبيا، وسوريا، وصفقة القرن، وغيرها؛ سوف تظل كما هي، من حيث التوجهات الاستراتيجية، وربما تكون هناك تغييرات شكلية أو محدودة في طريقة إدارة هذه السياسات وليس مضمونها. 

والاستمرارية المتوقّعة في السياسات الأمريكية تجاه قضايا المنطقة، تنبع من تأثير الرئيس “ترامب” بشكل رئيسي على عملية صنع السياسة الخارجية داخل مجلس الأمن القومي، ففي ظل تجارب المستشارين الثلاثة السابقين (مايكل فلين، إتش. آر. ماكماستر، جون بولتون) كان الرئيس هو العنصر الرئيسي والحاسم في قرارات السياسة الخارجية تجاه الشرق الأوسط، مع الإبقاء في الحُسبان أن مستشار الأمن القومي الأمريكي الجديد “روبرت أوبراين” سيعمل على تلاشي أخطاء سابقيه، إضافةً إلى توجهات “روبرت أوبراين” نفسه، ومن ذلك ما يتعلق بإيران -على سبيل المثال- التي انتقد الاتفاق النووي معها، واعتبرها “أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم”.

الخلاصة: مثّل قرار الرئيس “ترامب” بإقالة مستشار الأمن القومي “جون بولتون”، وتعيين “روبرت أوبراين” بديلًا له؛ بداية جديدة ومختلفة لمجلس الأمن القومي، سواء من حيث الدور الذي سيلعبه المجلس، أو طريقة عمله من الداخل، أو حتى التغييرات في فريق العمل، لكن تلك البداية سيكون تأثيرها على سياسات الأمن القومي محدودًا، فالتغيير سيكون في أسلوب إدارة عملية الأمن القومي، وليس مضمون السياسات ذاتها، خاصة تجاه منطقة الشرق الأوسط التي ستشهد تقديم المجلس بدائل سياسية متعددة للرئيس، لكنها تدور حول نفس توجهات الرئيس ومواقفه.

* مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى