أقلام وأراء

ماجد كيالي يكتب –  نقاش في متاهة المفاوضات السورية

ماجد كيالي 23/10/2021

لعل التجربة التفاوضية الفلسطينية ـ الإسرائيلية المضنية والمعقّدة والطويلة والمريرة، والمتضمنة مداخلات دولية، هي أكثر تجربة تشبه المفاوضات السورية ـ السورية التي تجري منذ سنوات بين النظام والمعارضة، بكل تشعّباتها وعناوينها وصيغها.

 هكذا بات السوريون إزاء دوامة، أو متاهة، من مفاوضات متوالية، وعقيمة، لا يعرف أحد متى ستنتهي، أو كيف تتشعب قضاياها؛ هذا أولاً. ثانياً، بينما تجرى مفاوضات لحل الصراع السوري، فإن النظام يواصل فرض سيطرته فيما المعارضة تتآكل سياسياً وميدانياً. ثالثاً، لم يعد بالإمكان الحديث عن مجرد صراع، أو تفاوض، بين السوريين، فقط، إذ إن الأمر خرج من أيدي الطرفين المعنيين مباشرة (النظام والمعارضة)، وبات رهن المداخلات الخارجية، الدولية والإقليمية، مع توزع النفوذ السياسي والأمني في سوريا على عديد من الدول، لا سيما الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا وإسرائيل. رابعاً، الأهم من كل ما تقدم أن العملية التفاوضية خرجت، أو أُخرجت، من مسارها الأساسي المتعلق باستعادة الاستقرار من مدخل التغيير السياسي في سوريا، إذ باتت تتناول الصراع السوري من بابه الإنساني، في أغلب الأحوال (سيطرة النظام على الأرض السورية، البدء بالإعمار، عودة المهجرين، إنهاء العقوبات).

 على ذلك، من الصعب توقّع أي جديد في اجتماعات الجولة السادسة للجنة الدستورية السورية، أيضاً بالقياس الى الجولات الخمس السابقة فقط، التي بدأت الأولى منها قبل عامين في تشرين الأول (أكتوبر) 2019، وبالقياس الى مفاوضات جنيف في دوراتها التسع، التي انطلقت، قبل تسعة أعوام، من بيان جنيف الأممي (لعام 2012)، ومفاوضات آستانا في دوراتها الـ (15)، التي بدأت قبل خمسة أعوام.

 وبشكل أكثر تحديداً، ثمة أربع ملاحظات هنا، الأولى، ومفادها أن الطرفين المتفاوضين لم يجلسا سوياً للحوار ولا مرة، فمفاوضات جنيف طوال سنواتها التسع، مثلاً، كانت تُجرى بين كل طرف على حدة مع المبعوث الدولي، أما مفاوضات آستانا، في سنواتها الخمس، فقد كانت تُجرى عملياً بين وزراء خارجية ما يعرف ببلدان ثلاثي آستانا (روسيا، وتركيا، وإيران)، علماً أن الصراع السوري شهد عدة مبعوثين دوليين منذ بدايته (2011)، بدءاً من كوفي عنان إلى الأخضر الإبراهيمي وستيفان ديمستورا، وصولاً إلى غير بيدرسون، الذي يدير المفاوضات الحالية في اللجنة الدستورية. فقط تم في هذا الاجتماع للجنة الدستورية اجتماع مشترك بين بيدرسون ورئيسي وفدي النظام أحمد الكزبري، والمعارضة هادي البحرة، لكن ذلك لا يمكن اعتباره خرقاً في المفاوضات، إذ إن مفاوضات جنيف وآستانا كانت شهدت جلسات افتتاحية، يجلس فيها الجميع في قاعة واحدة، لكن ذلك كان له طاب بروتوكولي فقط.

 الملاحظة الثانية، التي يفترض التذكير بها هنا، مفادها أن التفاوض في شأن وقف الصراع السوري لم يعد يتقيد بالقرارات الدولية، لا ببيان جنيف (2012)، ولا بقراري مجلس الأمن الدولي الرقم 2118 (لعام 2013)، والرقم 2354 (لعام 2015)، إذ باتت المفاوضات رهينة الإرادات الدولية والإقليمية، بخاصة رهينة التوافق الأميركي ـ الروسي، كما في مفاوضات جنيف، أو رهينة التوافق الروسي ـ الإيراني ـ التركي كما نشهد في مفاوضات آستانا.

 الملاحظة الثالثة، وهي إن اللجنة الدستورية التي تشكلت بقرار أممي، (أصدره الأمين العام للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر 2019)، بناء على مخرجات مؤتمر الحوار السوري، الذي كان عقد في مدينة سوتشي (روسيا في كانون الثاني/يناير 2018)، تضم ثلاثة فرقاء من النظام والمعارضة والمجتمع المدني مع كوتا نسائية، حيث لكل فريق 50 عضواً، في حين تُجرى الاجتماعات ضمن لجنة مصغرة تضم 15 عضواً عن كل فريق، لكن الأهم هنا أن المكانة التمثيلية لكل فريق، أو قدرته على تمرير كل صيغة يتم التوصل اليها في الجهة التي يفترض أنه يمثلها، أمران مشكوك بهما، وهذا الأمر يتعلق بالفريق الذي يمثل النظام، كونه هو الطرف الأساسي، والأقوى، والأكثر سيطرة، في هذه المعادلة التفاوضية، كما في غيرها. 

 الملاحظة الرابعة، تتعلق بكلام بيدرسون عن التوصل، في المفاوضات الحالية، “إلى توافق بين طرفي الحكومة والمعارضة على صيغة للإصلاح الدستوري في سوريا”، وفقاً لمبادئ أربعة “هي السيادة والإرهاب ومبدأ فصل السلطات واستقلالية القضاء وسيادة القانون”، إذ ثمة مضامين سياسية لبعض المسائل، لا علاقة لها بالدستور، وإنما بمداخلات الصراع الجاري. فمثلاً، كيف ستتم مناقشة وجود ميليشيات أجنبية في سورية كمثل وضع “حزب الله” و”زينبيون” و”فاطميون” و”عصائب الحق” ضمن بند الإرهاب؟ وهل يمكن استثناء الوجود العسكري الإيراني في سوريا من نقاش بند السيادة؟ أما في القضايا الدستورية، كمثل فصل السلطات واستقلالية القضاء، ثمة شك في إمكان فرض صيغة مناسبة مع نظام تغول على الدولة، واحتكر كل السلطات، في بلد تتوارث عائلة فيه السلطة؟ 

 الفكرة هنا أن ما يُجرى، مع الأسف، هو مجرد تمارين، وملهاة، أو متاهة، يتم أخذ الطرفين المتصارعين اليها (النظام والمعارضة)، في حين ليس ثمة بعد قرار دولي بإنهاء الصراع السوري، بهذا الشكل أو ذاك، إذ إن حسم الأمر يتطلب أساساً توافر إرادة دولية، بخاصة أميركية، لإنهاء الصراع، من مدخل وقف الأعمال العسكرية، وإخراج القوات الأجنبية، النظامية والميليشيوية من سوريا، والذهاب نحو عملية سياسية انتقالية، تتضمن التوافق على مبادئ دستورية جامعة، وإجراء انتخابات يقرر فيها السوريون مصيرهم. من دون كل ذلك، أو إلى حين ذلك، سيبقى السوريون في تلك المتاهة أو الملهاة التي تستنزفهم.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى