أقلام وأراء

ماجد كيالي يكتب – لكن من هو الشعب الفلسطيني وما هو المشروع الوطني حقا؟

بقلم ماجد كيالي ٦-٣-٢٠٢١م

المشهد الفلسطيني منقسم اليوم وموزّع بين دعوات وشعارات ومشاريع عديدة: الشعب يريد إنهاء الانقسام، الشعب يريد حقه في ممارسة انتخاب ممثليه للمجلس الوطني، الشعب يريد التغيير السياسي، الشعب يريد إنهاء الاحتلال، الشعب يريد تحرير فلسطين، الشعب يريد دولة مواطنين واحدة ديمقراطية.

وطبعا، ثمة خطاب القيادة الرسمية، وهي قيادة المنظمة والسلطة وفتح، وهي تركز حاليا على المصالحة بين فتح وحماس، وعلى انتخابات المجلس التشريعي، بل إنها تعتبر تلك الانتخابات بمثابة انتخاب لبرلمان دولة فلسطين (مثلما أن الانتخابات الرئاسية لرئيس دولة فلسطين)، مع كل ما يعنيه ذلك من إصرار على المضي في خيار وصل إلى طريق مسدود، ومواصلة تعويم طبقة سياسية مهيمنة لم يعد لديها ما تضيفه.

على أي حال ما يهمّنا هنا ليس خطابات السلطة، وإنما تعدد الخطابات البديلة في الأوساط السياسية الفلسطينية، وكلها خطابات مشروعة، لذا ينبغي الحذر من وضعها مقابل بعضها، أو اعتبار أن أحدها بديل للآخر، فالشعب حقا يريد إنهاء الانقسام وإنهاء الاحتلال، والشعب فوق ذلك يريد أخذ مصيره بيده، بدل ترك أمره في يد طبقة سياسية متحكمة، لم تعد تمثله تماما، من حيث الرؤية والمصالح والسلوك، كما أن الشعب يريد التحرّر من إسرائيل الاستعمارية والاستيطانية والعنصرية.

لكن المهمّ في كل ذلك أن الشعب الفلسطيني بحاجة ماسة، وأكثر من أي شيء آخر، إلى تعريف مشروعه الوطني، ولتحديد ماهية هذا المشروع، وهذا هو الأهم. فقد ضاع المشروع الوطني الفلسطيني منذ أكثر من أربعة عقود، ولاسيما منذ اتفاق أوسلو (1993) بين أولويات عديدة، بين مشروع الحل المرحلي للدولة في الضفة والقطاع، وبين إقامة سلطة (وفقا لاتفاق أوسلو)، هو أقل بكثير من الحل المرحلي. بل وبات بمثابة حل نهائي، سواء بقوة الأمر الواقع أو بحكم آليات وقيود الاتفاق، في حين أن الحركة الوطنية الفلسطينية كانت انطلقت قبل حرب يونيو (1967)، أي قبل احتلال الضفة والقطاع، وعلى أساس خيار تحرير فلسطين، وإقامة الدولة الديمقراطية العلمانية الواحدة.

الفكرة هنا ليست التعسكر أو المحاججة، بأفضلية حل معين إزاء حل آخر، على نحو ما يفعل أو يعتقد البعض، كأن الأمر قاب قوسين أو أدنى، لأن الفلسطينيين بعيدون عن إنجاز أي حل من أي مستوى بقواهم الذاتية في المدى المنظور، وإنما للتوضيح بأن المشروع الوطني الفلسطيني يفترض بداية أن ينطلق من تعريف الشعب الفلسطيني صاحب هذا المشروع، وتاليا لأن ذلك المشروع يفترض أن يتمثل حقوق ذلك الشعب حقا وليس نصفه أو ربعه.

فإذا كان الشعب الفلسطيني هو الشعب الموجود في الضفة وغزة ومناطق 48 وفي بلدان اللجوء والشتات، فينبغي إذن أن يكون المشروع الوطني معنيّا بكل هؤلاء، بحيث يستوعب حقوقهم وأولوياتهم وروايتهم، وبالتأكيد فإن حل الدولة الواحدة (الديمقراطية العلمانية) هو الذي يجاوب على ذلك، أكثر من غيره من الحلول أو الخيارات. فذلك الحل يأخذ في اعتباره وحدة الشعب ووحدة الأرض ووحدة القضية ووحدة الرواية التاريخية، وهذا الحل ينطلق من القيم الإنسانية العالمية، أي قيم الحرية والمساواة والعدالة والسلام والمواطنة والديمقراطية.

لكن ما ينبغي أخذه في الاعتبار أن ذلك الحل لا يطرح مرة واحدة، وإنما يحتاج إلى توسطات وتدرّجات، فهو لا يطرح كبديل لدحر الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع، إن توفرت الإمكانيات لذلك، لكنه يطرح أيضا لتوسيع أفق ذلك الحل الدولة بربطه بأفق استراتيجي يتجاوب مع حقوق الشعب الفلسطيني ووحدته ومصيره المشترك بالارتباط مع التطورات في المنطقة العربية.

ومن المعلوم أن حل الدولة في الضفة والقطاع، بطريق التفاوض (كما هو جار) لا يتضمن البتة حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وهو لا يلبي أي تطلعات للفلسطينيين في مناطق 48، أي أنه حل جزئي، لجزء من الشعب الفلسطيني. بمعنى أنه لا يتضمن حلا لقضية الشعب الفلسطيني من جذورها، فضلا عن أنه لا يتضمن حلا لوجود إسرائيل، باعتبارها دولة صهيونية، استعمارية وعنصرية وعدوانية ووظيفية في هذه المنطقة من العالم.

وما ينبغي أخذه بعين الاعتبار، أيضا، أن حل الدولة الواحدة لا يطرح للتفاوض لأن إسرائيل لن توافق عليه بالطبع، بحكم طبيعتها كدولة استعمارية عنصرية ودينية، لذلك فهو مشروع نضالي مستقبلي، كما أنه لا يطرح للابتزاز (كما تحاول بعض قيادات السلطة)، وإنما هو بمثابة الرؤية المستقبلية والواقعية الوحيدة التي يمكن عبرها حل كافة تجليات المعضلتين الفلسطينية والإسرائيلية.

وهذا المشروع يمكن أن يلقى تعاطفا عالميا، لارتباطه بالقيم العالمية (المواطنة والديمقراطية والعلمانية)، كما يمكن أن يسهم في عزل الأيديولوجيا الصهيونية التي تعزل اليهود، بدعوى أنهم مستهدفون في هذه المنطقة، لكونهم يهودا، وليس فقط لكونهم إسرائيليين في دولة استعمارية واستيطانية وعنصرية وعدوانية وقهرية قامت على حساب الشعب الفلسطيني (1948).

الفكرة الأخيرة التي أودّ اقتراحها هنا تتعلق بعدم الانشغال باقتراحات الحلول، وطرحها في مقابل بعضها كأنها أيديولوجيات مغلقة، أو كأن ثمة جدول أعمال في الوقت الراهن يتطلبها، لأن في هذا وذاك نوعا من التسرع، واستنزافا للطاقات في غير محلها. والاقتراح الآخر، أو البديل، في هذه الظروف والمعطيات الصعبة، هو تركيز كل الجهود باتجاه إعادة بناء البيت الفلسطيني، وتجديد بناء الحركة الوطنية الفلسطينية، انطلاقا من وحدانية الشعب والأرض والقضية والرواية التاريخية، على ما يطرح “ملتقى فلسطين”، سواء تعلق الأمر بصوغ الرؤية الوطنية الجامعة أو ببناء الكيان الوطني الجامع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى