أقلام وأراء

ماجد كيالي يكتب – الفلسطينيون إزاء عام جديد لكن هل من جديد؟

ماجد كيالي 16/1/2021

يقف الفلسطينيون في مطلع العام الجديد إزاء مرحلة أو استحقاقات جديدة في تاريخهم السياسي، سيتوقف عليها مصير كيانهم السياسي، الذي تأسّس وفق اتفاقات أوسلو (1993)، بل وربما مصير حركتهم الوطنية التي نشأت في مطلع الستينات من القرن الماضي.

ثمة العديد من المعطيات التي ترجّح ذلك الاحتمال ربما أهمها يتعلق بالتوجه نحو إجراء انتخابات تشريعية جديدة، هي الثالثة من نوعها منذ إقامة السلطة الفلسطينية (الأولى في العام 1996 والثانية في العام 2006)، وهي انتخابات تأخرت كثيرا (15 عاما)، بسبب الخلاف بين حركتي فتح وحماس، وانقسام الكيان الفلسطيني بين سلطتي الضفة وغزة. وعلى أي حال فإن ذلك الأمر لا يمكن التكهن بتداعياته، أو بمدى نجاحه لأسباب عديدة، أولها، أن تلك العملية ما زالت تنتظر المرسوم الرئاسي الذي يجب أن يصدره الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وثانيها، أنه مرهون باستمرار التوافق بين حركتي فتح وحماس. وثالثها، أن نجاح العملية الانتخابية منوط بإقرار الحركتين بنتائجها. طبعا ثمة مسائل أخرى ما زالت عالقة، وهي بحاجة إلى توضيح، إذ أن نص الاتفاق بين الحركتين المذكورتين كان ربط الموافقة على إجراء الانتخابات التشريعية بإجراء الانتخابات الرئاسية وتاليا بإجراء انتخابات المجلس الوطني (بالترابط والتتابع)، ومن تجربة الساحة الفلسطينية فإنه من الصعب التكهن باحتمال اكتمال ذلك، كما من الصعب توقع تنازل من الحركتين عن سلطتهما، حيث فتح في الضفة وحماس في غزة. والمعنى من ذلك أن الساحة الفلسطينية ستظل واقفة بانتظار إتمام عملية المصالحة وإنهاء الانقسام الفلسطيني في العام القادم أيضا، أي بعد 14 عاما على الانقسام، وهذا هو الاستحقاق الأول.

الاستحقاق الثاني، وهو لا يقل أهمية عن الأول، يتمثل بانصراف إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومجيء إدارة جديدة إلى البيت الأبيض الأميركي، رغم علمنا بأن أي إدارة أميركية لن تخرج عن الموقف التقليدي للولايات المتحدة الداعم لإسرائيل، لأمنها وسياساتها وتفوقها النوعي، وهذا ينطبق على إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن. بيد أن الفارق بين الإدارتين، أولا، أن الأولى كانت فظّة ولا مبالية ومتنمّرة مع الفلسطينيين بشكل غير مسبوق، بالقياس للإدارات الأميركية السابقة، لاسيما منذ بوش الأب، مرورا بكلينتون، وبوش الابن، وأوباما.

ثانيا، أن إدارة ترامب تخلت عن كل المواقف السياسية التقليدية للولايات المتحدة، ولو الشكلية، وعبّرت جهارا عن دعمها كل المواقف الإسرائيلية بخصوص القدس واللاجئين والاستيطان والحدود. ثالثا، أن إدارة ترامب تخلت عن دورها كراع لعملية التسوية، بل وذهبت إلى دعم الإجراءات الأحادية الإسرائيلية التي تقوض تلك العملية باعتبارها تجري بين طرفين.

القيادة الفلسطينية ستبقى أمام واقع تراجع مكانة القضية الفلسطينية في سلم الاهتمامات العربية والدولية.  تراجع مكانة القضية الفلسطينية في سلم الاهتمامات العربية والدولية  

هكذا وتبعا لما تقدم، فإن خطة “صفقة القرن” قد تختفي، أو على الأقل لن تبقى سيفا مسلطا على القيادة الفلسطينية، كما كانت من قبل. وفي هذا المجال فإن القيادة الفلسطينية ستبدو أكثر ارتياحا، بالنسبة لواقعها كسلطة، إذ أن إدارة بايدن ستقوم، على الأرجح، بحفظ ماء وجهها عبر إجراءات من مثل اعتبار القدس عاصمة للطرفين، وإعادة المساعدات المالية لها ولوكالة “أونروا” للاجئين، وفتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن. أما بخصوص القضايا الأساسية (القدس واللاجئين والمستوطنات والحدود) فستحال مجددا، لجولات قادمة مديدة من المفاوضات. والمعنى إننا سنكون إزاء تغير في الشكل دون تغير في المضمون، وإزاء تغير في اللهجة من خشنة في ظل إدارة ترامب إلى ناعمة في ظل إدارة بايدن، ومن وسائل الضغط في ظل ترامب إلى وسائل الدبلوماسية في ظل بايدن.

الاستحقاق الثالث، ستبقى القيادة الفلسطينية أمام واقع تراجع مكانة القضية الفلسطينية في سلم الاهتمامات العربية والدولية. أولا، بحكم تفاقم المشكلات الدولية والمشكلات العربية البينية. ثانيا، بحكم تضارب أجندات العالم العربي لاسيما لمواجهة النفوذ المتصاعد لإيران وتركيا. وثالثا، بحكم جائحة كورونا، والتداعيات الاقتصادية الناجمة عن ذلك. ورابعا، بحكم ضعف الوضع الفلسطيني.

وفي هذا الإطار لا شك أن علاقات التطبيع بين بعض الدول العربية وإسرائيل وضعت القيادة الفلسطينية في موقع حرج ومعقد ومكشوف، لاسيما أن تلك العلاقات كسرت أسطورتين أو بديهيتين طالما ارتكن إليهما الفلسطينيون، الأولى، أن فلسطين قضية مركزية للأمة العربية، وهذا تكشف عن تمثلات نظرية أو دعائية فقط. والثانية، أن “السلام يبدأ من فلسطين وأن الحرب تبدأ من فلسطين”، وأن مدخل إسرائيل للعالم العربي لن يكون إلا بعد حل القضية الفلسطينية، إذ تبيّن أن هذا وذاك بات من الماضي، ما وضع الفلسطينيين أمام واقع جديد لا يمكن لهم التهرب منه، بغض النظر عن رأيهم به، كونهم الطرف الأضعف بتلك المعادلة، سواء إزاء إسرائيل أو إزاء الأنظمة العربية.

الاستحقاق الرابع، ناجم عن حقيقة أن إسرائيل أضحت بمثابة الدولة الأقوى في المنطقة سياسيا وعسكريا واقتصاديا، بلا أي منازع ولا أي مهدد، أكثر من أي فترة في تاريخها، مع علاقات قوية باتت تربطها مع روسيا والصين والهند ودول في العالم العربي، ناهيك عن علاقاتها المتميزة مع الولايات المتحدة، إضافة إلى احتكارها السلاح النووي وترسانتها الحربية المتفوقة.

وفي الحقيقة فإن الوضع في إسرائيل لا يشتغل لصالح الفلسطينيين وحقوقهم على الإطلاق، إذ ذهب الإسرائيليون ثلاث مرات خلال عام إلى انتخابات الكنيست، وهم بصدد الذهاب إلى انتخابات رابعة في العام الحالي، إلا أن نتائج صناديق الاقتراع سابقا والمؤشرات للانتخابات القادمة، تؤكد هيمنة اليمين القومي والديني على المجتمع الإسرائيلي، ناهيك عن أفول تياري اليسار والوسط.

وباختصار، فإن كل المؤشرات تفيد بانسداد خيار الدولة الفلسطينية المستقلة، وانسداد الأفق أمامه إسرائيليا وعربيا ودوليا، ما يعني أنه لا مناص أمام الفلسطينيين إزاء كل ما تقدم، من حسم أمورهم والتوجه نحو التركيز على إعادة بناء بيتهم الداخلي، فهذا أكثر شيء يحتاجونه لمواجهة التحديات والاستحقاقات القديمة والجديدة.

* ماجد كيالي  –  كاتب سياسي فلسطيني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى