أقلام وأراء

ماجد كيالي: نقاش في واقع فشل فلسطيني عام

ماجد كيالي 11-06-2022

كل القيادات والفصائل والقوى الفلسطينية مشغولة بحالها، منذ سنوات، أي مشغولة بقضايا الانقسام والوحدة والشرعية والإصلاح وإعادة بناء المنظمة والسلطة، أكثر من اهتمامها بأي شيء آخر، وحتى أكثر من اهتمامها بالشعب الفلسطيني وأحواله، داخل  الأرض المحتلة وخارجها، وأكثر من اهتمامها بالتراجع الحاصل في مكانة القضية الفلسطينية في الأجندات العربية والدولية، في مقابل إسرائيل التي باتت في علاقة متميزة مع أهم دول في العالم، بما فيها الصين وروسيا والهند وتركيا، الأصدقاء التاريخيون للشعب الفلسطيني.

هكذا يجب تسمية الأمور بمسمياتها، من دون مواربة، أو مخاتلة، فنحن إزاء فشل عام في السياسة الفلسطينية، وهذا الفشل يتمثل أساساً في انسداد الخيارات التي تم انتهاجها منذ 57 عاماً، سواء تمثلت بتحرير فلسطين وانتهاج طريق الكفاح المسلح، أم  بإقامة دولة في جزء من أرض فلسطين من طريق التسوية السياسية، كما يتمثل ذلك في العجز عن مصارعة السياسات الاستعمارية والاستيطانية والعنصرية التي تنتهجها إسرائيل في كل أرض فلسطين التاريخية. 

ما يفاقم من هذا الفشل مصادره الذاتية (وليس الموضوعية فقط) وتلك تتمثل في تآكل الكيانات السياسية القائمة وتكلّسها وفواتها، بطبيعة علاقاتها الداخلية، والبينية، وبطرق عملها، وخطاباتها، أو مفاهيمها، علماً أننا نتحدث عن كيانات بات لها أكثر من نصف قرن، وأن تلك الكيانات لم يعد لديها ما تضيفه للعمل الوطني، أو لشعبها، إذ إن معظمها بات يشكل عبئاً بل وقيداً على امكانات توليد حالة سياسية فلسطينية جديدة؛ ولعل كل تلك المعطيات سهّلت أو أسهمت في تراجع قضية فلسطين في الأجندات العربية والدولية.

هذا الفشل العام الفلسطيني يمكن ملاحظته في التمثلات الآتية:

أولاً، تراجع، أو تفكك، مفهوم الشعب الفلسطيني. مثلاً، فإن مفهوم الشعب الفلسطيني بات يتحدد في الإقليم الخاضع للسلطة الفلسطينية، وهو يتحدد جغرافيا بالأراضي المحتلة في العام 1967 (الضفة والقطاع)، ليس باستثناء فلسطينيي 48 فقط، إذ بات الفلسطينيون في بلدان اللجوء والشتات خارج هذا المفهوم من الناحية العملية، أيضاً، علماً أن الحركة الوطنية الفلسطينية كانت انطلقت في الخارج (1965)، وأن القضية الفلسطينية تأسست على قضية النكبة وإقامة إسرائيل وولادة مشكلة اللاجئين (1948). والمشكلة أن فلسطينيي الأرضي المحتلة (1967) لا يتشكلون في إقليم واحد، لا سيما بحكم انقسام كيان السلطة الفلسطينية، بمعنى أنهم بدورهم يخضعون للتقسيم، أيضاً، فثمة فلسطينيو الضفة وفلسطينيو القطاع وفلسطينيو القدس (وطبعاً ثمة فلسطينيو 48 في كل فلسطين التاريخية). 

ثانياً، تفكك مفهوم الوطنية الفلسطينية، إذ تم اختزال الوطنية الفلسطينية بمجرد إقامة سلطة، أو دولة فلسطينية في جزء من أرض فلسطين، وهذا الاختزال يتناقض مع السردية التاريخية المؤسسة للهوية الوطنية الفلسطينية المعاصرة القائمة على النكبة، وعلى وحدة شعب فلسطين، ووحدة أرض فلسطين، في حين أن إسرائيل تتعامل مع الشعب والأرض والقضية كوحدة واحدة، وإن عبر سياسات، أو منظومات قانونية، مختلفة. 

ثالثاً، تحييد الشعب الفلسطيني في المعادلات السياسية القائمة، أو شطبه منها، إذ بات الفعل السياسي يخص الطبقة السياسية المتموضعة في المنظمة والسلطة والفصائل، فقط، في واقع تفتقد فيه تلك الكيانات للحراكات الداخلية، ولعلاقات الانتخاب والتمثيل والمداولة. والمشكلة في هذه المعادلة أن الرئيس محمود عباس، وهو رئيس المنظمة والسلطة و”فتح”، بات يتحكم بكل صغيرة وكبيرة في الساحة الفلسطينة، وكان من تجليات ذلك تجميد أو إلغاء عملية الانتخابات (العام الماضي)، وزيادة تهميش منظمة التحرير، من خلال تخويل المجلس المركزي صلاحيات المجلس الوطني، ويأتي ضمن ذلك تعيينه حسين الشيخ أميناً لسر اللجنة التنفيذية، كما في شأن وقف التنسيق الأمني أو استئنافه، عقد مصالحة وطنية ثم الإقلاع عنها، الدعوة الى اجتماع مجلس وطني، أو الى مؤتمر لحركة “فتح”، وبعدها إلغاء هذا وذاك.

المغزى من كل ذلك القول إن الحركة الوطنية الفلسطينية، التي انطلقت في أواسط الستينات من القرن الماضي، انتهت، بكياناتها وخطاباتها وأشكال عملها، من الناحية العملية، وأضحت قديمة ومستهلكة، ولم يعد لديها ما تضيفه، لكن المشكلة ليست، فقط، إن تلك القوى لا تريد أن ترحل، وإنما أن تلك القوى تشتغل بكل قواها من أجل إعاقة أي إصلاح أو تجديد في الحالة الفلسطينية، وأنها تقف كصخرة صلبة ضد أي محاولة أو دعوة لتجديد الحركة الوطنية الفلسطينية لبناها ومفاهيمها وأشكال عملها. 

المشكلة في هذا الموضوع، أيضاً، أن النخب السياسية المعارضة لا تريد أن تتمثل الحقيقة السابقة في وعيها، وإداركاتها، وإنها تشتغل، على الأغلب، بطريقة مريحة للقيادة السائدة، كأنها أسيرة لمنظوماتها السياسية والمفاهيمية، في تركيزها على إصلاح الكيانات السائدة (البالية)، وفي دعواها بخصوص الحفاظ على الموجود بدعوى الشرعية، في حين المفروض أن تتحرر من هذه المنظومة التي لم تعد صالحة، أو لم تعد تفيد شيئاً سوى في تقييد أي حالة جديدة، وضمنه تأبيد تلك البني المتقادمة والمتكلسة، وإضفاء شرعية على تلك القيادات اللاشرعية.

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى