ماجد كيالي: إسرائيل التي تتلاعب بأوهام “حماس”

ماجد كيالي 25-4-2025: إسرائيل التي تتلاعب بأوهام “حماس”
طوال 18 شهرا من حرب الإبادة التي شنتها إسرائيل ضد فلسطينيي غزة ظل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يصرح، بين فترة وأخرى، بأن “إسرائيل لم تحقّق أهدافها بعد”، وإنها لم تقض تماما على القوة الصاروخية لحركة “حماس”، وأنه ثمة أنفاق لم تدمر، وأن هدف الحرب هو تحرير الرهائن أو الأسرى الإسرائيليين، وخلق واقع لا يسمح بـ”طوفان أقصى”2، لا من غزة ولا من الضفة، ولا من أي جبهة أخرى.
معلوم أن تلك التصريحات كانت تتكرر على لسان معظم قادة إسرائيل السياسيين والأمنيين، لتبرير استمرار تلك الحرب الوحشية، التي تهدف، في حقيقة الأمر، محو قطاع غزة، أو تدميره، بحيث يصبح غير صالح للعيش، وتاليا دفع الفلسطينيين، بطريقة أو بأخرى، لمغادرته، للتخفف من الثقل الديمغرافي لغزة، وأيضا، لجعلها بمثابة عبرة للفلسطينيين، من النهر إلى البحر، ولإخضاعهم لهيمنة إسرائيل.
المشكلة أن تلك الادعاءات كانت تنطلي على قادة “حماس”، والمتعاطفين معها، فيعودوا إلى تكرارها، وإعادة ضخّها من قبيل الافتخار، ودرء أي مسؤولية عن خيار “الطوفان”، في انفصام مريع عن الواقع، على رغم أن إسرائيل دمرت حوالي 80 بالمئة من عمران غزة وبناها التحتية، وكبدت الفلسطينيين خسائر بشرية باهظة، هي الأكثر في تاريخهم، على الإطلاق، ربما هي أزيد مما خسروه منذ بداية الغزوة الصهيونية إلى فلسطين، مطلع القرن الماضي، إذ ثمة ربع مليون ضحية، بين قتلى وجرحى ومعوقين ومفقودين تحت الركام وأسرى في المعتقلات، مع بقاء 2 مليون فلسطيني في غزة في ظروف قاسية وبائسة ومهينة جدا، من دون امدادات في الماء والغذاء والكهرباء والوقود والدواء، يعيشون على المساعدات الخارجية، المشروطة، والمقيدة من قبل إسرائيل.
المشكلة، أيضا، أن قادة “حماس” ظلوا ينأون بأنفسهم عن أي مراجعة، رغم أنهم تراجعوا، عمليا، عن الشعارات أو الأهداف التي اشهروها لحظة هجوم “طوفان الأقصى” (7/10/2023)، إذ تلاشى تماما هدف تبييض السجون الإسرائيلية من الأسرى الفلسطينيين، بعد أن بات لدى إسرائيل اضعاف الأسرى الذين كانوا قبل تلك الحرب، من فلسطينيي غزة والضفة، كما تبين أن هدف وقف الانتهاكات الإسرائيلية للمقدسات في مدينة القدس لم يعد مجديا، في حين أن هدف رفع الحصار عن قطاع غزة لم يعد ممكنا البتة، في ظل الواقع القائم. هذا يشمل، أيضا، كل الادعاءات الأخرى، من نوع فرض قواعد للصراع، أو الاشتباك، وتوازن الرعب، أو الردع، التي لم تكن تبالي بها إسرائيل ولا في أي يوم من الأيام.
ولنلاحظ، أيضا، أن “حماس” لم تعد تطرح في شروطها التفاوضية انهاء الاحتلال في الضفة، إذ انها لم تعد قادرة على انهاء الاحتلال في غزة، التي التهمت إسرائيل حوالي 40 بالمئة من مساحتها، بل إن كلام “حماس” عن العودة إلى واقع ما قبل “طوفان الأقصى”، بات مجرد انشاء، ويغطي على الواقع المؤلم، إذ إن غزة لم تعد كما كانت، لا جغرافيا، ولا بشريا، ولا اقتصاديا، ولا رمزيا.
ثمة أوهام أخرى أحاطت بفكرة “حماس”، وقفت وراء “الطوفان”، إذ تصرفت كأنها قادرة على حرب إسرائيل، كجيش لجيش، وكصاروخ لصاروخ، وبالضربة القاضية، في حين إن ذلك انطوى على مغامرة كارثية، مع دولة متفوقة، بشكل مريع، على محيطها، وليس إزاء مجرد فصائل، إضافة إلى إنها بمثابة وضع دولي في الشرق الأوسط.
أيضا كانت مراهنة “حماس” على ما يسمى “وحدة الساحات”، كارثة عليها وعلى حلفائها، رغم إن ذلك الادعاء، الوهم، لم يفعّل إلى الدرجة المناسبة. هذا يشمل باقي المسلمات الخاطئة، من نوع أن إسرائيل لا تحارب خارج أرضها، وإنها تتحاشى أية حرب طويلة، وإنها غير قادرة على تحمل خسائر بشرية كبيرة، وقد تبين كل ذلك عن ادراكات خاطئة، ومتسرعة، وساذجة، أودت بالفلسطينيين في النتيجة إلى كارثة.
فوق كل ما تقدم، فإن ما يثبت قصور إدراكات قيادة “حماس”، وانفصامها عن الواقع، هو مراهنتها على أزمات إسرائيل، السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، كأن ثمة أي مقارنة بين أزمات إسرائيل، وهي حقيقية، وأزمات العالم العربي، إذ إسرائيل لديها فائض من الإمكانيات، ونوع من نظام سياسي، ودعم خارجي، يمكنها من حل أزماتها، أو تجاوزها. الأهم من ذلك، فإذا كانت إسرائيل تعاني من أزمات فما هو واقع الشعب الفلسطيني مثلا، في غزة أو الضفة أو في مجتمعات اللاجئين في بلدان اللجوء والشتات؟
في المحصلة، فإن هذا المنطق الغريب والقاصر، والمحمل بالأوهام، والانفصام عن الواقع، وانكار كارثة فلسطينيي غزة، مازال يعمل مع رفض اية مراجعة نقدية، إذ قيادة “حماس” مازالت تتصرف، وكأن شيئا لم يكن، أو كأنه يمكن إعادة غزة إلى ما قبل 7/10/2023!