ترجمات أجنبية

لو فيغارو: عدم وجود تماسك فرنسي في لبنان

لو فيغارو 1-5-2023م، بقلم رينو جيرار*: عدم وجود تماسك فرنسي في لبنان

غالبا ما تطلق فرنسا في إستراتيجيتها الدولية، مبادرات جديرة بالثناء، ولكن للأسف غالبا ما تثبت أنها غير قادرة على أدائها بشكل جيد. بمزيج من نسيان ميزان القوى والإيمان الساذج بالحلول الإلهية، ينتهي الأمر عموما إلى نتيجة تتعارض مع آمالها.

هذا الغياب في التناسق من جانب فرنسا بين إستراتيجيتها وتكتيكاتها هو الآن صارخ في لبنان. بعد الانفجار الهائل في مرفأ بيروت في  أغسطس 2020، بذل إيمانويل ماكرون الكثير من الجهد والوقت في ذلك العام لإخراج بلد الأرز من مأزقه السياسي والاقتصادي. زار بيروت مرتين، لكن منذ ذلك الحين، لم يتحسن وضع لبنان السياسي ومستوى معيشة السكان ذرة واحدة.

من الناحية الإستراتيجية، كان الرئيس الفرنسي محقًا في الاستثمار في هذا الملف. أولا، لأن دولة لبنان هي خلق سياسي فرنسي، ومن الطبيعي أن تسقي باريس ما زرعته. ثم لأنه يجب الحفاظ على هذه الديمقراطية المتسامحة، حيث يتعايش المسيحيون الكاثوليك والأرثوذكس والمسلمون السنة والشيعة والدروز، كنموذج للمجتمع في الشرق الأوسط بأسره. أخيرا، لأن فرنسا في وضع أفضل من أي كان لتكون عرابة للبنان المتجدد: من الولايات المتحدة التي فقدت مصداقيتها بسبب الكارثة التي سببها تدخلها العسكري في العراق، ومن إيران التي يلفظ نظامها الديني أنفاسه، ومن السعودية المنشغلة بتهدئة علاقاتها مع جيرانها المباشرين.

ساعد نفسك، السماء ستساعدك” هي في جوهرها الإستراتيجية الفرنسية في لبنان منذ مؤتمر سيدر الذي عقد في باريس في شهر أبريل 2018، والذي طُلب فيه من اللبنانيين القيام بإصلاحات على مستوى نظامهم المصرفي وإدارتهم وقطاع الطاقة لديهم، على أن تفرج فرنسا مقابل ذلك عن منح وقروض لهم من المؤسسات المالية الدولية (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي) والدول الخليجية.

هذه الإستراتيجية الفرنسية جيدة وبسيطة وواضحة وعادلة، لكن المشكلة أن قادة الأحزاب اللبنانية الكبرى هم جماعات إقطاعية غير قادرين على التضحية بأي شيء. لقد مرت ستة أشهر على عدم تمكنهم من الاتفاق على اسم رئيس جديد للجمهورية، يُنتخب بالأغلبية المطلقة لـ128 نائباً من مجلس النواب. تكمن الصعوبة في أن النصاب القانوني للأطراف مطلوب حتى يكون الانتخاب صحيحا. وبالتالي لا يمكن انتخاب سوى شخصية توافقية.

فرنسا، التي عهدت إليها الولايات المتحدة في عهد ترامب ثم في عهد خلفه بايدن، ضمنيا بالإدارة الغربية للملف اللبناني، تكرر لكل من يستمع إليها أن خطها ما يزال واضحا، وأنها لا تطالب إلا بثلاثة أشياء: إصلاحات، ورئيس وزراء إصلاحي، ورئيس جمهورية لا يعيق الإصلاح. فمنذ اتفاق الطائف عام 1989، فإن رئيس الوزراء (سُني دائماً) هو المسؤول عن تسيير السياسة الوطنية، مع بقاء سلطة التعيين في يد رئيس الجمهورية.

ما أثار دهشة الإصلاحيين اللبنانيين، أنهم علموا أن فرنسا كانت تشجع سرا ترشح سليمان فرنجية -ينحدر من عائلة سياسية قديمة في شمال البلاد، وإقطاعي كلاسيكي، متحالف تماما مع محور دمشق طهران- لمنصب رئيس الجمهورية، وتطلب من السعوديين إقناع النواب اللبنانيين السنّة بذلك.

أليس من السذاجة أن تصدق فرنسا أن فرنجية سيحافظ على وعده بتشجيع الإصلاح، بذريعة أنه صريح؟”. موضحا أنه منذ أواخر السبعينات، احتلت سوريا وإيران لبنان أو سرقتاه أو استغلتاه فقط لتلبية مصالحهما الخاصة. وهاتان الدولتان تتحكمان برئيس مجلس النواب اللبناني، الذي يمتلك حق النقض شبه المطلق. فلماذا تريد باريس منح الدولتين أيضا مقعد رئيس الجمهورية؟ ألا يجب أن تستغل فرنسا المصالحة الإيرانية- السعودية للتوصل إلى حل وسط بشأن شخصية إصلاحية حقيقية؟.

ليس من غير الصحي أن تسعى فرنسا ذات يوم لإعادة سوريا وإيران إلى ساحة الأمم. لكن الرغبة في منحهما مفاتيح لبنان اليوم أمر غير متناسق بالمرة.

*كاتب وجيوسياسي فرنسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى