أقلام وأراء

لن تسقط الجرائم الصهيونية بالتقادم : 73 عاما على مذبحة دير ياسين

نواف الزرو *- 8/4/2021

كما في كل عام، نحرص على استحضار الاحداث الكبيرة في المشهد الفلسطيني  منذ النكبة وحتى اليوم، على اعتبار اننا كأمة في اشتباك مفتوح عابر للاجيال والازمان مع المشروع الصهيوني، وعلى اعتبار ان الجرائم والمجازر الصهيونية المتواصلة ضد شعبنا لا ولن تسقط بالتقادم  ولا ولن تمحى من الذاكرة الوطنية.

واليوم وفي الذكرى الثالثة والسبعين على مذبحة دير ياسين نستحضر اهم واخطر التفاصيل المتعلقة بالمذبحةالتي كان لها ذلك التأثير المعنوي الكبير على الفلسطينيين وعلى مجريات ومخرجات ونتائج تلك الحرب -المزعومة- عام 1948.

فتتحدث الذاكرة الوطنية الفلسطينية عن أن المجزرة الجماعية التي نفذتها القوات الصهيونية ضد أهالي بلدة دير ياسين كانت الأخطر والأشد تأثيراً على مجريات حرب 1948 ونتائجها ، حيث استثمرها القادة الصهاينة في نشر الإرهاب والرعب في نفوس العرب .  ونعود اليوم ونحن امام الذكرى الثانية والسبعون للنكبة والمجزرة لنذكر بتفاصيل المجزرة كما وقعت فهي كما وثقت في عدد من المصادر كما يلي:–

“قبيل بزوغ فجر يوم الجمعة التاسع من نسيان عام 1948 وتحت جنح الظلام توجه أكثر من 100 شخص من عصابات الأرغون والهاغاناه الإسرائيلية مسلحين بالرشاشات والبنادق الاوتوماتيكية والقنابل اليدوية والمدى للقيام بمهمة أمر بها الإرهابي المعروف مناحيم بيغن .

تتمثل تلك المهمة في إفراغ قرية دير ياسين العربية الفلسطينية من سكانها العرب والقضاء عليهم أو في احسن الاحتمالات ، اضطرارهم تحت وابل النيران إلى النزوح إلى مدينة عين كارم المجاورة التماساً للنجاة ، وضحى هؤلاء بعنصر المباغتة عندما أرسلوا في مقدمتهم سيارة عسكرية مصفحة ومسلحة ، حيث دخلت القرية وطلبت من أهلها عبر مكبر الصوت إخلاء قريتهم ، ولكن المواطنين تصدوا للسيارة وأمطروها بوابل من النيران جعلها تنحرف لتقع في خندق عند مدخل القرية مؤذنة بنشوب المعركة .

كانت المقاومة العربية الفلسطينية فوق توقعات العصابات الصهيونية التي كانت تنوي ، مع سبق الإصرار ، إخلاء القرية وقتل من فيها ، ووصلت المعركة إلى نهايتها بعد الظهيرة وسيطر العصابات الصهيونية على القرية وتم حشر الفلسطينيين الذين اسقط في أيديهم في سيارات عسكرية طافت بهم شوارع القدس الغربية ثم القدس الشرقية حيث تم إنزالهم ، وقد لقي العشرات من الشيوخ والنساء والأطفال حتفهم في هذه المذبحة فيما قتل خمسة من العصابات وجرح أكثر من ثلاثين شخصاً ”  .

وتختلف بعض الروايات حيال أحداث المعركة عن بعضها الآخر ففي حين يقال ” أن جنوداً عرب ، معظمهم عراقيون ، كانوا يتخذون مراكز لهم في دير ياسين منذ شهر آذار 1948 ، تنفي غيرها هذه المقولة وتؤكد أن عصابات الأرغون وليحي كانوا يتوقعون عند دخول القرية أن يغادر أهلها منازلهم ، ولكنهم فوجئوا بالمقاومة العنيفة وإطلاق النار من كل منزل تقريباً إلى أن رجحت كفة العصابات بعد معركة استمرت من الخامسة صباحاً حتى الثانية بعد الظهر ،وكانت القرية أشبه بقلعة محصنة وتم الاستيلاء على كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر هي التي مكنت أهل القرية من الصمود كل تلك المدة .

وانتشرت أقوال بـ”أن الفظائع التي ارتكبت خلال تلك المجزرة تجل عن الوصف حيث شوهدت الجثث ممثلاً بها والمدنيون قتلوا طعناً بالسكاكين والمدى ، وثبت أن حالات إعدام حصلت بعد انتهاء المعركة بوقت طويل ، وأورد مئير بعيل في تقرير رفعه إلى رؤسائه في عصابة الهاغاناة مقتطفات من شعر يهودي قيل بعد المذابح التي حصلت لليهود في روسيا عام 1903 جاء فيه بعنوان مدينة القتل ” انهضوا الآن واذهبوا إلى مدينة القتل وشاهدوا الدماء المتناثرة والأدمغة المبعثرة والأعضاء المقطعة للقتلى على الجدران والحجارة والأسيجة والطين وفي كل مكان “.

ويضيف بعيل ” أن مقاتلي العصابات السرية قاموا بعرض 23 سجيناً عربياً في شارع محنيه يهودا أمام جمهور كبير من المتفرجين ثم ساقوهم إلى أحد مقالع الحجارة قرب منطقة جيفات شاؤول الحالية وأعدموهم جميعاً ”  .

وتوالت الأنباء عن فظائع اليهود بعد أيام من المذبحة ، حيث قام جاك رينيه ممثل الصليب الأحمر في القدس بزيارة دير ياسين يوم 11/4/1948 وقال “أن عدد الضحايا فاق 350 شخصاً وهو يزيد عن التقديرات التي أوردتها المصادر العربية”.

وقال الضابط البريطاني الذي تولى التحقيق” أن هناك شواهد عديدة على حدوث حالات اغتصاب للنساء على أيدي اليهود المهاجمين، وكذلك الكثير من طالبات المدارس تعرضن للاعتداء الجنسي الوحشي عليهن ثم تم الإجهاز عليهن ذبحاً ، كما تم الاعتداء على نسوة متقدمات في السن”.

كما جاء في وصف المجزرة: “بدأ الهجوم والأطفال نيام في أحضان أمهاتهم وآبائهم ، وقاتل العرب كما يقول مناحيم بيغن في حديثه عن المذبحة ” دفاعاً عن بيوتهم ونسائهم وأطفالهم بقوة ” ، فكان القتال يدور من بيت لحم ، وكان اليهود كلما احتلوا بيتاً فجروه ، ثم وجهوا نداء للسكان بوجوب الهروب أو ملاقاة الموت ، وصدق الناس النداء فخرجوا مذعورين يطلبون النجاة لأطفالهم ونسائهم ، فما كان من عصابات شتيرن والأرغون إلا أن سارعت بحصد من وقع في مرمى أسلحتهم ، وبعد ذلك أخذ الإرهابيون يلقون القنابل داخل البيوت ليدمروها على من فيها ، في صورة همجية قل ما شهدت مثلها البشرية إلا من حثالات البشر ، وكانت الأوامر تقضي بتدمير كل بيت ،وسار خلف رجال المتفجرات إرهابيو الأرغون وشتيرن فقتلوا كل من وجد حياً ، واستمر التفجير بهذه الهمجية حتى ساعات الظهر من يوم 10 أبريل 1948 ، ثم جمعوا الأحياء إلى جانب الجدران وحصدوهم بالرصاص”.

ثم جاءت وحدة من الهاغاناه بقيادة بنشورين شيف ” فحفرت قبراً جماعياً دفنت فيه مائتين وخمسين جثة عربية أكثرهم من النساء والأطفال والشيوخ”.

وروي الناجون من المذبحة شهاداتهم للسلطات البريطانية قائلين: “أن عائلات كاملة تم إيقافها بجوار الحائط ثم أطلقت عليها النيران من البنادق ، بنات صغيرات تم اغتصابهن ، امرأة حامل تم ذبحها أولاً ثم بقروا بطنها بسكين جزار، حاولت فتاة صغيرة أخذ الجنين من بطن المقتولة فتم إطلاق النار عليها ، بعض أعضاء الأرغون أحالوا  الجثث إلى قطع بسكاكينهم ، ثم قطع أو جرح أيدي النساء وآذانهم لسرقة أساورهم أو خواتمهم “.

ويقول عنها المؤرخ الإسرائيلي أرييه يتسحافي وهو باحث في الجيش الإسرائيلي : ” إذا أجملنا الحقائق ندرك أن مجزرة دير ياسين كانت إلى حد بعيد طابعاً مألوفاً لاحتلال قرية عربية ، ونسف أكثر عدد من المنازل فيها ، وقد قتل في هذه العمليات الكثير من النساء والأطفال والشيوخ” .

ويقول مئير بعيل أيضاً في يديعوت أحرونوت: “بدأ رجال” إتسل” مذبحة مخجلة بين السكان ، والرجال والنساء والشيوخ والأطفال دون تمييز ، أوقفوهم بجانب الجدران وفي الزاويا داخل المنازل ، وكان عدد القتلى 245 شخصاً ، وثمة شهادات مصورة تثبت ذلك”، ويضيف في مكان آخر: “لقد كانت في دير ياسين مذبحة ، كانوا يتنقلون من بيت إلى بيت ، وهم يذبحون ويقتلون ” ، وقال أنه ” يملك صوراً ” لكنه لم يتم الكشف عنها في أرشيف الحكومة حتى بعد وفاته في 1986.

وقد فاخر مناحيم بيغن بهذه المذبحة في كتابه “التمرد”، قائلاً: “كان لهذه العملية نتائج كبيرة غير متوقعة ، فقد أصيب العرب بعد أخبار دير ياسين بهلع قوي فأخذوا يفرون مذعورين ” .. فمن أصل 800 ألف عربي كانوا يعيشون على أرض إسرائيل الحالية ( يعني المحتلة عام 48) لم يتبق سوى 165ألفاً ، وبذلك يعتبر بيغن أن العملية خدمت استراتيجية الحركة الصهيونية ، ويعيب على من تبرأ منها من زعماء اليهود ويتهمهم بالرياء !! ، ويقول بأنها ” تسببت بانتصارات حاسمة في ميدان المعركة ” ، ويصل الحد ببعضهم ليدعى أنه : بدون دير ياسين ما كان ممكناً لإسرائيل أن تظهر إلى الوجود، “وقد بقيت اتسل فيما بعد متمسكة بمواقفها تجاه المجزرة ، ولم تحدث عليه أي تغيير ، وذلك خلافاً لليحي التي دافعت عنها في بداية الأمر بكل قوة معتبرة ما ارتكبته عناصرها بمثابة ” واجب  إنساني”.

وهناك بطبيعة الحال المزيد والمزيد من التفاصيل المرعبة المتعلقة بهذه المذبحة التي اقترفتها التنظيمات الارهابية الصهيونية والتي كان لها الاثر المعنوي الكبير على الفلسطينيين، ولتشكل هذه المجزرة البشعة الصارخة نموذجا صارخا على استراتيجية الارهاب والمجازر المفتوحة ضد اهلنا في فلسطين حتى اليوم…!

*نواف الزرو – كاتب صحفي فلسطيني وباحث خبير في شؤون الصراع العربي- الصهيوني .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى