أقلام وأراء

كيف قرأت إسرائيل وثيقة “إعلان القدس” للشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة؟

أنطـوان شلحـت

أنطـوان شلحـت 18/07/2022 

لدى التفاتة سريعة إلى وجهة النظر الإسرائيلية حيال زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى منطقة الشرق الأوسط والتي شملت إسرائيل، ومدينة القدس الشرقية، ومدينة بيت لحم التي عقد فيها لقاءً مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والمملكة العربية السعودية التي شارك خلالها في “قمة جدّة” بحضور زعماء دول مجلس التعاون الخليجي الست وكل من مصر والأردن والعراق، ليس من العسير ملاحظة أن النتيجة الأهم، بالنسبة إليها، تمثلّت في توقيعه “إعلان القدس” للشراكة الاستراتيجية، سويةً مع رئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لبيد.

طبعاً على أعتاب زيارة بايدن هذه، أوحت أغلب التصريحات الإسرائيلية باحتمال أن تترتب عليها إنجازات لا تقتصر على العلاقات الثنائية الاستراتيجية بين إسرائيل والولايات المتحدة فقط، بل أيضاً أن تتعدّى ذلك إلى الإقليم كلّه، سواء فيما يتعلّق بتعميق سيرورة التطبيع العربي مع إسرائيل (ولا سيما من جانب السعوديّة)، أو إقامة أحلاف وهياكل عسكرية لمكافحة البرنامج النووي الإيراني، وكبح تطلعات طهران إلى الهيمنة في الشرق الأوسط، وفقاً لتشخيصها إسرائيلياً. وبرز في مقدمة تلك التصريحات قول رئيس الحكومة لبيد نفسه: “إننا في بداية أسبوع تاريخي، فبايدن هو أحد أفضل الأصدقاء الذين عرفتهم إسرائيل على الإطلاق في السياسة الأميركية، وهو الشخص الذي قال عن نفسه ’لا ينبغي أن تكون يهودياً لكي تكون صهيونياً. أنا صهيوني’” (وهو قول كرّره بايدن في سياق كلمته خلال حفل استقباله في إسرائيل).
ولكن مع تبخّر معظم هذه التوقعات عاد التركيز على وثيقة “إعلان القدس”.

وبموجب جلّ القراءات الإسرائيلية فإن أكثر ما تثبته وثيقة “إعلان القدس” هو أنه بالنسبة إلى الولايات المتحدة، لا صوت يعلو في الشرق الأوسط على صوت أمن إسرائيل وتفوّقها، تمهيداً لعهد دمجها في المنطقة العربية.

وقبل أي شيء آخر، ركّزت هذه القراءات على اختيار مدينة القدس لإصدار هذا الإعلان ولخلع اسمها عليه، مشيرة إلى أن هذا الاختيار ينطوي على موقف أميركي نهائي حيال مصير القدس وحيال اعتراف واشنطن بها “عاصمة أبدية لدولة إسرائيل”، في إبان ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.

ومن ثمّ انطلقت القراءات إلى تأكيد أن قيام وثيقة “إعلان القدس” بتصنيف إيران، وإن بشكل ضمنيّ، باعتبارها التهديد الرئيس في الشرق الأوسط، جاء بالأساس على خلفية ما تشكّله هذه الأخيرة من خطر على أمن إسرائيل، لا بسبب ما تقوم به في بعض الدول العربية، أو في كل ما يتعلق بملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرّيات العامة، وذلك في علاقة مباشرة مع الأمن القومي الأميركي، أو كما جاء في “إعلان القدس” نفسه أنه “تماشياً مع العلاقة الأمنية الطويلة الأمد بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والالتزام الأميركي الراسخ بأمن إسرائيل ولا سيما الحفاظ على تفوّقها العسكري النوعي، تؤكد الولايات المتحدة التزامها الثابت بالحفاظ على قدرة إسرائيل على ردع أعدائها وتعزيزها والدفاع عن نفسها ضد أي تهديد أو مجموعة من التهديدات. وتؤكد الولايات المتحدة مجدّداً أن هذه الالتزامات مُقدّسة من الحزبين (الديمقراطي والجمهوري)، وأنها ليست التزامات أخلاقية فحسب، بل أيضا التزامات استراتيجية ذات أهمية حيوية للأمن القومي للولايات المتحدة نفسها. وتؤكد الولايات المتحدة أن جزءاً لا يتجزأ من هذا التعهد هو الالتزام بعدم السماح لإيران مطلقاً بامتلاك سلاح نووي، وأنها مستعدة لاستخدام جميع عناصر قوتها الوطنية لضمان هذه النتيجة. كما تؤكد الولايات المتحدة التزامها بالعمل مع الشركاء الآخرين لمواجهة العدوان الإيراني والأنشطة المزعزعة للاستقرار، سواء أكانت مدفوعة بشكل مباشر، أو من خلال وكلاء ومنظمات إرهابية”.

ووفقاً لما شدّدت عليه مصادر أمنية إسرائيلية رفيعة المستوى، من بينها اللواء احتياط عاموس يدلين، الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية “أمان”، ثمة في “إعلان القدس” أمر لم تلتفت إليه وسائل الإعلام بما فيه الكفاية وهو التعاون التكنولوجي، إذ إنه يحتوي على إشهار لتحالف تكنولوجي. ومما قاله يدلين: “إننا لا نتطلع إلى إقامة حلف دفاعي مع الولايات المتحدة، ولا نريد إرسال الجيش الإسرائيلي إلى أفغانستان ولا نريد أن تسيل في أراضي إسرائيل نقطة دم أميركية واحدة، غير أن التعاون التكنولوجي مهم جداً. وللولايات المتحدة تعاون من هذا الصنف فقط مع ثلاث دول مستعدة لأن تتقاسم فيما بينها التكنولوجيات المتطورة التي تمتلكها (وهي بريطانيا وأستراليا واليابان) وأضيفت إليها الآن إسرائيل”.

وبحسب ما جاء في الإعلان أيضاً، تشير الولايات المتحدة وإسرائيل “إلى أنه لا يوجد شيء يعكس الدعم الثابت والحزبي للولايات المتحدة لأمن إسرائيل على نحو أفضل، أكثر من مذكرات التفاهم غير المسبوقة بشأن المساعدات الأمنية التي وقعتها الإدارات الأميركية المتعاقبة على مدى العقود القليلة الماضية، فهذه الترتيبات تبرهن بالكلام والفعل على أن الولايات المتحدة تعتبر أن أمن إسرائيل ضروري لمصالح الولايات المتحدة وركيزة للاستقرار الإقليمي”. ويؤكد “إعلان القدس” أن الولايات المتحدة تدعم بقوة تنفيذ بنود مذكرة التفاهم التاريخية الحالية البالغة 38 مليار دولار بالكامل (تم توقيعها في العام 2016)، والتي تحترم التزام الولايات المتحدة الدائم بأمن إسرائيل، فضلاً عن قناعتها بأن مذكرة التفاهم اللاحقة يجب أن تعالج التهديدات الناشئة والحقائق الجديدة. وبالإضافة إلى ذلك تلتزم الولايات المتحدة بالسعي للحصول على مساعدة دفاعية صاروخية إضافية تتجاوز مستويات مذكرة التفاهم، في ظروف استثنائية مثل “الأعمال العدائية من (حركة) حماس على مدى 11 يوماً في أيار 2021″، حيث قامت الولايات المتحدة بتقديم مليار دولار إضافي على ما تضمنته مذكرة التفاهم من أجل تمويل تكميلي لمنظومات الدفاع الصاروخية. وأعرب الإعلان عن حماسة الدولتين “للمضي قدماً في الشراكة الدفاعية بينهما من خلال التعاون في تقنيات الدفاع المتطورة، مثل أنظمة أسلحة الليزر عالية الطاقة للدفاع عن سماء إسرائيل، وفي المستقبل عن سماء الشركاء الأمنيين الآخرين للولايات المتحدة وإسرائيل”.

إجمالاً، يمكن القول بناء على هذه القراءات الإسرائيلية إن “إعلان القدس” من شأنه أن يلخص أسس التحالف الثنائي بين الولايات المتحدة وإسرائيل في المرحلة المقبلة والتي سيقف في صلبها أمن هذه الأخيرة، وربما يوضّح أبرز مفاصل السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وهذا من دون أن يعني أن كل ما ترغب فيه الولايات المتحدة على المستوى الأبعد، والمقصود المستوى الإقليمي، يمكن أن تنجزه، مثلما أثبتت على الأقل الوقائع التي حدثت بعد صدور الإعلان، وخصوصاً عقب مشاركة الرئيس الأميركي في “قمة جدّة”.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى