شوؤن دولية

كيسنجر يحذر من حرب عالمية إذا لم تحل الصين وأميركا خلافاتهما

أحمد مصطفى *-  9/10/2020

الظروف الحالية تشبه ظروف أوروبا قبل الحرب العالمية الأولى  

حذر هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأميركي في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون، من الانزلاق نحو حرب عالمية، ما لم تضع الولايات المتحدة والصين “حدوداً للتهديدات المتبادلة” بينهما.

لا تفوق أحادي

وقال الدبلوماسي المخضرم، البالغ من العمر 97 عاماً، إن على الولايات المتحدة أن تدرك أنه لم يعد بالإمكان تحقيق “تفوق أحادي الجانب” في مجالات القوة الاقتصادية والتكنولوجية.

ويُعد كيسنجر، مهندس العلاقات الصينية – الأميركية منذ أن زار بكين عام 1971 تمهيداً لزيارة الرئيس الأميركي نيكسون، لتبدأ مرحلة علاقات بين بكين وواشنطن بعد عقود من العزلة الدولية للصين. وكانت استراتيجية كيسنجر وقتها أن تحقق الولايات المتحدة تفوقاً استراتيجياً على الاتحاد السوفياتي (السابق) خلال الحرب الباردة. وكانت بكين وموسكو على خلاف، رغم أنهما دولتان يحميهما الحزب الشيوعي في كل من البلدين.

ومنذ ذلك الحين تطورت الصين لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ومنافساً رئيساً للولايات المتحدة.

وشارك وزير الخارجية الأسبق، ليلة الأربعاء صباح الخميس، في ندوة بالفيديو عبر الإنترنت للنادي الاقتصادي في نيويورك مع رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي لولاية نيويورك، حيث دعا أميركا والصين للحد من الصراع المتفاقم بينهما.

وقال هنري كيسنجر “على قادتنا وقادة الصين مناقشة الحدود التي يتعين عدم تجاوزها في إطلاق التهديدات وكيف يتم الاتفاق على تلك الحدود”. وأكد أن هذه المسألة ليست حزبية، وأنه على الأميركيين مناقشة الأمر على مدى سنوات وبين الحزبين (الرئيسين في الولايات المتحدة: الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي).

وحذر الدبلوماسي الأميركي المخضرم من أنه “يمكن القول إن ذلك أمر مستحيل، لكن إذا كان كذلك فعلاً، فسننجرف إلى وضع يشبه الحرب العالمية الأولى”. وشرح كيسنجر ذلك بالقول، إن الحكمة التقليدية في السنوات السابقة على الحرب العالمية الأولى التي اندلعت في صيف عام 1914 كانت الاستبعاد الحربي بين القوى العظمى وقتها، لكن في الوقت الذي لم يكن فيه زعماء العالم يأخذون خطر الحرب على محمل الجد كانوا يراكمون قدرات عسكرية واستراتيجيات جعلت الحرب أكثر احتمالاً. وشبه السباق التكنولوجي وقتها بالتنافس الحالي هذه الأيام، حيث تسعى كل من الولايات المتحدة والصينلتحقيق تفوق مطلق في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي.

تحدٍ تاريخي

وبدلاً من تحول التنافس إلى صراع، طرح هنري كيسنجر أن على أميركا “التفكير في عالم اقتصادي لا يمكن فيه لأي بلد آخر أن يقوم بابتزازنا، على ألا يعني تحقيق هذا الهدف مواجهة كل احتمالات القدرات التكنولوجية للبلدان الأخرى وإضعافها. وهذا تحدٍّ كبير لأي إدارة، وليس تحدياً حزبياً، إنه تحدٍّ تاريخي لأنه لا يمكننا إعادة النظر فيه كل أربع أو ثماني سنوات. وإذا لم نحسم هذا الأمر بوضوح فيما بيننا، فلن يمكننا التعامل مع الدول الأخرى”.

وعلى الرغم من تراجع حدة الخلافات قليلاً بين واشنطن وبكين بسبب انشغال الإدارة الأميركية بمواجهة وباء فيروس كورونا (كوفيد-19) وأعمال العنف العنصرية في البلاد، فإن إصرار إدارة الرئيس دونالد ترمب على تحميل الصين مسؤولية انتشار وباء كورونا في العالم يُبقي الصراع قائماً. وكذلك تواصل واشنطن إجراءاتها لتحجيم أي تطور تكنولوجي صيني باستهداف شركات مثل هواوي ومجموعة “بايت دانس” المالكة لتطبيق “تيك توك”، وغيرها. كما أن تصريحات المرشح الرئاسي عن الحزب الديمقراطي جو بايدن، وإن كانت تشير إلى مفاوضات مع الصين، لكنها تتخذ أيضاً موقفاً متشدداً قد يُبقي الصراع الاقتصادي والتكنولوجي بين واشنطن وبكين مستمراً.

التنافس التكنولوجي

لذا، حذر كيسنجر من أن طبيعة التنافس التكنولوجي وصناعات المستقبل تجعل من الصراع الصيني – الأميركي أكثر خطورة؛ إذ من الممكن لتكنولوجيا مثل تقنيات الذكاء الاصطناعي أن تقود إلى تفكير في صراع صفري النتيجة، بمعنى أن الفائز فيه يحصل على كل شيء.

وقال وزير الخارجية الأسبق “المرة الأخيرة التي كان لدينا فيها تغيير تكنولوجي مماثل كانت قبل مئات السنين، خلال عصر النهضة، حين اخترعت الطباعة وأصبح من الممكن توزيع المعرفة بشكل غير مسبوق”. لكنه أوضح أن الفارق بين ذلك الوقت والآن، أنه “كان وقتها هناك تفكير فلسفي يتطور ويوفر إطاراً مفاهيمياً للمجتمعات للتعامل مع التكنولوجيا الجديدة. أما الآن في عالم اليوم، فإن التفكير التكنولوجي يتقدم بمراحل على التفكير المفاهيمي”.

وسبق أن حذر كيسنجر في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، قبل توقيع المرحلة الأولى من اتفاقية التجارة بين الولايات المتحدة والصين، من أن الصراع بين واشنطن وبكين “على حافة حرب باردة”، ويمكن أن يتجه نحو حرب أسوأ من الحرب العالمية الأولى. وقال في كلمة له أمام منتدى الاقتصاد الجديد في بكين “إذا سُمح للصراع (بين أميركا والصين) بالاستمرار دون احتوائه، فإن النتيجة قد تكون أسوأ مما حدث لأوروبا (الحرب العالمية)”.

*صحافي متخصص في الشؤون الدولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى