شوؤن عربية

الخاسرين والطامعين من الانسحاب الروسي من سوريا

كريم يونس

كريم يونس – مركز الناطور 25-05-2022

تتواصل أنباء نقل القوات الروسية من سوريا  وتوجهها الى اوكرانيا، وذلك بعد الضغوط العسكرية والاقتصادية على روسيا، ما سيفتح الباب امام العديد من الاطراف الاقليمية للاستفادة وملء الفراغ الذي سيتركه الانسحاب الروسي من سورية التي تشهد اضطرابات ذات ابعاد داخلية واقليمية ودولية منذ عدة سنوات.

وكانت مصادر صحفية قد أشارت الأيام الماضية، الى ان روسيا ، وفي اطار اعادة انتشار قواتها العاملة في سورية ، ستقوم بسحب مقاتليها من سوريا ونقلهم الى أوكرانيا، وهو الامر الذي فتح باب التكهنات امام مستقبل سوريا التي قد تصبح ساحة لتصفية حساب بين الاطراف الاقليمية المتصارعة في سورية.

وعلى الرغم من عدم تأكيد روسيا لهذه الانباء، وعدم ملاحظة اي عمليات إعادة تموضع للقوات الروسية في سوريا، إلا أن الكثير من المعطيات والتقارير ترجح الانسحاب الروسي من سوريا وتخفيف نشاطاتها هناك، ونقل عدد لا باس به من قواتها الى الساحة الاوكرانية في ظل الحاجة لتوفير خطط هجومية شاملة تمكنها من السيطرة على أقاليم اوكرانية بالكامل، حتى تتمكن روسيا  من تحديد موعد مناسبة لها لوقف الحرب.

ما بين الأمنيات للبعض والقلق للآخرين، وهذا واضح في موقفي ايران واسرائيل،  حيث تنظر ايران بارتياح وتحفز كبير لانباء الانسحاب، حيث تتمثل استفادة إيران المباشرة في إمكانية سيطرتها على القواعد الروسية بعد نقل الأصول الجوية من سوريا إلى أوكرانيا.

في المقابل تجد اسرائيل قلقة ومتخوفة من ازدياد القوات الايرانية في سوريا ، بعد تحجيم نفوذها في سوريا لفترة من الزمن بفضل النفوذ الروسي والضربات الاسرائيلية المتكررة التي حجمت بصورة كبيرة من الطموحات الايرانية في سورية.

وتشير التوقعات الى انه وفي حال انسحب الجزء الاكبر من القوات الروسية من سوريا، ستقف إيران أمام واقع مختلف لتوسيع نفوذها على ارض الواقع، منفردة بالنظام السوري وتملي عليه شروطها مقابل تعويض الخروج الروسي، لتقوم ايران بالدفع بوحداتها وتكريس حضور ميليشياتها وتمكين الحرس الثوري وحزب الله اللبناني من السيطرة على بعض القواعد التي أُخليت، ما يعني امتلاك أوراق إضافية لتأثير بشكل أكبر على نظام الرئيس بشار الأسد، بل تعزيز نفوذها بشكل أوسع بالمنطقة بأسرها، علاوة على ما يمكن أن تستحوذ عليه من حرية ميدانية على حساب الجيش السوري في غياب التأمين الجوي الروسي.

ومن الجدير بالذكر فقد كان هناك اتفاق على عملية إعادة انتشار القوات في اطار خطة مشتركة بين ايران وروسيا، مثل ما جرى في موقعين عسكريين بريف حمص الشرقي عقب بدء الحرب الأوكرانية مباشرة، يبدو أن ايران بجهود الميليشيات المرتبطة بها تتجه للتصرف بأحادية، بعد تزايد مزاعم التقليص الكبير لأعداد القوات الروسية في سوريا.

ولا تقتصر مضاعفة النفوذ الايراني على الجانب العسكري فقط، وإنما ستشمل الجانب الاقتصادي، حيث ستجد ايران الفرصة لتسريع تنفيذ مشاريعها المعلقة مع الحكومة السورية، بعد الانسحاب الروسي وعدم تنفيذ المشاريع الاقتصادية التي اتفقت روسيا على تنفيذها مع الحكومة السورية.

وتعكس التطورات الأخيرة تغييرا في المعادلة السابقة التي كرستها روسيا على مدار الأعوام السابقة، منذ تدخلها العسكري في سوريا عام 2015، حيث كانت روسيا هي من تبسط نفوذها على حساب إيران، اصبحت ايران في الوقت الحالي تسعى لبسط أفضليتها لتحقيق نفس الهدف بعد تزايد انشغال روسيا بحربها في أوكرانيا.

وتبدي موسكو تخوفها حيال الانسحاب من سورية ، لأن كل تغيير في مستوى الحضور الروسي في سوريا ينعكس على مخططها بعيد المدى في تأمين موقع استراتيجي متقدم لها في مواجهة الولايات المتحدة وحلف الناتو ومواجهة التفاهمات التركية – الامريكية، لذلك من المتوقع، ان تخفف روسيا تواجدها ومستوى نشاطها العسكري في بعض المناطق لكنها لا تتخلى بالكامل عن نفوذها وتموضعها في ساحة من أهم مواقع تمركزها الإستراتيجي بالعالم. خاصة في ظل السيناريوهات التفاهمات الأميركية – التركية في هذا السياق، ومن المرجح ان تقوم امريكا بمنح تركيا، تنازلات بشأن ملف قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، مقابل ان تكون تركيا أكثر فاعلية وتأثيرا في ترجيح كفة أميركا والغرب في الصراع الاوكراني الروسي.

وتنظر تركيا بارتياح وتحفز إلى أنباء نقل القوات الروسية من سوريا إلى أوكرانيا، ما يسمح لتركيا بتوسيع نفوذها في الساحة السورية وتنفيذ خططها على الأرض من دون ممانعات روسية. وتوفرت معلومات عن قيام تركيا بعدة إجراءات اخيرة ضد روسيا في سياق التفاهمات مع امريكا، فمنعت السفن الروسية من العبور إلى البحر الأسود عبر مضايقها، ومنعت مرور الطائرات الروسية المحملة بالجنود والأسلحة لقواعدها في سوريا عبر الأجواء التركية. ووفق التقديرات فانه سواء كان الانتقال الروسي استراتيجيا ام تكتيكيا ، فإن توتر الوضع التركي – الروسي، اصبح علنياً ويهدد الاوضاع في إدلب بالانفجار وانهيار تفاهمات أستانة، وتهديد مناطق نبع السلام وغصن الزيتون ودرع الفرات، ما يسمح بتوسيع نطاق المواجهات بهدف استنزاف روسيا على عدة جبهات مختلفة.

ويبدو التحفز التركي لسيناريوهات تخفيض روسيا لقواتها بسوريا، التي تعتبر الساحة الرئيسية التي تخطط حكومة العدالة والتنمية لجعلها مفتاح الحل لأزمتها في الانتخابات المقبلة، التي من المتوقع أن تُجرى في موعدها المعلن خلال يونيو من العام المقبل، ويشكل ملف اللجوء السوري أحد أهم محاور التنافس الانتخابي فيها.

ويخطط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتوطين أكثر من مليون ونصف من اللاجئين السوريين في بلاده بمناطق شرق وشمال سوريا، وتعد هذه المناطق آمنة وتقع تحت سيطرة فصائل وتنظيمات جهادية سنية تابعة لتركيا، مثل هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة سابقا”، بعدما كانت روسيا تعتبر العائق الرئيسي لتنفيذ الخطط التركية، حيث كانت القوات الجوية الروسية تسهتدف المواقع التركية بشكل مستمر في تلك المناطق ومناطق جبل الزاوية والتركمان، بحجة تلك المناطق تشهد انتهاكات عدة من قبل الفصائل الجهادية المسلحة التابعة لتركيا، وتعتبر مناطق غير آمنة أو مهيأة لاستقبال الأعداد الضخمة من اللاجئين.

ويتطلع تنظيم داعش للاستفادة من امكانية سحب روسيا أعدادا كبيرة من وحدة “صائدو داعش” في الجيش السوري التي تعتبر من افضل العناصر الموجودة في الجيش السوري، ونقل عناصر من اللواء الثامن وغيرهم، للمشاركة في القتال في أوكرانيا. وكانت القيادة العسكرية الروسية أبدت رغبتها في تجنيد ما يقارب 2000 مقاتل سوري من القوات الخاصة والفرق المتخصصة في مواجهة عناصر تنظيم الدولة، تمهيدا لنقلهم على دفعات إلى أوكرانيا.

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى