كريم يونس: الحرب والمفاوضات بين وسائل الاعلام والواقع

كريم يونس 25-07-2025 الحرب والمفاوضات بين وسائل الاعلام والواقع
بعد حرب ممتدة لاكثر من ٦٥٠ يوم من الدمار والقتل والنزوح المستمر والتجويع، حرب ابادة بمختلف الطرق والادوات، والموت يصاحب الفلسطيني.
مع اولى ساعات حرب الابادة على قطاع غزة، بدأت الحرب الاكبر بين الاعلام والواقع، الذي هو بالحقيقة ليس مجرد أداة من ادوات الاطراف المتنازعة، بين الاحتلال الاسرائيلي وبين حركة حماس.
الحرب بين الاعلام والواقع:
اعتمد الطرفان بشكل واضح وكبير على وسائل الاعلام المختلفة في محاولة كسب تعاطف ونصر على حساب الاخر فالحرب بينهم عربيةً وعالمياً، ولكن ما الفرق بينهما وما اوجه التشابه؟؟
الاحتلال الاسرائيلي:
في الساعات الأولى للسابع من اكتوبر استغل الاحتلال ما ظهر عبر وسائل اعلام عالمية وفلسطينية ”اعلام حماس“ من هجوم على منازل وحفلات يزعم بانهم مدنين امنين، وقام بوصفه بالارهاب، والارهاب هنا ليس ضد اسرائيل انما هو وصف اكثر تأثير على العالم الغربي، الذي يدعي انه يحاربه.. ولم يدقق ويحلل الاعلام الفلسطيني تلك الاوصاف الخطابات الموجهة لكسب تأييد عالمي ودعم دولي لبدء حرب ابادة بحق الشعب الفلسطيني متخذًا الحرب ضد الارهاب ذريعه لكل افعاله.
بدأ الاعلام الاسرائيلي باستراتيجية مخادعه بدس السم في العسل، بعد ادراكه لطبيعة اعتماد الاعلام الفلسطيني على الاعلام الاسرائيلي، الذي بات بمثابة المادة المناسبه للتحليل السياسي والعسكرية، ليؤكد دائما على التلاعب بمشاعر الجمهور الفلسطيني بالايجاب ومن ثم بالاحباط وهذا يجعل الكثير من متابعين الاعلامين الفلسطيني والاسرائيلي في حالة امل وانهيار مستمر…
حركة حماس:
كسبت حركة حماس من خلال الضربة الأولى في السابع من اكتوبر الجذب العالمي والسياسي، من خلال تصوير الضربات الأولى على انها أشياء اولية ولدينا الكثير لمحاربة الاحتلال وهزيمته، وهو ما جعل الكثير من المحللين يعتقدون انها حرب متساوية القوى لدى الطرفين.
ولكن رغم قوة اعلام حركة حماس، الذي نجح عبر وسائل التواصل الإجتماعي في اطلاق حملات دائمة لخلق بيئة نافعه للحركة وكسب تأييد جمهور اوسع عالميا، لم تقم الحركة بحسبان ان جيش الاحتلال سيقوم بحرب طويلة الامد من اتجاهات مختلفة، وليست سريعة كما خططت واعلنت في بداية الحرب انها قادرة على مواجهة الاحتلال لمدة ٦ اشهر، وهو ما اضر بالعملية الاعلامية في الكثير من الأحيان.
أيضاً رغم تلك القوة إلا انها تعتبر منقوصة لسببين: الاعتماد على الاعلام الاسرائيلي بشكل مبالغ فيه في بناء التحليلات والتوقعات لتحركات وخطوات الاحتلال عسكرية وسياسياً، السبب الاخر وهو عدم وجود استراتيجيات اعلامية فلسطينية من خلال قنوات وعناصر وادوات فلسطينية خالصه، ليجعل الحركة تلجأ لاعلام والشبكة الأقوى فالتأثير شبكة الجزيرة..
خلقت شبكة الجزيرة حالة اعلامية فريده من نوعها، تخدم بالاساس مصالح قطرية بامتياز، رسم الحالة الاعلامية لم يكن محض صدفة انما هو معد ومطبق منذ عدة سنوات، من قبل احد اهم القوى الناعمة في المنطقة وهي دولة قطر، استغلت قطر التقارب بينها وبين الطرفين على حداً سواه قادة حركة حماس متواجدين في قطر، والمصالح القطرية الاسرائيلية في المنطقه بتوجيهات امريكية، جعلت الحالة الاعلامية لكل طرف منهم يخدم مصالحه ويصور التقارب بين كل طرف على حدى مع قطر، فصورت الجزيرة المعارك في قطاع غزة على انها معارك متوازنة القوى، من جانب الحركة يخدمها في استمرار كسب الاحترام العالمي خاصة عربياً، وبدوره يساعد الحركة في جمع عدد اكبر من المتعاطفين مع طول الامد يصبحوا مؤيدين، وجمع الاموال اللازمة لهم، اما عن الجانب الاخر خدم الاحتلال في استمرار المعركة وذلك بسبب القوة الموجوده والمهددة لدولة اسرائيل.. والخاسر واحد هو الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
منذ بداية الحرب انهالت التحليلات والاخبار من قبل اعلامنا الفلسطيني، والمحللين العرب لمحاولة تصدر المشهد العام الذي يعتمد بشكل كبير على تلك التصريحات والصور والاخبار، دون التركيز وتحليل خطاب الطرفين وربطه بالواقع الفعلي للحرب في قطاع غزة.
اختلفت الروايات والادوات بين الحركة والاحتلال، واختلفت الاستراتيجيات بينهم، وتشابه الطرفان على البحث في مصالحهم وعدم الاكتراث بالروح الفلسطيني.
المفاوضات بين الاعلام والواقع:
مع انطلاق الحرب على غزة، بدأت الجهود الدولية والعربية تأخذ زمام المبادرة لوقف الحرب على قطاع غزة وإنقاذ ما يمكن انقاذه للشعب الفلسطيني..
اصطدمت الجهود المبذولة بالعديد من العقابات من قبل الطرفين، واستمرت مصر وقطر بعرض الاوراق التفاوضية المختلفة، منها ما تم رفضه من قبل الاحتلال واخر من قبل حركة حماس، اختلفت المطالب لدى كل طرف مع التغيرات التي فرضتها الحرب على ارض الواقع.
ولكن هل ما يقال عبر وسائل الإعلام المختلفة، كامل الحقيقة، ام للغرف المغلقة إسرارها، خاصة في الجهود المبذولة منذ استئناف الحرب مرة أخرى؟؟
جانب الاحتلال في المفاوضات عبر الاعلام واخر في الواقع
لا شك في قدرة القوة العسكرية لدى الاحتلال وما فعله من دمار وقتل وتجويع واجبار سكان القطاع على النزوح المتكرر والمستمر، مما خلق واقع اكثر قوة لصالحه، جعله يطالب بشروط اكثر تطرفاً، وشروط اكثر صعب تقبلها خاصة للعقلية المترسخة في عقول قادة الحركة..
صدر الاعلام الاسرائيلي بعض الحقائق وبعض الاختلافات بين زعيم الابادة نتنياهو، ووزرائه المتطرفين سموتريتش وبن غفير، على معارضتهما لاحراز تقدم في المفاوضات وانجاز صفقة تبادل..
وبمساعدة الولايات المتحدة والاعلام الغربي، رفع سقف التوقعات والامل لدى المواطنين وايضا قادة الحركة في الخارج، قام الاحتلال باستخدام الاداة الاكثر قوة لديه وهي الاعلام بين قنواته ومحلليه، ركز على شروط استسلام للجيش واصبح هناك مخاطر لتواجد القوات داخل قطاع غزة بسبب العمليات النوعية لعناصر حماس في مناطق متفرقه، التي اوقعت في الشهر الاخير ما يقارب ٣٠ جندي واصابة العشرات، وهو ما جعل البعض وجعل الحركة تعتقد اقرب لليقين بانها قادرة على تحقيق مكاسب عسكرية وسياسية، وخاصةً بعدما كانت خريطة تموضع القوات تقضم ٣٨٪ من اراضي القطاع، ومن ثم تنازلت لتصبح ما يقارب ٢٠ – ٢٥٪، ولكن في الحقيقة صدر الاعلام الاسرائيلي اخفاق كبير لديهم وانجاز اكبر لحركة حماس، وهو عكس الواقع الذي هو بالفعل حقق مكاسب كبيره اهمها قتل عدد من الفلسطينين، وتقليص ٢٥٪ من مساحة القطاع، اغتيال عدد من قادة المقاومة داخل القطاع، ورصد المتبقي بشكل دقيق..
وايضاً الاغراق في التفاصيل، شكل من اشكال فرض القوى واجبار الطرف الاخر “الاضعف” على طاولة التفاوض للابتعاد قدر كافي من الاطار الاستراتيجي للشكل العام القادم، وهو دائمًا ما يبحث عنه الاحتلال منذ بدء المفاوضات، لجعل حماس تبحث في الشؤون البسيطة وتتمسك بها، حتى يأتي بعد ذلك يحقق لها ذلك وتشعر كأنهآ انتصرت وحققت أهدافها “ارضاخ واذلال الاحتلال”…
حركة حماس في المفاوضات عبر الاعلام واخر في الواقع
ركزت حركة حماس في المفاوضات على تحقيق مكاسب سياسية تخدم الحركة، اكثر من البحث على مصالح الشعب الفلسطيني داخل القطاع، حيث ركزت حماس على ما يدور في وسائل الاعلام المختلفة، من تصريحات مختلفة واخبار يتناقلها الاعلام الدولي والاسرائيلي، وعدم ربطها بشكل وثيق ودقيق في الواقع داخل القطاع، وأيضاً على المشروع الاكبر شرق أوسط جديد، اخفقت حماس في تقدير الموقف حتى لصالحها، بعد وهم الاخبار والخداع من قبل الادارة الأمريكية، بإمكانية فتح قناة اتصال مباشره مع الادارة، وبذلك تضمن وجودها في اليوم التالي للحرب.
الواقع لدى حركة حماس الذي قد يكون اصعب من حالتها إعلامياً، فبعدما خسرت المجلس العسكري باستثناء عز الدين الحداد، وخسرت معظم عناصرها وافرادها في الجهاز الشرطي والعسكري، ومعظم القوى الاقتصادية داخل القطاع، جعلها تتشبث بما هو موجود حالياً..
داخل الغرف المغلقة، لاشك ان هناك الاسرار الكثيرة التي تحدث هنا وهناك، ولكن يبقى السؤال، بعد اقناع الوسطاء الطرفين بإحراز هدنة إنسانيه يتخللها مفاوضات وقف اطلاق نار دائم، ما الذي يمنع وصول الوسطاء لصيغة تقضي لاتفاق دون الاهتمام لمدى الانسحاب من قطاع غزة، وحماية المدنيين وادخال المساعدات الإنسانية اليهم وحماية ما تبقى، والا اذ كان الطرفين قد اتفقا بالفعل على اطالة امد المفاوضات ومن ثم حدوثها بعد التصعيد من العالم ، ومن ثم عودة الحرب واطالة امدها أيضاً..
ليبقى الفلسطيني مشرد ومجوع ولا يكترث احد لهمه…
استنتاجات:
١- الوسيط القطري اتفق مع الادارة الامريكية على تطبيق مشروع الصفقة الشاملة التي قد نسمعها عنها خلال الفترة المقبلة.
٢- الحرب الان اصبحت اعلامية تخدم اهداف استراتيجية لكل طرف على حدى والطرفين سوياً
٣- صفقة الشرق الأوسط الجديد بدأت تطبق على ارض الواقع، بعد الانتهاء من حركة حماس تنتهي مهمة نتنياهو بالخروج بصورة المنتصر وتبدأ اسرائيل بثوبها الجديد بعزل نتنياهو حتى لو كان مؤقتا
٤- التصعيد الامريكي هو مجرد اساليب اعلامية لخدمة احد الاطراف تكتيكيا، الذي قد يكون ضغط حقيقي ويسرع بتحقيق المأمول
٥- لم يحدث انهيار في المفاوضات، ولكنه يبقى القادم دون اي افق سياسية تخدم الشعب الفلسطيني، قد نرى اوراق أخرى بعد العمل العسكري القوي داخل القطاع
٦- قادة الحركة داخل القطاع تحت المجهر واقرب مما يتوقع البعض، قادة الخارج اقرب للذهاب لمكان بعيد
٧- الصفقة الشامله اقرب لتكون صفقة تجارية
٨- ويتكوف قال اساليب جديدة لاستعادة الرهائن، ترامب قال ورقة الرهائن اصبحت خاسرة، البساط سُحب من حماس الداخل، قوات الاحتلال وعملاءها يعملوا بقوة داخل القطاع