أقلام وأراءالاستيطان

الاستيطان يتمدد في البلدة القديمة في الخليل

كريم يونس 4-01-2023

تقع مدينة الخليل في بؤرة الاستهداف من مخططات الاستيطان التي تنفذها الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة منذ عدة سنوات، وفي ضوء استلام الحكومة اليمينية المتطرفة في اسرائيل مهام منصبها ، من المتوقع ان تصعد سلطات الاحتلال مخططاتها التهويدية في هذه المدينة التي تمثل ارثا تاريخيا اسلاميا للشعب الفلسطيني والامة العربية والاسلامية.

ويأتي الحرم الابراهيمي في الخليل على رأس اولويات مشاريع التهويد الاسرائيلية ، منذ مذبحة الحرم الابراهيمي في عام 1994م، حيث شرعت سلطات الاحتلال منذ ذلك التاريخ في مخطط التقسيم الزماني والمكاني للحرم بصورة سمحت لليهود بالسيطرة على الحرم وتحديد مواعيد الصلاة للمسلمين واليهود. ومن الجدير بالذكر فان سلطات الاحتلال تسيطر على أكثر من 55% من مساحة الحرم الإبراهيمي في البلدة القديمة من الخليل، جنوب الضفة الغربية. ولم يمنع إدراج الحرم الإبراهيمي ضمن لائحة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونسكو”  عام 2017،  اسرائيل من استكمال مخططاته واجراء العديد من الحفريات، وبناء مصعدٍ في الشق الذي يسيطر عليه الاحتلال، وإغلاقه فترة الأعياد اليهودية.

وتواصل سلطات الاحتلال محاولاتها السيطرة على البلدة القديمة، وتوسيع النشاط الاستيطاني بشكل مستمر، حيث إنّ 512 محلاً تجارياً مغلق بقرار عسكري، وأكثر من 1800 منزلٍ أفرغت من سكانها نتيجة سياسات الاحتلال. ووفق شهادات اهالي الخليل تقوم المحاكم الاسرائيلية  بإدخال المواطنين الفلسطينيين اصحاب الأراضي والأملاك والعقارات في المدينة، وخصوصا البلدة القديمة، في متاهات وتعقيدات عديدة، حتى يتمكن من مصادرة املاك الفلسطينيين لحساب المستوطنين وجيش الاحتلال.

ويوضح عضو لجنة الدفاع عن الخليل، هشام الشرباتي، أنّه قد تم تسريب العديد من الأملاك الفلسطينية  في البلدة القديمة بشكلٍ سري أكثر من التي يكُشف عنها، وأنّ معظم بيوت البلدة القديمة لها عشرات الملّاك، والاحتلال يشتري حصّة أحدهم الذي غالباً ما يكون مقيماً خارج فلسطين، أو خارج مدينة الخليل، من ثم يبدأ بمنازعة أصحاب المنزل المقيمين عبر إجراءات طويلة في المحاكم الإسرائيلية على ملكية العقار، وأحياناً يتفق الاحتلال مع أحد أصحاب العقارات على أن يشتري العقار كاملاً، ولاحقاً يتم تسريبه. وأضاف: “عندما يتم تسريب جزء من العقار للمستوطنين، يصبح جزء من المنزل تحت ملكية الفلسطينيين، وجزء آخر للمستوطنين، ولاحقاً تقع نزاعات قانونية بين المستوطنين وأصحاب العقار، على اعتبار أنّ كليهما يملكان أوراق ثبوت ملكية، لكن على أرض الواقع يتدخل الاحتلال ويسلب العقار من الطرفين، ليصبح المنزل ثكنة عسكرية مغلقة، وهذا يحصل في عدة منازل في الخليل خلال العشر سنوات الأخيرة”.

ومن الجدير بالذكر انه وفي مارس/ آذار من عام 1950 أصدرت سلطات الاحتلال ما يسمى “قانون حارس أملاك الغائبين”، والذي يعرّف كل يهودي أو فلسطيني ترك أو هجر مكانه 1947 بأنه “غائب”، ويحق للسلطات الإسرائيلية التصرف بأملاكه تحت إطار هذا القانون، لتستغله سلطات الاحتلال وتحاول بشكل متصاعد تسريب المنازل الفلسطينية ببلدة الخليل القديمة، إلى المستوطنين، وتحديداً في مناطق تل الرميدة، وشارع الشهداء والسهلة.

واكد رئيس لجنة إعمار الخليل، عماد حمدان: ”إنّ سلطات الاحتلال عمدت مؤخراً إلى إخراج أوراق قيد للمستوطنين بشراء ممتلكات فلسطينية لتسهيل تسريب العقارات والمنازل، عوضاً عن إخراجها من المؤسسات الفلسطينية الرسمية“. واضاف، ”هذا الإجراء سهّل عملية الاستيلاء على العقارات، حيث أصبح الفلسطيني والمستوطن –  كلاهما يحملان أوراق ملكية العقار– ولاحقاً تنتقل القضية إلى المحاكم الإسرائيلية ويصدر القرار لصالح المستوطن، كما حصل قبل أيام مع منزلٍ في بلدة الخليل القديمة استطاع الاحتلال السيطرة عليه بعد 17 عاماً من المحاولة“. كما ان هناك عشرات المنازل مهددة بالإخلاء في البلدة القديمة من الخليل، وأكثر من خمسين منزلاً يمنع الاحتلال لجنة الإعمار من ترميمها، والوصول إليها، ويقول حمدان: ”نتيجة هذه الإجراءات اصبحنا نعرف عن تسريب المنزل بعد سنوات“.

في المقابل تستمر الجهات الرسمية الفلسطينية بالمطالبة بتوفير الحماية للمدن والمقدسات الفلسطينية، وتشكيل لجنة رسمية من قبل ”اليونسكو“ لتقصي الحقائق حول جرائم الاحتلال الإسرائيلي في الحرم الإبراهيمي، وتوفير الحماية له ولتل الرميدة والمناطق المحاذية، باعتبار لجنة الإعمار ممثل مدينة الخليل أمام المنظمة، استناداً لقرار “اليونسكو”، الذي اعتبر أن الحرم الإبراهيمي والمنازل المحيطة به، مناطق محمية بالقانون، وتحت السيادة القانونية حسب اتفاقية لاهاي “اتفاقية منظمة لقوانين الحرب”.

وشدد وزير العدل الفلسطيني محمد الشلالدة، على ضرورة وقوف العالم أمام مسؤولياته تجاه الحرم الإبراهيمي، وتعمل السلطة الفلسطينية، على ثلاثة محاور في قضية الاستيطان بالخليل:

١- إرسال تقرير شهري إلى المحكمة الجنائية الدولية حول الانتهاكات الاحتلال في الحرم الإبراهيمي

٢- وإثارة القضية في جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي

٣- ورفع دعاوى ضد مرتكبي جرائم الحرب في الحرم الإبراهيمي ومحيطه.

ومن المتوقع ان تشهد المرحلة القادمة وفي ظل الائتلاف الحكومي اليميني المتطرف بين رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وحزب “الصهيونية الدينية“، توسيع وتكثيف الاستيطان في البلدة القديمة في الخليل، بما يشمل توسيعاً للمستوطنات المقامة على الأراضي المحاذية للحرم الإبراهيمي شرقي الخليل، حيث هناك عشرون بؤرة استيطانية  مقامة على أراضي الخليل، منها: “عافيكال حافات معون”، و”رمات يشاي”، ومستوطنات قرب يطا، وقرب الحرم الإبراهيمي، وتسعى حكومة الاحتلال بالاتفاق مع زعيم حزب “القوة اليهودية”، إلى ترخيص هذه البؤر حتى تعتبر لاحقاً مستوطنات شرعية.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى