أقلام وأراء

كرم جبر: حسابات قوة حفظ السلام في غزة!

كرم جبر 19-12-2025: حسابات قوة حفظ السلام في غزة!

الأوضاع المأساوية في قطاع غزة وتفاقم الكارثة الإنسانية، جعلت الآمال معلقة على إنشاء قوة حفظ السلام الدولية التي تتولى إدارة المرحلة المقبلة، للخروج من دائرة العنف وحماية المدنيين، وتتشابك حسابات سياسية وأمنية معقدة، يدخل فيها عراقيل نتنياهو ورغبة ترامب ورفض حركة حماس.

المقترح المطروح لا يتحدث عن قوة تقليدية تراقب وقف إطلاق النار فقط، بل عن قوة متعددة الجنسيات تتمتع بصلاحيات واسعة، من بين مهامها نزع السلاح وتدمير البنية العسكرية في قطاع غزة، إلى جانب حماية المدنيين وتأمين المساعدات الإنسانية، ودعم قوات الشرطة الفلسطينية، ومراقبة أي اتفاق تهدئة وتنفيذ الخطة الأميركية لإدارة المرحلة الانتقالية، على أن يتم تمويلها من دول مانحة وحكومات مشاركة.

بنيامين نتنياهو أبدى استعدادًا مشروطًا لفكرة القوة الدولية، مؤكدًا أن أي قوة تدخل غزة يجب أن تحظى بموافقة إسرائيل الكاملة، هذا الشرط يعكس إصرار تل أبيب على التحكم في شكل ومهام هذه القوة، وضمان ألا تشكل تهديدًا لأمنها أو قيدًا على عملياتها العسكرية.

ويضع نتنياهو عراقيل أمام أي دور سياسي أو أمني حقيقي للسلطة الفلسطينية، ما يثير مخاوف من أن تتحول القوة الدولية إلى أداة أمنية تخدم الرؤية الإسرائيلية أكثر مما تحمي الفلسطينيين.

الرئيس دونالد ترامب يرى أن القوة الدولية جزء من تصور أوسع لما يُعرف بـ «اليوم التالي» في غزة، وهذا التصور يقوم على منع عودة حركة حماس إلى الحكم، وفرض ترتيبات أمنية جديدة تضمن هدوءًا طويل الأمد، وإنشاء آلية حكم انتقالية دولية، بالتنسيق مع إسرائيل ومصر والسلطة الفلسطينية، في محاولة لإعادة ترتيب المشهد في القطاع بعد الحرب.

حركة حماس ترفض هذه الطروحات وترى أن أي قوة دولية تهدف إلى نزع سلاحها بالقوة تمثل استهدافًا مباشرًا لها، ومحاولة لفرض نتائج سياسية بالقوة العسكرية، وتؤكد أن سلاحها مرتبط باستمرار الاحتلال، وأن أي حديث عن نزعه يجب أن يكون ضمن تسوية سياسية شاملة تضمن حقوق الفلسطينيين، لا عبر ترتيبات أمنية مفروضة من الخارج.

ووسط هذه المواقف المتعارضة، يقف الفلسطينيون في غزة أمام خيار صعب، فمن ناحية هناك حاجة ملحة لأي قوة يمكن أن توقف القتل وتحمي المدنيين، وتفتح الطريق أمام الإغاثة وإعادة الإعمار، ومن ناحية أخرى، يخشى كثيرون أن تتحول قوة حفظ السلام إلى شكل جديد من أشكال الوصاية الدولية، أو إلى غطاء لفرض واقع سياسي وأمني لا يعالج جذور الصراع.

في المحصلة، تبدو قوة حفظ السلام في غزة فكرة معلّقة بين الضرورة الإنسانية والتعقيد السياسي، فهي تحمل وعودًا بالحماية والاستقرار، لكنها تصطدم بعراقيل إسرائيلية، وحسابات أميركية، ورفض من حماس، وفي ظل غياب رؤية سياسية واضحة تنهي الاحتلال وتعالج أسباب الصراع.. يبقى السؤال مفتوحًا: هل تكون هذه القوة خطوة نحو تهدئة حقيقية، أم مجرد إدارة مؤقتة لأزمة مرشحة للاستمرار؟

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى