ترجمات أجنبية

كاونتربنتش – بينوي كامبارك – فليبدأ التحقيق : المحكمة الجنائية الدولية وإسرائيل وفلسطين

كاونتربنتش – بينوي كامبارك * –  8/2/2021

تميل المحاكم الدولية إلى أن تكون محلاً للإشادة، من حيث المبدأ، من جهة أولئك الذين تتجنب التحقيق في شؤونهم. وبمجرد أن يتحول الانتباه إلى تلك الأطراف، تصبح مثل هذه الهيئات موضوعاً للاتهامات: التحيز، والتسييس، والتعسف الفظ. وما تزال الولايات المتحدة، التي أنفق موظفوها القانونيون والسياسيون موارد هائلة على آلية المحاكم الدولية والفقه القانوني الدولي، باردة تجاه المحكمة الجنائية الدولية. وقد مال المشككون في هذه المحكمة إلى الفوز في واشنطن، معرقلين أي إمكانية للموافقة على اختصاصها.

وقد حرصت إدارة ترامب على تسجيل موقف من خلال فرض عقوبات على موظفي هذه المحكمة، والتي استهدفت بشكل خاص رئيسة الادعاء، فاتو بنسودة، التي ألغيت تأشيرة دخولها إلى الولايات المتحدة. وجاء هذا التحرّك رداً على جهود التحقيق التي قامت بها المدعية العامة بشأن التفويض المزعوم بارتكاب جرائم حرب على يد القوات الأميركية، وحركة طالبان، والقوات الأفغانية في أفغانستان.

كما أبقت إسرائيل بدورها عيناً عدائية جداً على نشاط المحكمة الجنائية الدولية. وكان قبول السلطات الفلسطينية في العام 2015 لاختصاص المحكمة بمثابة نذير بالخطوة المقلقة التالية نحو التدقيق في الإجراءات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة.

في كانون الأول 2019، أشارت بنسودة إلى وجود “أساس معقول للاعتقاد بأن جرائم حرب قد ارتكبت -أو تُرتكب- في الضفة الغربية، بما في ذلك في القدس الشرقية وقطاع غزة”. ومن بين مواضع الاهتمام الخاصة كان الصراع بين إسرائيل و”حماس” في العام 2014، وسياسة إسرائيل الخاصة بالمستوطنات في الأراضي المحتلة، والردود الوحشية على الاحتجاجات التي جرت على الحدود بين غزة وإسرائيل ابتداء من آذار (مارس) 2018.

غالبًا ما يتناسى العديد من منتقدي المحكمة أن بنسودة لم تستهدف حصريًا أنشطة جيش الدفاع الإسرائيلي؛ لقد أدرجت أيضاً الجماعات الفلسطينية المسلحة كمرتكبين محتملين لمثل هذه الجرائم. وتم إضفاء الطابع الرسمي على مخاوفها في طلب قُدم إلى المحكمة بشأن ما إذا كانت هذه الأمور تدخل في اختصاص المحكمة. وبمجرد حلها، فإن تحقيقاً يمكن أن يبدأ.

كتبت بنسودة في طلبها إلى الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية: “إن الاختصاص الإقليمي للمحكمة يمتد إلى الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل خلال حرب الأيام الستة في حزيران (يونيو) 1967، أي الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وغزة”. واعترفت المدعية العامة بأن للأرض الفلسطينية المحتلة “تاريخا فريدا”، حيث لم يتم حل قضية الدولة الفلسطينية بشكل نهائي أبداً. لكن انضمام الفلسطينيين إلى نظام روما الأساسي كان عاملاً مهماً في اعتباراتها.

في القرار 2-1، وجدت المحكمة أن “فلسطين مؤهلة باعتبارها ‘الدولة التي حدثَ السلوك المعنيُّ على أراضيها’ لأغراض” نظام روما الأساسي. وكان هذا لأن فلسطين مُنِحت وضع دولة مراقبة غير عضو في الأمم المتحدة، وبذلك، “ستكون قادرة على أن تصبح طرفًا في أي معاهدات تكون مفتوحة أمام ‘أي دولة’ أو ‘جميع الدول’، تكون قد أودِعت لدى الأمين العام (للأمم المتحدة)”. وبذلك يكون لفلسطين، على النحو الواجب، “الحق في ممارسة صلاحياتها بموجب النظام الأساسي وفي أن تُعامَل كما تُعامل أي دولة طرفأخرى”. ويتبع ذلك أيضًا أن الاختصاص الإقليمي للمحكمة “في الوضع في فلسطين يمتد إلى الأراضي التي تحتلها إسرائيل منذ العام 1967”.

الأغلبية، المكونة من مارك بيرين دي بريشامبو من فرنسا؛ ورين أديلايد صوفي ألابيني غانسو من بنين، لم تكن مقتنعة أيضًا بأن “الأحكام المتعلقة بالولاية القضائية الإقليمية تعيق بالضرورة حق المشتبه فيه/ المتهم في الطعن في الاختصاص بموجب المادة 19 (2) (أ) من النظام الأساسي”. (تغطي المادة 19، في مجملها، الطعون في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية أو طبيعة القضية التي تجعلها صالحة للقبول في المحكمة).

كان رد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو واحداً قديماً مخزّناً في براميل السياسة الخارجية الإسرائيلية لسنوات: أن انتقاد أعمال إسرائيل العسكرية يمكن أن يعني شيئًا واحدًا فقط. وقال نتنياهو غاضباً في بيان بالفيديو: “عندما تحقق المحكمة الجنائية الدولية في إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم حرب وهمية، فإن هذه محض معاداة للسامية. المحكمة التي تم إنشاؤها لمنع تكرار فظائع مثل الهولوكوست النازي ضد الشعب اليهودي تستهدف الآن الدولة الوحيدة للشعب اليهودي”. وكانت المحكمة تحقق في أفعال قامت بها إسرائيل، حسب رأيه، في دفاع صِرف “ضد الإرهابيين” بينما تتجاهل الأنشطة الشرسة التي تقوم بها إيران وسورية. و”سنكافح ضد هذا الانحراف للعدالة بكل قوتنا”، كما قال.

وبالمثل، انتقد سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، جلعاد إردان، المحكمة الجنائية الدولية على “قرارها المشوه والمعادي للسامية”. وقال إن هذا كان “هجوماً على إسرائيل وكل الديمقراطيات، والذي يقوض قدرتنا على الدفاع عن المدنيين ضد الإرهاب”. ومن خلال إقحام أوثق حليف للبلد في المسألة، ادعى إردان بأنه “لم يكن من قبيل الصدفة أن تكون كل من إسرائيل والولايات المتحدة قد أحجمتا عن الانضمام إلى هذه المؤسسة، السياسية والمتحيزة”.

إضافة إلى هذا المزيج من الوعيد، ثمة الكثير الذي يمكن أن يحدث. تنتهي فترة ولاية بنسودة في حزيران (يونيو)، وقد يرى بديلها الأمور بشكل مختلف. كما تطرح طبيعة المسؤولية التي يجري التحقيق حولها صعوبات. ويثير محامي الدفاع في المحكمة الجنائية الدولية، نيك كوفمان، بعض المسائل. إنّ أي استخدام غير متناسب للقوة العسكرية هو شيء؛ والتحقيق في “الإجرام المزعوم لمؤسسة الاستيطان، والذي اعتُبر جزءًا من سياسة الحكومة الإسرائيلية لأجيال، هو شيء آخر، والذي يثير مجموعة أخرى من العقبات. والمشكلة الكبرى هي الحصول على دليل إثبات “يربط صانعي القرار بالجرائم التي يُزعم ارتكابها”.

من غير المرجح أن يكون الرئيس الأميركي، جو بايدن، ووزارة الخارجية بقيادة أنتوني بلينكين بشراسة إدارة ترامب نفسها تجاه المحكمة الجنائية الدولية، لكنهما يظلان واضحين أيضاً بشأن إبقاء إسرائيل خارج المدار القضائي للمحكمة الدولية. في الشهر الماضي، وعد متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركي بأن الإدارة ستعيد النظر في نظام العقوبات المفروضة على المحكمة. وقال: “بقدر ما نختلف مع إجراءات المحكمة الجنائية الدولية المتعلقة بأفغانستان والأوضاع الإسرائيلية/ الفلسطينية، ستتم مراجعة العقوبات بدقة بينما نحدد خطواتنا التالية”. وتعِد إدارة بايدن “بمساعدة المحكمة بشكل أفضل على تحقيق مهمتها الأساسية المتمثلة في معاقبة وردع الجرائم الفظيعة”، حتى مع احتمال المساعدة في “القضايا الاستثنائية”.

لكن قرار المحكمة الجنائية الدولية بشأن فلسطين لم يكن واحدة من هذه القضايا، حسب الموقف الأميركي. وجاءت الكلمات الرسمية للناطق باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، على النحو الآتي: “إن الولايات المتحدة تعترض على قرار المحكمة الجنائية الدولية الذي صدر اليوم بخصوص الوضع الفلسطيني. إن إسرائيل ليست دولة طرفاً في نظام روما الأساسي”. ووعد برايس بأن الولايات المتحدة “ستواصل دعم التزام الرئيس بايدن القوي تجاه إسرائيل وأمنها، بما في ذلك معارضة الأفعال التي تسعى إلى استهداف إسرائيل بشكل غير عادل”.

كما اعترض بيان رسمي من وزارة الخارجية الأميركية على ما اعتبرته تجاوزًا للمحكمة الجنائية الدولية في محاولتها ممارسة الولاية القضائية على أفراد إسرائيليين. وقال البيان: “لقد اتخذت الولايات المتحدة دائمًا الموقف القائم على أن اختصاص المحكمة يجب أن يقتصر على الدول التي تصادق عليها، أو القضايا التي يحيلها إليها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”.

تشير مثل هذه التصريحات إلى إحباط محتمل لجهود التحقيق المستقبلية، وهو ما دفع جميل دكوار، من اتحاد الحريات المدنية الأميركي، إلى إصدار تذكير على النحو الآتي: “من المهم أن نتذكر أن تحقيق المحكمة الجنائية الدولية سيستهدف أيضًا مرتكبي جرائم الحرب الفلسطينيين المزعومين في سياق الأعمال العدائية بين إسرائيل والجماعات الفلسطينية المسلحة، وخاصة في قطاع غزة”.

وقد أثنت المصادر الفلسطينية كلها على القرار. وصفته وزارة الخارجية الفلسطينية بأنه “يوم تاريخي لمبدأ المساءلة”. واعتبر رئيس وزراء السلطة الفلسطينية، محمد اشتية، الحكم “انتصاراً للعدالة والإنسانية ولقيم الحق والإنصاف والحرية، ولدماء الضحايا وعائلاتهم”.

كما أعرب سامي أبو زهري، المسؤول في حركة “حماس” الفلسطينية، عن سروره بالقرار، على الرغم من أنه قرر أن يقارِب الحكم بقراءة مريحة للغاية: “إننا نحث المحكمة الدولية على فتح تحقيق في جرائم الحرب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني”. لكن لهجته -ولهجة حماس” قد تتغيرا بمجرد بدء التحقيق.

* بينوي كامبارك –  كان باحثًا في الكومنولث في كلية سيلوين، كامبريدج. يحاضر في جامعة RMIT، ملبورن.

*نشر هذا المقال تحت عنوان:

Let the Investigation Begin: the International Criminal Court, Israel and the Palestinian Territories

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى