ترجمات أجنبية

كاونتربنتش – أريل غولد – هل تمارس إسرائيل “قيادة اللقاح” أم الفصل العنصري الطبي؟

كاونتربنتش –  أريل غولد* –  8/1/2021

وفقًا لاتفاقيات أوسلو الموقعة في العام 1993، فإن السلطة الفلسطينية هي وحدها المسؤولة عن الرعاية الصحية للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. ومع ذلك، كانت تلك الصفقات جزءًا من الرؤية التي نصت على توقيع اتفاقية سلام أكثر اكتمالاً في غضون خمسة أعوام. والآن، بعد ما يقرب من ثلاثة عقود، لم يتم التوصل إلى اتفاق السلام الأكبر هذا بعد، وقد رسخت إسرائيل الاحتلال الذي نفذه المشروع الاستيطاني، بينما تنتهك القانون الدولي وتتهرب من التزاماتها الأخلاقية والقانونية والإنسانية كقوة محتلة. ويشكل توفير لقاح “كوفيد – 19” للفلسطينيين أحد هذه الالتزامات.

******

تضج وسائل الإعلام هذه الأيام بعناوين مثل “كيف أصبحت إسرائيل رائدة عالميًا في التطعيم ضد كوفيد – 19”. فبينما قامت الولايات المتحدة بإعطاء اللقاح لـ1.67 في المائة فقط من سكانها ضد “كوفيد – 19” حتى الآن، أعطت إسرائيل اللقاح مسبقاً لأكثر من 16 في المائة من مواطنيها. وفي شرح ذلك، تستشهد وسائل الإعلام بنظام الرعاية الصحية في إسرائيل الذي يتميز برقمنة “ومرونة اجتماعية” عالية، إلى جانب حقيقة أن الدولة صغيرة -لكنها غنية (ما يسمح لإسرائيل بدفع 28 دولارًا للجرعة، مقارنة بـ19.50 دولار تدفعها الولايات المتحدة مقابل كل جرعة من لقاح فايزر). ولكن، بعيدًا عن العناوين الرئيسية التي تحتفي بمعدلات التطعيم في إسرائيل، تكمن قصة أكثر قتامة بكثير عن اللامساواة الصحية.

يبلغ عدد سكان إسرائيل حوالي 9 ملايين نسمة. ونحو 20 بالمائة من السكان هم مواطنون فلسطينيون يعيشون في إسرائيل. ويستطيع هؤلاء الأشخاص التصويت في الانتخابات، ويمكن أن يكون لهم تمثيل في الكنيست، وأن يتم تطعيمهم ضد “كوفيد – 19”. ولكن، هناك حوالي 5 ملايين فلسطيني آخرين يعيشون تحت الحكم الإسرائيلي، وإنما بلا حقوق، والذين يعانون من الوباء مثل بقية العالم.

منذ العام 1967، تضاعف عدد المستوطنين الإسرائيليين في المناطق الفلسطينية إلى أكثر من 500 ألف، مع سيطرة المجالس الإقليمية للمستوطنين الإسرائيليين على 40 في المائة من أراضي الضفة الغربية. وعلى الرغم من اتفاقيات التطبيع التي تيسرها الولايات المتحدة مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب، والتي حدثت خلال النصف الأخير من العام 2020، وكان من المفترض أن توقف ضم إسرائيل للضفة الغربية، شهد العام 2020 أعلى عدد من الموافقات على بناء الوحدات الاستيطانية منذ أن بدأت مجموعة مراقبة الاستيطان، “السلام الآن”، في تعقب الأرقام في العام 2012، وفقًا لمقال نشرته قناة الجزيرة.

على الرغم من أنه يُفترض أن تكون السلطة الفلسطينية وحماس الحكومتين الرسميتين للضفة الغربية وقطاع غزة، فإن إسرائيل هي المسؤولة عن كل شيء فعلياً. فهي تسيطر على الحدود، والعملة، والبنك المركزي، بل وتجمع الضرائب نيابة عن السلطة الفلسطينية. وهي تحتفظ بالحق في القيام بعمليات عسكرية على الأراضي الفلسطينية، وتتحكم في مقدار الحرية، أو عدمها، التي تُمنح للفلسطينيين. وحتى في مناطق مثل رام الله، التي يُفترض أنها خاضعة للسيطرة الكاملة للسلطة الفلسطينية، تحتفظ إسرائيل بالحق في دخول المدينة في أي وقت، وإغلاق الشوارع والمتاجر، واقتحام المنازل، والقيام باعتقالات عسكرية من دون إذن قضائي.

يبقى توزيع إسرائيل لقاح “كوفيد – 19” بعيداً كل البعد عن أن يكون نظام عدم المساواة الوحيد في البلاد. فالانتخابات الإسرائيلية لا تشمل حوالي 5 ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة. وبينما يمكن للفلسطينيين في القدس الشرقية التصويت في الانتخابات البلدية، فإنه لا يمكنهم الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الوطنية، مثل تلك التي من المقرر إجراؤها في آذار (مارس) 2021 (للمرة الرابعة خلال عامين).

ربما يكون أبرز مظاهر وجود مجموعتين من القوانين لمجموعتين من الناس في إسرائيل هو نظام محاكمها في الضفة الغربية. فبينما يخضع المستوطنون الإسرائيليون، المقيمون هناك بشكل غير قانوني وفقًا للقانون الدولي، للقانون المدني الإسرائيلي، يعيش جيرانهم الفلسطينيون تحت القانون العسكري الإسرائيلي، ما يجعلهم يخضعون لقوانين مثل الأمر العسكري 101، الذي يحظر حتى الاحتجاج السلمي.

وفقًا لاتفاقيات أوسلو الموقعة في العام 1993، فإن السلطة الفلسطينية هي وحدها المسؤولة عن الرعاية الصحية للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. ومع ذلك، كانت تلك الصفقات جزءًا من الرؤية التي نصت على توقيع اتفاقية سلام أكثر اكتمالاً في غضون خمسة أعوام. والآن، بعد ما يقرب من ثلاثة عقود، لم يتم التوصل إلى اتفاق السلام الأكبر هذا بعد، وقد رسخت إسرائيل الاحتلال الذي نفذه المشروع الاستيطاني، بينما تنتهك القانون الدولي وتتهرب من التزاماتها الأخلاقية والقانونية والإنسانية كقوة محتلة. ويشكل توفير لقاح “كوفيد -19” للفلسطينيين أحد هذه الالتزامات.

يحتاج الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة بشدة إلى لقاح لـ”كوفيد -19. فبحلول 7 كانون الثاني (يناير)، كان هناك 145.252 حالة نشطة و1.536 حالة وفاة بفيروس كورونا في الأراضي الفلسطينية. ومعدلات العدوى والوفيات آخذة في الارتفاع بشكل خطير. والوضع في غزة مقلق بشكل خاص؛ حيث يعاني القطاع من انقطاع التيار الكهربائي الذي يستمر 12 ساعة في اليوم. ونتيجة للحصار الجوي والبري والبحري الإسرائيلي، فضلاً عن الهجمات العسكرية المتعددة على الجيب المزدحم، هناك نقص حاد في الأدوية والمعدات الطبية في غزة، إلى جانب الفقر والبطالة المتفشيين بشكل كبير. وتعد إجراءات الحجر الصحي وصيانة خدمات الصرف الصحي في غزة أموراً بالغة الصعوبة.

أنشأت شراكة بقيادة منظمة الصحة العالمية مرفق الوصول العالمي للقاحات “كوفيد – 19” (كوفاكس)، الذي يهدف إلى مساعدة البلدان الفقيرة، و”تعهد بتوفير اللقاح لـ20 في المائة من الفلسطينيين”، وفقًا لصحيفة الغارديان. وأضافت مقالة الغارديان أن لقاحات (كوفاكس) لم تحصل بعد على الموافقة الضرورية “للاستخدام الطارئ” من منظمة الصحة العالمية. وقال جيرالد روكينشاب، رئيس مكتب منظمة الصحة العالمية لشؤون الأراضي الفلسطينية المحتلة، الذي نقلت عنه مقالة الغارديان، إن اللقاحات التي تشكل جزءًا من مخطط (كوفاكس) من غير المرجح أن تكون متاحة للتوزيع في الأراضي الفلسطينية حتى “وقت ما بين أوائل ومنتصف العام 2021”. وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، فإن المناطق تعاني من أزمة مالية، ما يتركها بلا أموال لشراء جرعات اللقاح. وحتى لو أنهم تمكنوا من العثور على المال، فإن اللقاحات التي حاولوا شراءها من روسيا لا يمكن شراؤها لأن روسيا أبلغت السلطة الفلسطينية أنه ليس لديها جرعات كافية لبيعها، وفقًا لمقال نشره موقع “الراديو الوطني العام”.

في الأسبوع الأول من العام 2021، بدأت السلطة الفلسطينية في الاستفسار عما إذا كانت إسرائيل ستساعدهم على الحصول على اللقاح. وحتى الآن، قال مسؤولون إسرائيليون إنهم قد يقدمون ما يتبقى لديهم من اللقاحات للضفة الغربية وغزة بعد تطعيم المواطنين الإسرائيليين وفلسطينيي القدس الشرقية. وإذا لم يكن هذا تمييزاً عنصرياً طبيًا، فلا أعرف ماذا يكون.

* أريل غولد  –  المدير الوطني المشارك لمنظمة “نساء من أجل السلام” CODEPINK.

*تحديث: أعلن صندوق الاستثمار المباشر الروسي مؤخراً أن السلطة الفلسطينية كانت أول دولة في الشرق الأوسط تعتمد لقاح “سبوتنيك في”، مشيرًا إلى أنه سيصل إلى الأراضي الفلسطينية في الربع الأول من العام الحالي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى