ترجمات أجنبية

قوة مهام بحرية جديدة تهدف لردع إيران بواسطة أنظمة غير مأهولة

معهد واشنطن  – بقلم  فرزين نديمي *- 17/9/2021

تحليل موجز

ستستكشف القوة عالية التقنية مفاهيم التعاون بين الإنسان والآلة في المياه القريبة من إيران، لكن تبقى هناك أسئلة حول ما إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة للدفاع عن تلك الأصول عند الضرورة.

في التاسع من أيلول/سبتمبر، أعلنت “القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية” عن تشكيل “قوة المهام الـ 59” لاختبار تقنيات جديدة ذاتية التشغيل في الجو والبر وتحت الماء بقيادة خبير الروبوتات الكابتن مايكل براسور. وكجزء من اختبار “الأسطول المشبّك” الأوسع نطاقاً، تهدف المبادرة إلى الدمج السريع للأنظمة المتقدّمة المستقلة مع العمليات البحرية والساحلية ضمن مجال مسؤولية “الأسطول الخامس”، والتي تشمل الخليج العربي، ومضيق هرمز، وخليج عمان، ومضيق باب المندب، والبحر الأحمر وقناة السويس وأجزاء من المحيط الهندي. وكما أشار الإعلان، فإن الشرق الأوسط يمثل بيئة مثالية مليئة بالتحديات والمناسِبة من الناحية الاستراتيجية لمثل هذا الابتكار، مع جغرافيته شبه المغلقة، وظروف التشغيل ذات درجات الحرارة العالية، ونقاط الاختناق البحرية المزدحمة، والبنية التحتية الحيوية للطاقة.

وسارعت إيران في انتقاد هذه الخطوة، ووصفتها بأنها جزء من مؤامرة أمريكية أوسع نطاقاً لـ “تسليم” المسؤوليات العسكرية الإقليمية إلى جهات فاعلة أخرى. ووفقاً لمقال نشرته مؤخراً وكالة “نور نيوز” – التي وفقاً لبعض التقارير هي منفذ إعلامي تابع لـ “المجلس الأعلى للأمن القومي” للنظام – فإن النيّة المفترضة لواشنطن ذات شقين: إقامة “قوة وكيلة خليجية – إسرائيلية مشتركة” على مقربة من إيران (في إشارة إلى نقل إسرائيل من منطقة عمليات “القيادة الأمريكية الأوروبية” إلى “القيادة المركزية الأمريكية” في وقت سابق من هذا الشهر)، وإنشاء محطة سيبرانية ومراقبة إسرائيلية في الإمارات العربية المتحدة.

وفي ضوء هذه التصوّرات، ستتعامل طهران على الأرجح مع عمليات “قوة المهام الـ 59” على أنها تهديد جدي وستبذل جهوداً حثيثة لتقويضها من خلال التدخل الكهرومغناطيسي والاختراقات السيبرانية وتعطيل عملها بشكل فعلي. ونظراً إلى أن أصول هذه القوة وأنشطتها مسيّرة عن بعد، فقد تشعر إيران أنها محصّنة ضد الإجراءات الانتقامية إذا استولت عليها أو دمرتها – وهو استنتاج أكّدته حادثة إسقاط طائرة استطلاع أمريكية بدون طيار من طراز BAMS-D من مجموعة “أر كيو-4 أ” فوق مضيق هرمز في حزيران/يونيو 2019، واستحواذها على الطائرة العسكرية بدون طيار “آر كيو-170 سنتينال” في عام 2011، وحوادث أخرى فشلت في إثارة رد فعل أمريكي حركي.

ما هي القدرات التي تجلبها “قوة المهام الـ 59” إلى الطاولة؟

وفقاً لقائد “الأسطول الخامس” نائب الأدميرال براد كوبر، ستتمثل الأهداف الرئيسية لقوة المهام بتعزيز الوعي بالمجال البحري، وزيادة الردع من خلال المراقبة المستمرة للأنشطة البرية وتلك التي هي تحت الماء، ومنع إيران من إنكار أفعالها ومن حرية التصرف في عقر دارها. ولبسط السيطرة في مجال الردع هذا المتنازع عليه بشدة، سعت إيران ووكلائها وجهات فاعلة أخرى إلى الاستفادة بشكل أكبر من الطائرات بدون طيار طويلة المدى والذخائر الحائمة، لأن مثل هذه الأنظمة تساهم في التخفيف من المخاطر وتوفير القدرة على الإنكار وزيادة القدرة على الصمود في البيئات الصعبة بشكل خاص للوحدات المأهولة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن قدرة “قوة المهام الـ 59” على مراقبة أنماط الحياة البحرية والساحلية ومعالجتها بصورة مستمرة ستصبح ذات أهمية متزايدة بالنظر إلى الميل المتكرر لـ “القوات البحرية لـ «فيلق الحرس الثوري الإسلامي»” الإيراني إلى تمويه أصولها لتبدو مدنية أو استخدامها البنية التحتية المدنية كغطاء لعملياتها. ففي العام الماضي، على سبيل المثال، أعلنت هذه القوات عن تشكيل ميليشيا تطوعية باسم “قوة الباسيج البحرية” لتولّي بعض مهامها العسكرية. ووفقاً لبعض التقارير يشجع النظام المدنيين على السكن في المناطق الساحلية والجزر المحظورة، مما قد يجعلهم دروعاً بشرية في النزاعات العسكرية المستقبلية.

وعلى الرغم من أن طبيعة أنشطة “قوة المهام الـ 59” ومعظم منصاتها ستبقى سرية، إلّا أن الأمثلة التالية هي مؤشر على ما يمكنها تحقيقه:

بإمكان مركبة القتال الجوي بدون طيار “لويال وينجمان”- بما فيها طائرة “فالكيري إكس كيو-58” المصوّرة على الراية الجديدة لـ “قوة المهام الـ 59” – دعم الطائرات المأهولة في المجال الجوي المتنازع عليه. ولا تزال أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية ذات القدرة المتزايدة تركز بشدة على الخليج العربي، حيث تشكل تهديداً كبيراً على العمليات الجوية المأهولة. وقد تشكل مثل هذه الأصول تهديداً هجومياً لمنع الوصول/عدم الوصول (“إيه 2/إيه دي”) أمام الحركة الجوية والبحرية حول مضيق هرمز. وتدّعي إيران أن أحدث نسخة من صاروخها “باور” أرض-جو ستتمتع بقدرات أكبر حتى من منظومة “أس-400” الروسية التي يبلغ نطاق اشتباكها نحو 400 كيلومتر. وفي بيئة مماثلة، يمكن لمركبات

“لويال وينجمان” الشبحية العمل إلى جانب أو بالنيابة عن الطائرات المأهولة في عمليات جو-أرض، ومهام الحرب الإلكترونية، وعمليات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع. وقد تعمل ككاشفات طريق بحيث تسير أمام الطائرات المأهولة خلال المهام القتالية لفحص دفاعات العدو. وفي سيناريوهات أخرى، يمكن استخدام طائرات بدون طيار متصلة بشبكة لتنفيذ “اجتياحات سربية” ضد رادارات العدو ومواقع الدفاع الجوي، ثم مهاجمتها بالوسائل الحركية أو التشويش الإلكتروني.

بإمكان الطائرات بدون طيار التي تتمتع بقدرة تحليق وتحمّل لساعات طويلة جداً أن توفر مراقبة مستمرة ضمن مساحة واسعة لأنشطة إيران، بما فيها الأنشطة السرية التي غالباً ما تكون مخفية عن المراقبة الأقل ثباتاً أو الأكثر موضعياً. وتوفر هذه الطائرة المسيرة عن بُعد “أم كيو – 9ب سي غارديان” مثل هذه القدرات للعمليات البحرية، كما أن الطائرة بدون طيار من طراز “فانيلا” قادرة على توفير تغطية تصل إلى عشرة أيام في المرة الواحدة. وفي المستقبل، فإن طائرة بدون طيار تعمل بالطاقة الشمسية التي هي قيد التطوير من قبل البحرية الأمريكية ستكون قادرة، وفقاً لبعض التقارير، على البقاء في الهواء لمدة تصل إلى تسعين يوماً.

بإمكان المركبات السطحية غير المأهولة الصغيرة إلى المتوسطة الحجم (من طراز “سي هنتر” و”سي هوك”، على سبيل المثال) والمركبات تحت الماء أن توفر العديد من القدرات القيمة في البيئات العالية المخاطر، بما فيها الرقابة الصامتة والخيارات الدائمة المضادة للغواصات والمضادة للألغام. وتعدّ هذه القدرات مهمة بشكل خاص ضمن المياه الساخنة وغير العميقة في منطقة الخليج، حيث نشرت إيران أنظمة مهمة خاصة بحرب الألغام وغواصات قزمة وزوارق سريعة عدائية تابعة لـ “القوات البحرية لـ «فيلق الحرس الثوري»” التي تعرض المشغلين للخطر.

إيران تملك الوسائل والدوافع لتعطيل “قوة المهام الـ 59”

إلى جانب الموقع الجغرافي المتميز لإيران، والقدرات الصاروخية القوية، والاستعداد المؤكد لاتخاذ إجراءات عدائية، فإن تحول البلاد إلى قوة إقليمية في مجال الطائرات بدون طيار يشكل تحدياً جدياً لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة – وهو قلق أعرب عنه مراراً وتكراراً قائد “القيادة المركزية الأمريكية” الجنرال كينيث ماكنزي. ويرى النظام أن “القوات البحرية لـ «فيلق الحرس الثوري»” هي رأس الحربة في مواجهته مع الغرب، وغالباً ما يعرض استعداد القوة لتحدي حرية الملاحة عبر مضيق هرمز. وبالمثل، يؤكد قادة “القوات البحرية لـ «فيلق الحرس الثوري»” على توسيع قدراتهم القتالية باستمرار – فخلال العام الماضي وحده، على سبيل المثال، أضافت القوة ما لا يقل عن ست دفعات كبيرة من الزوارق السريعة المسلحة الجديدة والطائرات بدون طيار الهجومية، مع المزيد من هذه الزوارق والطائرات بدون طيار لاحقاً.

وهذا المزيج من العقلية العدوانية والترسانة المتزايدة يمنح إيران الوسائل والدافع لمراقبة عمليات “قوة المهام الـ 59” عن كثب – وربما تعطيلها. وبالإضافة إلى أصول المراقبة المستمرة المنتشرة على طول ساحلها وجزرها (على سبيل المثال، الطائرات بدون طيار ومحطات المراقبة الكهروضوئية)، تدّعي إيران أن لديها أنظمة رادار قادرة على اكتشاف وتعقب المركبات الجوية الصغيرة والمتخفية. ومن المعروف أيضاً أن «الحرس الثوري الإيراني» يمتلك قدرات كبيرة في الحرب الإلكترونية والحرب السيبرانية في الجنوب، وينبغي توقع أن تركز هذه القدرات على “قوة المهام الـ 59”.

ولعل الأهم من ذلك كله، أن إيران ستعتبر قوة المهام على أنها تحدياً لقدراتها الجديدة في مجال الطائرات بدون طيار. فبعد أن استولى «الحرس الثوري الإيراني» على الطائرة الشبحية بدون طيار من طراز “آر كيو-170” في عام 2011، انتهى به المطاف بتطوير عدة نسخ بمقاييس مختلفة لتنفيذ مجموعة متنوعة من المهام. وفور إطلاق “قوة المهام الـ 59” وتشغيلها، سيسعى «الحرس الثوري» بالتأكيد إلى الحصول على منصات أمريكية غير مأهولة وذاتية التشغيل حتى أكثر تقدماً وتطوراً، سواء لإيجاد طائرات مضادة لها، أو إجراء هندسة عكسية لها، أو تحقيق نصر إعلامي أو كل ما سبق.

الخاتمة

ستمنح مبادرة “قوة المهام الـ 59” “القيادة المركزية الأمريكية” وشركائها القدرة على شنّ معركة بحرية وجيزة وقوة ردع مع خطر أقل يهدد سلامة العناصر. ومع ذلك، على الولايات المتحدة الاستعداد لاحتمال تكرار التهديدات الموجّهة نحو أصولها غير المأهولة، مما يزيد من الحاجة إلى رسم خطوط واضحة ستعمد فور تجاوزها إلى اتخاذ الإجراءات المناسبة ضد الفاعلين الحكوميين وغير الحكوميين على حد سواء.

وفي هذا الصدد، قد تكون عتبة الخسارة الأدنى لمثل هذه المنصات عائقاً جزئياً – أي أن تدميرها أو مهاجمتها من غير المرجح أن يؤدي إلى رد قوي، ولا شك أن إيران ستدرك هذه الحقيقة. وبالتالي، يجدر بالولايات المتحدة ألا تترك مجالاً للتفسير، من خلال وضعها قواعد واضحة للانخراط، وإذا لزم الأمر، إبلاغ بعض هذه القواعد إلى الخصوم المحتملين. يجب تبديد أي شكوك تساور القوات الإيرانية بأن واشنطن ستتعامل مع الاستفزازات ضد أصولها المأهولة وغير المأهولة بالطريقة نفسها. وخلاف ذلك، فإن أي تأثيرات رادعة ناتجة عن تشكيل “قوة المهام الـ 59” قد تتبخر بسرعة.

* فرزين نديمي هو زميل مشارك في معهد واشنطن، ومتخصص في شؤون الأمن والدفاع المتعلقة بإيران ومنطقة الخليج ومقره في واشنطن .

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى