شؤون فلسطينية

في الذكرى الثامنة لأستشهاده.. محطات تاريخية في حياة المهندس القائد الخالد الرمز ياسر عرفات

مركز الناطور للدراسات والابحاث 

رغم تواصل ليله بنهاره ، ورغم أحمال الجبال الكبيرة التي كان القائد يحملها على اكتافه ، كمناضل وقائد ورئيس، ورغم كل التعقيدات والتحديات الشبه مستحيلة التي واجهت حياته النضالية في كافة محطاتها في الشتات والوطن .  

في خضم كل ذلك ، لم يكن ينسى ياسر عرفات نفسه كمهندسا وهو من خيرة وأفضل المهندسين المدنيين كفاءة وخبرة ، فقد وضع كفاءته وخبرته في خدمة مسيرة النضال الفلسطيني وقدم الكثير والكثير من الجهد والعمل المهني الهندسي ، كانت بمثابة محطات مشرقة في حياة المهندس القائد الخالد .

 وتخليدا لذكراه ، نلخص اهم محطات العمل المهني في حياة قائدنا الرمز الخالد ، كما شهدناها وكما عشناها معه يوما بيوم :

على الساحة اللبنانية :

تولى المهندس القائد رئاسة جهاز ألأنشاءات والتحصينات العسكرية :

أشرف القائد الرمز على عمل هذا الجهاز في بناء التحصينات العسكرية في كافة مواقع الدفاع والمواجهة ألأمامية والخلفية في كافة أشكالها ، بما في ذلك ألأنفاق والطرق والجسور العسكرية والدشم وخطوط الدفاع والحماية ، والملاجيء داخل القواعد وداخل المخيمات الفلسطينية ، كان القائد يشرف بنفسه على اعداد المخططات الهندسية لتلك المنشاءات ويتابع مراحل تنفيذها .

وكان القائد الرمز يشرف بنفسه على بناء المنشاءات والتحصينات العسكرية داخل القواعد لقوات الثورة الفلسطينية  وخارجها ، وكان يحضر خصيصا الى مواقع تلك التحصينات ويقضي ساعات عمل طويلة داخلها ، وخاصة مواقع الملاجيء المركزية وألأنفاق العسكرية ، ويعطي تعليماته وتوجيهاته الفنية والمهنية للمهندسين الموجودين في المواقع ،  ويعود الفضل للقائد المهندس ياسر عرفات في تطوير اوجه الحماية للملاجيء من الغارات الجوية ، وذلك بتوصيته بوضع طبقات سميكة من الصخور الجيرية فوق اسطح الملاجيء وحولها ، حيث ثبت بعد التجربة ان تلك الصخور تعمل بشكل فعال على إمتصاص قوة ألأنفجارات للقذائف الصاروخية الجوية التي كانت تلقى من الجو فوق تلك الملاجيء من قبل الطيران ألأسرائيلي.

متابعة القائد لمراحل تنفيذ مشاريع ألأنشاءات والتحصينات العسكرية :

كان القائد يتابع بنفسه كما أسلفنا تنفيذ المشاريع ومنشاءات التحصينات والحماية وما شابه ، كان يصر على معاينة تقدم العمل بنفسه فيدخل الى داخل ألأنفاق والملاجيء ، خلال عمليات الحفر ليتأكد بنفسه من عوامل السلامة وألأمان ، وإحيانا كثيرة كان القائد يحضر معه خبراء جيولوجيين ومهندسي إنشاءات عسكرية من الجيش العربي السوري الى مواقع العمل ، يستعين بهم ويستشيرهم دائما في هذه ألأمور ،

ويجتمع بهم في مقر القيادة المشتركة في مدينة صيدا ، بمشاركة مهندسي جهاز ألأنشاءات والتحصينات العسكرية ، لسماع وجهة نظرهم ومناقشة ما يستجد من امور فنية وهندسية .

 نذكر على سبيل المثال لا الحصر حادثة الملجأ الكبير في مخيم عين الحلوة في جنوب لبنان عام 1980:

 وصل القائد فجأة الى موقع الملجأ في المدخل الشمالي الغربي لمخيم عين الحلوة كان العمل في مراحله ألأخيرة ، وكان يتواجد في الموقع انذاك احد المهندسين المشرفين على المشروع ، وكان يواجه مشكلة فنية معقدة ناتجة عن تسرب غزير للمياه في ارضية الملجأ ، وكان المهندس يحاول ضخ المياه خارج الملجأ ليتمكن من إجراء الصيانة اللازمة للأرضية ، ولكن دون جدوى ، نظرا للكميات الكبيرة من المياه التي كانت تتسرب الى داخل الملجأ من المنطقة الزراعية المحيطة به ، بعد وصوله الى الموقع وإستماعه للمهندس سأل القائد المهندس ، لماذا لا تعالج مشكلة التسرب من مصدرها بدلاً من الضخ المستمر من أرضية الملجأ وبدون فائدة ، فأجاب المهندس كيف يمكنني السيطرة على المصدر وكيف لي ان اعرف من اين تتسرب المياه ، فتناول القائد ورقة وقلم  ورسم اربعة دوائر تمثل أربعة حفر حول مبنى الملجأ ، وقال للمهندس أحفر في هذه المواقع الى ان تصل الى مستوى اعمق بمتر واحد من مستوى أرضية الملجأ وإبدأ بالضخ المتواصل من هذه الحفر وفي نفس الوقت باشر العمل في التحضير لصب طبقة خرسانية إضافية في أرضية الملجأ وإستَخْدِمْ اسمنت خاص سريع الجفاف مضاف اليه مادة مانعة للرشح  ، وَحدِدْ الوقت اللازم لأنهاء عملية الصب وإستمر في عملية الضخ  ، إندهش المهندس وفريقه من الفنيين في الموقع مما سمعوه من القائد ، وقال المهندس للقائد والبسمة تعلو فوق شفاهه : كنا نعرف ان قائدنا ابو عمار مهندسا ولكننا لم نكن نعرف ان قائدنا من افضل المهندسين ، فعانقه القائد وشد على كتفيه وقال له سأرجع اليك قريبا ، آمل ان تكون قد انهيت المشكلة بنجاح إنشاء الله .

كان القائد يطلب من مهندسي جهاز ألأنشاءات والتحصينات العسكرية  الحضور الى مكتبه في منطقة الفاكهاني في بيروت ، مصحوبين بالخرائط الهندسية الخاصة بالملاجيء وألأنفاق والجسور العسكرية ، ليطلع عليها ويطمأن الى سلامتها ، وكان دائما يطلب إدخال بعض التعديلات الهندسية الهامة جدا ، خاصة ما كان يخص منشاءات الملاجيء والمخازن العسكرية وألأنفاق ويوصي بتعزيز قوة التحمل والحماية لمداخلها .

متابعة القائد لأوضاع المخيمات الفلسطينية في لبنان :

اولى القائد اهتمامه الكبير في تحسين حياة الفلسطينيين في كافة مخيمات لبنان ، وأمر في بناء ملاجيء حماية ، ومخازن إحتياطية للطعام والدواء والأجهزة الطبية للألسعافات ألأولية، وإهتم بشكل خاص في توفير مياه الشرب ، فأمر في تجديد وتوسيع  شبكات توزيع المياه داخل المخيمات ، وتحسين الطرق الداخلية وبناء المستوصفات ، وكان يشرف بنفسه على تنفيذ هذه المشاريع الحيوية والهامة  لحياة ابناء شعبه في الشتات .

مشاركة القائد في فعاليات وإجتماعات اتحاد نقابة المهندسين الفلسطينيين :

كان القائد المهندس يشارك في معظم إجتماعات اتحاد المهندسين الفلسطينيين في لبنان ، وخاصة في أعمال المؤترات السنوية للأتحاد  وكانت له مداخلات علمية عديدة منها على سبيل المثال ما يتعلق بتكنولوجيا الخرسانات المشدودة مسبقا ، مستندا بذلك الى خبرته التي إكتسبها خلال فترة عمله في الكويت، وكان القائد المهندس يحث المهندسين الفلسطينيين اعضاء ألأتحاد على المشاركة وتقديم الدعم المهني للثورة الفلسطينية

في الدول العربية ألأخرى :

بعد الخروج من بيروت وتوزع قوات الثور الفلسطينية على عدة دول عربية ، شملت : ليبيا ، الجزائر ، تونس ، اليمن ، السودان والعراق ، تولى القائد ياسر عرفات ألأشراف بنفسه على بناء المعسكرات للقوات ، والمساكن لعائلتهم في تلك الدول .

إنشاء المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار (بكدار)

بناء على نتائج المباحثات التي جرت في تونس في الفترة 1992-1994 بين البنك الدولي ومنظمة التحرير الفلسطينية بشأن خطط إعادة البناء وألأعمار في إطار عملية السلام ، تم إنشاء المجلس ألأقتصادي الفلسطيني للتنمية وألأعمار ، تولى القائد رئاسته وباشر عمله ومهامه في ألأشراف على ألأعداد والتحضير لخطة التنمية الرئيسية الشاملة ، والتي تضمنت كافة القطاعات ، هذا بألأضافة الى تولي القائد الأشراف والمتابعة للجان الفنية المختصة التي كلفت بأعداد الدراسات للمشاريع المركزية وأهمها الميناء والمطار في قطاع غزة ، والطرق وخدمات المرافق العامة . كان القائد المهندس يقرأ ويراجع التقارير الفنية لتلك المشاريع أولا بأول وكان كل ذلك في تونس وقبل عودة القائد الى ارض الوطن .

تقديم الدعم المهني للعديد من الدول الصديقة في افريقيا واميركا اللاتينية :

رغم الظروف القاسية والصعبة التي واجهت القائد وكوادر الثورة بعد الخروج من بيروت عام 1982 إلا ان تلك الظروف لم تنل من عزيمة القائد النضاليه فأستمر في جهوده لكسب دعم دول العالم ، والتزم القائد الرمز  بمتابعة تقديم الدعم والمساعدة للعديد من الدول ألأفريقية منها تنزانيا ، غينيا بيساو ، غينيا كوناكري ، غانا ، اوغندا ، نيكاراغوا ، وغيرها ، إشتملت تلك المساعدات على إيفاد مهندسين وخبراء في مجال المباني والتخطيط العمراني وألأنشاءات المدنية والعسكرية ، وكان القائد يتابع  عملهم بشكل منتظم ، وقد عبرت قيادات تلك الدول عن تقديرها وشكرها العميق للقائد الرمز على إهتمامه ودعمه لهم ،  وقد إحتج الرئيس ألأمريكي رونالد ريغن بشدة على وجود مهندسين وأطباء فلسطينيين في تلك الدول وخاصة في نيكاراغوا تابعين لياسر عرفات ولمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1984  التي كانت تعاديها امريكا انذاك .

في ارض الوطن :

بعد عودة القائد المهندس الى ارض الوطن ، يحمل معه الحلم الكبير الذي ناضل طوال حياته من اجل تحقيقه  : التحرير والحرية وألأستقلال لوطنه فلسطين والعيش الكريم لأبناء شعبه الصامد ، فكان برنامج إعادة البناء وألأعمار على رأس اولويات القائد المهندس ، ولم تمنعه ولم تعيق همته التعقيدات والمشاكل السياسية ، فكان يخصص جزءا كبيرا من وقته لمتابعة مشاريع إعادة البناء والتطوير في الضفة والقطاع على السواء ، وكان على رأس تلك المشاريع كما اسلفنا سابقا ميناء غزة والمطار وهما المشروعان اللذان خصهما القائد بأهتمام كبير ، هذا بألأضافة الى اهتمام القائد ومتابعته للمشاريع المركزية ألأخرى في مجال البنية التحتية ومشاريع المباني المركزية والسكنية والتعليمية والصحية وخاصة المستشفيات والمراكز الصحية الكبرى وغير ذلك والتي كان القائد طيلة حياته يحرص على متابعتها اولا بأول .

 

هذا هو عرفات المناضل والقائد والمهندس وألأب  كما وصفه الزعيم نيلسون مانديلا :

لقد أبدى ياسر عرفات شجاعة نادرة في مواجهة أدق وأصعب ظروف إختبار القائد الملهم التي يمكن ان تواجه المناضليين من أجل الحرية ، ولم يكن هذا ألأختبار صعبا على ياسر عرفات  في ساحة المواجهة والمعركة وحدها ، بقدر ما كان في تحديات صنع السلام من أجل شعبه ، ولهذا نستطيع ان نقول بأن ياسر عرفات قد أثبت نفسه كمناضل شجاع ومحارب عظيم في ساحة المعركة ، وفي نفس الوقت كان قائدا فذا ورجل دولة في البحث عن السلام ..

إعداد: المهندس فضل كعوش

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى