أقلام وأراء

في التجاذب الأميركي –  الإيراني … لا حرب على الأبواب !

ماجد كيالي 4/12/2021

يبدو أن هذه الجولة من مفاوضات “فيينا”، حول إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران (وقّع في 2015 وتوقف عام 2018)، ستنتهي إلى فشل، على الأرجح، مثلما انتهت جولات ست قبلها، بالنظر إلى تباعد المواقف بين الطرفين المعنيين، فلا إيران جاهزة للتسليم بالشروط الأميركية، ولا الولايات المتحدة “ومعها إسرائيل” تقبل بأقل من تحديد قدرات إيران النووية، مع التلويح باعتماد وسائل أخرى في حال فشلت الحلول الدبلوماسية ـ التفاوضية؛ وهو ما تشجع إسرائيل عليه، وتبدي استعدادها له، سواء أتى ذلك كورقة ضغط أميركية، أو كناية عن نفسها.

كان المبعوث الأميركي لشؤون إيران روبرت مالي، عبّر عن ذلك في 27 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بقوله، “إذا كانت إيران تعتقد أن في إمكانها استغلال هذا الوقت لتعزيز قوتها ثم تعود وتقول إنها تريد شيئاً أفضل، فلن ينجح ذلك”. في حين بدا مستشار الأمن القومي الأميركي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بريت ماكغورك واضحاً في تهديداته، قبل أيام، بقوله: “إذا فشلت الدبلوماسية فنحن مستعدون لاستخدام خيارات أخرى”. بيد أن إسرائيل كانت أكثر صراحة في تهديدها، إذ صرّح رئيس أركان جيشها أفيف كوخافي في 30 الشهر الفائت، أن الجيش الإسرائيلي “يسرّع الخطط العملياتية والاستعداد للتعامل مع إيران والتهديد العسكري النووي”.

وفي الحقيقة إن الموقف الأميركي من إيران لا يقتصر على المخاوف الناجمة من برنامجها النووي، إذ هو يشمل، أيضاً، المخاوف من تصاعد قوتها الصاروخية، وتزايد نفوذها الإقليمي، المتمثل بالميليشيات الطائفية العسكرية، التي تعمل كذراع إقليمي لها، والممتدة من اليمن إلى سوريا والعراق ولبنان؛ وهو ما توافق عليه الدول الأوروبية أيضاً.

وقد لخّص مارتن أندك ذلك الموقف في ورقة أعدها لمركز بروكينغز في 2017 عنوانها: “الاستراتيجية الأميركية تجاه إيران”، وجاء فيها: “تشكّل إيران تحدياً شاملاً لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها في الشرق الأوسط. على مدى العقود الأربعة الماضية، تمكنت من إنشاء “قوس نفوذ” يمتد من لبنان وسوريا في بلاد الشام، مروراً بالعراق والبحرين على الخليج، وصولاً إلى اليمن على البحر الأحمر. ما تحتاجه الولايات المتحدة “استراتيجية تصدٍ” شاملة ومتكاملة ومستدامة… تركّز على:

 1 ـ جهود إيران الرامية إلى تصدير ثورتها والتدخل في شؤون الدول العربية الداخلية في المنطقة.

 2 ـ أنشطة إيران الإقليمية التي تزعزع الاستقرار ورعايتها للإرهاب.

 3 ـ برنامج الصواريخ البالستية العابرة للقارات الخاص بإيران.

 4 ـ أنشطتها النووية”.

 ويتابع أنديك: “لا تُعتبر المفاوضات تنازلاً لإيران، ولا تدلّ إلى ضعف، طالما أنها مدعومة بعقوبات… وطالما أنها منسقة تماماً مع حلفائنا الإقليميين… إنها طريقة للقول لإيران إن الولايات المتحدة وحلفاءها الإقليميين مستعدّون لبناء علاقات بناءة معها ولتطبيعها … إذا رغبت بتغيير سلوكها. هكذا نكون استخدمنا مقاربة الجزرة والعصا على طاولة المفاوضات”. وتأتي أهمية هذا الكلام بصدوره عن سياسي وأكاديمي يهودي ـ أميركي، من أهم شخصيات “ايباك”، وكان اشتغل سفيراً للولايات المتحدة في إسرائيل، كما شغل منصب المبعوث الأميركي للشرق الأوسط.

 من جهتها، لا تبدو إيران، بتهديداتها وتصريحاتها المعلنة، جاهزة للعودة إلى الاتفاق النووي، الذي يكبل قدرتها على الوصول إلى سلاح نووي، رغم الضربات العسكرية التي توجه لها من الولايات المتحدة أو إسرائيل، ورغم العقوبات الاقتصادية التي تعاني منها. وقد شهدنا أن إيران تعرضت، خصوصاً في الأعوام الثلاثة الماضية، إلى عدد من الغارات وعمليات التخريب، التي نفذتها القوات الأميركية أو الإسرائيلية، وشمل ذلك أهدافاً إيرانية في العراق وسوريا ولبنان أيضاً. كما شهدنا أن الجهود الأميركية لتحجيم نفوذ إيران شملت البعد الاقتصادي، ما أدى إلى تقليص مواردها المالية، بحيث بات الناتج القومي لها يبلغ حوالى 450 مليار دولار، وهو يقارب الناتج القومي الإسرائيلي، في حين أن عدد سكان إيران عشرة أضعاف سكان إسرائيل، ناهيك بمساحة إيران وحيازتها ثروة نفطية هائلة، علماً أن دخل الفرد في إيران يقارب الـ 15 ألف دولار، في حين أنه يصل في إسرائيل إلى 42 ألف دولار، أي ثلاثة أضعاف دخل الفرد في إيران.

 باختصار، ثمة ملفات عديدة مفتوحة بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة، والنظام الإيراني من جهة أخرى، أهمها: أمن إسرائيل، ومحاولة إيران الاستحواذ على الطاقة النووية، وتقييد قدراتها الصاروخية، وتحجيم نفوذها في المشرق العربي، وحقوق الإنسان.

 اللافت في هذا الأمر أن إيران، ورغم تصريحاتها وتهديداتها النارية، لا ترد عملياً على الضربات والضغوط التي تتعرض لها، بالقدر نفسه، للأسباب المهمة الآتية:

أولاً، تدرك إيران أن وضعها، وفقاً لموازين القوى السائدة، والحالة الاقتصادية، والتوترات الداخلية، لا تسمح لها بأن تقوم بالرد لا على الاستهدافات الأميركية، ولا حتى الإسرائيلية (في سوريا ولبنان وفي إيران ذاتها)، لا سيما أن أي رد منها بأقل من المستوى اللازم لن يكون لائقاً، بل إنه سيكون مكلفاً ومضراً، على الأغلب، على مكانتها أو صورتها الخارجية، كما ستكون له تداعياته على الصعيد الداخلي.

ثانياً، تبعاً لما تقدم، يحاول النظام الإيراني التعويض عن عدم الرد المباشر، باهظ الثمن، بانتهاج مسارين، الأول ويتمثل بامتصاص الضربات الأميركية والإسرائيلية؛ لا سيما أنها ليست قوية أو مؤثرة إلى الدرجة الكافية لإضعافه. والثاني، استخدام أدواته، المتمثلة بالأذرع الميليشيوية التابعة له، في سوريا ولبنان والعراق واليمن، ما يمكنه من تجنب انتقال الحرب إلى أرضه، وتغطية مواقفه، وفقاً لمقولة الرد في المكان والزمان المناسبين.

 ثالثاً، تحاول إيران الاستثمار في عامل الوقت، لفرض برنامجها النووي، وهو ما تبين عن استراتيجية مناسبة أو ناجحة إلى حد ما، وكذلك لتصديع الجبهة المقابلة لها، عبر اللعب على الخلافات الأميركية – الروسية، أو الأميركية – الصينية، أو الأميركية – الأوروبية.

 رابعاً، للهدف ذاته، أيضاً، تحاول إيران تجنب أي رد عسكري على العمليات والاستفزازات الإسرائيلية، لمعرفتها بتفوق إسرائيل في عدد من المجالات، وأيضاً، لأن أي تصادم معها سيضعضع من تعاطف بعض الأطراف الدولية مع السياسة التي تنتهجها طهران، بالنظر إلى العلاقات المتميزة التي أضحت تربط إسرائيل بروسيا والصين والهند.

 يستنتج من ذلك أن احتمال التصادم العسكري ما زال ضئيلاً، على الأرجح، فالولايات المتحدة لن تذهب إلى ذلك طالما أنها تحقق ما تريده بوسائل الضغط غير العسكرية، في حين أن إيران تتجنب أي حرب، ومهما كان نوعها، لأنها تعرف أن ذلك ستكون بداية نهايتها؛ من دون أن يستثني ذلك أن ثمة مداخل أخرى قد تؤدي إلى ذلك، وعلى أية حال فهذا ما ستبينه الأيام، أو الأسابيع، المقبلة.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى