أقلام وأراء

فيصل محمد صالح: دلالات وتوابع خروج البرهان

فيصل محمد صالح * 28-8-2023: دلالات وتوابع خروج البرهان

استيقظ السودانيون، صباح الخميس الماضي، على صور وفيديوهات لرئيس مجلس السيادة والقائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان، يتجول في مدينة أمدرمان والمناطق العسكرية القريبة منها. قد يبدو الأمر عادياً لأي شعب في أي بلد في هذا العالم، حتى لو كانت البلاد في حالة حرب، مثلما يحدث في أوكرانيا مثلاً، حيث يتجول الرئيس زيلينسكي داخل وخارج البلاد، لكن الأمر يبدو مختلفاً في السودان؛ لأسباب كثيرة. ظهور البرهان خارج دائرة الحصار، له معان ودلالات عسكرية وسياسية ومعنوية.

عند انطلاق صافرة الحرب، صبيحة يوم السبت 15 أبريل (نيسان) الماضي، كان الفريق البرهان ومساعدوه المقرَّبون موجودين داخل القيادة العامة، التي يوجد بها منازل القيادات العليا للجيش. ورغم الجدال الذي ما زال دائراً حول من أطلق الرصاصة الأولى، فمن المؤكد أن قيادة «الدعم السريع» كانت لديها خطة جاهزة لاحتلال القيادة العامة. وهكذا ما إن انطلقت الرصاصات الأولى في حرَم المدينة الرياضية التي توجد بها وحدات من قوات «الدعم السريع»، كانت وحدات أخرى من «الدعم السريع» تهاجم القيادة العامة والمناطق المحيطة بها، وقالت مصادر عسكرية، في حينها، إن الفريق البرهان نجا من الموت أو الاعتقال بمعجزة وتضحيات من قوة الحراسة، حتى استطاعوا تأمينه في مبنى مخصص لقيادة العمليات.

 

مع اشتداد المعارك في الأيام اللاحقة، وامتدادها لتغطي كل مناطق العاصمة الخرطوم بمدنها الثلاث، اتضحت خريطة وجود الجيش و«الدعم السريع»، وبدا واضحاً أن قوات الجنرال حميدتي تحاصر القيادة العامة من كل الاتجاهات.

تحاصر قوات «الدعم السريع» منطقة وسط الخرطوم، التي توجد بها القيادة العامة والقصر الجمهوري ومعظم المباني الحكومية، حيث توجد هذه القوات في الناحية الجنوبية في مبنى جهاز الأمن وحي المطار ومطار الخرطوم، وتقفل هذه القوات المنطقة الواقعة غرب القيادة العامة من المنطقة العسكرية المركزية، وحتى جسر المك نمر، كما توجد القوات من الناحية الشرقية في شارع عبيد ختم وأحياء بري والرياض والمنشية. شمال القيادة يوجد شارع النيل وجسر النيل الأزرق، وتسيطر القوات المسلحة على مدخله الجنوبي قرب القيادة، بينما تسيطر قوات «الدعم السريع» على مدخله الشمالي. هناك جسران يربطان الخرطوم بأمدرمان، وأربعة جسور تربط الخرطوم بالخرطوم بحري وشرق النيل، بعض هذه الجسور تسيطر عليها قوات «الدعم السريع» من الناحيتين، والبقية تتقاسم مع القوات المسلحة السيطرة من ناحية، والجيش من الناحية الأخرى، ولا يوجد جسر واحد تسيطر عليه القوات المسلحة من الجهتين.

قصدتُ من هذا التلخيص القول إن القيادة العامة محاصَرة بشكل كامل، وبالتالي فإن خروج البرهان بهذه الطريقة، ووصوله لمدينة أمدرمان يقبلان واحداً من احتمالين؛ إما أنه خرج بعملية عسكرية جريئة قامت على خداع قوات «الدعم السريع»، واخترق بها دفاعاتها من دون إطلاق رصاص، ويدخل في هذا الاحتمال عبر قارب على النيل أو طائرة عمودية، أما الاحتمال الثاني فهو أن هناك صفقة سياسية سمحت للبرهان بالخروج بعِلم ومعرفة قوات «الدعم السريع»، باعتبار أن خروجه يساعد على التفاوض بحُرية وبتفويض عال لم يتمتع به الوفد العسكري الموجود في جدة.

حقق خروج البرهان، بغض النظر عن الطريقة، نصراً معنوياً للقوات المسلحة المحاصَرة في عدة قواعد، وحمل أملاً يتمناه كثير من السودانيين، بغض النظر عن موقفهم من الحرب ومن سياسات ومواقف البرهان؛ وهو أن يتوقف الهجوم على مقر سلاح المدرعات وقاعدة سلاح المهندسين بأمدرمان، وتتم المحافظة على توازن القوى الحالي لمصلحة الجلوس للتفاوض بمعنويات معقولة، كما أنه يمثل نصراً عسكرياً تحتاج إليه القوات المسلحة بشدة، في حالة خروجه عنوة ودون صفقة، يعيد لها بعض الثقة المفقودة.

ويبدو كذلك أن خروج البرهان سيكون في مصلحة الحل التفاوضي، فهو الآن يتمتع بحرية في العمل واتخاذ القرار بشكل أفضل من ظروف الحصار في القيادة، ويحرره من ابتزاز بعض القوى السياسية التي شاركت في الحرب، وخصوصاً الحركة الإسلامية، والتي تحاول فرض رؤاها عليه، ومن ضغوط بعض العسكريين الذين يريدون استمرار الحرب. والانطباعات الأولى لبعض قيادات الإسلاميين، في بعض وسائل التواصل الاجتماعي، عكست شكوكاً وتردداً في الحكم على عملية خروج البرهان، وما قد تحمله من صفقات سياسية.

لا أحد يعلم بالتأكيد مدى انسجام القيادات العسكرية العليا، وخصوصاً أعضاء مجلس السيادة من العسكريين، مع خطط البرهان ومواقفه في الفترة المقبلة، لكن ستتضح هذه المواقف خلال الفترة المقبلة، عندما يتوجه البرهان إلى مدينة بورتسودان التي تتخذها الحكومة مقراً لها، وقد ينطلق بعدها في زيارات خارجية لبعض دول المنطقة، وهو قطعاً يحتاج إلى تفهم ودعم لمواقفه من القيادات العسكرية المهنية غير المحسوبة على الإسلاميين، حتى لا يحدث تمرد داخل الجيش.

السؤال المطروح الآن في الشارع السوداني هو: لقد خرج البرهان… فمتى يخرج حميدتي…؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى