أقلام وأراء

فيصل أبو خضرا يكتب – مطلوب دراسة متأنية بالتشاور مع الأشقاء العرب …

بقلم فيصل أبو خضرا – 9/5/2020

الطرح الأميركي الجديد واتفاقية أوسلو

إذا صح ما ذكرته مصادر مطلعة أميركية لصحيفة ” القدس” والمنشور في رئيسية عدد الخميس الماضي من ان الإدارة الأميركية تطلب من القيادة الفلسطينية توضيح رؤيتها لحل القضية الفلسطينية وتقديم خرائط تفصيلية لما تطالب به في اطار الدولة الفلسطينية سواء القدس او الاغوار وباقي الأراضي الفلسطينية، وانه اذا تقدم الجانب الفلسطيني بذلك فإن واشنطن لن تدعم اي قرار اسرائيلي بالضم في المرحلة الحالية وانها ستطلب من إسرائيل التفاوض مع الفلسطينيين حول هذه الرؤية والمطالب ، واذا لم يتقدموا بذلك فإن واشنطن ستضطر الى الاعتراف بقرارات الضم، إذا صح ذلك فإن هذا يؤشر على تغيّر ما في الموقف الأميركي، في مقدمته ان هذا يعني أن أية مفاوضات لن تكون محكومة بنصوص صفقة القرن من جهة وأن استعداد واشنطن لمطالبة إسرائيل بالتفاوض على المطالب الفلسطينية بشأن القدس والأغوار -الحدود- وباقي المطالب انما يعبر عن اقتراب واشنطن من صيغة اتفاق أوسلو الذي ترك القضايا الجوهرية الخمس وهي القدس واللاجئين والحدود والمستعمرات والأمن للمفاوضات النهائية.

والسؤال الكبير الذي يطرح بهذا الشأن على ضوء ما تقوله المصادر من ان تقديم رؤية فلسطينية للحل يعني عدم إقدام الإدارة الأميركية على الاعتراف بالضم هو: هل يجدر بالقيادة الفلسطينية دراسة هذا الطرح الأميركي الجديد وتقديم رؤية متكاملة وخرائط تعبر عن موقفنا من الحل النهائي؟ وهل يمكن لمثل هذا الموقف ان يعرقل قرارات الضم ويؤخر ان لم يلغ الاعتراف الأميركي بها في حال اتخذتها حكومة نتنياهو -غانتس؟

من الواضح تماما ان الموقف الفلسطيني معروف منذ عقود وهو ما اكده الأخ الرئيس محمود عباس بشأن المطالب الفلسطينية القائمة على اساس الشرعية الدولية وقراراتها خاصة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس وحل قضية اللاجئين بموجب قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، ولكن اذا كانت الإدارة الأميركية تسعى لاستغلال الرفض الفلسطيني لتقديم مثل هذه الرؤية لتبرير اعترافها المستقبلي بقرارات الضم، ألا يجدر بنا سحب البساط من تحت اقدام واشنطن وتقديم رؤيتنا لالزام إسرائيل بالتفاوض حولها؟

وإذا كانت الخطوات القادمة بعد تقديم هذه الرؤية غامضة واذا كنا بحالة قطيعة اليوم مع الإدارة الأميركية بسبب انحيازها المطلق للاحتلال ألا يمكن تقديم هذه الرؤية الفلسطينية عبر طرف ثالث مثل مصر أو الأردن بعد التشاور مع الأشقاء العرب وبعد مطالبة واشنطن بإمهالنا الوقت الكافي لمثل هذا التشاور ؟

وفي عالم السياسة ظهر ايضا مصطلح “الوديعة” كما طرح في مفاوضات المسار السوري عام ٢٠٠٠ وفي مفاوضات كامب ديفيد الفلسطينية الإسرائيلية برعاية ومشاركة الرئيس بيل كلينتون، وبالتالي يمكن وضع هذه الرؤية كـ”وديعة” لا تكون ملزمة لمقدمها الا في حالة توفر شروط معينة ، سواء لدى الإدارة الأميركية أو لدى طرف ثالث عربي أو أوروبي او اي من القوى الدولية النافذة ، او حتى مجلس الأمن ورؤية ما الذي يمكن ان تقوم به الولايات المتحدة على ضوء ذلك؟ ومثل هذه الوديعة تتضمن الخطوط الحمراء كما تتضمن النقاط التي يمكن التوصل لحلول وسط بشأنها بمرونة لا تعني التفريط ويتطلع لأن يقدم الطرف المقابل مرونة مماثلة.

وهنا اعتقد ان الخيارات متعددة أمام القيادة الفلسطينية دون ان يعني ذلك بأي شكل من الاشكال القبول بصفقة القرن او التعاطي معها كأساس للمفاوضات، وفي نفس الوقت يمكن ان يحقق ذلك للشعب الفلسطيني وقيادته على الأقل إعاقة وعرقلة قرارات الضم من جهة وإجاع المفاوضات الى المرجعية والأسس التي يفترض ان تقوم عليها وفي مقدمتها مرجعية آوسلو القائمة على القرارات الدولية ، وهو ما يعيدنا مجددا إلى التأكيد على اهمية اتفاقيات أوسلو كأساس للكيانية الوطنية الفلسطينية المعترف بها دوليا والتي وقعت برعاية اميركية -دولية وحققت الكثير من الانجازات لشعبنا رغم كل ما يقال عن الثغرات الي تضمنتها.

كما ان اية رؤية فلسطينية تقدم للولايات المتحدة او غيرها لا بد ان تكون محكومة بحقوق شعبنا الثابتة والمشروعة والتي نصت عليها الشرعية الدولية ومحكومة بالاتفاقيات الموقعة واسسها ومرجعيتها بما في ذلك تلك التي وقعت عليها أميركا وإسرائيل نفسها.

ومن الواضح ان هذا الطرح الأميركي الجديد اذا ما تم تأكيده يعني ايضا شكلا وجوهرا مختلفين عن التفاوض على أساس صفقة القرن بل سيكون الموقف الفلسطيني حاضرا بقوة ويجب التفاوض حوله والا سيكون لكل حادث حديث.

ليس لدينا ما نخشاه بعد ان باتت فلسطين حقيقة راسخة معترف بهه في المجتمع الدولي، دولة تحت الاحتلال، بعد اتفاق اوسلو الذي اعود واكرر ضرورة عدم التخلي عنه رغم كل الانتهاكات الإسرائيلية ورغم محاولات صياغة حلول لا تنسجم مع المرجعيات والأسس التي استند عليها أوسلو .

وفي هذا الجو المحموم والضعف العربي والهرولة نحو المحتل ، علينا ان نفكر جيدا قبل اتخاذ اي قرار كي نبقى صامدين على ارضنا ومحافظين على مقدساتنا الإسلامية والمسيحية.

من السهل ان نرفع شعارات براقة ونطلق تصريحات نارية ، ولكن من الصعب جدا تنفيذ ذلك، فيما يرسخ الاحتلال أقدامه ويبني المزيد من المستعمرات ويسرق المزيد من الأراضي الفلسطينية.

وهنا لا بد من التذكير ان اتفاقية اوسلو اتفاقية رئيسية يعترف بها العالم وأساس نشوء الكيانية الوطنية الفلسطينية على ارض الوطن، رغم ان ذلك لا يعجب بعض الفصائل التي ترفع شعار تحرير فلسطين من النهر الى البحر ومن الناقورة الى ام الرشراش دون ان تقدم بديلا واقعيا لمجابهة الاحتلال ومخططاته.

لقد جاهد الرئيس الرمز ياسر عرفات ورفيق دربه الرئيس الحالي الاخ محمود عباس للوصول مع المحتل لاتفاقية اوسلو وسط اختلال الموازين واوضاع عربية اسلامية متردية ومعاناة فلسطينية متزايدة، والتي من خلالها اصبح لنا سلطة وطنية على جزء من الاراضي الفلسطينية وعودة عشرات الالاف من ابناء شعبنا الى ارض الوطن.

وها نحن نرى اليوم هرولة بعض الدول العربية نحو التطبيع مع العدو الاسرائيلي ، وتزايدت الاصوات في الإعلام والمسلسلات الخبيثة التي تحاول تجميل وجه الاحتلال وشرعنة وجوده على ارضنا وتكيل الاتهامات المزعومة والمدحوضة ضد شعبنا.

اليوم تطلب امريكا من السلطة الوطنية تقديم رؤيتها للحل ووضع خرائط جديدة، وهو ما يمكن ان يتيح لنا التقاط الأنفاس، ومواجهة الضم وسحب البساط من تحت اقدام الاحتلال الذي يدعي اننا لانفوت فرصة لتفويت السلام.

لذلك نقول ان المطلوب اليوم دراسة متأنية لما هو مطروح بالتشاور مع الأشقاء العرب والدول الصديقة وبلورة موقف فلسطيني يؤكد على حق شعبنا في الحياة والحرية فوق تراب وطنه وفي دولته المستقلة وعاصمتها القدس وحل قضية اللاجئين حلا عادلا وإطلاق سراح أسرى الحرية …

والله المستعان.

*عضو المجلس الوطني الفلسطيني  ،عن القدس المقدسية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى