الصراع الفلسطيني الاسرائيليغزة

فيتو أميركي مصري ضد تهدئة تشرعن حكم حماس في غزة

العرب –  القاهرة –  31/8/2018

كشف مصدر مصري لـ”العرب”، أن القاهرة عدلت أولوياتها بشأن آلية تحسين الأوضاع في غزة، وقررت التحرك في مسار يوازن بين التهدئة ومصالحة فلسطينية تفضي إلى عودة السلطة لإدارة القطاع. وأوضح المصدر أن “مراوغات حماس لتعطيل تمكين السلطة في غزة توسع دائرة التصنيف الدولي لها كمنظمة إرهابية، وهي لا تدرك أنها تحتمي بجهات إقليمية هشة”، في إشارة إلى قطر وتركيا وإيران.

وجاء التحول في الموقف المصري بأن تكون عودة السلطة إلى غزة أولوية، متناغما مع وجهة نظر أميركية تعتبر أن توقيع اتفاق التهدئة بين حماس وإسرائيل بدون السلطة الفلسطينية جائزة كبرى للحركة.

وكشف تصريح موحد لمسؤولين أميركيين مخاوف من هدنة طويلة المدى في قطاع غزّة بين حماس وإسرائيل دون مشاركة السلطة الفلسطينية. وشدد المسؤولان -وهما السفير في إسرائيل ديفيد فريدمان والمبعوث الأميركي للشرق الأوسط جيسون غرينبلات- على أهمّية أن تكون السلطة الوطنية طرفا في أي اتفاق في شأن غزّة.

وفسرت مصادر فلسطينية موقف فريدمان وغرينبلات بأن الإدارة الأميركية تعارض إقامة كيان مستقل في غزّة تحكمه حماس التي تمتلك علاقات قوية في مجالات مختلفة مع إيران. وتفضل واشنطن أن تكون غزّة تحت مظلة السلطة الوطنية والرعاية المصرية وذلك تفاديا لتحول القطاع في المدى الطويل إلى مجرد مستعمرة إيرانية. وأوضحت أن هذه المخاوف تفسر قول غرينبلات إنّ السلطة يجب أن تكون جزءا من الحل في غزّة.

وتتناغم رؤية الولايات المتحدة مع عدم رغبة الحكومة الإسرائيلية في حل الأزمة داخل غزة، لأنها تفضل إدارتها وليس إنهاءها، لخفض سقف مطالب الفلسطينيين.

وأكد المصدر المصري لـ”العرب” أن “القاهرة معنية بأن تتحرك وفق المستجدات، وبما لا يتعارض مع ثوابت أن تعود السلطة إلى غزة، والمشكلة أن حماس تتمسك بالتهدئة أولا، لزيادة رصيدها في الشارع وتحسين الأوضاع المعيشية تحسبا لإجراء انتخابات تصل بها إلى قمة السلطة”.

وتخشى القاهرة أنه إذا منحت الأولوية لتوقيع اتفاق التهدئة فإن الحركة لن تقبل لاحقا بالمصالحة، لأنها لن تترك حكم غزة بسهولة، مع تحسن الأوضاع وخفض الضغوط الواقعة عليها جراء الحصار.

وطمأن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الرئيس الفلسطيني محمود عباس في محادثة هاتفية، مساء الأربعاء، بأن القاهرة سوف تواصل جهودها لتحقيق المصالحة وتعزيز الوحدة الوطنية، وعودة السلطة الشرعية لتولي مسؤولياتها في غزة.

ورأى محمد جمعة، الباحث في الشأن الفلسطيني بمركز الأهرام للدراسات السياسية، أن مصر تتحرك وفق مسارات متكاملة، وهي: تثبيت التهدئة وعودة السلطة إلى غزة والتعامل مع وضع إنساني قابل للانفجار، لتبتعد القاهرة عن صيغة “غزة أولا” وفقا للحسابات الإسرائيلية والأميركية.

وأضاف لـ”العرب” أن مصر لا تريد تهدئة طويلة على أرضية الانقسام ينتج عنها انفصال القطاع عن الضفة، وتريد بقاء الأفق مفتوحا أمام الدولة الفلسطينية، دون أن يلقى القطاع في جعبتها، أو يذهب بعيدا ليكون بيئة لقوى إقليمية معادية. وتكمن أزمة حماس في أنها صدرت صورة مغلوطة عن مباحثات التهدئة التي جرت في القاهرة، وسربت معلومات عن حسم بنود الاتفاق وقرب توقيعه، والإيحاء بأن المقاومة التي يعاديها أبومازن ويفرض عليها عقوبات آتت أكلها، واقترب تحسن الأحوال المعيشية للسكان، ما أثار غضب رام الله على القاهرة.

وقال المصدر المصري “أزمة حماس أنها عندما جمعت الفصائل للتشاور حول التهدئة، نصّبت نفسها بديلة عن منظمة التحرير، ولم تعِ أن القاهرة لا يمكن أن تجاريها في ذلك، كما أنها لا تفهم أن حركة الجهاد الإسلامي ترفض أن يكون دور حماس رئيسيا في اتفاق التهدئة، وتريد اقتسام جزء من الكعكة معها.. كل هذه المعطيات جعلت القاهرة تعيد ترتيب أولوياتها، بعدما أدركت أن كل طرف يتعامل مع التهدئة وفق مصالحه، وليس لإنقاذ غزة”.

وباتت حماس مطالبة بالتعاطي مع الورقة المصرية لإنهاء الانقسام، لكن معضلتها تكمن في كيفية نسيان حلم الاستمرار في حكم غزة وتوقيع اتفاق تهدئة بعيدا عن منظمة التحرير، وتكون مستعدة لتصبح فصيلا سياسيا تحت مظلة السلطة.

وأربكت إعادة القاهرة ترتيب الأولويات حسابات الحركة، وقال يحيى السنوار قائد حماس في غزة “لن نسمح ببقاء الوضع الراهن، وسنقلب الدنيا على الجميع، وسنهدم سلطات وتنظيمات وكيانات إذا تعلق الأمر بقوت الناس”. ويرى مراقبون أن حديث السنوار يعكس تمسك حماس بالالتفاف على اتفاق القاهرة الموقع في أكتوبر الماضي، بأن تبدأ إجراءات المصالحة بتمكين وزراء حكومة الوفاق من مهامهم في غزة، وليس تشكيل حكومة جديدة.

ويشير تلويح حماس، بأن الحركة تميل إلى استمرار التوتر والتلويح بانهيار الأوضاع الإنسانية في القطاع وتفضل ذلك على تسليمه للسلطة. وتتعامل مصر مع تلميحات قائد حماس بغزة في دائرة تحسين صورة حركته لدى الرأي العام الداخلي، والإيحاء بأنها تتفاوض وهي في موضع قوة، وتحركها نحو التهدئة يهدف فقط إلى تحسين أوضاع السكان، ولن ترضخ لضغوط من هنا أو هناك. وتملك القاهرة أوراق ضغط على حماس للقبول بالمصالحة، منها غلق معبر رفح في ظل تلميحات إسرائيلية إلى إعادة غلق معبر كرم أبوسالم التجاري، لأن الحركة اعتادت التعاطي مع جهود إنهاء الانقسام كلما تعرضت لضغوط لا تستطيع تحملها.

وأوضح محمد جمعة أن حماس أمام بقاء الوضع باستمرار حكمها وتصاعد الحصار وتردي الأوضاع الإنسانية، وهذا ينذر بانفجار ضمن احتمالاته ثورة سكان غزة عليها، أو مواجهة عسكرية غير متكافئة مع إسرائيل، أو تسليم القطاع للسلطة دون الاحتفاظ بصلاحيات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى