ترجمات أجنبية

فورين بوليسي – يسعى اليمين المتطرف في أوروبا إلى الاتحاد

مجلة فورين بوليسي –  بقلم ميشيل باربيرو – 23/4/2021

التقرير يسلَّط الضوء على مساعي أحزاب اليمين المتطرف في القارة العجوز لتشكيل جبهة موحدة من أجل كسب مزيد من النفوذ داخل الاتحاد الأوروبي، مشيرًا إلى التحديات ونقاط الخلاف التي تحول دون تحقيق ذلك، وفرص نجاح هذه المساعي والمحاولات.

تيار اليمين المتطرف ينمو ويزدهر في معظم أنحاء قارة أوروبا، إذ تَمْسِك الأحزاب المتشددة والمناهِضة للمهاجرين بمقاليد الحكم في بولندا والمجر. وفي إيطاليا، يتصدر حزب «رابطة الشمال» بقيادة ماتيو سالفيني استطلاعات الرأي ويتمتع بسلطة كبيرة بعد دخوله في حكومة وحدة وطنية.

وفي فرنسا، تُعد مارين لوبان، زعيمة حزب «التجمع الوطني»، أكثر المنافسين المُهدِّدين لفوز الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالانتخابات الرئاسية القادمة، وفي الوقت نفسه، يخسر حزب فوكس الإسباني بصورة مطردة دعم التيار السائد للمحافظين منذ تأسيسه في عام 2013. لكن اليمين المتطرف في أوروبا يجد صعوبة كبيرة في ترجمة قوته، التي يتمتع بها في الداخل، إلى نفوذ وتأثير في مختلف أنحاء أوروبا، على الرغم من أن القوميين المتشددين لديهم، في الوقت الحالي، مقاعد في البرلمان الأوروبي أكثر من أي وقت مضى.

بعض أبرز الأحزاب اليمينية في أوروبا، (مثل حزب الرابطة في إيطاليا والقانون والعدالة في بولندا وحزب فيدسز المجري) تسعى حاليًا إلى تكوين تحالف جديد لتعزيز نفوذها على مستوى الاتحاد الأوروبي. إذ عقد كلٌ من سالفيني، زعيم رابطة الشمال، وماتيوش مورافيتسكي، رئيس الوزراء البولندي، وفيكتور أوربان، رئيس الوزراء المجري، في الشهر الجاري، اجتماعًا رفيع المستوى في العاصمة المجرية بودابست، ومن المتوقع إجراء مزيد من المحادثات في أوائل شهر مايو (أيار).

الدافع وراء الجبهة الموحدة

قال ماركو زاني، عضو البرلمان الأوروبي عن حزب الرابطة، إن: «الأحزاب الثلاثة تعمل على وضع برنامج سياسي يتضمن حماية جذور أوروبا من التعددية الثقافية العديمة الروح وتجفيف منابع الهجرة والدفاع عن الشكل التقليدي للأسرة. كما تعمل على تحسين عملية التنسيق فيما بينها عند التصويت على هذه القضايا في مقر الاتحاد الأوروبي ببروكسل».

إن تكوين جبهة موحدة سيُترجَم إلى مزيد من الموارد والحصول على مزيد من التمويل، بالإضافة إلى أنه سيُعزز من ارتفاع صوت اليمين المتطرف وقدرته على التأثير في السياسة على الساحة الأوروبية. وربما كان الدافع المباشر وراء التجميع الجديد هو انسحاب حزب «فيدسز» اليميني في مارس (آذار) من أكبر كتلة في البرلمان الأوروبي، وهي «حزب الشعب الأوروبي» من يمين الوسط، والذي يجمع بين الأحزاب المحافظة الرئيسة مثل الاتحاد الديمقراطي المسيحي في ألمانيا وحزب الشعب الإسباني.

اليمين المتطرف في البرلمان الأوروبي الحالي ينقسم إلى مجموعتين صغيرتين نسبيًّا. وتضم الأولى وهي كتلة «الهوية والديمقراطية» حزب الرابطة الإيطالي، بالإضافة إلى التجمع الوطني الفرنسي ووفد أصغر عددًا من حزب «البديل من أجل ألمانيا».

ويهيمن على الكتلة اليمينية المتشددة الأخرى، وهي المحافظون الأوروبيون والإصلاحيون، حزب القانون والعدالة البولندي. وفي الوقت الذي يُنظَر فيه إلى هذه الكتلة عادةً على أنها كانت تستضيف أعضاء البرلمان الأوروبي المحافظين في بريطانيا ـ فإنها أيضًا على يمين كتلة حزب الشعب الأوروبي وتضم أحزابًا متشددة بشأن الهجرة مثل حزب «إخوان إيطاليا» وفوكس الإسباني.

إذا دُمِجت الكتلتان، ومعهما حزب فيدسز المجري، فسوف يشكِّلون ثاني أكبر كتلة في البرلمان الأوروبي – بعد كتلة حزب الشعب الأوروبي مباشرةً وقبل كتلة التحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين. تقول كاتالين نوفاك، نائبة رئيس حزب فيدسز ووزيرة في حكومة أوربان: «إن الهدف من المحور الجديد هو إعادة توحيد اليمين الديمقراطي المسيحي الأوروبي وبث الروح فيه من جديد. ونحن بحاجة إلى نهضة من أجل تمثيل المصالح الوطنية على أفضل وجه وخدمة أوروبا القادرة على المنافسة مع الحفاظ على مبادئنا الأساسية.

وفي السنوات الأخيرة، اتجهت كتلة حزب الشعب الأوروبي بصورة ملحوظة نحو اليسار. وأصبح من الصعب حاليًا، في بعض القضايا الحاسمة، التمييز بين مواقف كتلة حزب الشعب الأوروبي ومواقف الأحزاب الاشتراكية الأوروبية. وهذا الأمر يترك ملايين المواطنين الأوروبيين من دون تمثيل حقيقي على المستوى الأوروبي».

ظاهرة عالمية

ربما يبدو التعاون الدولي غريبًا على تلك الأحزاب التي لديها خبرة كبيرة في وضع البرامج ورفع الشعارات القومية، والتي تتضمن في أغلب الأحيان هجمات مباشرة على بروكسل والاتحاد الأوروبي. ولكن الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا أظهرت شهية متزايدة للتحالفات الدولية منذ الانتخابات الأوروبية لعام 2014 وما تلاها من إنشاء مجموعة «أوروبا الأمم والحرية»، وهي كتلة تقودها مارين لوبان في البرلمان الأوروبي، وتتكون من أحزاب أوروبية ذات توجه يميني متطرف.

وأصبحت فيما بعد كتلة الهوية والديمقراطية، كما قال دنكان ماكدونيل، أستاذ العلوم السياسية والخبير في الشعبوية الأوروبية في جامعة جريفيث الأسترالية، والمؤلف المشارك لكتاب يتناول اليمين الراديكالي في البرلمان الأوروبي.

وفي الواقع، لم تكن محادثات بودابست المبادرة الأولى من هذا النوع؛ إذ استضاف حزب «البديل من أجل ألمانيا» في عام 2017 مؤتمرًا حضرته، من بين آخرين، مارين لوبان وسالفيني، وخِيرت فيلدرز النائب الهولندي اليميني المثير للجدل. وفي الأشهر التي سبقت التصويت الأوروبي لعام 2019، التقى سالفيني مع أوربان، وسافر إلى بولندا ونظما مسيرة أمام كاتدرائية ميلانو إلى جانب 11 من قادة آخرين للنزعة القومية.

هذه الظاهرة ليست مجرد ظاهرة أوروبية. إذ روَّج سالفيني لعلاقاته الدافئة مع الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو. وفي عام 2019، دعا رئيس الوزراء الهندي القومي، ناريندرا مودي، مجموعة من أعضاء البرلمان الأوروبي، معظمهم من اليمين المتطرف، لزيارة كشمير، بعدما ألغى الحكم الذاتي للمنطقة.

كما استضاف الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، نايجل فاراج، السياسي البريطاني المؤيد للبريكست (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) في التجمعات التي نظمها، واشتهر ترامب بعلاقاته مع قادة بولندا في زيارته للبلاد، بينما أجرى ستيف بانون، مستشاره السابق عدة اتصالات مع المنادين بالسيادة في أوروبا، ودعم جهودهم من أجل الاتحاد فيما بينهم.

نقاط الخلاف

من السهل الوقوف على الأسباب والدوافع وراء تكاتف أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا معًا؛ إذ يصطدم كلٌ من أوربان ومورافيتسكي ببروكسل بسبب تراجع الديمقراطية في بلادهما، وهذا ما وضع نهاية لعضوية حزب فيدسز في كتلة حزب الشعب الأوروبي. أما سالفيني، الذي يلعب لعبة دقيقة في ائتلاف كبير مع الأحزاب الرئيسة في إيطاليا، فإن التعاون مع حكام من اليمين المتشدد في أوروبا الوسطى يُوفر له فرصة لتعزيز مصداقيته بصفته مؤهلًا لرئاسة الحكومة، مع الحفاظ على إخلاصه لجذوره الأيديولوجية.

لكن توحيد المعسكر اليميني المتطرف سهل نظريًّا وليس عمليًّا. ويتعلق الخلاف الأشد بالعلاقة مع روسيا. إذ يعادي حزب القانون والعدالة في بولندا روسيا بشدة، وأكد من جديد علاقاته مع الغرب ومع الولايات المتحدة تحديدًا. وفي المقابل، عارض كلٌ من أحزاب الرابطة والتجمع الوطني وحزب البديل من أجل ألمانيا العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على موسكو، كما زار ممثلو الأحزاب الثلاثة شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا، في مناسبات عدة.

بالإضافة إلى أن وفود حزب البديل من أجل ألمانيا اجتمعت مرارًا وتكرارًا مع كبار المسؤولين الروس في الأشهر الأخيرة، وأجرت مارين لوبان محادثات مباشرة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوائل عام 2017، وهو ما نظر إليه كثيرون على أنه تأييد صارخ من الكرملين لمارين في خضم حملتها القادمة للانتخابات الرئاسية الفرنسية.

العلاقات مع روسيا

العلاقات مع موسكو تمثل نقطة الخلاف الأساسية في المحور الطبيعي المفترض بين جناحي اليمين في المجر وبولندا. وفي استطلاع أُجري في أواخر عام 2020، رأى 22% من مؤيدي حزب فيدسز المجري أن روسيا «أهم دولة تتمتع المجر بعلاقة جيدة معها»، مقابل 4% فحسب من المتعاطفين مع حزب القانون والعدالة البولندي رأوا ذلك، بينما ذكر 69% منهم أن الولايات المتحدة أهم دولة لها علاقات مع بولندا.

وفي السياق ذاته، قالت كاتالين نوفاك، وزيرة في حكومة فيدسز بالمجر، إن: «العلاقات مع روسيا تختلف باختلاف الخلفيات التاريخية والثقافية والمصالح الاقتصادية والأمنية. ونحن نحترم مصالح حلفائنا ونسعى لتحقيق مصالحنا مثل أي دولة أخرى. ولا أرى أن هذه القضية تُمثِّل عقبة رئيسة أمام تكوين تحالف جديد».

خلافات داخلية

هناك ثمَّة عقبة أخرى محتملة بين الأحزاب التي تولَّت الحكم وبين تلك التي تصيح فحسب من مقاعد المعارضة. إذ تظل الأحزاب التي تدير الحكم في بلادها منذ سنوات، على الرغم من نزعتها الشعبوية، مثل حزبي القانون والعدالة في بولندا، وحزب فيدسز في المجر، تنظر إلى زعماء بعض أحزاب اليمين المتطرف الذين لم يتولوا زمام الحكم من قبل، مثل مارين لوبان، على أنهم مُضرِّين.

وصحيحٌ أن مارين سعت إلى تغيير اسم حزبها من خلال التخلص من اللغة العنصرية المعادية للسامية التي كانت سائدة في الأيام الخوالي. لكن باول زيركا، من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، يقول: «لا يزال يُنظر إلى مارين على أنها شخص مرفوض للأبد لم يؤدِ دورًا حكوميًّا مطلقًا».

وهذا الأمر يعني نهجًا مختلفًا لبروكسل. وأوضحت صوفي بورنشليجيل، أستاذة العلوم السياسية الفرنسية-الألمانية في مركز أبحاث مركز السياسة الأوروبية في بروكسل، قائلة إن: «حزب التجمع الوطني، على سبيل المثال، يفتقر حقًّا إلى بعض الإستراتيجيات والخبرة في سياسة الاتحاد الأوروبي، بينما يختلف الأمر مع أوربان أو سالفيني أو بولندا، إذ يبدو أن لديهم رؤية أقوى بكثير لما يريدونه على مستوى أوروبا».

ولا تزال بعض الأحزاب الانفصالية مرتبطة بنوع من التشكيك في الاتحاد الأوروبي وانتقاده بشدة، ومنهم حزبا التجمع الوطني والرابطة، يسعون في السنوات الأخيرة إلى تخفيف حدة التوتر: بيان حزب البديل من أجل ألمانيا للانتخابات الفيدرالية المقبلة في ألمانيا والذي تضمن الدعوة إلى مغادرة الاتحاد الأوروبي.

بيد أن هذه الفجوة قد تضيق. وعندما كان حزب الرابطة تحت قيادة المؤسس أمبرتو بوسي، لم يكن يريد أي علاقة بالجبهة الوطنية (كما كان يُطلق على حزب التجمع الوطني)؛ ولم تشهد العلاقات بين الحزبين تحسُّنا في التعاون إلا خلال العقد الماضي، بعدما تولى سالفيني رئاسة الحزب. يقول ويتولد واسزكوفسكي، نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية عن حزب القانون والعدالة البولندي، إنه: «قبل بضع سنوات كان من الصعب التحدث حتى مع اليمين المتطرف الفرنسي. أما في الوقت الراهن، فنحن ما زلنا في وضع الانتظار والترقب، لكننا بطبيعة الحال منفتحون على الحوار».

لكن الحذر يظل متبادلًا بين الجانبين ويعتقد جيلبرت كولارد، عضو في البرلمان الأوروبي عن حزب التجمع الوطني، أنه من المبكر جدًّا التعبير عن أي وجهات نظر حول مبادرة بودابست، التي ما زالت تفاصيلها غير واضحة. إذا كان من الممكن التوصل إلى حل يُوحد الجميع، فسنكون بالتأكيد على متن الطائرة وفي طريقنا للوصول، لكننا لم نصل بعد إلى ذلك الحل.

فرص النجاح ضئيلة

هناك أيضًا ثمة طموحات شخصية. إذ كان جان ماري لوبان، مؤسس حزب التجمع الوطني، من أوائل المؤيدين لإنشاء جبهة قومية لعموم أوروبا. لكن في الوقت الحالي، ربما تكون ابنته مترددة في الانضمام إلى مشروع يقوده سالفيني، الذي عزز في العامين الماضيين تمثيل حزب الرابطة على المستوى الأوروبي من لا شيء تقريبًا إلى حزب صانع للملوك المحتملين. يقول ماكدونيل: «في البداية لعب سالفيني دور تلميذ مارين لوبان على المستوى الأوروبي، لكنه الآن قد يكون الأستاذ».

قال بورنشليجيل «إنه بالنظر إلى جميع الخلافات بينهم، تبدو فرص اليمين المتطرف في تشكيل كتلة متماسكة في أي وقت قريب ضئيلة. لكن هذا لا يعني أنهم سيتوقفون عن المحاولة. وتشير القمة الأخيرة والاجتماعات القادمة وسلسلة الاتصالات العابرة للحدود إلى وجود محاولات من أحزاب اليمين المتطرف لتكوين جبهة شعبية خاصة بتيَّارهم في أوروبا». ونوًّه ماكدونيل قائلًا: «ربما يكونون قوميين، لكنهم أيضًا أمميون مؤمنون بالدولية في التحالفات التي يُشكلونها».

* ميشيل باربيرو، وهو صحافي إيطالي يُقيم في العاصمة الفرنسية باريس

** نشر هذا المقال تحت عنوان  :  

Europe’s Far-Right Seeks to Unite

الكاتب  Michele Barbero

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى