#شوؤن دولية

فورين بوليسي – ما هو مستقبل الصين في افريقيا؟

فورين بوليسي –  بقلم ماريك أولبرج   وبوني أس جلاسر *- 8/12/2021

في الوقت الذي تسعى فيه واشنطن لحشد الدول ضد الصين، تحاول الصين تسليط الضوء على التصدعات التي أصابت الديمقراطية الأمريكية، وإظهار أن الديمقراطية الصينية تتفوق على نظيرتها الأمريكية.

إن الحكومة الصينية ساخطة بشدة على قمة الرئيس الأمريكي جو بايدن من أجل الديمقراطية، وتريد أن يعرف العالم ذلك. وقبل أسبوع من انعقاد القمة عقدت الحكومة الصينية على عجل منتدى الديمقراطية الخاص بها ونشرت كتابًا بعنوان «الصين: ديمقراطية تنجح»، بالإضافة إلى تقرير بعنوان «حالة الديمقراطية في الولايات المتحدة» زعمت فيه أنها «تفضح أوجه القصور وإساءة استخدام الديمقراطية» في الولايات المتحدة. ورافق هذه الإجراءات عدد لا يحصى من المقالات والمؤتمرات الصحفية، وبالطبع تغريدات عن «ديمقراطية» الصين وتفوقها على الديمقراطية الأمريكية. والسؤال الآن: لماذا يأتي رد فعل الحكومة الصينية بهذه القوة على قمة بايدن الافتراضية؟

أشار بعض مراقبي شؤون الصين إلى مشاركة تايوان باعتبارها السبب الرئيس لغضب الصين. ويُعد انضمام تايوان إلى منتدى استبعدت منه الصين إهانة غير مقبولة لدولة الحزب الشيوعي. وتدَّعي بكين أن تايوان المتمتعة بالحكم الذاتي جزء من أراضيها، وقد بذلت جهودًا كبيرة لمحاولة عزل تايوان دوليًّا، بما في ذلك منعها من حضور اجتماعات منظمة الصحة العالمية. وأحرزت إدارة بايدن تقدمًا في حشد الحلفاء في جميع أنحاء العالم لدعم تايوان، وهو ما يقوِّض هدف الصين المتمثل في إثارة الشكوك في تايوان بشأن استمرار التزام الولايات المتحدة وحلفائها بازدهار الجزيرة وأمنها.

تايوان وأشياء أخرى وراء غضب الصين

لكن تايوان تفسر رد الفعل الصيني العنيف جزئيًّا، وهناك ديناميات أكبر لها تأثيرها. وعلى الرغم من أن الحكومة الصينية تتهم الآخرين في كثير من الأحيان على نحو ساخر بأن لديهم «عقلية الحرب الباردة» وأنهم يسترشدون بـ«توجه عقلي ذي محصلة صفرية»، فإنها تنظر إلى نفسها على أنها في منافسة عالمية على الهيمنة ضد الولايات المتحدة، وتتعامل معها بطريقة ذات محصلة صفرية بلا شك.

وفي التقييم الرسمي للحزب الشيوعي الصيني، تفوز الصين بتلك المنافسة. وكما يوضح روش دوشي في كتابه «اللعبة الطويلة (The Long Game)»، يشير إعلان الرئيس الصيني شي جين بينغ في اجتماع حزبي عام 2018 بأن العالم يمر بـ«تغييرات كبيرة لم تحدث منذ قرن» إلى التراجع النسبي لقوة الولايات المتحدة والفرص الإستراتيجية التي يوفرها هذا للصين. وأجرت بكين أول تقدير بأن الولايات المتحدة كانت في حالة تراجع في بداية الأزمة المالية العالمية لعام 2008. وأدَّت سياسات إدارة ترامب وفشل الولايات المتحدة في السيطرة على انتشار كوفيد-19 إلى زيادة ثقة الصينيين في صحة تحليلهم.

ومثل هذه التصريحات لا تُعد موضع استخفاف في الصين، بل تقييمات تاريخية رسمية مصحوبة بتغييرات رئيسة في السياسة. وفي هذه الحالة أدَّت ثقة الصين في أن الاتجاهات الدولية تمضي لصالحها بالفعل إلى سلوكيات تهدف إلى إثبات الذات، بما في ذلك التحركات العدوانية لتغيير الوضع الراهن على الحدود مع الهند، والعقوبات الاقتصادية الواسعة ضد أستراليا، واتخاذ خطوات لإجبار الشركات العالمية على تجنب التعامل مع ليتوانيا بسبب علاقتها مع تايوان أو خسارة الوصول إلى السوق الصينية.

نهوض الشرق واضمحلال الغرب

لكن من وجهة نظر بكين، يُعد الاقتناع بأن «الشرق ينهض والغرب يتراجع» ليس كافيًا، بل يجب إقناع القوى الكبرى الأخرى أيضًا بذلك. ويهدد مؤتمر القمة من أجل الديمقراطية بتقويض الرواية الصينية من خلال تصوير الغرب، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، على أنهم يتَّسمون بالمرونة. وعلاوةً على ذلك فإن التقييم الرسمي لصعود الصين، وتراجع الولايات المتحدة، لا يعني أن الحزب الشيوعي الصيني يمكنه أخذ استراحة محارب، بل يجب عليه أن يكافح لتحقيق انتصاره. ومثل أي حكومة استبدادية لا يمكن إخراجها من السلطة بالتصويت، وتخشى دائمًا أن يطيح بها الشعب بعنف، تُعد المخاطر كبيرة؛ إذ تمثل الديمقراطية الحقيقية تهديدًا لشرعية النظام وأمنه من وجهة نظر الحزب الشيوعي الصيني.

وتشكل أجندة بايدن بتعزيز الديمقراطية أيضًا تهديدًا لبكين لأنها وسيلة لتقوية علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها وشركائها ذوي التفكير المماثل استنادًا إلى القيم المشتركة، وتهدف على وجه التحديد إلى تعزيز القيادة العالمية لواشنطن. لقد عملت الصين بجد لدق إسفين بين الولايات المتحدة وحلفائها، وتريد إثبات أن واشنطن لم تعد صالحة للقيادة في أي قضية، بحسب التحليل.

وعلاوةً على ذلك تشعر بكين بقلق حقيقي مما تعدُّه محاولة من جانب واشنطن لبناء «تحالفات مناهضة للصين». وهذه هي الزاوية التي تنظر من خلالها إلى مبادرات أخرى مثل «أوكوس» والحوار الأمني الرباعي. ومن وجهة نظر بكين، تُعد قمة الديمقراطية بمثابة محاولة أخرى لتعبئة الدول بهدف الحد من النفوذ الصيني واحتواء نمو القوة الصينية – والجديد هذه المرة، هو أن عدد الدول المشاركة أصبح أكبر بكثير.

تنافس على الدول النامية

الحكومة الصينية قد تنزعج على نحو خاص من حقيقة أن عددًا كبيرًا من الدول النامية قد حضروا قمة الديمقراطية. وشملت قائمة المدعوين عديدًا من البلدان، مثل أنجولا، والأرجنتين، وأرمينيا، والتي لا يمكن تصنيفها بسهولة أعضاء في «النادي الغربي المناهض للصين» الذي تدعي الحكومة الصينية أنه مصمم على التآمر ضد الصين.

إن الحكومة الصينية مصممة تصميمًا خاصًا على تجنب أي تحالف بين الحلفاء الغربيين والدول النامية. على سبيل المثال، يعتبر صدور بيان مشترك للتعبير عن القلق بشأن حالة حقوق الإنسان في منطقة شينجيانغ توقِّع عليه الدول النامية في آسيا، أو أفريقيا، أو أمريكا اللاتينية، أمرًا أكثر إزعاجًا للحكومة الصينية؛ لأنها تريد الاحتفاظ بهذه الدول في مدار نفوذها. ووُقُّع مثل هذا البيان للمرة الأخيرة في يونيو (حزيران) من جانب 44 دولة، معظمها من الدول الغربية إلى جانب عدد قليل من شركاء تايوان الدبلوماسيين من المحيط الهادئ ومنطقة البحر الكاريبي.

بكين تنظر إلى قمة الديمقراطية باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من محاولة بايدن تأطير المنافسة بين الولايات المتحدة والصين على أنها مواجهة بين الديمقراطية والاستبداد، وهو ما ترفضه الصين. وبدلًا من ذلك، يصر الصينيون على أن لديهم «ديمقراطية شعبية» تحقق نتائج أفضل من الديمقراطيات الغربية لشعبها. ومن نواحٍ عديدة يوفر هذا ميزة للصين في طموحاتها الأكبر للقيادة العالمية. وفي يونيو 2018 صرح شي أن الصين يجب أن «تقود إصلاح نظام الحكم العالمي». ولإثبات أهليتها للعب هذا الدور، يتعين على الصين تعزيز نجاح نظامها مقابل نظام منافسها الرئيس على القيادة العالمية.

الصين تعيد تعريف الديمقراطية

على الرغم من أن بكين تنفي أنها منخرطة في معركة أيديولوجية مع الولايات المتحدة، يُعد رد فعل الصين على قمة الديمقراطية دليلًا على أن الأيديولوجية تحتل موقعًا محوريًّا في المنافسة بينها وبين أمريكا. إن هجمات الصين على الديمقراطية الأمريكية أكثر من مجرد دبلوماسية العين بالعين المعتادة من بكين، فهي جادة في رغبتها في إعادة تعريف ما تعنيه الديمقراطية والدفع بنموذجها السياسي باعتباره شكلًا أفضل من أشكال الديمقراطية. وعلى النقيض من التعريفات المقبولة على نطاق واسع للديمقراطية والتي تشمل انتخابات حرة دون نتيجة مقررة مسبقًا، تدَّعي الصين أن نظامها السياسي نظام ديمقراطي لأن الحزب الشيوعي الصيني – الحزب الحاكم الوحيد – يضم أصوات جميع الفئات في المجتمع من خلال «الديمقراطية التشاورية».

والحملة الحالية للترويج لـ«ديمقراطية العملية الكاملة» الصينية، كما تسميها الحكومة الصينية، هي امتداد لتجربة بدأت منذ سنوات. وفي عام 2017 أنتجت شبكة التلفزيون الصينية العالمية التي يسيطر عليها الحزب الشيوعي الصيني مقطع فيديو بعنوان «ما هي الديمقراطية في الصين؟»، والذي حاولت فيه تصوير المؤتمر الشعبي الوطني باعتباره مؤسسة ديمقراطية حقيقية. وفي عام 2018 صوَّرت وكالة الأنباء الصينية الرسمية شينخوا أحد موظفيها الأمريكيين وهو يعلن أنه «من المسلَّم به على نطاق واسع أن مفتاح نجاح الصين هو نظامها الديمقراطي».

وقد تبدو هذه المحاولات لتعريف النظام السياسي الصيني على أنه نظام ديمقراطي يقف على قدم المساواة مع الأنظمة الديمقراطية الحقيقية أو حتى أفضل منها محاولاتٍ سخيفة من وجهة نظر عديد من المراقبين الخارجيين، لكن دولة الحزب الواحد تعدُّها خطوات حاسمة في مسعاها للارتقاء «بقوة الخطاب العالمي» للصين، وهي كلمة طنَّانة تشير إلى قدرة الحزب على تشكيل المحادثات العالمية ووضع التعريفات للمصطلحات الرئيسة مثل الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان. وهي ساحة ترى فيها الصين نفسها في منافسة مباشرة مع الولايات المتحدة وتسعى للاستفادة من التراجع النسبي لخصمها. وفي الواقع يُنظر إلى قوة الخطاب على أنها جوهرية للأمن الأيديولوجي للحزب، لأنه طالما أن الصين تفتقر إلى قوة الخطاب، يجرى تقييمها وفقًا للمعايير الغربية؛ مما يشكِّل في النهاية تهديدًا لشرعية الحزب الشيوعي الصيني، ومن ثم لأمن النظام.

مدرسة الحزب المركزية، التي تدرب كوادر الحزب الشيوعي الصيني، تكرِّس اهتمامًا كبيرًا لبناء قوة الخطاب في الصين، بما في ذلك في مؤتمرات مخصصة تحديدًا لهذا الموضوع. وعلى مدار سنوات كانت المقالات في المنشورات الحزبية الرسمية مثل صحيفة «بيبولز ديلي» تفكر في كيفية كسر الاحتكار الغربي لتعريف مصطلحات مثل الديمقراطية. وخُصِّصت مقالات بأكملها نشرت في المجلات الأكاديمية الصينية لمفهوم «الديمقراطية التشاورية» الصينية وكيفية توصيلها دوليًّا لزيادة قوة الخطاب الصيني.

الحكومة الصينية قد لا تواجه أي مشكلة في إقناع الناس بأن الديمقراطية الأمريكية معيبة. وعلى أي حال، فإن قلة في الولايات المتحدة قد تختلف مع هذه الفكرة، وقد أوضحت إدارة بايدن أن قمة الديمقراطية لا تهدف للاحتفال بإنجازات الديمقراطية فحسب، ولكن أيضًا تحسين ما يمكن أن تقدمه الديمقراطيات.

لكن من غير المرجح أن تنجح جهود بكين الرامية إلى تصوير نظامها الاستبدادي على أنه نسخة فائقة من الديمقراطية. فلماذا تحاول إذًا؟ من المرجح أن الحكومة الصينية تبالغ في تقدير قدرتها في التأثير على الرأي العام الدولي. وقد تكمن ثقتها في آليات ردود الأفعال غير المتوازنة التي تصوِّر الصين العدوانية لفظيًّا باعتبارها دولة ناجحة ومحترمة دوليًّا – ويفترض أنها الآليات نفسها التي تستمر في إنتاج دبلوماسيين من نوعية الذئاب المحاربين. وفي حين أن التفاصيل حول كيفية تلقي القيادة العليا ردود الأفعال تُعد غامضة، إلا أن هناك ميلًا في الأنظمة اللينينية لتسليط الضوء على النجاحات المزعومة ودفن الإخفاقات. وقد تفاقمت هذه النزعة المتأصلة لأن أولئك الذين لديهم فهم أعمق لكيفية تأثير سياسات الصين على صورتها بالضرر في الخارج والذين دافعوا عن مسار أكثر اعتدالًا يجرى تهميشهم في الحزب.

وقد تكون الحكومة الصينية قد وقعت ضحية لدعايتها الخاصة، حيث أدَّى تآكل القوة الأمريكية إلى إضعاف الولايات المتحدة، لدرجة أن الصين لا ترى أي مخاطرة في أن تغتنم بجرأة الفرصة التي وفرتها «التغييرات التي لم تحدث من قرن» للترويج «للديمقراطية» الصينية باعتبارها نموذجًا سياسيًّا بديلًا أفضل من الديمقراطية الأمريكية.

لو لم تكن الحكومة الصينية تركِّز بإفراط على المنافسة مع الولايات المتحدة، لكان من الممكن أن تجد زوايا يمكن من خلالها مهاجمة قمة الديمقراطية بصورة يتردد صداها دوليًّا. وعلى أية حال حظيت القمة بنصيبها العادل من المنتقدين، بمن فيهم أولئك الذين تساءلوا: هل بعض البلدان المدعوَّة مؤهلة حقًا لتكون دولًا ديمقراطية. أو ربما أدركت بكين أن محاولة القمة لإعادة تعريف الديمقراطية ستقابل على الأرجح بالسخرية وقررت بدلًا عن ذلك تجاهلها. لكن في الصين وفي عهد شي، رُفِضت هذه الخيارات أو لم يُنظَر فيها على الإطلاق.

* بقلم ماريك أولبرج، باحثة في برنامج آسيا في صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة في برلين، وبوني أس جلاسر، الباحثة بالصندوق نفسه.

نشر هذا التحليل تحت عنوان  :

Why China Is Freaking Out Over Biden’s Democracy Summit 

الكاتب  Mareike Ohlberg and Bonnie S. Glaser 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى