ترجمات أجنبية

فورين بوليسي – لماذا يُعد انهيار أسعار النفط مختلفًا هذه المرَّة ؟

مجلة فورين بوليسي  – جيسون بوردوف  – 11/3/2020

“أدى انهيار أسعار النفط إلى حدوث صدمة في الأسواق المالية، ولكن الزلزال الجيوسياسي يمكن أن  يصل إلى أبعد من ذلك “.

كتب جيسون بوردوف، الذي عمل مساعدًا خاصًّا للرئيس باراك أوباما، ومؤسس ومدير مركز سياسات الطاقة العالمية في جامعة كولومبيا، تحليلًا، في مجلة «فورين بوليسي»، حول نتائج اجتماع الدول المنتجة للنفط من أوبك وخارجها في الأسبوع الماضي، والذي أدى إلى ما يعرف بحرب أسعار النفط بين روسيا والسعودية، الأمر الذي يمكن أن يؤثر تأثيرًا سلبيًّا في السعودية من الناحية الاقتصادية، كما يمكن أن يؤدي إلى عمليات إفلاس واسعة النطاق بين الشركات المنتجة للنفط الصخري في الولايات المتحدة.

ويستهل بوردوف تحليله بقوله «عندما اجتمعت المملكة العربية السعودية وروسيا والدول الأخرى المنتجة للنفط في فيينا الأسبوع الماضي، ناقشوا من الذي ينبغي أن يخفض إنتاج النفط لتعويض انهيار الطلب بسبب تفشي فيروس كورونا. وعندما انتهى الاجتماع، كان الجواب واضحًا: إنها أمريكا».

ويضيف: الدراما التي شهدها الأسبوع الماضي بين السعودية وروسيا، أكبر منتجين للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة، والتي تمخضت عن الاجتماع التاريخي لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، قد تشل مصداقية المنظمة لسنوات قادمة، وتقوّض ثورة إنتاج النفط الصخري في ثنايا هذه العملية.

وبينما كانت الصدمات النفطية السابقة مدفوعة، إما بالعرض وإما الطلب، فإن انهيار أسعار عام 2020 أمر غير معتاد للغاية في تاريخ سوق النفط؛ لأنه ناتج عن صدمة هائلة في الطلب وفائض هائل في العرض في الوقت نفسه.

تفشي فيروس كورونا أدى إلى انخفاض الطلب على النفط

مع التباطؤ الاقتصادي الناجم عن تفشي فيروس كورونا، والذي من المتوقع أن ينجم عنه أول انخفاض سنوي في الطلب على النفط منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2009، انخفضت أسعار النفط بالفعل بنسبة 20% في الفترة التي سبقت اجتماع ما يعرف بمجموعة «أوبك بلس» الأسبوع الماضي، والتي تشمل كل أعضاء أوبك والعديد من الدول الأخرى المنتجة للنفط، وأبرزها روسيا. وعندما أصبح مدى انخفاض الطلب واضحًا، دفعت السعودية دول أوبك الأخرى، والدول الأخرى من خارج أوبك إلى الموافقة على أكبر تخفيض في الإمدادات خلال أكثر من عقد.

أظهرت روسيا معارضة لخفض العرض، بالنظر إلى المخاوف بشأن ما إذا كانت التخفيضات ستكون فعالة في دعم الأسعار، وعزوف روسيا عن تقديم حبل نجاة لمنتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة، الذين يكافحون في ظل انخفاض الأسعار والديون المرتفعة. وفي الشهر الماضي، رفضت روسيا بالفعل عقد اجتماع طارئ لخفض الإنتاج. غير أنه كان من المتوقع على نطاق واسع أن توافق روسيا، في النهاية، على تخفيضات المعروض النفطي المقترحة للحيلولة دون انهيار الأسعار.

غير أنه عشية اجتماع يوم الجمعة، فاجأت السعودية شركاءها بالدفع علنًا باتجاه خفض الإنتاج بشكل أكبر ولفترة أطول مما كان متوقعًا. وشعرت موسكو بأنها كانت تحاول الضغط عليها للموافقة على تخفيضات أكبر في الإنتاج؛ من خلال وضع روسيا في موقف إما القبول، وإما رؤية أسعار النفط وهي تنهار. وتحدتها روسيا أن تضع مقترحاتها موضع التنفيذ. وبعد ساعات من المفاوضات غير المثمرة، غادر الوزراء فيينا دون اتفاق، وتداعت أسعار النفط.  

حملة السعودية من الصدمة والرعب

في اليوم التالي، ردَّت السعودية بحملة من الصدمة والرعب، تهدف على ما يبدو إلى تذكير موسكو بمدى الألم الاقتصادي الذي يمكن أن تلحقه المملكة بمنتجي النفط الآخرين. وخفَّضت السعودية أسعار النفط الخام لديها، ووعدت بزيادة إنتاج النفط. وعندما افتتحت أسواق النفط مساء الأحد، انخفضت الأسعار إلى نصف ما كانت عليه في أوائل يناير (كانون الثاني).

وتابع التحليل: سيكون لانهيار التعاون السعودي الروسي – وما تلاه من حرب أسعار – تداعيات كبيرة:

أولًا، قرار السعودية بالتسبب في تداعي سوق النفط، هو مقامرة كبيرة إذا كانت تنوي إعادة روسيا إلى طاولة المفاوضات. المشكلة بالنسبة للمملكة هي أن روسيا أكثر مرونة تجاه انخفاض الأسعار منها؛ إذ أضافت الكثير إلى احتياطياتها من العملات الأجنبية في حين تضاءل الاحتياطي المالي السعودي منذ انهيار أسعار النفط في عام 2014. وما تزال لدى السعودية احتياطيات مالية كبيرة، لكن فترة طويلة من انخفاض الأسعار ستؤدي إلى ضغوط على الموازنة السعودية، وتقويض ثقة المستثمرين، وتؤدي إلى تكهنات حول تخفيض قيمة الريال السعودي. إذا أجبرت هذه العوامل السعودية على تغيير مسارها قبل أن تستسلم روسيا، فإن سياسة المملكة النفطية تخاطر بفقدان مصداقيتها.

تحدي روسيا يمثل ضربة لمصداقية «أوبك» وفعاليتها

ثانيًا، إن انهيار اتفاقية إنتاج «أوبك بلس» في فيينا يهدد بإلحاق أضرار طويلة الأمد بالتكتل. وفي السنوات الأخيرة، واجهت أوبك تحديًا فعليًّا من جراء زيادة إنتاج النفط الصخري، وتراجع حصة أوبك في المعروض العالمي من النفط. في الوقت نفسه، فإن مزيجًا من العقوبات وعدم الاستقرار السياسي اللذين يؤثران على العديد من دول أوبك، يعني أن عددًا قليلًا من أعضاء أوبك – بصفة أساسية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت – هم المستعدون أو القادرون على خفض الإنتاج. أما قطر، وهي منتج رئيسي آخر، فقد تركت المنظمة منذ أكثر من عام بقليل.

لكل هذه الأسباب، تنظر السعودية إلى مشاركة الدول غير الأعضاء في منظمة أوبك، وخاصة روسيا، على أنه أمر حاسم لنجاح المنظمة. ومع ذلك، فإن السماح لعضو من خارج أوبك بتخريب اتفاق وافق عليه كل أعضاء أوبك، يمثل ضربة لمصداقية المنظمة، كما أن الانسحاب المحتمل لروسيا من اتفاق التعاون ينطوي على خطر تقويض قدرة المنظمة على إدارة أسواق النفط بشكل فعال.

صناعة النفط الصخري الأمريكية ستتضرر كثيرًا

ثالثًا، قد يكون الخاسر الأكبر في الخلاف السعودي الروسي هو صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة. إذ عمل العديد من منتجي النفط الصخري تغطية تحوطية لإنتاجهم، لكن إذا استمر سعر النفط الاسترشادي في الولايات المتحدة، والذي يبلغ حوالي 30 دولارًا للبرميل لفترة طويلة، فستحدث حالات إفلاس واسعة النطاق. حتى الشركات ذات الميزانيات القوية ستكون محظوظة لمجرد الحفاظ على مستويات الإنتاج والعائد. سوف ينخفض ​​عدد منصات الحفر في الولايات المتحدة انخفاضًا كبيرًا.

ونظرًا إلى أن إمدادات النفط الصخري تنخفض انخفاضًا حادًّا أكثر من الإنتاج التقليدي، ستبدأ مستويات الإنتاج في الولايات المتحدة في الانخفاض انخفاضًا حادًّا أيضًا. ويقدر سكوت شيفيلد الرئيس التنفيذي لشركة Pioneer Natural Resources أن إنتاج النفط الأمريكي سينخفض ​​بأكثر من مليون برميل يوميًّا بحلول العام المقبل إذا ما ظلت الأسعار على ما هي عليه اليوم.

بالطبع، جرى التنبؤ بتقويض صناعة النفط الصخري بعد انهيار أسعار النفط في عام 2014 أيضًا. والآن كما كان الحال آنذاك، سيبدأ الإنتاج في النمو مرة أخرى بمجرد تعافي أسعار النفط؛ لأن الاحتياطيات ما تزال موجودة. ولكن هذه المرة، قد يستمر تأثير انهيار الأسعار لفترة أطول، وينجم عنه ضرر دائم. حتى قبل نهاية هذا الأسبوع، كان من المتوقع بالفعل أن يتباطأ نمو إنتاج النفط الصخري تباطؤًا حادًّا بسبب انخفاض أسعار النفط، وقيود رأس المال الأكثر تشددًا؛ إذ أصبح المستثمرون يشككون في هذا القطاع بسبب ضعف ربحيته.

ومن شأن الإفلاس أن يؤدي إلى الاندماج، ويسفر عن شركات نفط صخري أكثر قوة، ولكنه سيؤدي أيضًا إلى القضاء على العديد من الشركات التي تتابع نمو الإنتاج بأي ثمن، على الرغم من كونه غير اقتصادي. نتيجة لذلك، قد تؤدي حرب أسعار النفط هذه إلى إضعاف قدرة النفط الصخري على النمو في المستقبل بالسرعة نفسها التي كان عليها في الماضي.

هيمنة الطاقة الأمريكية لها حدود

رابعًا، تكشف حرب أسعار النفط هذه عن أن ثورة النفط الصخري لا تجلب للولايات المتحدة نقاط قوة اقتصادية وجيوسياسية كبيرة فحسب، بل إنها تجلب نقاط ضعف جديدة أيضًا. وجزء من دافع روسيا لرفع أسعار النفط لم يكن فقط إحباطها من عجز سياسة الحد من الإنتاج عن كبح نمو إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، ولكن أيضًا غضب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المتزايد من السياسة الخارجية الأمريكية، ولا سيما العقوبات الأخيرة ضد مشروع خط أنابيب نورد ستريم 2، والذراع التجارية لشركة روسنفت الروسية.

وأن يعتقد خصم رئيسي للولايات المتحدة، أنه يمكن أن يسبب ألمًا للولايات المتحدة من خلال دفع أسعار النفط إلى الانخفاض، هو أمر يكشف إلى أي مدى غيَّر النفط الصخري الأنماط التقليدية للجغرافيا السياسية للطاقة. وبالطريقة نفسها التي هددت بها الصين بالانتقام من التعريفات الأمريكية، بفرض تعريفاتها على صادرات الغاز الطبيعي والنفط الأمريكية، تكشف خطوة موسكو عن أن «هيمنة الطاقة» الأمريكية لها حدودها.

خاسرون وفائزون في معركة أسعار النفط

خامسًا، إن انهيار أسعار النفط في عصر النفط الصخري يعني وجود فائزين وخاسرين مختلفين عما كان عليه الحال في الماضي. إذ ستعاني المناطق المنتجة للنفط في الولايات المتحدة معاناة اقتصادية أكبر: ليس فيما يتعلق باستثمارات الشركات ودخل الأسر فحسب، ولكن أيضًا القاعدة المالية للمجتمعات المحلية، التي تؤثر في التعليم، والبنية التحتية، والخدمات العامة الأخرى.

ومع استيراد الولايات المتحدة الآن لكَمٍّ من النفط يوازي ما تصدره، فإن فوائد انخفاض أسعار النفط للمستهلكين (في محطة الوقود، على سبيل المثال) يلغي تقريبًا الضرر الذي يلحق بمنتجي وعمال النفط. وبالتالي فإن انهيار أسعار النفط لن يفعل الكثير لتعزيز الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة؛ وهو بعيد كل البعد عن الانتعاش الاقتصادي الذي كانت ستجنيه الولايات المتحدة من انخفاض أسعار النفط بهذا الحجم الكبير، منذ عقد مضى.

وبالنظر إلى تأثير أسعار البنزين في جيوب الناخبين، فإن جهود بوتين لإلحاق الأذى بالولايات المتحدة، بالتسبب في تداعي الأسعار، قد يؤدي في النهاية إلى مساعدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في السنة التي تُجرى فيها الانتخابات الرئاسية. لكن الفوائد السياسية لانخفاض أسعار النفط بالنسبة لرئيس يشغل المنصب يصعب رؤيتها عندما يكون انهيار الأسعار مدفوعًا بالتراجع الاقتصادي. وبالنسبة إلى المرشحين الديمقراطيين الذين ينادون بتقييد إنتاج النفط وصادراته في الولايات المتحدة، قد يثبت أن موقفهم أقل تأييدًا من الشعب، عندما تنخفض الإمدادات الأمريكية، وتعاني الولايات المنتجة للنفط في البلاد، وتبدأ الواردات في الارتفاع.

ويختتم الكاتب تحليله بقوله: «من خلال شن حرب تاريخية فيما يتعلق بأسعار النفط، تشارك روسيا والسعودية الآن في لعبة عالية المخاطر لمعرفة من الذي يتراجع أولًا. وإلى أن يفعل أحدهما ذلك، فإن سوق النفط سيستعيد توازنه إلى حد كبير على حساب منتجي النفط في الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، سوف يتمتع المستهلكون في الولايات المتحدة ودول أخرى بأسعار منخفضة. أما التأثيرات في أوبك كمنظمة، فلم تُحدَّد بعد، ولكن مصداقيتها وفعاليتها تعدان على المحك».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى