ترجمات أجنبية

فورين بوليسي – قائمة مهام السياسة الخارجية لبايدن لعام 2022

فورين بوليسي –  بقلم ستيفن إم والت  و روبرت ورينيه بيلفر*- 28/12/2021 

حتى إن لم تعجبك سياساته، لكن عليك أن تُعجب بجسارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، تخيل فقط شعوره في يومه الأول في المكتب البيضاوي حيث كانت البلاد في خضم جائحة عالمية، وقد نجت بصعوبة من انقلاب فاشل لا يزال معظم الجمهوريين يرفضون إدانته، والرئيس الكاذب الذي هزمه بايدن عام 2020 كان ولا يزال لا يعترف بأنه خسر في انتخابات عادلة ونزيهة، وكانت البلاد في طريقها للوقوع في خضم حرب لا يمكن لطرف أن يحقق النصر فيها، ولم يكن هناك طريق للخروج دون خسائر.

كما حقق الحزب الديمقراطي نجاحات بفارق ضئيل جدًّا في الكونجرس، مما عزز فرصة احتفاظ الحزب الجمهوري بالأغلبية في مجلس الشيوخ وأعطاهم تأثيرًا أكبر يفوق بكثير عدالتهم ونزاهتهم، وكما لو كانت هذه الأمور لا تكفي، زاد الطين بلة أن النظام البيئي الذي تعتمد عليه جميع أشكال الحياة على الأرض أصبح خارج نطاق السيطرة.

بايدن ..قائمة من المهام في 2022

إلى أنه بالنظر إلى التحديات التي واجهها بايدن، لم يكن أداؤه سيئًا، ولكن مع النجاحات الحقيقية التي حققها في مضمار السياسة الخارجية – بحسب رؤيته- فإن عام 2022 لن يمنحه الكثير من الراحة؛ إذ لا تزال جائحة كوفيد-19 تمثل مشكلة خطيرة، وأعداء الولايات المتحدة يتزايدون ويبدو أن الانقسامات في صفوف مؤيديها تتزايد أيضًا، وفي خضم هذا كله، تعيش نسبة كبيرة من الأمريكيين الآن في عوالم موازية مليئة بالروايات الكاذبة و«الحقائق» المختلقة.

وبما أننا في موسم الأعياد، دعنا نتحدث عن نقطة مضيئة تدعو للتفاؤل، فمع أن قضية تايوان ستواصل تعقيدها للعلاقات الصينية الأمريكية، فإنني أرى أننا لن نشهد أزمة خطيرة أو مواجهة عسكرية بشأن تايوان في عام 2022؛ إذ تعمل كل من بكين وواشنطن في الأشهر الأخيرة بهدوء على خفض حدة الأزمة وتتعاونان لخفض أسعار النفط ومعالجة المخاوف المناخية، والمواجهة فيما يخص تايوان هي آخر ما يرغب به كلا البلدين في الوقت الحالي.

وسيركز فريق بايدن بشدة على المنافسة طويلة الأمد مع الصين، وسيكون من المفيد ترجمة إجماع الحزبين حول هذه المسألة إلى سياسات فعَّالة لتقوية الولايات المتحدة في الداخل. ولكنني لا أرى أن الأمور ستتصاعد في الاثني عشر شهرًا القادمة، وأرجو أن أكون محقًّا؛ لأن المشكلات ستملأ بريد إدارة بايدن في عام 2022.

روسيا وأوكرانيا

على عكس بعض المتشائمين في الغرب، لا أعتقد أن روسيا ستشن غزوًا كبيرًا يهدف لاحتلال أوكرانيا كلها؛ إذ لن يؤدي ذلك فقط إلى فرض عقوبات اقتصادية ودفع الناتو إلى دعم أعضائه الشرقيين عسكريًّا، بل سيؤدي إلى إعادة احتلال أوكرانيا بأكملها وسيجبر موسكو على حكم نحو 43 مليون أوكراني غاضب. وكانت النزعة القومية الساخطة والعنيفة هي أحد أسباب تفكك الإمبراطورية السوفيتية القديمة، وهذه النزعة نفسها ستجعل أي محاولة لإعادة دمج أوكرانيا أمرًا لا يمكن لموسكو تحمل تكلفته.

وإذا اختارت روسيا استخدام القوة، فإنني أتوقع أن يكون تدخلًا محدودًا لمساعدة الوكلاء الموالين لروسيا في المقاطعات الشرقية لأوكرانيا، وربما تأمين منطقة عازلة إضافية لحماية هذه المناطق، وسيكون هذا النهج مشابهًا «للصراعات المجمدة» التي شنها بوتين في جورجيا وأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا وأماكن أخرى، ويتسق مع توجهه لاتخاذ إجراءات ذات مخاطر منخفضة نسبيًّا.

ولأن المخاطر ستكون أقل، فمن غير المرجح أن تستدعي إستراتيجية «الأهداف المحدودة» استجابة قوية وموحدة من الغرب، والسؤال الكبير من وجهة نظري يتعلق بمدى الضرر الذي سيحاول بوتين إلحاقه بأوكرانيا في هذه العملية؛ إذ قد يرغب بوتين بتلقينها درسًا ولكن التصعيد الكبير يهدد بزيادة قسوة الرد الغربي.

ولا يمكن لبايدن أن يكسب في هذه الحالة، وإدارته زاهدة في إشعال فتيل حرب في منطقة بعيدة جغرافيًّا عن الولايات المتحدة وعلى حدود روسيا، كما أن إرسال المزيد من الأسلحة إلى كييف لن يسهم في قلب موازين القوى أو ردع بوتين عن شن غزو روسي محدود.

وهذا الموقف غير الجيد يذكرنا بأن توسع الناتو المنفتح جذاب من الناحية الأيديولوجية، إلا أنه قاصر النظر من الناحية الإستراتيجية؛ إذ افترض مؤيدو هذه السياسة أن التوسع سيخلق «منطقة سلام شاسعة»، وأن موسكو ستقبل بسهولة تأكيدات الناتو أن هذا التوسع لا يشكل تهديدًا عليها.

ومن ثم، فإن أي التزامات تعهد بها الناتو ولو ضمنيًّا لن يستطيع الوفاء بها، والتحدي الذي يواجهه بايدن (والناتو) الآن هو معرفة كيفية الحفاظ على الاستقلال الأوكراني دون الخضوع للابتزاز الروسي في الوقت نفسه، وكان من الأسهل التوصل إلى اتفاق بشأن الحياد الأوكراني عام 2014، وسيكون ذلك أكثر صعوبة اليوم.

إسرائيل وإيران

إذا لم تكن وزير الخارجية الأمريكي السابق، مايك بومبيو، أو مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، جون بولتون، ولم تكن تعمل لصالح جماعة ضغط متشددة مثل مؤسسة الدفاع عن الحريات، فأنت تفهم أن قرار ترامب بترك خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) مع إيران كان أحد أكثر قرارات السياسة الخارجية غباءً في الخمسين سنة الماضية؛ فإيران اليوم تملك يورانيوم أكثر تخصيبًا مما كانت ستملكه لو لم ينسف ترامب الاتفاق.

ولديها الآن عدد أكبر وأكثر تطورًا من أجهزة الطرد المركزي قيد التشغيل، بالإضافة إلى حكومة أكثر تشددًا، وكل هذه التطورات هي نتيجة حملة «الضغط الأقصى» التي قادها ترامب وبومبيو كليًّا أو جزئيًّا، وتعهد بايدن بإعادة العمل بخطة العمل الشاملة المشتركة بمجرد توليه منصبه، إلا أن تهيُّبه من قوة اللوبي الإسرائيلي جعله يتردد حتى فات الأوان.

واليوم قد تتمكن إيران من صنع قنبلة نووية في غضون أسابيع، وليس من المستغرب أن هذا الموقف قد جدد الأحاديث حول قيام الولايات المتحدة وإسرائيل بعمل عسكري يستهدف البنية التحتية النووية الإيرانية، ولكن القصف لا يمكن أن يُدمر قدرة إيران على صنع قنبلة نووية، بل يمكنه فقط تأخيرها، كما أن هجومًا كهذا على إيران لن يؤدي إلا إلى تعزيز رغبتها في امتلاك سلاح ردع أكثر موثوقية، وتقوية موقف المتشددين في طهران أكثر، ودفعهم في النهاية إلى تجاوز مرحلة «الخفاء» النووي، وأن يصبحوا علنًا الدولة النووية التالية.

وبسبب خطأ ترامب الفادح، نجد أن الخيارات اليوم ليست مبشرة، ومستقبلًا، من الممكن القول إن إسرائيل وأنصارها في الولايات المتحدة سيمضون عام 2022 في التلميح إلى احتمال توجيه ضربة احترازية إسرائيلية ومحاولة جعل العم سام يتحمل العبء بدلًا عنها.

آمل ألا يصغي بايدن لهذا، وأن يجعل الأمر واضحًا أن أي دولة ستخوض حربًا مع إيران يجب أن تفعل ذلك بمفردها ولا تعتمد على الحماية الأمريكية، وما يعنيه هذا أنه حتى لو حاول بايدن التركيز على آسيا والتغير المناخي وجائحة كوفيد-19 وإنفاق وقتٍ أقل على قضايا الشرق الأوسط، فإنه لن يتمكن من تجاهلها تمامًا.

مخاوف بشأن المصداقية

أن على بايدن أيضًا معرفة كيف سيتمكن من حل مشكلة مصداقية الولايات المتحدة، ولكن عليه أن يفهم أولًا المشكلة تمامًا، لم تنتج هذه المشكلة لأن بايدن ضعيف الإرادة أو لأن الانسحاب الأفغاني كان أكثر فوضوية مما تأملنا. فكما جادلتُ غيري مرارًا وتكرارًا، تكون الالتزامات أكثر مصداقية عندما يدرك المنافسون أن قوة عظمى لديها مصلحة واضحة في الدفاع عن قضية أو منطقة معينة، وقدرتها على فرض عقوبات كبرى على المهاجم.

وتواجه الولايات المتحدة اليوم مشكلة في المصداقية لسببين الأول: أنها ملتزمة بكثير من الأمور، ما يعني أنه من الصعب عليها الوفاء بجميع الضمانات الأمنية في وقت واحد، ومن الناحية النظرية يمكن أن تستجيب الدولة بقوة كل مرة تواجه فيها تحديًا، ولكن يستنزف هذا النهج الموارد والإرادة السياسية، واليوم تراجعت مصداقية الولايات المتحدة لهذا السبب لأنها سئمت الدخول في حروب بلا طائل.

ثانيًا: قُوِّضت مصداقية الولايات المتحدة اليوم بسبب الاستقطاب المحلي والخلل السياسي بقدر ما قوضتها ردود أفعالها على أي مشكلة دولية، لماذا يجب على الدول الأخرى أن تُعدل سياساتها لتتماشى مع الولايات المتحدة عند اشتباههم أن الرئيس القادم سينقلب على اتفاقاتهم البينية، إن تضاؤل التصديق بقدرة الولايات المتحدة على إنجاز الأشياء بفاعلية يؤدي حتمًا إلى تآكل مصداقيتها.

أزمة إنسانية قادمة

لا أعرف أين ستندلع الأزمة الإنسانية التالية؟ في أفغانستان، أم فنزويلا، أم ميانمار، أم لبنان؟ ولكن غالبًا سيؤدي مزيد من الضغط البيئي والعنف المستمر والانهيار الاقتصادي إلى التسبب في آلام جديدة في المجتمع العالمي المنهك من جراء المآسي السابقة والجائحة المستمرة، وهذا الأمر سيستنزف أندر الموارد الرئاسية وهو الوقت.

وهذا يحتم على الإدارة تحديد الأولويات والالتزام بها، وسيكون التحدي الأخير لعام 2022 لأولئك المكلفين في إدارة السياسة الخارجية هو مقاومة الضغوط للانخراط في الأزمات الجديدة، فعندما تندلع الأزمة الإنسانية الجديدة كما ذكرنا سابقًا، ستُمارس الضغوط على إدارة بايدن كي يضع الأزمة الجديدة في قائمة الأولويات، ورغبة الإدارة في إثبات أن «أمريكا عادت» يمكن أن يجعلها أكثر عرضة للاستجابة لهذه الضغوط، وإذا خضعت لهذه الضغوط، فستنضم إلى القائمة الطويلة للإدارات التي حاولت كثيرًا وفشلت.

وننتقل الآن للأخبار السيئة، بينما أنظر إلى عام 2022 لم يشغلني أي مما ذكرت في الأعلى بقدر ما شغلني مستقبل الولايات المتحدة وحياة الأمريكيين في الوقت المتبقي من هذا القرن، والتحديات التي تواجهها البلاد في الداخل؛ فهناك تحذيرات جادة بشأن اندلاع حرب أهلية إذا استمر حال الولايات المتحدة ومسارها المتبع بهذا الشكل.

وحتى لو لم يندلع العنف على نطاق واسع، فمن السهل أن نتخيل سلسلة من الانتخابات يُتنازع حولها وحكومات «منتخبة» لا تُمثل إرادة الشعب وتفتقر للشرعية، وعجز المؤسسات الحكومية عن أداء وظائفها بفاعلية، كما أن تهديد الحريات الأساسية وجودة حياة الأمريكيين، سيجعل من الصعب التمكن من إدارة سياسة خارجية ناجحة، وهو ما سيؤدي إلى تدهور سريع للولايات المتحدة.

إن التحدي الرئيس لبايدن لم يتغير في عام 2022 عما كان عليه عند أدائه اليمين الدستورية، ولكي تنجح الولايات المتحدة على المسرح العالمي، يجب أن ينتهي الجنون الحزبي الذي يقضي على أسس ديمقراطيتها، ولأكن صريحًا؛ فإن تحقيق ذلك يتجاوز قدرات أي شخص في هذه المرحلة، وأنا مقتنع بأن الإصلاحات البعيدة المدى وحدها هي القادرة على وقف التدهور، ولكن الإصلاحات الكبرى ستواجه بمقاومة شرسة، خاصة من الحزب الجمهوري، الذي يستفيد حاليًا من السمات المناهضة للديمقراطية في النظام السياسي الحالي.

* ستيفن إم والت ، كاتب العمود في الصحيفة وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد  وروبرت ورينيه بيلفر للعلاقات الدولية في جامعة هارفارد.

نشر هذا التقرير  تحت عنوان  :  

Biden’s 2022 Foreign-Policy To-Do List 

الكاتب  Stephen M. Walt 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى