ترجمات أجنبية

فورين بوليسي – ستيفن أ. كوك – الولايات المتحدة لم تعد تفهم إسرائيل

فورين بوليسي  –  ستيفن أ. كوك* –  8/5/2020

منذ أن توصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وبيني غانتس؛ زعيم ائتلاف “أزرق أبيض”، إلى اتفاق بشأن تشكيل حكومة طوارئ، وصل صندوق بريدي الإلكتروني إلى كتلة حرجة من كثرة التعليقات والتحليلات والتحذيرات والدعوات إلى الإحاطات الافتراضية، والدعوات إلى العمل التي جاءت من خليط واسع من المنظمات في الولايات المتحدة. وكانت القضية التي جعلتها منشغلة على هذا النحو هي ضم إسرائيل المخطط له للأرض في الضفة الغربية.

هناك حقاً شيء صادم بشأن هذا الأمر -ولكنه لا يتعلق بالضم نفسه بقدر ما يتعلق برد واشنطن بـ”التحذير الأحمر” عليه. ما كان ينبغي أن تكون هناك أي مفاجأة بشأن نية إسرائيل ضم أراضٍ ليست لها أو استعداد غانتس للموافقة على هذه السياسة. (كانت مشكلته مع رئيس الوزراء دائمًا تتعلق غالبًا بسلوك نتنياهو الشخصي). إن ما نحتاج حقًا إلى تفسير له هو رد الفعل المتسم بالفزع على الضم القادم في أوساط المراقبين في الولايات المتحدة.

ماذا بالضبط هو الذي تخيل هؤلاء الناس أنه سيحدث؟ على مدى العقود الخمسة الماضية، استثمرت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في تطوير المدن والبلدات في الضفة الغربية، وكذلك في البنية التحتية اللازمة لربطها بالمدن والبلدات في إسرائيل. وكان الهدف غير المعلن، وإنما الواضح تماماً للعين المجردة، هو جعل أماكن مثل عوفرا، وهي بلدة يقطنها 3.000 نسمة بالقرب من نابلس، لا تختلف عن رامات هشارون، إحدى ضواحي تل أبيب -وهو ما يعني أن تكون جزءًا لا جدال فيه ولا يمكن تحدثه من إسرائيل. وبذلك، فإن الاعتقاد بأن إسرائيل سوف تتخلى في أي وقت عن هذا المشروع طويل الأجل إنما يتحدى المنطق.

لكن هذا بالضبط ما كان يفعله الناس لسنوات داخل الدوار المعنية في واشنطن العاصمة، بمن في ذلك مراقبو الشأن الإسرائيلي منذ وقت طويل، ومسؤولون سابقون، وكتاب رأي. وليس الأمر أن هؤلاء المحللين يجهلون عن قصد، وإنما حملوا في دواخلهم أسطورة عن إسرائيل وعملية السلام وفلسطين، والتي جعلت من المستحيل عليهم عملياً التعامل مع واقع الضم الإسرائيلي. والآن ربما يكون الوقت قد فات.

كان هناك وقت بدا فيه السلام ممكناً لكل من الإسرائيليين والأميركيين -بالتحديد عقد التسعينيات. كانت الولايات المتحدة في أوج قوتها، واعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بحق إسرائيل في الوجود، كما انخرط الإسرائيليون، مثلهم مثل الأميركيين، بشكل روتيني في الدبلوماسية مع القادة الفلسطينيين. وزار ياسر عرفات المكتب البيضاوي عدة مرات واتصل هاتفياً بمنزل إسحق رابين لتقديم العزاء بعد اغتيال الزعيم الإسرائيلي.

كانت هناك، بالطبع، تحديات خطيرة خلال تلك الحقبة. فبالإضافة إلى موت رابين على يد متطرف إسرائيلي، روّعت الجماعات الفلسطينية مدن إسرائيل بموجات من تفجيرات الحافلات. ومع ذلك استمرت المفاوضات.

عاد حزب الليكود إلى السلطة مع انتخاب نتنياهو كرئيس للوزراء في العام 1996. ولدى تأمل السياق الآن، فقد كان ذلك هو الوقت الذي بدأت فيه الآراء في الولايات المتحدة حول إسرائيل في الانفصال عن الواقع. كان خلال أولى فترات نتنياهو كرئيس للوزراء حين تم التوقيع على بروتوكول الخليل (1997)، ومذكرة واي ريفر (1998). وكانت هاتان الاتفاقيتان كبيرتين ومهمتين -بالنسبة لواشنطن، وإنما ليس لإسرائيل (حيث لم تعنيا لها الكثير قط). وكان ما تعلمه الدبلوماسيون والمحللون والصحفيون الأميركيون، أو اعتقدوا أنهم تعلموه منهما، هو أن بالإمكان دفع إسرائيل بعيداً عن سلوك الطريق المدمر إلى الاحتلال الدائم والضم.

كان ينبغي أن تكشف الانتفاضة الثانية إفلاس عملية السلام التي انهارت بسرعة بعد عقد من الاستثمار تقريبًا في أيلول (سبتمبر) 2000. وكانت الحرب الصغيرة القذرة التي نشأت بمثابة تجربة مؤلمة للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء. وقد كُتب الكثير عن تأثيرها على المجتمع الإسرائيلي، ولكن يكفي أن نقول أن معسكر السلام أصبح غير ذي صلة. وتحولت روح العصر الوطنية الإسرائيلية من فكرة رئيس الوزراء شيمون بيريز عن “شرق أوسط جديد” إلى فكرة نتنياهو “لا يوجد شريك (للسلام)” ولم تتراجع هذه الفكرة أبدًا.

كان ذلك التغيير بمثابة هبة لمشروع الاستيطان. فقد فشل الإسرائيليون الذين يعارضون هذه السياسات في تقديم بديل متماسك يتغلب على عقبة “لا شريك”. ومع ذلك، بقيت في واشنطن تلك الفكرة العنيدة بأن السلام ممكن، وبالتالي يجب تجنب الضم.

ويستند هذا الأمل إلى اعتقاد منغرس في روح صنع السلام في أنه مع ما يكفي من التشجيع والضمانات -وحتى التهديدات الضمنية، يمكن جلب الإسرائيليين لإبرام صفقة. وينطبق المنطق نفسه على مشكلة الضم، لكن الفكرة القائلة إن الولايات المتحدة يمكنها إنهاء الاحتلال/ الضم تتعارض مع الخبرة، كما تتعارض مع السياسة وعلم النفس والجغرافيا. طوال التسعينيات، طور المسؤولون الأميركيون مقترحات جَسر متقنة ومبدعة واتفاقيات مؤقتة (مثل بروتوكول الخليل ومذكرة واي ريفر المذكورين أعلاه)، ولكن دون جدوى. لم يكن ذلك كافياً أبداً لتلبية الحد الأدنى من متطلبات السلام، سواء للإسرائيليين أو الفلسطينيين.

ومع ذلك، فإن فكرة أن الولايات المتحدة يمكن أن تكون حاسمة ظلت هناك. وبينما أعرب أصدقاء إسرائيل في الكونغرس الأميركي عن “قلقهم” وحذروا من أن الإجراءات الأحادية -مثل الضم- ستزيد من صعوبة تحقيق “سلام مستدام”، جادل آخرون بأن نائب الرئيس السابق، جو بايدن، المرشح الرئاسي المفترض للحزب الديمقراطي، يمكن أن يقنع الحكومة الإسرائيلية “بالتفكير مرتين” في الضم أو “على الأقل تقليل نطاقه”. على ما يبدو، سوف تحقق إدارة يقودها بايدن ذلك، إذا فاز في انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر)، من خلال الحوار والتهديدات بالحد من الدعم الدبلوماسي الأميركي لإسرائيل في مواجهة الإدانة الدولية بشأن الضم ووضع شروط على المساعدة لإسرائيل. وقيل إن إدارة ترامب أخبرت المسؤولين الإسرائيليين بأنها ستبارك ضم أجزاء من الضفة الغربية فقط إذا اعترفت القدس بدولة فلسطينية بموجب شروط خطة السلام التي وضعها المستشار الرئاسي جاريد كوشنر. وهذه أشياء قاسية قادمة من بيت أبيض كان منتبهاً ومصغياً بشكل مفرد لاحتياجات نتنياهو السياسية.

لكن الحقيقة هي أنه من غير المرجح أن ينجح الإقناع ولا الإكراه. يتجاهل أعضاء الكونغرس والمحللون ذوو النوايا الحسنة حقيقة مهمة بشأن الضفة الغربية: بالنسبة لعدد كبير من الإسرائيليين (بمن فيهم المسؤولون)، يُعتبر الضم قضية وجودية، والبقية -ربما الأغلبية- إما لا يهتمون بما فيه الكفاية بالقضية، لأنه لا يوجد في رأيهم شريك للسلام، أو أنهم أضعف من أن يفعلوا أي شيء حيال ذلك.

إن الرأي القائل إن الولايات المتحدة يمكن أن تُداهن إسرائيل أو أن تضغط عليها للتخلي عن الضم أيضاً لا يبدو منطقياً على خلفية الوزن التاريخي للضفة الغربية. إنها، بعد كل شيء، مهد اليهودية، لكنها أصبحت أيضًا قدس الأقداس للأمن الإسرائيلي، خاصة منذ انسحاب رئيس الوزراء آرييل شارون من غزة من جانب واحد -الذي كان يهدف في جزء منه إلى تعزيز قبضة إسرائيل على الضفة الغربية- والذي نتج عنه وابل استمر عامين من إطلاقات الصواريخ على البلدات المجاورة. ويبدو الدرس الذي تعلمه الإسرائيليون من تلك التجربة واضحاً: التمسك بالأرض، ولتذهب الإدانة الدولية إلى الجحيم. وفي ظل هذه الظروف، يبدو من المرجح أن لا تنجح الولايات المتحدة في إحباط الضم، بغض النظر عن أي حوافز أو تهديدات يمكن أن تجلبها، بالنظر إلى الطريقة التي حدد بها الإسرائيليون المخاطر -مسألة حياة أو موت.

النتيجة الأكثر ترجيحًا هي أن كل الذين يخدمون في البيت الأبيض سيتكيفون، عندما يحين الوقت، مع ضم أجزاء معينة من الضفة الغربية مع وعود إسرائيلية بعدم الذهاب إلى أبعد من ذلك وإعادة الالتزام بعملية السلام. وبطبيعة الحال، من غير المرجح أن يوافق الفلسطينيون على المضي قدماً في ظل هذه الظروف، مما يوسع حالة الجمود التي لا تخدم سوى الهدف طويل المدى المتمثل في الضم. ويمكن أن يدّعي المراقبون في واشنطن أنهم صُدموا كما يريدون، لكنهم سيكونون أفضل حالًا أذا وضعوا في حسابهم هذا المستقبل الذي يمكن التنبؤ به تمامًا.

*كبير زملاء “إيني إنريكو ماتي” لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية. أحدث مؤلفاته كتاب بعنوان “الفجر الزائف: الاحتجاج والديمقراطية والعنف في الشرق الأوسط الجديد”.

*نشر هذا المقال تحت عنوان :

The United States Doesn’t Get Israel Anymore

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى