ترجمات أجنبية

فورين بوليسي-روبرت مالي- 10 صراعات تجدر مراقبتها في العام 2020 (4

فورين بوليسي  –  روبرت مالي* –  26/12/2019

لم يعد الأصدقاء والأعداء، على حد سواء، يعرفون أين تقف الولايات المتحدة. وبينما تفرط واشنطن في بذل الوعود وفي النكث بها، تسعى القوى الإقليمية إلى إيجاد الحلول لمشكلاتها بمفردها -سواء كان ذلك من خلال العنف أو الدبلوماسية.

* * *

كشمير

بعد اختفائها عن شاشة الرادار الدولي لأعوام، أدى تصاعد في التوترات بين الهند وباكستان في العام 2019 بشأن منطقة كشمير المتنازع عليها إلى إعادة الأزمة الواجهة بتركيز حاد. ويطالب كلا البلدين بهذا الإقليم الواقع في الهيمالايا، والذي تقسمه حدود غير رسمية معروفة باسم “خط السيطرة”، منذ الحرب الهندية الباكستانية الأولى في 1947-1948.

أولاً، جاء هجوم انتحاري شنه متشددون إسلاميون في شباط (فبراير) ضد القوات شبه العسكرية الهندية في كشمير. وردت الهند بقصف معسكر مزعوم للمتشددين في باكستان، وهو ما ردت عليه باكستان بغارة في كشمير الخاضعة لسيطرة الهند. ثم تصاعدت التوترات مرة أخرى في آب (أغسطس) عندما ألغت الهند وضع جامو وكشمير كمنطقة تتمتع بشبه حكم ذاتي -الذي كان بمثابة الأساس لانضمام المنطقة إلى الهند قبل 72 عاما- ووضعتها تحت حكم نيودلهي المباشر.

قامت حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، التي تشجعت بإعادة انتخابها في شهر أيار (مايو)، بإجراء التغيير في الولاية الهندية الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة من دون أي استشارة محلية. ولم تكتفِ الحكومة بذلك فحسب: قبل إعلان قرارها، جلبت إلى المنطقة عشرات الآلاف من القوات الإضافية وفرضت تعتيماً على الاتصالات، واعتقلت آلاف الكشميريين بما في ذلك الطبقة السياسية برمتها، والكثير منهم لم يكونوا معاديين للهند.

أدت هذه التحركات إلى مفاقمة الشعور الغامر الحاضر سلفاً بالعزلة بين الكشميريين، والذي يغلب أن يؤدي إلى مزيد من تأجيج التمرد الانفصالي القائم منذ أمد طويل. وبشكل منفصل، أثار قانون الجنسية الجديد الذي أقرته الحكومة الهندية، والذي يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه معادٍ للمسلمين، احتجاجات كبيرة قابلتها الشرطة برد فعل عنيف في أجزاء كثيرة من الهند. وإلى جانب الإجراءات في كشمير، يبدو أن هذه التطورات تؤكد عزم مودي على تنفيذ أجندة قومية هندوسية.

ما تزال ادعاءات نيودلهي بأن الوضع في الإقليم عاد إلى طبيعته مضللة. ما يزال الوصول إلى الإنترنت معطلاً، والجنود الذين تم نشرهم في آب (أغسطس) ما يزالون هناك، وما يزال جميع قادة كشمير رهن الاعتقال. ويبدو أن حكومة مودي ليست لديها خريطة طريق لما سيأتي بعد ذلك.
ومن جهتها، حاولت باكستان حشد الدعم الدولي ضد ما تصفه بأنه قرار الهند غير القانوني بشأن وضع كشمير. لكن قضيتها لا تكاد تجد المساعدة
بسبب سجلها الطويل في دعم الجهاديين المناهضين للهند. وعلاوة على ذلك، تنظر معظم القوى الغربية أن نيودلهي كشريك مهم. ومن غير المرجح أن تختار تعكير العلاقات معها بسبب كشمير، ما لم تتصاعد أعمال عنف هناك.

يبقى أعظم خطر يتهدد الوضع الراهن هو احتمال أن يتسبب هجوم يشنه متشددون في انطلاق التصعيد. وقد اختفى المتمردون في كشمير عن الأنظار في هذه الآونة، لكنهم ما يزالون نشطين. وفي الواقع، ألهمت العمليات العسكرية الهندية العنيفة في كشمير خلال الأعوام القليلة الماضية جيلا جديدا من الشباب الساخطين الذين نشؤوا في الوطن، والذين من المرجح أن تتضخم صفوفهم أكثر بعد هذه الحملة الأخيرة. ومن المؤكد أن تؤدي ضربة تُوجه للقوات الهندية إلى التعجيل بانتقام هندي من باكستان، بغض النظر عما إذا كانت إسلام أباد متواطئة في الضربة أم لا. وفي أسوأ الحالات، يمكن أن يتجه الجاران المسلحان نووياً إلى الحرب.

يجب على الجهات الفاعلة الخارجية أن تدفع باتجاه التقارب بين البلدين قبل فوات الأوان. ولن يكون تحقيق ذلك سهلاً. فالطرفان اللذان يحاولان أن يكسبا الدوائر الانتخابية المحلية لا يعرضان أي مزاج لتقديم تنازلات. وسيكون من الضروري استئناف الحوار الثنائي الذي ظل معلقاً منذ العام 2016، وسوف يحتاج تحقيق ذلك إلى ضغط منسق، خاصة من الحكومات الغربية. وسوف يتطلب إحراز أي تقدم من باكستان اتخاذ إجراءات موثوقة ضد الجهاديين الذين يعملون من أراضيها، وهو شرط مسبق غير قابل للتفاوض بالنسبة للهند حتى قبل أن تنظر في أمر المشاركة. ومن جانبها، يتعين على الهند رفع التعتيم عن الاتصالات، والإفراج عن السجناء السياسيين، وإعادة الانخراط مع قادة كشمير بشكل عاجل. ويتعين على الجانبين استئناف التجارة عبر الحدود وإتاحة السفر للكشميريين.

وإذا ظهرت أزمة جديدة، سيتعين على القوى الأجنبية أن تلقي بثقلها وراء الحفاظ على السلام في منطقة الحدود المتنازع عليها.

* * * 

فنزويلا

انتهى عام حكومتي فنزويلا من دون تحقيق حل لأزمة البلد. وما يزال الرئيس نيكولاس مادورو هو الممسك بزمام السلطة، وقد تخلص من الانتفاضة المدنية والعسكرية التي حدثت في نيسان (أبريل) واستطاع تجاوز مقاطعة إقليمية وكومة من العقوبات الأميركية. لكن حكومته ما تزال معزولة ومحرومة من الموارد، بينما يعاني معظم الفنزويليين من الفقر المدقع وانهيار الخدمات العامة.

اجتذب خوان غايدو، رئيس الجمعية الوطنية، الذي طالب بالرئاسة المؤقتة في كانون الثاني (يناير) الماضي، حشودا ضخمة ودعماً أجنبياً لمطالبه بمغادرة مادورو، الذي أعيد انتخابه في اقتراع مثير للجدل في العام 2018، منصبه. ومع ذلك، قدم بقاء الحكومة التي لا تحظى بشعبية لغايدو، وكذلك للولايات المتحدة وحلفائها في أميركا اللاتينية مثل البرازيل وكولومبيا، دروساً قاسية. ولا يستطيع أحد أن يستبعد انهيار الحكومة. ومع ذلك، فإن الأمل في ذلك، كما قال أحد نواب المعارضة لزملائي في مجموعة الأزمات الدولية، “يشبه كونك فقيراً وتنتظر أن تربح اليانصيب”.

كبداية، قلل خصوم مادورو من قوة حكومته -وفوق كل شيء، من ولاء القوات المسلحة له.

وعلى الرغم من المصاعب، ظلت المجتمعات الفقيرة في معظمها غير مقتنعة بالمعارضة. وقد فرضت العقوبات الأميركية ضغوطاً على السكان وألحقت أضرارا بصناعة النفط المتعثرة، لكن جهات فاعلة غامضة تعمل من خلال ثغرات الاقتصاد العالمي تمكنت من التحايل على هذه العقوبات والالتفاف عليها. وأبقت صادرات الذهب والدولارات النقدية البلد عائماً وتسببت في إثراء نخبة صغيرة. وفي المقابل، انضم كثيرون من الذين تُركوا بلا مكاسب إلى الهجرة الجماعية للفنزويليين، الذين يبلغ عددهم الآن 4.5 مليون مهاجر، وقاموا بدورهم بإرسال التحويلات المالية إلى ديارهم لإعالة أسرهم.

تخلف الأزمة في البلد تداعيات دائمة التوسع. وتقدر الأمم المتحدة أن 7 ملايين فنزويلي يحتاجون الآن إلى مساعدات إنسانية، والكثير منهم في المناطق الحدودية التي تذرعها جماعات مسلحة، بما فيها جماعات حرب العصابات الكولومبية. وعلى الرغم من تقاسم أكثر من 1.300 ميل من الحدود العنيفة المليئة بالمجرمين وغير الخاضعة للحراسة إلى حد كبير، لم تعد الحكومتان الكولومبية والفنزويلية تتحدثان مع بعضهما بعضا. وبدلاً من ذلك، تتبادل الحكومتان الشتائم واللوم على إيواء كل منهما وكلاء مسلحين. وقد أصبحت مناطق الحدود نقاط الوميض الخطيرة في فنزويلا. وفي الأثناء، أدى الانقسام بين بلدان أميركا اللاتينية التي تدعم غايدو وتلك التي تدعم مادورو إلى تفاقم الاستقطاب في مناخ إقليمي متوتر.

مع تقليل الولايات المتحدة على ما يبدو من احتمال التدخل العسكري -حتى في الوقت الذي يطالب فيه متشددو المعارضة الفنزويلية به- فإن القضية الآن هي ما إذا كان عناد مادورو وافتقار المعارضة وواشنطن إلى الواقعية سيعنيان أزمة عميقة واشتعالاً محتملاً، أو ما إذا كان بإمكان المزيد من الأصوات البراغماتية إيجاد طريق إلى اتفاق. والنذر لا تبشر بالخير. فقد تم تعليق محادثات الحكومة والمعارضة التي كانت قد سهّلتها النرويج في أيلول (سبتمبر).

ولكن، ثمة طريق تفاوضي للخروج من الاضطراب ما يزال متاحاً. وسوف يتطلب تنازلات من جميع الأطراف: على المعارضة أن تتخلى عن طلبها مغادرة مادورو الآن؛ وعلى الحكومة أن تقبل بالخطوات التي تضمن إجراء انتخابات برلمانية ذات مصداقية ومراقبة دولياً في العام 2020، فضلاً عن إجراء انتخابات رئاسية مبكرة وذات مصداقية بالمقدار نفسه في المستقبل القريب؛ وستحتاج الحكومة الأميركية إلى تخفيف العقوبات عنها تدريجياً بينما يتم إحراز تقدم نحو التوصل إلى حل. وسيكون هذا ثمنا مقبولا للسلام والاستقرار في فنزويلا، ولتجنب حدوث كارثة أسوأ بكثير.

* * * 

أوكرانيا

أعطى الممثل الكوميدي الذي تحول إلى رئيس، فولوديمير زيلينسكي، والذي تم انتخابه في نيسان (أبريل) 2019، طاقة جديدة للجهود المبذولة لإنهاء الصراع المستمر منذ ستة أعوام مع الانفصاليين المدعومين من روسيا في منطقة الدونباس في شرق البلاد. ومع ذلك، إذا كان السلام يبدو الآن معقولاً أكثر قليلاً مما كان عليه قبل عام، فإنه ما يزال بعيداً عن الحتمية.

وكان سلف زيلنسكي، بيترو بوروشينكو، قد تفاوض على اتفاقيات مينسك 2014-2015، التي هدفت إلى إنهاء النزاع في الدونباس؛ ودعت الاتفاقيات إلى إعادة دمج المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون في أوكرانيا في مقابل حكم ذاتي أو منحها “وضعاً خاصاً”. لكن تلك الاتفاقيات ما تزال غير مطبقة لأن كييف وموسكو لا تتفقان على تفاصيلها وتسلسلها.

تعهد زيلينسكي أثناء حملته بصنع السلام. وفسر فوزه الساحق هو وحزبه في انتخابات 2019 على أنه تفويض للقيام بذلك. وبدأ بالتفاوض على عمليات سحب القوات المتبادلة من مواقع المواجهة ووقف إطلاق النار مع روسيا ووكلائها. وفي أيلول (سبتمبر)، أبرم صفقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول تبادل للأسرى. وفي الشهر التالي، أيد ما تسمى صيغة شتاينماير التي قدمها فرانك فالتر شتاينماير، وزير خارجية ألمانيا آنذاك ورئيسها الآن، في العام 2016، والتي اقترحت أن تؤدي انتخابات في المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون إلى منح المنطقة وضعاً خاصاً مؤقتاً أولاً، ثم إذا كان التصويت موثوقاً، وضعاً دائماً وإعادة دمجها في أوكرانيا.

تطلّب قبول زيلينسكي بالصيغة وجود سيطرة أوكرانية في تلك المناطق قبل التصويت. ومع ذلك، واجه رد فعل محلي عكسي فوري من تحالف غير متوقع من منظمات المحاربين القدامى، والجماعات اليمينية المتطرفة، والمثقفين العامين. وفي المقابل، رحبت موسكو والقادة الانفصاليون بقبول زيلينسكي للصيغة، على الرغم من شروطه.

في كانون الأول (ديسمبر)، التقى زيلينسكي وبوتين في باريس مع ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. وقد فشل الزعماء في الاتفاق على تسلسل لتطبيق اتفاقيات مينسك، لكنهم غادروا مع خطط لوقف إطلاق النار أكثر شمولاً، ومزيد من فك الاشتباك في مواقع الجبهة، وزيادة مراقبة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ونقاط عبور جديدة للمدنيين على خطوط التماس بين القوات الأوكرانية والانفصالية.

ويبدو أن منتقدي زيلينسكي في الوطن كانوا راضين عن أدائه في باريس. وسوف يعطيه ذلك مساحة أكبر للمناورة.

إذا سارت الأمور كما هو مخطط لها، فإن الاجتماع المقبل في فرنسا المقرر عقده في فصل الربيع، ينبغي أن يتناول المكونات الأخرى لاتفاقيات مينسك، بما في ذلك إصدار العفو، والمزيد من عمليات سحب القوات، وملامح الطريق إلى إعادة دمج المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون في أوكرانيا.

مع ذلك، يمكن أن يسير الكثير خطأ. قد تنهار خطط وقف إطلاق النار وفض الاشتباك وقد يتصاعد القتال. وحتى لو صمد الوضع الراهن، سوف يحتاج زيلينسكي إلى أن تقوم موسكو بتقديم تنازلات من أجل السلام لكي تكون لديه فرصة للنجاح. مع ذلك، وعلى الرغم من أن موسكو كانت أكثر استعدادا للتعامل مع زيلينسكي من سلفه، فإن مواقفها الأساسية لم تتغير: فهي تنفي أن تكون طرفًا في النزاع الذي بدأته، وقاتلت فيه وقامت بمتويله. وهي تصر على أن على كييف التفاوض بشأن الحكم الذاتي لمنطقة دونباس مع القادة الانفصاليين.

سيكون من شأن السلام أن يقدم أرباحاً واضحة لأوكرانيا وأن يحمل الفوائد لروسيا: فهو يمكن أن يجلب تخفيفاً للعقوبات ويؤدي إلى التخلص من عبء الدعم المالي والعسكري للمناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون. وبالنسبة لحلفائه الغربيين، يحتاج زيلينسكي إلى كل المساعدة التي يمكنه الحصول عليها بينما يواصل هجومه الساحر في شرق أوكرانيا ويتواصل مع موسكو.

*محام أميركي وعالم سياسي ومختص في فض النزاعات. وهو حالياً مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية في واشنطن العاصمة. مساعد خاص سابق للرئيس بيل كلنتون للشؤون العربية-الإسرائيلية (1998-2001). وقبل تولي هذا المنصب كان مساعداً لمستشار الأمن القومي ساندي بركر (1996-1998) ومدير إدارة الديمقراطية وحقوق الإنسان والشئون الإنسانية في مجلس الأمن القومي (1994-1996). يعد خبيراً في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وكتب بغزارة في هذا الموضوع. وكمساعد خاص للرئيس كلنتون، كان عضواً في فريق السلام الأميركي وساعد على تنظيم قمة كامب ديفيد 2000.

*نشر هذا التقرير تحت عنوان:

10 Conflicts to Watch in 2020

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى