ترجمات أجنبية

فورين بوليسي – بقلم ميخائيل تانخوم – كيف أصبح غاز شرق المتوسط مركزًا ​​لعين العاصفة الجيوسياسية ؟

فورين بوليسي –  بقلم  ميخائيل تانخوم *– 18/8/2020

التوتر في شرق المتوسط لا سيما بعد اكتشاف ثروات معدنية في مياه المنطقة، المنطقة يمكن أن تشتعل في أي لحظة وتدخل في صراعٍ تنجر إليه دول المنطقة والاتحاد الأوروبي ما لم يجْرِ البحث عن مخرج لفض اشتباك الصراعات الإقليمية في المنطقة.

في منتصف أغسطس (آب)، اصطدمت سفينة حربية تركية بسفينة يونانية في شرق البحر الأبيض المتوسط، مما زاد من توتر المواجهات البحرية الأكثر قابلية للاشتعال في المنطقة خلال 20 عامًا. وكانت الأزمة قد بدأت قبل يومين، عندما نشرت تركيا سفينة لاستكشاف الطاقة وبرفقتها سفينة حربية للبحث عن النفط والغاز الطبيعي في المياه بالقرب من جزيرة كاستيلوريزو اليونانية – وهي مياه تدعي أثينا أنها في نطاق مياهها البحرية».

وأصبحت التهديدات الناجمة عن دورة التصعيد الأخيرة أكبر من أي وقت مضى، وقد تؤدي إلى التحول إلى صراع متعدد الجنسيات. ولإظهار الدعم القوي لليونان ضد تركيا، أرسلت فرنسا سفنًا حربية إلى المياه المتنازع عليها وتعهدت بإرسال المزيد. كما أعربت مصر وإسرائيل، اللتان تجريان تدريبات عسكرية مشتركة بانتظام مع اليونان، عن تضامنهما مع أثينا. ومع دخول فرنسا ومصر بالفعل في صراع مفتوح ضد تركيا في ليبيا، يخشى المراقبون في جميع أنحاء العالم من أن أي تصعيد آخر في شرق البحر المتوسط ​​يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات أوروبية-شرق أوسطية.

على مدار عقود، كانت نزاعات الحدود البحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​شأنًا محليًّا؛ تقتصر على مطالب السيادة والمطالب المضادة بين قبرص واليونان وتركيا. ولكن على مدى السنوات الخمس الماضية، حوَّلت موارد الغاز الطبيعي البحرية في منطقة شرق المتوسط ​​إلى ساحة استراتيجية رئيسة تتلاقى من خلالها خطوط صدع جيوسياسية أكبر تشمل الاتحاد الأوروبي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ولعبت إيطاليا وفرنسا دورًا أساسيًّا في تحريك هذا التغيير، الذي جعل أوضاع العلاقة المعقدة بالفعل بين الاتحاد الأوروبي وتركيا أكثر عدائية.

اكتشاف الغاز غيَّر قواعد اللعبة

ونوَّه كبير الباحثين بالمعهد النمساوي للدراسات الأوروبية والأمنية إلى أن عامل التغيير في اللعبة تمثل في اكتشاف حقل «ظُهْر» الضخم للغاز الطبيعي في الأراضي البحرية المصرية من قِبل شركة إيني الإيطالية الكبرى للطاقة في أغسطس 2015. وكان ظهور حقل «ظُهْر»، الذي يمثل أكبر اكتشاف للغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​حتى الآن، يعني أن المنطقة أصبحت تمتلك فجأة وبصورة جماعية كميات قابلة للتسويق من الغاز الطبيعي. 

وبدأت شركة إيني الإيطالية، وهي أيضًا مشغل رئيس في تطوير الغاز الطبيعي في قبرص، في الترويج لخطة لتجميع الغاز القبرصي والمصري والإسرائيلي واستخدام مصانع تسييل الغاز في مصر لتسويق غاز المنطقة بفاعلية من حيث التكلفة إلى أوروبا في صورة غاز طبيعي مسال (LNG). وتصادف أن الشركة الإيطالية صاحبة حصة رئيسة في أحد مصانع الغاز الطبيعي المسال في مصر.

وعلى الرغم من أن ذلك يُعد معقولًا من الناحية التجارية، إلا أنه كان هناك خلل جيوسياسي في مخطط تسويق الغاز الطبيعي المسال المنتج في مصر: لم يترك هذا المخطط أي دور لتركيا والبنية التحتية لخطوط الأنابيب التركية إلى أوروبا، مما أدى إلى تحطيم خطط أنقرة الجارية لتصبح مركزًا إقليميًّا للطاقة. وفي عام 2018، وجَّهَت شركة الطاقة الفرنسية العملاقة توتال، ثالث أكبر شركة في الاتحاد الأوروبي من حيث الإيرادات، ضربةً أخرى إلى تركيا من خلال الشراكة مع شركة إيني في جميع عمليات تطوير الغاز لدى الشركة الإيطالية في قبرص؛ مما وضع فرنسا في وسط مستنقع الطاقة في شرق المتوسط.

وفي نفس الوقت تقريبًا، وافقت قبرص رسميًّا على تزويد مصانع الغاز الطبيعي المسال المصرية بالغاز من أجل تصديره في صورة غاز مسال. وبعد توقيع قبرص لتلك الصفقة، حذت إسرائيل، التي كانت تفكر في السابق في بناء خط أنابيب إسرائيلي-تركي للغاز تحت المياه، حذوها وتعاقدت على بيع غازها إلى مصر أيضًا.

تركيا ودبلوماسية البوارج

 تركيا أعربت عن استيائها من هذه التطورات من خلال الانخراط في سلسلة من التدريبات المحسوبة لدبلوماسية البوارج الحربية، وأرسلت سفن الاستكشاف والتنقيب إلى المياه القبرصية ترافقها سفن حربية للحراسة. وتواصل أنقرة رفضها الاعتراف بالحدود البحرية لقبرص التي تزعم أنها رُسِمت على نحو غير قانوني على حساب تركيا.

وبذلك، تدَّعي تركيا أنها تدافع عن حقوق القبارصة الأتراك في النصف الشمالي من الجزيرة المقسمة على أساس عرقي، والذين استُبعِدوا من تطوير احتياطيات الغاز الطبيعي البحرية في قبرص على الرغم من كونهم المالكين الشرعيين المشاركين في الموارد الطبيعية لقبرص.

تركيا – الطرق الصوفية

ومع كل إجراء تركي، تكتسب الجبهة المصرية-الإسرائيلية-القبرصية-اليونانية دعمًا عسكريًّا متزايدًا من فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة، ولكل من هذه الدول استثمارات اقتصادية كبيرة في غاز شرق البحر المتوسط. وبالنسبة لتركيا، يُعد دعم حلفائها في الناتو لهذه المجموعة بمثابة خيانة لها، ويعزى ذلك إلى سياسة الاحتواء التي لا يمكن أن تتسامح معها.

كيف دخلت ليبيا إلى مستنقع شرق المتوسط؟

وفي محاولة للخروج من عزلتها الإقليمية، وقَّعت تركيا في نوفمبر (تشرينالثاني) 2019 اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق الوطني التي تتخذ من العاصمة الليبية طرابلس مقرًا لها والتي مزقتها الحرب. وكانت الاتفاقية بمثابة محاولة لاكتساب مركز قانوني أكبر لتحدي الحدود البحرية التي رسمتها اليونان مع قبرص ومصر، والتي تعتمد عليها خطط تطوير الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط لدى هذه الدول.

ورافقت اتفاقية الحدود البحرية بين أنقرة وطرابلس، اتفاقية تعاون عسكري توفر لحكومة الوفاق الوطني ضمانة أمنية ضد جهود قوات الجنرال خليفة حفتر، المدعومة من فرنسا ومصر، للإطاحة بالحكومة التي تتخذ من طرابلس مقرًا لها. وفعَّلَت حكومة الوفاق الوطني اتفاقها العسكري رسميًّا مع أنقرة في ديسمبر (كانون الأول)، مما ربط المواجهة البحرية المتوترة بالفعل في شرق البحر المتوسط ​​بالحرب الأهلية الليبية. وأدى التدخل العلني لأنقرة في الصراع في ليبيا في النصف الأول من عام 2020 إلى تغيير مجرى الحرب الأهلية الليبية.

وبعد أن نجحت تركيا في الحفاظ على حكومة الوفاق الوطني، يوفر الوجود العسكري التركي الكبير في ليبيا الآن لأنقرة منصة يمكن من خلالها تحدي قبرص ومصر واليونان بشأن الحدود البحرية لشرق المتوسط. وللاستفادة من موقعها الإقليمي المعزز حديثًا، أكدت تركيا على مطالبها من اليونان بإرسال سفينة المسح الزلزالي «عروج بربروس»، مصحوبة بمجموعة من خمس سفن بحرية، إلى المياه المتنازع عليها بالقرب من جزيرة كاستيلوريزو.

إذن ما هي شكوى تركيا في شرق البحر المتوسط؟

من وجهة نظر تركيا، تَحْرِم الحدود البحرية القائمة بحكم الأمر الواقع في شرق البحر الأبيض المتوسط على نحو غير عادل وغير قانوني تركيا من الحصول على جزء من أراضيها البحرية المشروعة. ولذلك، فإن ترتيبات المنطقة لتطوير الغاز الطبيعي البحري، والتي تعتمد على حدود الأمر الواقع هذه، هي بالمثل غير شرعية. ومن هنا تنظر تركيا إلى أفعالها على أنها دفاع عن القانون الدولي. ويعود التقسيم إلى ما يسمى بخريطة إشبيلية التي توضح الحدود البحرية المقبولة بصفة عامة للمنطقة.

واتخذت هذه الدراسة الخرائطية التي أُعدِّت في جامعة إشبيلية بتكليف من الاتحاد الأوروبي، في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قرارًا بتحديد الحدود القصوى لليونان وقبرص على حساب تركيا باستخدام ساحل كل جزيرة يونانية مأهولة – مهما كانت صغيرة وبغض النظر عن مدى قربها من شواطئ تركيا – كنقطة انطلاق. ولتركيا الحق في أن ترى أن الترسيم غير عادل. وساحل تركيا على البحر المتوسط ​​أطول من الحدود الأمريكية-المكسيكية. وبموجب مبدأ الإنصاف في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار UNCLOS وأحكام القضاء الدولي المبنية عليه، من المرجح أن يكون لتركيا منطقة بحرية أكبر مما حصلت عليه بسبب هذا الخط الساحلي الواسع. غير أن تركيا ترفض أن تصبح من الدول الموقِّعة على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، مما يؤدي إلى إغلاق طريق اللجوء إلى المسار القانوني في وجهها.

ليبيا باعتبارها بديلًا لخريطة أشبيلية

وبدلًا من ذلك، وجدت تركيا شريكًا تصنع معه خريطتها الخاصة. وفي خطوة متطابقة تمام التطابق مع خريطة إشبيلية، تحدد الخريطة الخاصة باتفاقية الحدود البحرية التركية الليبية منطقة بحرية قصوى لتركيا من خلال حرمان أي من جزر اليونان من الجرف القاري أو المنطقة الاقتصادية الخالصة (EEZ)، والتي توفر حقوقًا سيادية على موارد الطاقة البحرية. كما تحدد الاتفاقية قطاعًا حدوديًّا بطول 18.6 ميًلا بحريًّا بين تركيا وليبيا وانطلاقًا من هذا الخط، تقسم خريطة أنقرة-طرابلس حصريًّا المنطقة البحرية بأكملها بين تركيا وليبيا، وهي منطقة تمتد من الركن الجنوبي الغربي لتركيا إلى الساحل المقابل في شرق ليبيا. ويجرى تجاهل جميع جزر اليونان فعليًّا.

وطريقة تركيا في رسم خريطة أنقرة وطرابلس خادع. والأكثر شناعة هو أن الخريطة تتجاهل وجود جزيرة كريت، التي تبلغ مساحتها 3.219 ميلًا مربعًا، بين هذين الساحلين. وتؤكد المادة 121 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وهي مادة تتناول الوضع القانوني للجزر، أنه ينشأ عن سواحل الجزر أرفف قاريَّة ومناطق اقتصادية خالصة مثل أي تكوين يابسة ساحلي، باستثناء تلك التي «لا يمكنها الحفاظ على السكن البشري أو الحياة الاقتصادية من تلقاء نفسها». وجزيرة كريت، التي يبلغ عدد سكانها قرابة 650 ألف نسمة (يساوي تقريبًا عدد سكان أثينا)، سينتج عنها بلا شك منطقة اقتصادية خالصة.

وفي 6 أغسطس (آب) من العام الجاري، قررت اليونان الرد على تركيا بالمثل من خلال توقيع اتفاقية مماثلة لتعيين الحدود البحرية مع مصر. وبعد أيام، اندفعت سفينة الأبحاث «عروج بربروس» والسفينة الحربية التي ترافقها إلى المياه داخل الحدود البحرية اليونانية.

ماذا بعد؟

هناك حوافز قوية لمعظم الأطراف في المنطقة والاتحاد الأوروبي لاحتواء التصعيد الحالي وإيجاد مخرج من الأزمة. وعلى الرغم من دعم اليونان، لا يمكن لمصر ولا إسرائيل تحمل الانجرار إلى حرب مع تركيا في شرق البحر المتوسط. وأعرب الاتحاد الأوروبي عن دعمه المطلق لليونان وقبرص الأعضاء فيه، لكن الكتلة منقسمة حول كيفية التعامل مع الأزمة الحالية. ودول الاتحاد الأوروبي المتوسطية الست منقسمة بالتساوي. وتؤيد اليونان وقبرص وفرنسا اتخاذ إجراءات قوية ضد تركيا، بينما تمتنع عن ذلك إيطاليا ومالطا وإسبانيا – التي تشترك جميعها في مصالح تجارية مهمة مع تركيا في وسط وغرب البحر الأبيض المتوسط. ويمكن لألمانيا، التي تتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي منذ يوليو (تموز)، كسر هذا الجمود.

وعلى الرغم من أن برلين تنصاع عادةً لباريس فيما يتعلق بسياسة البحر المتوسط، إلا أنها حريصة على إبقاء أنقرة قريبة من الاتحاد الأوروبي قدر الإمكان. غير أن تركيا تلعب على حافة الهاوية. وإذا ما بالغت في ضغوطها، فسوف ينحاز الاتحاد الأوروبي، وكذلك الولايات المتحدة، تمامًا إلى جانب اليونان. والخط الأحمر الذي لا تستطيع تركيا تجاوزه هو جزيرة كريت، التي يُعتقَد أن مياهها الجنوبية تحتوي على كميات كبيرة من النفط أو الغاز الطبيعي. وعلى الرغم من الاعتراف الدولي بها باعتبارها من المياه الإقليمية اليونانية، إلا أن خريطة أنقرة-طرابلس تخصص المنطقة لليبيا. وإذا أرسلت تركيا سفينتها للتنقيب عن الطاقة بالقرب من الشواطئ الجنوبية لجزيرة كريت، فسوف تنتهي كل الرهانات.

 حتى الآن، لم تتجاوز تركيا هذا الخط. وربما تحتفظ أنقرة بعمليات التنقيب في مياه جزيرة كريت باعتبارها ورقة تفاوض. وتتطلب أي عملية جادة لتقليل التصعيد بين تركيا واليونان وجود طرف ثالث يتمتع بنفوذ كافٍ لدفع أنقرة وأثينا إلى محادثات جادة. وفي هذا الصدد، ربما تكون العلامة الأكثر تفاؤلًا للمنطقة هي الجهود البناءة الأخيرة التي بذلتها الولايات المتحدة للتوصل إلى وقف إطلاق النار وإنشاء منطقة عازلة في ليبيا. إن فك الارتباط بين النزاعات الإقليمية المختلفة يخلق فرصة لحوار براجماتي حول الحدود البحرية للبحر الأبيض المتوسط. وهناك نافذة للخروج، وستتطلب هذه الفرصة من الولايات المتحدة، ربما بالتنسيق مع ألمانيا، العمل بمهارة والتزام دبلوماسيين.

*أستاذ العلاقات الدولية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في جامعة نافارا بإسبانيا

نشر هذا المقال تحت عنوان : **

How Did the Eastern Mediterranean Become the Eye of a Geopolitical Storm?

الكاتب  Micha’el Tanchum

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى