ترجمات أجنبية

فورين بوليسي» – بقلم كولوم لينش – الأمين العام للأمم المتحدة يواجه انتقادات داخلية لحقوق الإنسان

مجلة «فورين بوليسي» –  بقلم كولوم لينش – 4/2/2020

إن إنكار الأمم المتحدة الصريح وغير المشروط لأي شيء بخلاف المسؤولية الأخلاقية هو فضيحة». فيليب ألستون – مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان

إن «الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يواجه انتقادات من مستشاريه السابقين لما يعتبرونه أسلوبًا متساهلًا في الدفاع عن حقوق الإنسان بموازاة ازدياد الانتهاكات السافرة التي ترتكبها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ولا مبالاة الولايات المتحدة ليس فحسب بالقضية، بل باتت تعتبر هي الأخرى من منتهكي حقوق الإنسان».

من الصين إلى السعودية والولايات المتحدة، وفقًا للمدافعين السابقين عن حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فضل غوتيريش، وهو رئيس الوزراء البرتغالي السابق، مرارًا وتكرارًا الدبلوماسية الهادئة على الصراحة والإدانة العلنية في الرد على الانتهاكات الحقوقية الصارخة، خلال السنوات الثلاث الأولى من توليه منصبه. وتشمل هذه قضايا: الاحتجاز الجماعي للأقليات الدينية في الصين واغتيال الأنظمة لخصومها السياسيين والعسكريين.

هل هي حكمة أم ضعف؟

وقال زيد رعد الحسين، المسؤول السياسي السابق للأمم المتحدة في البوسنة والسفير الأردني الذي شغل منصب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان حتى أغسطس (آب) 2018، لمجلة فورين بوليسي: «أنا متأكد من أن الأمين العام أقنع نفسه بأنه يتصرف بحكمة» من خلال إمساك لسانه. وأضاف «أعتقد أن المؤرخين في المستقبل لن يفسروا ذلك على أنه حكمة، ولكنهم سوف يفسرونه على أنه ضعف».

وأعرب أندرو جيلمور، الذي استقال مؤخرًا من منصب مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، عن قلقه من أن أمانة الأمم المتحدة في عهد غوتيريش تتراجع فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وأشار إلى أن هذا التوجه إنما هو حلقة في سلسلة أوسع من الاستسلام والتراجع عن القيم الجوهرية المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، محذرًا من أن ذلك يؤدي إلى التآكل المطرد للسلطة الأخلاقية للمنظمة.

رسالة استقالة أندرو جيلمور قائلًا: في رسالة وداع موجهة إلى فولكر ترك، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للتنسيق الإستراتيجي، عاب جيلمور على أمانة الأمم المتحدة إظهارها الاحترام المفرط لمصالح الدول الأعضاء القوية وتقديمها على المبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، وجلب «الخزي» للمنظمة من خلال رفض تحميل نفسها المسؤولية بعد أن جلب جنود حفظ السلام التابعون للأمم المتحدة الكوليرا إلى هايتي؛ مما أسفر عن وفاة ما يقارب 10 آلاف شخص.

بالإضافة إلى قبول المسؤولية عن إعادة توطين حوالي 600 من الأقليات العرقية، من بينهم الغجر، بالقرب من منجم صناعي في كوسوفو حيث تعرضوا للتسمم بالرصاص. حتى بعد أن أصبحت الأمم المتحدة «على علم بالمخاطر الصحية»، فشلت في نقل الطائفة لأكثر من عقد من الزمان، وفقًا لتقرير شديد الانتقاد صادر عن اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في كوسوفو.

وكتب جيلمور في رسالة عبر البريد الإلكتروني، اطلعت عليها فورين بوليسي: «(الانطباع) هو أن الدفاع عن قيم ميثاق الأمم المتحدة والمجاهرة بتقدم المبادئ على الذرائع، وعن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي، هو أمر غريب بعض الشيء، حتى أنه علامة على التعصب والحمق السياسي».

كان غوتيريش، وهو مفوض سامٍ سابق لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة، ابتلي بتولي المنصب الأعلى في الأمم المتحدة في وقت كانت فيه أكثر الدول الأعضاء نفوذًا في المنظمة تبتعد عن حقوق الإنسان. وجاء وصوله إلى نيويورك قبل أسابيع من تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وكان أن قلل الرئيس الجديد، الذي تحدث عن موافقته على التعذيب خلال حملته الانتخابية، وكذلك أكبر دبلوماسييه ريكس تيلرسون، من أهمية حقوق الإنسان في الدبلوماسية الدولية، وأصبحت الدول الأخرى القوية – مثل الصين وروسيا والسعودية وتركيا – أقل استعدادًا لقبول الانتقادات فيما يتعلق بسجلات حقوق الإنسان لديها.

الخوف من الانتقام من المنظمة بمنع تمويلها أو عرقلة أعمالها

غوتيريش بذل جهودًا حثيثة لتجنب المواجهة، خوفًا من أن تؤدي المواجهة العلنية مع الولايات المتحدة أو الصين أو أي قوة كبرى أخرى إلى الانتقام من المنظمة من خلال تجويعها بخفض التمويل أو إعاقة جهودها للقيام بعملها. وهو يفعل ذلك، غالبًا ما استعان بالنصيحة الحذرة التي قدمتها له إدارته القانونية، والتي نصحته بعدم اتخاذ مواقف مثيرة للجدل، مثل قبول المسؤولية عن توطين اللاجئين في المخيمات الملوثة في كوسوفو، أو الاحتجاج بسلطته الكبيرة بموجب ميثاق الأمم المتحدة في متابعة التحقيقات حول اغتيال جمال خاشقجي كاتب العمود في صحيفة «واشنطن بوست».

لكن تحفظ غوتيريش أثار انتقادات حادة لما يراه الكثيرون في مجتمع حقوق الإنسان صمتًا على انتهاكات القانون الدولي ارتكبها أعضاء الأمم المتحدة الأقوياء، بما في ذلك مصر، والسعودية، وتركيا، والولايات المتحدة، والاحتجاز الجماعي لأكثر من مليون عضو من أقلية الإيجور في الصين.

وفي مقال افتتاحي لاذع نشرته صحيفة «واشنطن بوست» العام الماضي، جادل كينيث روث، المدير التنفيذي لـ«هيومن رايتس ووتش»، من أن فترة إدارة غوتيريش على رأس المنظمة الدولية «أصبحت تتسم بصمته تجاه (انتهاكات) حقوق الإنسان».

أحد أكبر مسؤولي الأمم المتحدة بقوله: يعتقد زيد، المفوض السامي السابق لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، أن هناك افتراضًا أساسيًا لدى الكثيرين في الأمم المتحدة، بمن فيهم غوتيريش، بأن المواجهة العلنية مع قادة العالم، المسؤولين عن الأعمال الوحشية، يقضي على الفرص الدبلوماسية لتخفيف سلوكهم، وفي النهاية يكلف المزيد من الأرواح.

وقال زيد: «إنها حجة متداعية. إذ أرسيت سابقة من خلال مهاجمة الزعماء بالاسم، وما توصلت إليه هو أن ذلك لم يهدم المنزل». وأضاف أن الرأي الشعبي والضغط العام «مصدر هائل للتأثير إذا قررت استخدامه. لكن عليك أن تصل إلى النقطة التي لا تخشى فيه استخدامه».

أدوار الأمين العام المتعددة

 إن النقاش الدائر حول فضائل تسمية منتهكي الحقوق المؤثرين وفضحهم يؤكد التحدي الأساسي الذي يواجهه كل أمين عام للأمم المتحدة لدعم مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، التي تشير إلى تعزيز حقوق الإنسان باعتباره أحد أهدافها الرئيسة، في حين يدير العلاقات بين قادة العالم ذوي النزوات الذين يسعون إلى استخدام المنظمة لتعزيز مصالحهم الشخصية أو الوطنية. وغوتيريش مثل أسلافه مدعو للعب أدوار متعددة – دور الدبلوماسي والسياسي والحكم والموظف المدني – في مؤسسة تتلقى أوامرها من 193 عضوًا مشاكسًا.

لم يتبن غوتيريش مطلقًا دور الأمين العام للأمم المتحدة كاملًا باعتباره «البابا العلماني» – وهي عبارة مرتبطة بقادة الأمم المتحدة السابقين مثل داج همرشيلد وكوفي عنان. لكنه كان على استعداد للمجاهرة بشأن بعض أزمات حقوق الإنسان، معترفًا علانية بأن ميانمار متورطة في التطهير العرقي ضد أقلية الروهينجا في البلاد، وحث مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على اتخاذ خطوات لحل الأزمة. وأمر بفرض حظر على استخدام قوات حفظ سلام سريلانكية في بعض بعثات الأمم المتحدة بعد أن عينت الحكومة مجرم حرب مشتبه فيه قائدًا للجيش في البلاد، على الرغم من أن الأمين العام ترك ثغرة تسمح للسريلانكيين بالمشاركة في عمليات حفظ السلام حال اعتبار دورهم حيويًا.

دافع غوتيريش عن سجله في مجال حقوق الإنسان خلال مؤتمر صحافي عقده يوم 4 فبراير (شباط) في مقر الأمم المتحدة، وأخبر المراسلين أنه يتعين عليه أن يوازن بين الدفاع عن حقوق الإنسان والحاجة إلى التواصل مع الحكومات لإنهاء النزاعات ومتابعة السلام.

وأضاف: «لسنا منظمة غير حكومية. نحن منظمة هدفنا هو معالجة مشاكل السلام والأمن وحقوق الإنسان والتنمية والتأكد من أن لدينا، في هذا الصدد، القدرة الأكثر فعالية لخدمة الناس الذين نهتم بهم وإفادتهم، كل هذا في آن واحد».

وأكد أن ذلك يتطلب تقسيمًا معينًا للعمل بينه وبين المفوض السامي لحقوق الإنسان، الرئيسة الشيلية السابق ميشيل باشيليت. وأضاف أن «دوري يتمثل أساسًا في تحديد المبادئ وتحديد ما يجب القيام به. أما دورها فيميل أكثر إلى النظر في المواقف الملموسة».

ودافع غوتيريش أيضًا عن رد فعله على احتجاز الصين لمسلمي الإيجور. وقال للصحافيين في سبتمبر (أيلول) عام 2019 «لا أعتقد أن أي شخص كان أكثر إصرارًا ووضوحًا في الحديث مع السلطات الصينية فيما يتعلق بهذه القضية أكثر مني. ليس صحيحًا بالمرة أنني اقتصرت على الدبلوماسية الحصيفة».

إنكار المسؤولية فضيحة للمنظمة

لكن حتى النقاد مثل جيلمور لا يلقون باللوم على غوتيريش. ويشير جيلمور إلى أن جذور الإخفاق الأخلاقي للأمم المتحدة تسبق مجيء غوتيريش، إذ وصل الإخفاق إلى ذروته مع قرار الأمم المتحدة بالتنصل من المسؤولية عن تسبب قوات حفظ السلام التابعة لها في إدخال الكوليرا إلى هايتي في عام 2010.

كانت المستشارة القانونية للأمم المتحدة في ذلك الوقت، باتريشيا أوبراين الأيرلندية، في طليعة الجهود المبذولة لإعفاء الأمم المتحدة من أي مسؤولية قانونية عن وباء الكوليرا في هايتي، والذي كان يعود إلى مفرزة حفظ السلام النيبالية.

الموقف لم يتغير بتغير المسؤول القانوني للأمم المتحد؛ إذ حافظ خليفتها البرتغالي، ميجيل دي سيربا سواريس، على الموقف القانوني المتشدد للأمم المتحدة؛ مما أدى إلى انتقاد شديد من المقرر الخاص المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان، فيليب ألستون، الذي قال في أكتوبر (تشرين الأول) 2016: «إن إنكار الأمم المتحدة الصريح وغير المشروط لأي شيء بخلاف المسؤولية الأخلاقية هو فضيحة».

المكتب القانوني للأمم المتحدة قدم «ادعاءً قانونيًا مصطنعًا بشكل واضح لا أساس له من الصحة لإصراره على أن (الأمم المتحدة) يجب ألا تتحمل المسؤولية القانونية عما قامت به».

وردًا على وثيقة الحقائق التي توصل إليها ألستون، في تقرير في وقت سابق من ذلك العام، قام نائب الأمين العام للأمم المتحدة في ذلك الوقت، يان إلياسون، بالضغط على سلف غوتيريش، بان كي مون لقبول جزء من اللوم في وباء الكوليرا. لكنه واجه مقاومة شديدة من المحامين، الذين عارضوا بشدة أي اعتراف بالمسؤولية، وفقًا لعدة مصادر تابعة للأمم المتحدة.

وتفاقم «العار» الذي وصم دور الأمم المتحدة في وباء الكوليرا في هايتي بسبب الجهود المبذولة «للطعن في نزاهة» مسؤولي الأمم المتحدة الذين دفعوا «من أجل شكل من أشكال اعتذار الأمم المتحدة وتحمل المسؤولية الأخلاقية على الأقل» عما حدث في هايتي.

وفي ديسمبر (كانون الأول) 2016، أصدر «بان كي مون» في نهاية المطاف اعتذارًا رسميًا لأبناء هايتي بسبب لعب المنظمة دورًا في تفشي وباء الكوليرا، وأقر بأن الأمم المتحدة تتحمل «مسؤولية أخلاقية» لمساعدة الهايتيين على التعافي من الكارثة؛ بالرغم من أنه لم يقبل أبدًا تحمل المسؤولية القانونية؛ مما وفر على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الالتزام بدفع التعويض.

ورد سيربا سواريس بمهاجمة منتقديه، ورفض النتائج التي توصل إليها ألستون باعتبارها «حجة دفاعية». كما شكك في دقة تصوير المعركة البيروقراطية الداخلية حول الاعتراف بمسؤولية وباء الكوليرا في هايتي، وقال «لم يكن هناك خلاف. لقد لعبت دورًا أساسيًا في إقرار صحة ذلك النهج الجديد».

وكتب جيلمور في رسالة وداعه الإلكترونية أنه لا يوجد شيء في تاريخ الأمم المتحدة الحديث «يقترب من الارتباك الأخلاق الذي خيم على استجابتنا للكوليرا في هايتي». لكنه قال إن «العار» تضاعف بفعل الجهود الرامية إلى «الطعن في نزاهة» موظفي الأمم المتحدة. الذين دافعوا عن «شكل من أشكال اعتذار الأمم المتحدة، وعلى الأقل تحمل «المسؤولية الأخلاقية» عما حدث في هايتي.

وأضاف جيلمور «إن منظمتنا تضخم من شأن مطالبتها بالمساءلة من جانب الآخرين. وهكذا فإن الحملة الداخلية غير العادية (التي جرى شنها من أجل إحباط جهود نائب الامين العام إلياسون) التي تضمنت تقديم الحجج القانونية حتى ضد المساءلة المحدودة عن تلك المأساة التي كان يمكن تجنبها، مع الرفض المثير للسخرية للحجج التي تدعم ميثاق الأمم المتحدة وحقوق الهايتيين، قد تصنف باعتبارها أكبر شاهد على النفاق في تاريخنا الممتد على مدار 75 عامًا».

معضلة غوتيريش الأخلاقية

خلال الأشهر الأولى من توليه منصبه، واجه غوتيريش معضلة أخلاقية مماثلة في كوسوفو، حيث اتهمت الأمم المتحدة بتوطين المئات من الأقليات العرقية في مكان بشع للغاية من الناحية البيئية. ووقف غوتيريش إلى جانب المحامين.

في عام 1999 نقلت الأمم المتحدة نحو 600 من الغجر، إلى معسكرات بالقرب من مصنع سابق لصهر الرصاص، حيث أشار السكان إلى تاريخ من المخاوف الصحية. وقالت العائلات التي تعيش في المخيمات: إن العشرات من الأطفال ماتوا من أمراض مرتبطة بالتسمم بالرصاص؛ مما دفع مكتب حقوق الإنسان التابع لبعثة الأمم المتحدة إلى إجراء تحقيق قاسٍ، اتهم المنظمة بالإهمال الجسيم.

ويمضي التقرير الذي نشرته فورين بوليسي إلى أنه في ديسمبر 2016، قبل وقت قصير من أداء غوتيريش اليمين الدستورية أمينًا عامًا، خرج إلياسون ومسؤولون كبار آخرون «بمسودة بيان اعتذار» ليقرأه كبير مسؤولي الأمم المتحدة في كوسوفو، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز». وحصلت «فورين بوليسي» على نسخة من المسودة.

وافق المكتب القانوني للأمم المتحدة في البداية على تقديم اعتذار عن معاملة الغجر، لكنه غيّر وجهة نظره بعد تولي غوتيريش المسؤولية، وفقًا لما أوردته صحيفة «نيويورك تايمز». وأكد مسؤول سابق في الأمم المتحدة هذه الرواية. في مايو (آيار) 2017، أعرب المتحدث باسم غوتيريش عن «أسفه العميق» لمحنة الغجر وأنشأ صندوق تبرعات اتئماني لمساعدة الضحايا، لكنه لم يقدم أي اعتذار ولا تعويض.

سيربا سواريس: لا علم لي بمسودة اعتذار

وقال سيربا سواريس إنه لا يعلم أن الاعتذار كان مطروحًا. وكتب سواريس في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى فورين بوليسي: «قصة (التايمز) زائفة تمامًا. إن موقفي وموقف مكتب الشؤون القانونية الذي هو موقف الأمم المتحدة ظل ثابتا ولم يتغير أبدًا في أي وقت: لم تكن هناك قضية تتعلق بالمسؤولية القانونية للمنظمة. فيما يتعلق بمشروع الاعتذار الذي ذكرته، لم أر مثل هذه المسودة ولم أكن على دراية بوجودها. كانت هذه المناقشة أوسع بكثير إذ شملت كبار المديرين الآخرين، وتضمنت حلولًا بديلة أخرى تتجاوز الحل الذي وصف بطريقة غير صحيحة».

وقال لويس شاربونو، مدير الأمم المتحدة في «هيومن رايتس ووتش»: «يحتاج غوتيريش إلى الاعتراف بهذا». وأضاف شاربونو أنه مهما كانت النصيحة التي تلقاها من محامييه، فقد كان لديه الكثير من المستشارين الآخرين الذين أخبروه أنه من الناحية الأخلاقية كان من الصواب تقديم اعتذار. وأضاف: «لكنه اختار الذهاب في الاتجاه الآخر».

ووقف غوتيريش أيضًا مع محامييه عندما تراجع عن أهم مبادرات سلفة بشأن حقوق الإنسان. وكان «بان كي مون» قد أطلق مبادرة «حقوق الإنسان في المقدمة» في عام 2013 استجابة لمراجعة دامغة خلصت إلى فشل الأمم المتحدة في تعزيز حماية مئات الآلاف من المدنيين المحاصرين في ساحة المعركة في الأشهر الأخيرة من الحرب الأهلية الوحشية في سريلانكا.

منع قتل المدنيين ليست مسؤوليتهم!

مراجعة عام 2012 المريرة، التي أجراها مسؤول كبير سابق بالأمم المتحدة، هو: تشارلز بيتري، اتهمت فريق القيادة التابع للأمم المتحدة في كولومبو بسريلانكا وكبار المسؤولين في نيويورك، بالتقليل من شأن تواطؤ الحكومة السريلانكية في قتل أكثر من 40 ألف مدني في قصف عشوائي. وكتب بيتري أن فريق الأمم المتحدة في سريلانكا «لم يشعر أن منع قتل المدنيين هي مسؤوليتهم، وأن رؤساء الوكالات والإدارات في مقر الأمم المتحدة لم يوجهوهم إلى خلاف ذلك».

تهدف مبادرة الحقوق الجديدة – التي قادها إلياسون – إلى تغيير ذلك. إذ شكًّل وزير الخارجية السويدي السابق – الذي يحمل نسخة متآكلة من ميثاق الأمم المتحدة في جيب معطفه – فريقًا صغيرًا من موظفي الخدمة المدنية في المكتب التنفيذي للأمين العام للترويج لهذه الخطة. ونظموا اجتماعات ربع سنوية رفيعة المستوى لمناقشة حالات الأزمات. ويوضح المقال أنه إذا ما بدأت دولة تتحول إلى الفوضى والعنف، فإن كبار قادة الأمم المتحدة سيعقدون اجتماعات طارئة للتخطيط للرد.

وكتب جيلمور في رسالته الإلكترونية «كانت رؤية وقائية شاملة لضمان ألا تضطر الأمم المتحدة إلى أن تقول (لن يحدث مرة أخرى أبدًا)، كما فعلنا بعد سريلانكا (وللأسف منذ ذلك الحين في ميانمار). كان جهدًا للعودة إلى قيم ميثاق الأمم المتحدة، المتمثلة في: الشجاعة الأخلاقية في التحدث، بالإضافة إلى الاعتراف بأن كل شخص يعمل لصالح الأمم المتحدة يتحمل بعض المسؤولية عن تعزيز حقوق الإنسان».

لكن الدعم للمبادرة تلاشى تحت عيني غوتيريش، على حد قول كاتب المقال. ففي يومه الأول في العمل، دعا غوتيريش كبار مستشاريه لتناول الغداء في قاعة طعام المندوبين في مبنى مقر الأمم المتحدة، حيث تحول النقاش بسرعة إلى حقوق الإنسان.

وشكك سيربا سواريس في  قيمة مبادرة بان، التي صُممت لتشجيع مسؤولي الأمم المتحدة في المجال الإنساني والتنموي والسياسي في الميدان على المجاهرة بقوة أكبر في وجه الفظائع في البلدان التي يتمركزون فيها، وفقًا لمصدرين.

مبادرة «الحقوق الجديدة» لم تلق ترحيبًا من الدول الكبرى

لم تكن المبادرة موضع ترحيب لدى العديد من الدول الأعضاء الرئيسين، بما في ذلك الصين وروسيا، اللتان كانتا تسعيان لخنق التمويل المقدم لفريق صغير في مكتب الأمين العام كان يقود المبادرة. وجادل سيربا سواريس – الذي انتقد المبادرة في السابق بسبب إثارة التوتر في علاقات الأمم المتحدة مع الدول الأعضاء – بأنها مجرد تكرار للدور الذي تقوم به وكالات الأمم المتحدة الأخرى في مجال حقوق الإنسان ويجب التخلي عنها، وفقًا لثلاثة مصادر. وبعد أكثر من عام أغلق غوتيريش المكتب بعد أن نجحت موسكو وبكين في عرقلة تمويله. ورفض غوتيريش عرضًا من مجموعة من الحكومات الإسكندنافية لتغطية التكاليف.

بيد أن قرار الأمم المتحدة بإغلاق مكتب الحقوق التابع لمكتب الأمين العام مثل ضربة لجهود إلياسون وفريقه لتوفير التشجيع والغطاء السياسي للعاملين في الأمم المتحدة في الميدان للفت الانتباه إلى انتهاكات حقوق الإنسان.

كما سلط إغلاق المكتب الضوء على تأثير المكتب القانوني للأمم المتحدة في تشكيل نهج المنظمة تجاه بعض أكثر القضايا السياسية والأخلاقية حساسية، من الدفاع عن حقوق الإنسان إلى تحديد مسؤولية الأمم المتحدة عن أعمال أكثر من 100 ألف من موظفي الأمم المتحدة المنتشرين في أنحاء العالم.

ويتذكر جيفري فيلتمان، وهو مساعد سابق للأمين العام للشؤون السياسية، الذي دافع عن مبادرة الحقوق أثناء غداء في الثالث من يناير ( كانون الثاني) 2017 : «كان هناك تشكيك من الفريق الجديد والفريق القديم. المستشار القانوني لم يدرك قيمة هذا الأمر». وقال جيلمور: إن «الجهود المستمرة لتشويه سمعة» مبادرة حقوق الإنسان جاءت من «نفس الأصوات التي قاومت قبول أي مساءلة عن هايتي».

لم يذكر جيلمور أي فرد يعتقد أنه يتحمل مسؤولية الحد من التزام الأمم المتحدة بحقوق الإنسان في بريده الإلكتروني الخاص بالخروج من المنظمة. لكن العديد من المصادر التي تتخذ من الأمم المتحدة مقرًا لها قالت: «إن سيربا سواريس عارض المبادرة منذ وقت طويل»، قائلًا: إنها «سوف تثير غضب الدول الأعضاء».

بيد أن سيربا سواريس تحدى هذا التقرير وقال إن ما يذكره عن هذا الغداء مختلف. وقال إنه لم يعارض المبادرة علانية – بالرغم من أنه أثار مخاوف بشأن ما اعتبره عيوبها. وقال لمجلة فورين بوليسي «كان الحديث مختلفًا تمامًا» عن ذلك الموضح في التقرير أعلاه. وأضاف: «قلت إننا بحاجة إلى تحديد (حقوق الإنسان في المقدمة) على نحوٍ أكثر وضوحًا… لأنني حتى سأواجه صعوبة في شرح المحتوى».

عندما أشار فيلتمان إلى أنه «سيكون أشبه بنظام إنذار مبكر بشأن انتهاكات حقوق الإنسان»، قال سيربا سواريس إنه رد عليه قائلًا: «هذا جيد. هذا منطقي وهو واضح للناس».

غير أن العديد من مسؤولي الأمم المتحدة يعتقدون أن المقاومة المتزايدة لمبادرة الحقوق في مكتب غوتيريش مثلت عملًا مبكرًا من أعمال الاستسلام لسياسات القوى الكبرى وقوى القومية والشعبوية التي تجتاح العالم بأسره، مع وجود جيل جديد من القادة الاستبداديين الأقل رغبة في قبول انتقاد الأمم المتحدة لمعاملتها لمواطنيها، وفقًا لمسؤولي الأمم المتحدة السابقين والحاليين.

قال فيلتمان: «لقد استهنت حقيقة بحجم العداء لهذه المبادرة. اعتقدت أنه بمجرد أن يدرك الأشخاص في الطابق الثامن والثلاثين لماذا تعد هذه المبادرة شيئًا إيجابيًا، سيتوقفون عن معارضتهم، ولكني كنت مخطئًا». (الأمين العام وموظفوه التنفيذيون موجودون في الطابق 38 من مبنى مقر الأمم المتحدة).

وأضاف «في الاجتماعات اللاحقة، كان أي نص مكتوب يشير إلى حقوق الإنسان في المقدمة تنتزعه أيدي قاطعني الطابق 38. وهكذا أصبحت مبادرة الأمم المتحدة التي لن يكون لها اسم».

مستشارو غوتيريش يردون

ورد مستشارو غوتيريش على المزاعم بأن الأمم المتحدة كانت تتراجع عن الدفاع عن حقوق الإنسان، قائلين: إن غوتيريش ملتزم التزامًا عميقًا باتباع مسار براجماتي لحقوق الإنسان منذ أيام عمله كمفوض سامٍ لحقوق الإنسان، ويبحث عن طرق تتسم بالحصافة لتحفيز الدول التي تنتهك حقوق الإنسان، مثل  الصين والسعودية على إصلاح أساليبها دون تنفيرها. وأشاروا إلى أنه يحث القيادة الصينية بانتظام على احترام حقوق الإنسان. وما زالت المبادئ التي تقوم عليها مبادرة بان لحقوق الإنسان موضع احترام.

وقال ترك، المسؤول في مكتب الأمين العام الذي أرسل إليه جيلمور رسالة البريد الإلكتروني الخاصة بالاستقالة: «هناك هذه الخرافة التي جرى الترويج لها والتي تقول إن وضع حقوق الإنسان في المقدمة قد انتهى».

وأضاف أنه على العكس من ذلك، فإن «المبادئ المتضمنة في المبادرة» جرى «دمجها» في العمل اليومي للأمانة. وأكد أن الأمين العام وضع حقوق الإنسان في قلب كل ما يفعله. وأوضح أن الفرق هو أن غوتيريش أنشأ نظامًا على الطراز الوزاري يتكون من اجتماعات منتظمة لرؤساء الوكالات ونواب رؤساء الوكالات، تضم ممثلًا عن مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، يدمج بدوره حقوق الإنسان في كل قرار.

واختتم ترك كلامه بقوله: «لقد خضنا عملية صارمة أنشأها الأمين العام الحالي. وعلينا استخدام جميع الأدوات المتاحة، وهذا ليس دفاعًا عامًا بحتًا».

** نشر هذا المقال تحت عنوان :

U.N. Chief Faces Internal Criticism Over Human Rights

الكاتب  COLUM LYNCH

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى