ترجمات أجنبية

فورين بوليسي – بقلم سيث فرانتزمان – القبة الحديدية الإسرائيلية لن تدوم

فورين بوليسي –  بقلم سيث فرانتزمان – 3/6/2021

إن الحرب الأخيرة في غزة ، والتي استمرت 11 يوما وانتهت بوقف إطلاق النار، مع التحضير للجولة المقبلة، كشفت عن محدودية أحد الأعمدة الاستراتيجية الدفاعية الإسرائيلية: القبة الحديدية.

وبالنسبة لإسرائيل فقد كان العامل الرئيسي في نجاحها هو نظام القبة الحديدة، نظام الدفاع الجوي الذي يستخدم الردارات والصواريخ لاعتراض الصواريخ وتهديدات أخرى. وهو ما قلل من عدد الإصابات بين الإسرائيليين وحماهم من 4.340 صاروخا أطلق من غزة.

زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس إلى واشنطن ولقائه مع وزير الدفاع الأمريكي أوستن لويد لطلب مساعدات عسكرية عاجلة بقيمة مليار دولار لإعادة تزويد القبة بالصواريخ التي استخدمتها في الحرب الأخيرة.

 النزاع الأخير مختلف عن النزاعات السابقة في 2009 و2012 و2014، كما هو مختلف عن مواجهات استمرت لأيام في 2018 و2019.

وما يجعل الجولة الأخيرة مختلفة هي كمية الصواريخ التي أطلقتها حماس وعدم قدرة إسرائيل على الرد بالمثل. وترى حماس وداعمتها إيران أن الحرب الأخيرة تعتبر ناجحة حيث استطاع أكثر من 60 صاروخا اختراق المظلة الدفاعية الإسرائيلية، وكانت قادرة على استخدام وابل من الصواريخ لضرب البنى الإستراتيجية. وذكر تلفزيون “برس تي في” الإيراني في 14 أيار/مايو أن حماس كانت قادرة على استهداف بطاريات القبة الحديدية.

وفي عدد من الرشقات الصاروخية تم ضرب أعداد من الصواريخ.. 140 صاروخا في عدة دقائق والتي ظهرت في سماء تل أبيب وأسدود وعسقلان و”شوهد عددا من الضربات الصاروخية الضخمة من الطريق السريع قرب غزة. وشكل الدخان الأبيض المنطلق من المعترضات للصواريخ في القبة الحديدية رسما في السماء أشبه بلوحة من لوحات جاكسون بولوك. وكان أمرا مثيرا للإعجاب ولكنه مثل محدودية عملياتية لاستخدام هذا النظام الدفاعي الجوي”.

وكانت الرسالة بعد الحرب هي أن النظام الدفاعي الجوي لن يستطيع في يوم ما منع أعداد كبيرة من المقذوفات الصاروخية. و “قد لا تعترف إسرائيل بهذا لكن هناك ذروة استراتيجية لهذه التكنولوجيا”.

ويحتفل نظام القبة الحديدية بعامه العاشر هذه السنة، وقبل الحرب الأخيرة في غزة اعترض النظام أكثر من 2.500 صاروخ. وتم تطويره من وزارة الدفاع الإسرائيلية ومنظمة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية لمواجهة الأخطار النابعة من حزب الله بعد حرب 2006 والتعامل مع التهديدات النابعة من حماس التي سيطرت على القطاع عام 2007، وأصبحت حجر أساس للنظام الصاروخي الإسرائيلي المتعدد الطبقات.

وصمم النظام منظومة رفائيل الدفاعية المتقدمة ويحصل النظام الآن على دعم من الحكومة الأمريكية التي زودته الآن ببطاريتين.

وتقول إسرائيل إن نظام القبة الحديدية لديه 90% من النجاح في اعتراض الصواريخ. ولم تقل الحكومة كم من الصواريخ التي تم اعتراضها، ولكنها قالت في 15 أيار/مايو إنها اعترضت ألف صاروخ تقريبا من 2.300.

وفي أيار/مايو 2019 عندما أطلق 290 صاروخا تم اعتراض 240 منها. ولكن بطاريات القبة الحديدية ليست نهائية ولا المعترضات. والمفهوم المتعلق بالقبة الحديدية هو أنها تحمي المدنيين وتعطي الساسة الإسرائيليين الفرصة لاتخاذ ما يجب عمله بدون اجبارهم على خوض حرب برية.

وفي هذه المرة دخلت إسرائيل الحرب بخطة تكتيكية اعتادت عليها: ضرباتجوية دقيقة واستخدام ذخيرة مثل الأمريكية “ذخائر الهجوم المباشر المشترك”.

ولكن التداعيات الدولية على إسرائيل هي نكسات استراتيجية قللت من قوة الردع الإسرائيلية على الجماعات الوكيلة لإيران وسط الصور التي أظهرت إسرائيل وهي تطلق العنان لطيرانها وتقتل المدنيين رغم دقة الهجمات.

ورغم سنوات من جمع المعلومات الاستخباراتية عن المواقع التي هاجمتها إلا أن النتيجة تلخص كيف أن إسرائيل ونظامها الصاروخي الدفاعي كالقبة الحديدية بات بدون استراتيجية طويلة المدى. وبالنسبة للمراقبين فحروب غزة تتداخل معا لأنها “ضربات المعلم” متشابهة ولكن الجولة الأخيرة تعلم نهاية مرحلة. ورغم ما فعلته القبة الحديدية من منع إمطار الصواريخ على تل أبيب وعسقلان وأسدود وبقية المدن إلا أن ما اتضح هو عدم وجود حل شامل للمشكلة التي تمثلها حماس التي تسيطر على القطاع وإطلاق الصواريخ منه. وهذا المأزق خلق وضعا متناقضا لإسرائيل لا يمكنها الهروب منه. فمن جهة، لن ترفع إسرائيل الحصار عن غزة حتى تترك حماس القوة وتتوقف عمليات تهريب السلاح. ومن جهة أخرى، تواصل دول مثل إيران تزويد حماس بالأسلحة والمعلومات التكنولوجية وتوسيع ترسانة صواريخ حماس. وتريد هذه من استخدام غزة كنقطة انطلاق للسيطرة الضفة الغربية التي تديرها السلطة الوطنية المعترف بها دوليا. وأجلت السلطة الانتخابات في نيسان/أبريل والتي كانت الأولى منذ أكثر من 16 عاما، وهو ما يفسر توقيت حماس للمواجهة من أجل تعزيز صورتها المتراجعة. وأعطت إسرائيل المبرر لحماس عندما أرسلت الشرطة إلى المسجد الأقصى في 9 أيار/مايو والذي تزامن مع ليلة القدر أهم ليالي رمضان.

والسؤال ماذا تغير منذ 10 أيار/مايو؟.

يقف نتنياهو أمام منظور خسارة السلطة بعد فشله في تشكيل الحكومة وعدم حصوله على أغلبية في الكنيست بعد أربع جولات انتخابية. وأعلنت الأحزاب المعارضة له عن نجاحها في تشكيل حكومة ائتلاف. أما حماس فتعتقد أنها حولت التوتر حول القدس إلى نجاح كبير. وتباهت بأن لديها مئات الأميال من الأنفاق وكانت خسائرها طفيفة. وتقول إسرائيل إنها أثرت على قدرة حماس من خلال تدمير 60 ميلا من الأنفاق التي استخدمتها لنقل الذخيرة واستهدافها لعدد من قادتها. وفي الخارج حذرت السفارات الإسرائيلية بأن عدد الموظفين لديها قليل ولا تستطيع التعامل مع تداعيات الحرب. وربما تعرض نجاح إسرائيل العام الماضي في عقد اتفاقيات تطبيع مع دول عربية لنكسة. وفي نفس الوقت قالت منافسة إسرائيل إيران بأن “الكيان الصهيوني ينهار”. وكابوس إسرائيل في حرب متعددة الجبهات يقف منتظرا في الزاوية ويعرف أعداؤها هذا. فالقبة الحديدية كانت ردا تكتيكيا على تهديد إقليمي حقيقي.

وتتوقع إسرائيل إطلاق حزب الله ألفي صاروخ في يوم واحد بالحرب المقبلة. وقامت إسرائيل بمناورات لضرب 3 آلاف هدف في الحرب المقبلة وفي يوم واحد. وعززت من قدراتها الدفاعية المتعددة تحسبا لهذا السيناريو. فالحرب الأخيرة مع حماس أثبتت أن القبة الحديدية وإن عملت كما كان متوقعا، فليست العصاة السحرية لتحقيق النصر في الحرب أو ردع العدو. كما أن عقيدة الغارات العسكرية الدقيقة خلفت وراءها ضحايا مدنيين في غزة. ولم تكن هذه الحصيلة مقبولة دوليا مما زاد من الضغط على إسرائيل لوقف الحرب. وفي النهاية جنبت القبة الحديدية إسرائيل خوض معارك برية في العقد الماضي، لكنها ربما وصلت ذروتها الاستراتيجية مما يعني حاجة القيادة العسكرية لخطة حرب جديدة.

* سيث فرانتزمان مؤلف كتاب “بعد تنظيم الدولة: أمريكا إيران والصراع على الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى