ترجمات أجنبية

فورين بوليسي – بقلم ريتشارد فونتين – المنافسة على الفيروسات تُحطم آمال التعاون ما بين الصين وأمريكا

ريتشارد فونتين – مجلة الفورين بوليسي – 20مارس 2020 
ترجمة : هالة أبو سليم
جهود مواجهة فيروس الكورونا معركة جديدة – بكين وحدها في الصدارة  
 تغيرت السياسة  الخارجية الأمريكية خلال السنوات الماضية حيال المسألة الصينية ، حتى ان الصقور في الإدارة الأمريكية  اصبحوا يوافقون عل احتمالية التعاون، فالقضايا المحورية مثل تغير المناخ، ومنع الانتشار النووي تُشكل تحدى لكل الدول وتتطلب تعاوناً، حتى بين الخصوم. ففي حين تتنافس الولايات المتحدة والصين بشراسة، لا ينبغي للخصومة ان تمنع التعاون عندما تملي ذلك المصالح. فمكافحة هذا الوباء الذي يهدد العالم يجب ان يكون المثال النموذجي للتعاون بين بلدين متنافسين مثل الصين وأمريكا ، ولو بصورة مؤقتة . فقد اصبحت مكافحة وباء “كوفيد ١٩” سمة من سمات التعاون بين الدول العظمي  وليس استثناء.      
فقد اتخذت الحكومات قرارات بشأن الحدود، وبروتوكولات الدخول، وحظر التصدير، وتدابير مراقبة السكان، بشكل خاص بمفردها وبأقل قدر من التشاور. وعقد زعماء مجموعة الدول السبع اجتماعاً عاجلا، وأصدرت القمة يوم الإثنين بيانا ملئ بتعهدات مجردة بالتنسيق، دون أية التزامات محددة.
ومن الجدير بالذكر فقد تجاوزت بكين محاولات  الإقصاء الأمريكية، واستطاعت تنفيذ خطة نجحت في وقف انتشار الفيروس في ووهان لأسابيع، ورفضت عرض المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية بإرسال فريق من الخبراء. وحاولت وزارة الخارجية الصينية  تخفيف أي قدر من القلق  الشعبي  إزاء رد الحكومة بتوجيه انتقادات شديدة إلى الولايات المتحدة، فانتقدت هذه الاستجابة باعتبار انها تنشر الخوف و الهلع  ولا ترسل المساعدة.
وبمجرد أن انخفضت حالات العدوى في الصين وارتفعت خارجها، بدأت بكين في تعزيز استجابتها،  واستطاعت أن تبني مستشفى في غضون بضعة أيام، متجاوزة الاستجابة البطيئة للديمقراطيات  الكبرى، مثل الولايات المتحدة.
وبدأ مسئوليها، مثل المتحدّث باسم وزارة الخارجيّة زهاو ليان، في الترويج للإشاعة الفظيعة ان الجيش الأمريكي  هو من جلب الفيروس   إلى الصّين، بدلاً من الفيروس الذي ينتشر إلى الخارج من الصّين. وهبطت الطائرات الصينية المملوءة بالمساعدات الطبية في إيطاليا وأسبانيا .
وكانت استجابة واشنطن للوباء سبباً أيضاً في تعزيز الشعور بالمنافسة، ولكن لأسباب مختلفة تماما، حيث أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في وقت مبكر على اغلاق  الحدود الأمريكية  أمام الرعايا الأجانب الذين عادوا  مؤخراً إلى الصين، وأعرب مسؤولون في إدارته بشكل خاص عن انعدام الثقة في عدد الحالات التي أبلغت عنها الحكومة الصينية. والآن يراقبون بشيء من الخوف ، في حين تحاول بكين تحويل استجابتها ـ، مطالبات النجاح في الداخل، وعروض المعونة المقدمة إلى آخرين ــ  تحول الأمر إلى ميزة تنافسية وكانت خلفية هذه الاستجابات التحول نحو منافسة حادة بين الولايات المتحدة والصين. 
ففي أعقاب الأزمة المالية العالمية في عام 2008، واكتشاف الضعف داخل  الولايات المتحدة، تخلت الصين على نحو متزايد عن استراتيجيتها السابقة المتمثلة في بناء القوة الاقتصادية في حين تعمل على تعزيز قوتها على المستوى الدولي.
وأصبحت بكين أكثر حزماً بعد تولي شي جين بينج السلطة العليا في عام 2012 و2013، والعسكرة  في بحر الصين الجنوبي، والشروع في مبادرة البنية الأساسية غير الليبرالية للحزام والطريق، والتحرش بالحكومات في مختلف أنحاء آسيا، وتوظيف الأدوات الاقتصادية القسرية، والسعي إلى الحصول على ميزة تكنولوجية في الولايات المتحدة وغيرها .
في الماضي كانت أفضل أيام الغرب، كما قال مسؤولون لنظرائهم الأميركيين؛ فقد حان وقت الصين. ومع مراعاة هذه التطورات، اعترفت  إدارة ترامب  ان الصين تُعد التهديد الأول على المدى الطويل للأمن القومي الأمريكي. في المقابل بكين غير مهتمة بعداوة إعلامية متبادلة مع الولايات المتحدة ـ بل إنها سوف تتجه نحو تهدأة التصعيد. 
هذه الحالة المشوشة لها تأثيران رئيسيان على السياسة الأمريكية: 
الأول: أن فكرة حماية جزر التعاون في بحر من المنافسة بين الولايات المتحدة والصين سوف تكون بالغة الصعوبة. وقد يكون من الأسهل أن نصوغ التعاون في مجالات تقتصر على مجال الخبراء، مثل أنظمة منع الانتشار النووي أو  مواجهة  سياسة كوريا الشمالية. ولكن في مجال   مثل  مواجهة  فيروس  كورونا  ــ حيث تحرص الحكومة الصينية على القضاء على أي تلميح إلى السخط الشعبي في مهده ــ سوف يكون الإغراء ساحقاً بالنسبة لبكين لتصوير الولايات المتحدة باعتبارها مفترسة لا رحمة لها، وهي ذاتها منقذ للخير.
وقد يكون من الأسهل أن يقال ببساطة إن امريكا تعارض المخططات الصينية في بحر الصين الجنوبي، أو مبادرة الحزام والطريق، أو قمعها اليوغور في شينجيانج في حين تعمل في نفس الوقت مع بكين لمعالجة الانحباس الحراري العالمي، وتثبيت استقرار الاقتصاد العالمي، ووقف الأمراض الوبائية ــ وخاصة مع اشتداد تأثير هذه الأزمات وتبحث قيادات الحزب عن جهة خارجية تتحمل المسؤولية .
والمعنى الضمني الثاني هو أن النهج الذي تتبناه الصين في التعامل مع أزمة الفيروس  يمثل الاستجابة العالمية ذاتها باعتبارها منطقة جديدة من المنافسة. وهذا ليس بالأمر السيئ بالضرورة؛ ذلك أن قوتين عظميين تتمندان إلى إلحاق الهزيمة على نحو أفضل بالتهديد العالمي ومساعدة أولئك الذين يعانون منه من الممكن أن يسفر عن نتائج أكثر لياقة من تلك التي قد تسفر عنها كل منهما في النهاية. ورغم ذلك فإن بكين هي الوحيدة في هذه اللعبة الآن. والواقع أن فشل واشنطن في الاستجابة السريعة الفعّالة في الداخل ــ وصراعاتها الواضحة لجعل الاختبار واسع النطاق ــ يركز الآن على الحماية في الداخل وليس القيادة في الخارج. فالولايات المتحدة لا تقود الجهود الدولية بأي طريقة واضحة، ولا تقدم المساعدة لأكثر الفئات ضعفاً، ولا تدفع بقوة إلى الوراء في مواجهة الزعم السخيف بأن الأميركيين قد نشروا الفيروس  لأول مرة. ويبدو أن استجابة الولايات المتحدة حتى الآن تقتصر إلى حد كبير على إشارة ترامب أحياناً إلى “فيروس الصين”: إن مكافحة الفيروس عبارة عن عمل ضخم جدير بالثناء في حد ذاته.
هذه الصورة  تضاف إلى انحدار الولايات المتحدة ، التي لديها مشكلها  على الجبهة الداخلية، وتبث قدراً ضئيلاً من الثقة في أماكن أخرى. ويتعين على إدارة ترامب المثقلة بالأعباء بالفعل أن تستيقظ على هذا الواقع وتستجيب له، قبل أن تصبح الأحداث والعقليات أكثر رسوخا.
 لعلها  أيضاً سمة من سمات المنافسة الجيوسياسية. إن السرد الرئيسي المفضل في بكين يصور الصين الحاسمة الكريمة التي تنتصر على المرض في الداخل وتساعد أولئك الذين ما زالوا عُرضة للخطر في الخارج.
ريتشارد فونتين : رئيس مجلس ادارة مركز امريكا الجديدة .عمل في وزارة الخارجية الامريكية في عهد الرئيس الامريكى بوش .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى