ترجمات أجنبية

فورين بوليسي – بقلم إدواردو كامبانيلا – هل انتهت أوبك؟

مجلة «فورين بوليسي» – بقلم  إدواردو كامبانيلا  –23/11/2020  

 الأزمات التي تمر بها منظمة أوبك وآفاق المستقبل بالنسبة للكارتل الذي شهد تغييرات كثيرة على مر السنين. ويرى الكاتب أن أوبك بلس يمكنها أن تكون عامل استقرار في سوق الطاقة وأن تشرف على عملية التحول إلى الطاقة المتجددة.

في سبتمبر (أيلول)، مضى على تأسيس منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) 60 عامًا، وهي الذكرى السنوية التي تأتي في لحظة حرجة من تاريخ هذه المنظمة. وفي حين أن سلطتها على أسعار النفط تعاظمت وتضاءلت باستمرار طوال تاريخها، لم يكن وجودها موضع تساؤل على الإطلاق إلا قبل تفشي جائحة كوفيد-19. وبعد ترددٍ مبدئي وحسابات خاطئة للغاية، قَبِلت أوبك على مضض أن تلعب منذ أبريل (نيسان) دور عامل استقرار السوق لإنقاذ صناعة النفط التي كانت على وشك الانهيار. والآن، وهي تنظر إلى ذروة الطلب وبيئة طاقة أكثر تنافسية بكثير مما كانت عليه في الماضي، يجب على أوبك أن تضع جانبًا طموحات احتكار القلة، وأن تتطلع إلى العمل بالأساس باعتبارها ثقل توازن.

 على مدى العقود الستة الماضية، تطور سوق النفط تطورًا كبيرًا على جانبي العرض والطلب على حد سواء، مما أجبر أوبك على التكيف باستمرار، حتى عندما بدت كما لو كانت قد عفا عليها الزمن. ولكن، كما يقول روبرت كوهان، الأستاذ في جامعة برنستون، نادرًا ما تموت المؤسسات الدولية: «من الأسهل الحفاظ عليها بدلًا من إنشائها». وهكذا، استمرت أوبك من خلال ثلاث مراحل موسعة.

توقف الإنتاج في 1973 أدى إلى معاناة الاقتصادات الغربية

في المدة بين عامي 1960 و1980، عملت أوبك بوصفها منافسًا جيوسياسيًّا. وجزءًا من عملية إنهاء الاستعمار التي بدأت بعد الحرب العالمية الثانية، أراد الأعضاء المؤسسون، وهم إيران والعراق والكويت والمملكة العربية السعودية وفنزويلا، استعادة السيطرة على احتياطياتهم النفطية، التي كانت في ذلك الحين تحت السيطرة الفعلية لحفنة من الشركات الغربية المتعددة الجنسيات. وفي عام 1973، عندما توقف منتجو النفط في تكساس عن مواكبة الطلب المحلي الأمريكي المتزايد، نجح الكارتل في تركيع الاقتصادات الغربية انتقامًا من دعم واشنطن لإسرائيل خلال حرب أكتوبر.

هذه الصدمة النفطية الأولى، التي أعقبتها صدمة ثانية في عام 1979 أطلقتها الثورة الإيرانية، دفعت المستهلكين الغربيين إلى البحث عن مصادر طاقة بديلة وتحسين كفاءة الطاقة ومحاولة تقليل اعتمادهم على النفط. وكما يقول أحد المحللين: «عندما يرتفع سعر شيء ضروري مثل النفط، تقوم البشرية بأمرين: إيجاد المزيد منه وإيجاد طرق لاستخدام كم أقل منه». وسرعان ما واجهت أوبك ليس انخفاضًا في الطلب فحسب، ولكن واجهت أيضًا المزيد من براميل النفط القادمة من المنتجين من خارج أوبك مثل ألاسكا والمكسيك والنرويج والاتحاد السوفييتي.

الغش والاقتتال الداخلي والمنافسة الخارجية

وفي المدة من 1980 إلى 2000، استجابت أوبك للتحديات وحاولت أن تتحول إلى كارتل. وفي هذه المرحلة الثانية، حاولت -ولكن ليس بنجاح كبير- التصرف على أنها كارتل مناسب، واستهدفت أعلى سعر وأدنى سعر، مع تعديل الإنتاج وفقًا لذلك. وأجرت السعودية، زعيمة أوبك بلا منازع، معظم التعديلات. ولا يمكن للأسعار أن ترتفع بسرعة كبيرة، لأن الطلب العالمي سوف يضعف. لكن لا يمكن تقليلها تقليلًا حادًّا كذلك لأن الإيرادات ستتأثر سلبًا.

ومن الناحية النظرية، كان المقصود من حصص الإنتاج، التي استُحدِثت لأول مرة في عام 1982، أن تكون بمثابة آلية متابعة لجانب المعروض للمساعدة في الحفاظ على الأسعار الفورية ضمن النطاق المطلوب. وفي الواقع، أدَّى الغش والاقتتال الداخلي والمنافسة الخارجية إلى تقويض فعالية استراتيجية أوبك.

الصين تنقذ أوبك

 صعود الصين المتعطشة للنفط في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين هو الذي ساعد الكارتل من خلال رفع الأسعار إلى مستويات قياسية – حيث اقترب مؤشر خام غرب تكساس الوسيط، وهو أحد المؤشرات العالمية الرئيسة، من 150 دولارًا للبرميل في عام 2008.

وفي هذا المرحلة الثالثة، وحتى عام 2014، لعبت أوبك إلى حد ما دور المراقب السلبي للسوق (مع محاولة قصيرة لتكون أكثر نشاطًا خلال فترة الركود الكبير). وطالما استمر الطلب على النفط في النمو، استمرت الأسعار كذلك، ولم تكلف أوبك نفسها عناء التدخل. ولكن مع بداية ثورة النفط الصخري في الولايات المتحدة في عام 2014، شهدت أوبك مرةً أخرى تآكلًا في قوة احتكار القلة التي كانت تتمتع بها. ومنذ ذلك الحين، تسعى المنظمة جاهدةً لإيجاد دور جديد.

ميلاد أوبك بلس

في البداية، بدت السعودية غير راغبة في التصرف بصفتها منتجًا مُرجِّحًا – أي تُخفِّض الإنتاج أو تزيد منه لتحقيق الاستقرار في الأسعار العالمية – لإخراج المنتجين الأمريكيين من السوق. وخلال المدة من 2014 حتى أوائل 2016، انخفضت أسعار النفط من 110 دولارات تقريبًا للبرميل إلى 29 دولارًا تقريبًا. لكن في عام 2016، أجبر نزيف الأموال العامة أوبك على الدخول في تحالف غير مريح، يسمى أوبك بلس، مع روسيا وعدد من الدول داخل مدارها الجغرافي السياسي، في محاولة لمواجهة التهديد الأمريكي. لكن هشاشة أوبك بلس أصبحت واضحة للغاية خلال أزمة كوفيد-19.

وبالنسبة لأي كارتل، يمثل فرض الالتزام بالحصص المتفق عليها دائمًا التحدي الرئيس لأوبك التي تتمثل مهمتها في تثبيت أسعار النفط من أجل تعظيم الإيرادات للحكومات المعتمدة على الطاقة. وعندما تحولت أوبك إلى أوبك بلس، قفزت عضويتها من 13 دولة إلى 24 دولة، مما جعل التنسيق أكثر صعوبة، لا سيما بين منافسيْن مثل السعودية وروسيا. وأرادت الرياض أن يصبح هذا التحالف دائمًا، مع الإصرار المستمر على خفض الإنتاج. وبدلًا من ذلك، أرادت موسكو شراكة مؤقتة، حيث أظهرت درجة من القبول لزيادة الإنتاج وخفض الأسعار.

ولكن عندما بدأت جائحة كوفيد-19 في الانتشار في جميع أنحاء العالم في مارس (آذار)، تبلورت جميع الاختلافات وظهرت على السطح فجأة. وأدَّى الفشل الأولي لأوبك بلس في إبرام اتفاق لخفض الإنتاج في مواجهة تداعي الطلب إلى نشوب حرب أسعار انتهت بهبوط مؤشر نفط غرب تكساس الوسيط إلى أعماق المنطقة السلبية للمرة الأولى على الإطلاق مع امتلاء سعة التخزين تقريبًا.

وبعد أن تعلمت الدرس بالطريقة الصعبة، توصلت أوبك بلس في أبريل إلى اتفاق دبلوماسي غير مسبوق، حيث وافقت على خفض الإنتاج بما يصل إلى 9.7 مليون برميل يوميًّا (ما يقرب من 10% من الإنتاج العالمي)، مع الحصول على دعم دول مجموعة العشرين الأخرى. ومع تحسن الطلب، وكما تقرر في الأصل، جرى تخفيف الضوابط على الإنتاج قليلًا في أغسطس (آب) ومن المرجح أن يجرى تأكيدها عند هذا المستوى الأسبوع المقبل بمناسبة الاجتماع السنوي لأوبك بلس.

آلية لفرض الالتزام بالحصص

 حتى الآن، يُعد الالتزام بالاتفاق الذي يفرض تخفيضات كبيرة على الإنتاج في الاقتصادات الهشة المعتمدة على النفط باهظ التكلفة، بما يقارب 100%. ولا يرجع هذا إلى المخاوف من اندلاع حرب أسعار جديدة فحسب، ولكن يرجع أيضًا إلى تبني آلية تجبر الموقِّعين غير الممتثلين على التعويض عن الزيادة في الإنتاج السابق بتقليل إنتاج حصتهم لعدد معين من الأسابيع التي تلي ذلك. وهذه هي الطريقة الأكثر فعالية التي وجدتها أوبك حتى الآن لردع الغش. وفي الوقت نفسه، فإن الالتزامات ذات المصداقية والاستراتيجية التي يجرى إيصالها على نحو جيد لتراجع قيود الإنتاج قد حددت توقعات السوق وأبقت على استقرار الأسعار نسبيًّا.

 استجابة أوبك بلس خلال جائحة كوفيد-19 يجب أن تكون نموذجًا لأنشطتها في المستقبل. ولا ينبغي أن تكون عامل استقرار للسوق خلال الأزمات الحادة فحسب. وفي السنوات القادمة، ستشرف على الانتقال من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة. وأدَّت الجائحة إلى تسريع اتجاهات التنقل وتنظيم العمل بما يؤدي بالفعل إلى انخفاض الطلب على النفط. وعلاوةً على ذلك، على الرغم من التحديات التي يفرضها الكونجرس المرجح أن يكون منقسمًا، يظل تحويل الاقتصاد الأمريكي ليصبح أكثر اخضرارًا أولوية لإدارة بايدن. كما تحاول الصين وأوروبا فِطَام أنفسهما عن النفط.

هل يتطور تحالف أوبك بلس؟

ونتيجةً لذلك، سوف يتراجع الطلب العالمي. ولتجنب حدوث انخفاض حاد في الأسعار، يتعين أن يتكيف المعروض باستمرار لموازنة السوق ووضع حد أدنى لأسعار النفط. ولا يمكن إلا لتحالف مثل أوبك بلس، يمثل حوالي 45% من الإنتاج العالمي، أن يضمن درجة الاستعداد اللازمة لتعويض فوائض الإنتاج. والمنتجون الأمريكيون كثيرون وأقل من أن يتعاونوا. ولهذا السبب، يجب أن تتطور أوبك بلس من تحالف مؤقت إلى منظمة مناسبة لتشكيل توقعات السوق على نحو موثوق.

وسيكون تحديد أدنى سعر أمرًا أساسيًّا للحد من تقلبات السوق والحفاظ على الصحة المالية للصناعة وتجنب الاضطرابات السياسية في مناطق رئيسة مثل الشرق الأوسط. ولن يعني هذا ارتفاع الأسعار على نحو خاص، لأن أي محاولة لتخفيض الإنتاج تخفيضًا حاد للغاية وبما يتجاوز متطلبات السوق من شأنه أن يشجع منتجي النفط الصخري اليقِظين في الولايات المتحدة على بدء العمل وزيادة الإنتاج، وبذلك تنخفض الأسعار مرةً أخرى. بعبارة أخرى، في سياق السوق التنافسي الحالي، تُعد أوبك بلس في وضع يمكنها من تحديد أدنى سعر، بينما يحدد منتجو النفط الصخري في الولايات المتحدة أعلى سعر.

منتدى لتبادل المعلومات المهمة

وإذا أدارت أوبك بلس أمورها على نحو صحيح، فقد ينتهي بها الأمر إلى أن تصبح منتدى ذا شأن لتبادل المعلومات المهمة ومشاركة أفضل الممارسات بين الدول الأعضاء لجعل اقتصاداتها أقل اعتمادًا على العائدات من صادرات النفط الخام، مع إعداد نفسها لتكون لاعبًا رئيسًا في الاقتصادات الخضراء أيضًا.

 تحالف أوبك بلس يظل تحالفًا هشًا. وأعضاؤه في الغالب منافِسون جيوسياسِيون ويحكمون مجتمعات شديدة الانقسام، مما يخلق أرضًا خصبة لتضارب المصالح. لكن يجب أن تؤخذ الجائحة باعتبارها فرصة لإعلان بداية جديدة للمنظمة.

* إدواردو كامبانيلا، زميل مستقبل العالم في مركز إدارة التغيير بجامعة آي إي في مدريد،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى