ترجمات أجنبية

فورين بوليسي- بقلم أريان طباطبائي- كيف سترد إيران على عملية اغتيال أخرى رفيعة المستوى؟

 «فورين بوليسي» – بقلم  أريان طباطبائي  – 30/11/2020

سيؤدي مقتل محسن فخري زاده ، وهو عالم نووي بارز ، إلى تعقيد جهود إدارة بايدن القادمة لتجديد الاتفاق النووي – وقد يؤدي إلى التصعيد. يبدو أن اغتيال محسن فخري زاده، أحد أكبر علماء إيران النوويين، سيُعقِّد جهود إدارة بايدن القادمة للبيت الأبيض من أجل إعادة إحياء الاتفاق النووي، وقد تُؤدي عملية الاغتيال إلى مزيد من التصعيد.

 

إيران أعلنت يوم الجمعة قبل الماضي عن مقتل شخصية مهمة في أجهزتها الأمنية. وكان المستهدف من الهجوم محسن فخري زاده، وهو كبير مهندسي برنامج إيران لتصنيع الأسلحة النووية المعروف باسم «مشروع عماد» الذي انتهى في عام 2003 (على الرغم من أن بعض عناصر المشروع استمرت لبضع سنوات فيما بعد).

اغتيال فخري زاده يُعد ثاني عملية اغتيال يُنفذها عدو أجنبي، خلال هذا العام، في عمق الأراضي الإيرانية وينجح في استهداف شخصية إيرانية بارزة ويقتلها: إذ اغتالت الولايات المتحدة، في يناير (كانون الثاني)، قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي، وهي وحدة قوات خاصة مسؤولة عن التخطيط بالوكالة لكثير من العمليات الاستراتيجية التي تخدم مصالح طهران وتنفيذها (مثل عمليات خارج الحدود الإقليمية).

وعلى عكس سليماني، لم يكن فخري زاده شخصية مشهورة في إيران أو خارجها بالأحرى. وفي الواقع، لم يُنشر سوى عدد قليل من صور فخري زاده حتى وقت قريب. ومع ذلك، كان زاده وسليمان متشابهين في كونهما من كبار ضباط الحرس الثوري الإيراني، وأدَّى كلٌ منهما دورًا مؤثرًا في مشاريع النظام الإيراني الرئيسة. إذ وسَّع سليماني نطاق شبكة إيران من الحلفاء والشركاء غير الحكوميين وأضفى عليها الطابع المؤسسي والتي ساعدت في توطيد استراتيجيتها الإقليمية، بينما ساعد فخري زاده في تطوير قدرات بلاده النووية. لذا، يُعد مقتلهما بمثابة ضربات رمزية وثقيلة لإيران، وتُبرز نقطة ضعف طهران.

 المسؤولين الإيرانيين سارعوا، بعد مقتل فخري زاده، إلى اتهام أحد خصوم إيران الأساسيين وهي إسرائيل بالوقوف وراء تدبير الهجوم وتنفيذه. كما يُعتقد أن تل أبيب كانت المنفِّذة للانفجار الذي وقع خلال الصيف الماضي في منشأة نطنز النووية، التي تضم حاليًا جزءًا كبيرًا من برنامج إيران لتخصيب اليورانيوم.

إسرائيل لديها تاريخ من استهداف البرامج النووية الخاصة بالدول المنافسة، ومن بينها برنامج إيران النووي. ويقال إن إسرائيل، على مدار العقد الماضي، اغتالت علماء نوويين وشنَّت هجمات إلكترونية أملًافي إعاقة تقدم برنامج طهران النووي وكبح جماحه. وفي عام 2011، أسفر انفجار إلى مقتل حسن طهراني مقدم، وهو مهندس الركيزة الأساسية الثالثة للدفاع الوطني الإيراني وعضو في الحرس الثوري الإيراني، والذي ساعد في تطوير برنامج الصواريخ في البلاد. وبدا أن إسرائيل متورطة في هذه العملية.

العمليات الإسرائيلية في إيران شملت أيضًا تجميع معلومات استخبارية. وفي عام 2018، استولت المخابرات الإسرائيلية على أرشيف من الوثائق المتعلقة بأنشطة إيران السابقة في مجال الأسلحة النووية، والذي سلَّط مزيدًا من الضوء على أنشطة فخري زاده في هذا الشأن. وقد أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالفعل إلى أهمية فخري زاده أثناء تقديم الأرشيف للجمهور قبل عامين، قائلًا: «تذكروا هذا الاسم».

أن نجاح إسرائيل في تنفيذ مثل هذه العمليات المعقدة داخل الأراضي الإيرانية، لدرجة تنفيذ عملية اغتيال ضد هدف رفيع المستوى في المناطق الريفية خارج طهران والذي ذَكَر نتنياهو اسمه أمام الرأي العام من قبل، يُبرز من جديد مدى إخفاق أجهزة الأمن الداخلية التابعة للنظام الإيراني، كما يكشف ضعف الدولة أمام التحركات الأجنبية السرية. وهذا من شأنه أن يمثل معضلة تواجهها إيران.

إن لدى طهران حافزًا لكيلا تبدو في موقف الضعيف المستكين. إذ تعرضت، على مدار عام 2020، لضربات موجعة ومتكررة على خلفية جائحة فيروس كورونا المستجد التي ناضلت حكومة طهران لاحتوائها. وبالإضافة إلى اغتيالاثنين من الشخصيات الإيرانية البارزة هذا العام وانفجار منشأة نطنز النووية، يبدو أن الولايات المتحدة وإسرائيل قتلتا أبو محمد المصري، الرجل الثاني في تنظيم القاعدة في طهران في أغسطس (آب).

ناهيك عن مواصلة إدارة ترامب توسيع قائمة الأفراد والكيانات الإيرانية الخاضعة للعقوبات لكي يفرض مزيدًا من الضغوط على إيران، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى تعقيد محاولات إدارة بايدن-هاريس الأمريكية لإعادة إحياء الاتفاق النووي الذي أُبرِم في عام 2015 وانسحب منه ترامب في عام 2018.

التأني في الرد والانتقام

وذكرت الكاتبة أن إيران درست ردَّها على هذه العمليات السابقة وأعدَّت له العُدَّة. وحاولت بتأنٍ أن توازن بين هدفين متعارضين: تفادي الظهور بمظهر الدولة مكتوفة الأيدي أمام هذه العمليات وعدم تصعيد التوترات تصعيدًا كبيرًا، وهو ما قد يُعرِّضها لإجراء عسكري مباشر تُنفذه الولايات المتحدة ضدها. وبذلك، واجهت إيران بعض الإخفاقات المحرجة: إذ قصفت، بعد وقت قصير من مقتل سليماني في يناير، قاعدتين في العراق توجد بهما قوات أمريكية.

وكان من المفترض أن تكون هذه الخطوة بمثابة ضربة البداية لخطواتٍ عديدة تهدف إلى استعادة الردع والانتقام مِمَّن استهدف أحد أهم قادة إيران العسكريين وأرداه قتيلًا. ومع ذلك، أسقط الحرس الثوري الإيراني عن طريق الخطأ طائرة ركاب أوكرانية، وهو ما أسفر عن مقتل جميع من كانوا على متنها وعددهم 176 راكبًا بالإضافة إلى طاقم الطائرة، وحاولوا فيما بعد التغطية على هذا الخطأ. وكان هذا الحادث المأساوي مُحرجًا جدًّا للقوات المسلحة الإيرانية، التي لم تثبت عجزها عن حماية قائد عسكري كبير فحسب، بل قتلت أيضًا مدنيين أبرياء عن طريق الخطأ، وربما هذا ما دفع طهران إلى إبداء بعض من ضبط النفس في الأشهر التي تلت ذلك.

التقاعس عن الرد يُشجِّع الخصوم

لكن في ظل تصاعد الضغط الأمريكي والإسرائيلي الحاليين، قد تجد القيادة الإيرانية صعوبة أكبر في الحفاظ على هذه الحالة النسبية من ضبط النفس. وربما يرى قادة إيران أن فشلهم في اتخاذ إجراء ضد هذه العمليات يُعد دليلًا على ضعفهم الذي قد يُشجِّع خصومهم على تنفيذ مزيد من العمليات السرية وربما شن هجمات داخل أراضيها. وأفادت بعض التقارير أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان يدرس شن هجوم على منشأة نطنز النووية لكن مستشاريه أثنُوه عن القيام بذلك.

وبالإضافة إلى ذلك، ستتحمل إيران تكاليف داخلية بسبب تقاعسها عن اتخاذ أي إجراء للرد على هذه العمليات التي طالتها. وبينما يستخدم النظام الإيراني المهووس بجنون العظمة وسائل القمع، من تعذيب واحتجاز، بصورة منتظمة ضد أفرادٍ يتهمهم زورًا وبهتانًا في أحيانٍ كثيرة بالتجسس لصالح الأعداء، يبدو هذا النظام عاجزًا عن توفير الحماية لأحد أهم كوادره على الأراضي الإيرانية.

وبالفعل، أكد بعض المسؤولين الإيرانيين على ضرورة تحرك طهران للرد على هذا الهجوم وردع أي هجمات محتملة في المستقبل. بينما رأى آخرون أن العودة إلى الاتفاق النووي في ظل هذه الظروف لا تؤدي إلا إلى تقوية سواعد أعدائها وإحكام قبضتهم. إلا أن هذا الرأي يتعارض مع الهدف الآخر الذي يخفيه النظام الإيراني والمتمثل في منع مزيد من التصعيد حتى 20 يناير 2021، عندما يؤدي الرئيس المنتخب جو بايدن اليمين الدستوري بصفته رئيسًا للولايات المتحدة، ووقتئذ، من المحتمل أن تعود واشنطن إلى الاتفاق النووي بشكل أو بآخر.

وكما كتبتُ أنا وهنري روما في مقال نشرته مجلة فورين بوليسي في سبتمبر (آيلول)، «على الرغم من الخطوات الاستثنائية التي اتخذتها طهران من أجل تحقيق الاستقرار في سوق الأسهم والأوراق المالية وتغطية عجز الميزانية، فإن وضع إيران الاقتصادي غير مستدام. وعلى ما يبدو أن النظام الإيراني لا يستطيع المخاطرة بعودة الاحتجاجات واسعة النطاق في وقتٍ تتعثر فيه البلاد أكثر وأكثر».

إذا قررت إيران الانتقام ردًا على عملية اغتيال فخري زاده أو حاولت استعادة هيبتها في الردع، فإنها قد تفعل ذلك بطريقة مدروسة ومحسوبة بالتأكيد. ومن المحتمل أن تلجأ إيران إلى خيارات تتيح لها بعضًا من مستويات الإنكار المعقول، كما يحدث غالبًا في العمليات السيبرانية والهجمات التي تشنها عبر وكلائها. ومع ذلك، تظل مخاطر إثارة سلسلة من ردود الفعل قائمة.

وقد تختار إسرائيل الرد بالمثل، وأي خطوة من هذا القبيل من شأنها أن تزِيد تعقيد عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، مما يحرم إيران من الإغاثة الاقتصادية التي تحتاج إليها بشدة. وفي مثل هذا السيناريو، قد تذهب سياسة الصبر الاستراتيجي التي تنتهجها إيران، على مدار العامين الماضيين، هباءً.

وبالإضافة إلى ذلك، أثبت ترامب أنه صانع قرار متقلِّب المزاج وغريب الأطوار. إذ أصدر أمرًا بقتل سليماني ونائبه العراقي أبو مهدي المهندس، بعدما قتلت الميليشيات الشيعية المدعومة إيرانيًّا في العراق مواطنًا أمريكيًّا في ديسمبر (كانون الأول). وعادت هذه الميلشيات، بعد أشهر قليلة فقط في مارس (آذار)، إلى قتل اثنين من أفراد القوات الأمريكية وجنديًّا بريطانيًّا، لكن الولايات المتحدة لم تحرك ساكنًا حيال ذلك. وقد يختار الإيرانيون انتظار مغادرة ترامب منصبه في البيت الأبيض، لا سيما أنه لم يتبقَ له سوى بضعة أسابيع فقط، أو ربما يفضلون أن يعرضوه للإذلال قبل الخروج.

بغض النظر عن الكيفية التي اختارتها إيران للانتقام من الوقت الراهن وحتى يوم تنصيب بايدن رئيسًا للولايات المتحدة، فلن يخلو أيٌّ من هذه الخيارات القصيرة المدى من مخاطر. وإذا استمرت مثل هذه العمليات خلال الـ50 يومًا المتبقية في رئاسة ترامب لأمريكا، ربما تؤدي إلى جر إيران إلى مسار تُفضل عدم المُضي فيه.

وعلى المدى المتوسط، ربما تصبح طهران أقل ميلًا نحو التفاوض بشأن وضع قيود ذات صلة بمجالات أخرى مثيرة للقلق، من بينها برنامجها الصاروخي ودعمها للوكلاء، والتي وعد بايدن خلال حملته الانتخابية بأن إدارته ستسعى إلى الحد منها. وقد يخلص قادة إيران، على المدى الطويل، إلى أن بلادهم بحاجة إلى سلاح نووي لردع أعدائهم عن تنفيذ مثل هذه العمليات في المستقبل، بغض النظر عن التكاليف المرتبطة بذلك.

ادعى بعض المراقبين الإسرائيليين بأن اغتيال فخري زاده سيُصعِّب على إيران استكمال برنامج الردع النووي، قائلة: صحيحُ أن قيادة فخري زاده للمشروع وإلمامه به كان مهمًا من دون شك، لكن هذا المنطق من التفكير يبالغ في تقدير أهمية فرد واحد، بغض النظر عن مدى دوره وتأثيره من قبل، في تطوير برنامج إيران النووي.

ويتجاهل هذا الطرح أيضًا عددًا كبيرًا من المؤسسات والمنظمات المشاركة في صنع القرار النووي الإيراني وتطوير برنامجها النووي المدني العلني وأنشطتها السرية المتعلقة بتصنيع الأسلحة. وأخيرًا، أساء مثل هذا الطرح فهم أحد أهم إرث تركه فخري زادة بالنسبة للنظام الإيراني: المساعدة في بناء البنية التحتية النووية وتكوين الخبرة والمهارة والمحافظة عليها والتي بمقدور النظام أن يستخدمها إذا قرر النظام استئناف سعيه وراء تصنيع القنبلة النووية في وقت لاحق.

عملية اغتيال فخري زاده على الأراضي الإيرانية بالضربة المُوجِعة لحكومة طهران. وبغض النظر عن الكيفية التي ستختارها طهران للرد والانتقام، سينتج عن ذلك تداعيات غير مباشرة وتداعيات لاحقة قد تكون أكثر أهمية، مما يؤدي إلى تشديد الموقف الأمريكي حول شروط التفاوض وزمانه بشأن إعادة إحياء الاتفاق النووي بحسب ما يراه بايدن. أما الأمر الأكثر إثارة للقلق حتى اللحظة الراهنة، فيتمثل في أن إيران قد تُقرِّر ضرورة توسيع نطاق الأنشطة التي سعَت إدارة ترامب إلى منعها عن طريق حملة «أقصى ضغط»، بما في ذلك قرار تجديد سعيها للحصول على سلاح نووي.

* باحثة في «صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة» لشؤون الشرق الأوسط، كبيرة باحثي كلية الشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا الأمريكية

نشر هذا المقال تحت عنوان  :  

How Will Iran React to Another High-Profile Assassination?

الكاتب  ARIANE TABATABAI

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى