ترجمات أجنبية

فورين بوليسي: إدارة بايدن مدمنة على الشراكات

فورين بوليسي 3-10-2023، بقلم ستيفن والت*: إدارة بايدن مدمنة على الشراكات

من الصعب أن نفكر في وزيري خارجية معاصرين مختلفين كما هو الحال مع أنتوني بلينكن وجون فوستر دالاس. فقد كان دالاس، بحسب معظم الروايات، محاميا صارما وجادا بلا هوادة في وول ستريت ويتمتع بنزعة أخلاقية. على النقيض من ذلك، عادة ما يوصف بلينكن بأنه شخص ودود وعالمي ومتواضع ومن السهل التعامل معه ومن هواة موسيقى البوب. إلا أن الاختلاف بينهما لا ينفي تشابههما وبشكل رهيب، ولو في ملمح واحد على الأقل: الهوس في عقد التحالفات. فقد اعتقد كل منهما أن أفضل طريقة لإبقاء خصوم الولايات المتحدة محاصرين هي جمع أكبر عدد ممكن من الدول في الترتيبات الأمنية التي تقودها واشنطن. ومع ذلك، لم تنجح هذه الاستراتيجية بشكل جيد بالنسبة لدالاس، وأظن أنها لن تنجح بالطريقة التي يأملها بلينكن أيضا.

دالاس قاد في السنوات الأولى من الحرب الباردة سلسلة من المبادرات الدبلوماسية التي أطلق عليها النقاد اسم “باكتومانيا”. وتفاوض، كمستشار للرئيس هاري ترومان، على النسخة الأولية من المعاهدة الأمنية بين الولايات المتحدة واليابان وساعد في تسهيل معاهدة أنزوس بين الولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا. وكوزير خارجية في عهد أيزنهاور، دعم دالاس منظمة المعاهدة المركزية أو السنتو التي ضمت العراق وتركيا وإيران وباكستان والمملكة المتحدة. ولم تكن واشنطن عضوا رسميا في هذا الترتيب، لكنها وقعت اتفاقيات ثنائية مع كل دولة من الدول الأعضاء وحضرت الاجتماعات بصفة مراقب. واقتناعا منه بأن الحياد كان “مفهوما غير أخلاقي وقصير النظر”، كان دالاس أيضا مهندس منظمة معاهدة جنوب شرق آسيا (سياتو)، التي كان أعضاؤها هم الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا العظمى ونيوزيلندا وأستراليا والفلبين وتايلاند وباكستان.

جنبا إلى جنب مع حلف شمال الأطلسي، والتزامات الولايات المتحدة الثنائية تجاه كوريا الجنوبية والفلبين واليابان، والدعم غير الرسمي ولكن المهم لتايوان وفيتنام الجنوبية، ودور الولايات المتحدة في منظمة الدول الأمريكية (التي تأسست عام 1948)، فإن هذه المجموعة المتوسعة من الالتزامات الأمنية سعت إلى احتواء الشيوعية في محيط العالم الشيوعي بأكمله ونصف الكرة الغربي أيضا.

أما اليوم وقبل العلاقات مع روسيا، كانت الولايات المتحدة ملتزمة بشكل ثابت بتوسيع حلف شمال الأطلسي (الناتو) بشكل مفتوح والتوسع التدريجي للشراكات الأمنية في مناطق رئيسية أخرى.

وبحلول عام 2015، كانت الولايات المتحدة، في الواقع، ملتزمة بالدفاع عن ما يقرب من 70 دولة حول العالم، تضم مجتمعة أكثر من ملياري شخص ونحو 75% من الناتج الاقتصادي العالمي. ولم يتعمق هذا الدافع إلا في أعقاب الحرب في أوكرانيا، حيث دعمت واشنطن بنشاط انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي، وأصرت على أن أوكرانيا (وربما غيرها) سيتم الترحيب بها في الحلف في مرحلة ما في المستقبل. وعملت إدارة بايدن أيضا على تعميق ما يسمى بالرباعية (كواد) (الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان) في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وساعدت في التوسط في مستوى جديد من التعاون الأمني بين أستراليا وبريطانيا من خلال صفقة مشاركة التكنولوجيا بين أمريكا وأستراليا وبريطانيا.

كما ساعد الرئيس جو بايدن في إصلاح العلاقات بين كوريا الجنوبية واليابان في قمة كامب ديفيد، وأمضى بايدن وبلينكن وقتا طويلا وأنفقا رأس مال سياسيا في إقناع السعودية وإسرائيل بتطبيع العلاقات مقابل قدر غير محدد من الإطراءات الأمريكية أو الضمانات الأمنية. إضافة إلى قمتين للديمقراطية لتوحيد ديمقراطيات العالم في وجه المد المتصاعد للاستبداد.

ما الخطأ في محاولة جلب المزيد من الدول إلى مدارنا؟ أليس من الأفضل أن يكون لديك الكثير من الأصدقاء؟ وفي لحظة حيث يشتعل غضب كل من الجمهوريين والديمقراطيين بشأن الصين، أليس من المنطقي أن نجعل أكبر عدد ممكن من البلدان إلى جانبنا؟ ويحاول الرئيس الصيني شي جين بينغ أن يفعل الشيء نفسه من خلال مبادرة الحزام والطريق، أليس كذلك؟ أليست الحملة الطموحة لبناء التحالفات وسيلة أكثر فعالية من حيث التكلفة للحد من النفوذ الصيني من مجرد إنفاق المزيد من الأموال على البنتاغون . وربما يعتقد أولئك الأكثر التزاما بتعزيز نظام ليبرالي “قائم على القواعد” أيضا أن إضافة أسماء جديدة إلى قائمة شركاء وحلفاء الولايات المتحدة يشير إلى أن قوس التاريخ لا يزال ينحني في هذا الاتجاه. إذا ما هي المشكلة؟”.

من المؤكد، عندما تواجه الدول القوية والمستقرة نفس التهديدات التي نواجهها، فإن تشكيل تحالف معها أمر منطقي. لقد كان حلف شمال الأطلسي ناجحا خلال الحرب الباردة لأن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين كانت لديهم مصلحة مشتركة في ردع المحاولة السوفييتية للسيطرة على أوروبا الغربية. وهذا المنطق نفسه هو الذي دفع التحالفات الثنائية “المحورية” في آسيا. ولهذا السبب أصبحت الجهود الرامية إلى تعزيز هذه الترتيبات مرغوبة الآن. فعندما يمتلك الحلفاء المحتملون قدرات عسكرية هائلة خاصة بهم – مثلما كانت لدى بعض الدول الأوروبية – فمن الممكن أن يصبحوا مكملا قيما للقوة الأمريكية.

ولكن حتى عندما تكون الدول متحدة بتصور مشترك للتهديدات، فإن القيمة النهائية للشراكة تعتمد جزئيا على ما إذا كان الأعضاء يتفقون على استراتيجية مشتركة وعلى استعدادهم لتقاسم الأعباء على النحو المناسب. وعليه فإضافة أعضاء ضعاف إلى التحالف لا يؤدي إلى تعزيزه، وتصبح الشراكات طويلة الأمد أقل فعالية إذا سمح بعض الأعضاء بتراجع قدراتهم العسكرية. عندما يحدث هذا، ينتهي الأمر بتحمل أمريكا عبئا مفرطا، وستتعرض قدرة الشراكة على تحقيق أهدافها المعلنة للخطر.

وحقيقة، وفي عالم اليوم، فما يحب المسؤولون الأمريكيون أن يطلقوا عليه “التحالفات” أو “الشراكات الأمنية” هو أشبه بالمحميات. في كثير من الحالات، وافقت الولايات المتحدة على الدفاع عن الدول الضعيفة التي لا تستطيع أن تفعل الكثير لمساعدة الولايات المتحدة بغض النظر عن مدى رغبتها في ذلك.

والمشكلة الثالثة المرتبطة بالسعي المفرط للحصول على شركاء جدد هي احتمال أن تكون أجنداتهم غير متوافقة مع أجنداتنا. كان هذا أحد العيوب القاتلة في ترتيبات مثل السنتو وسياتو، فقد اعتقد دالاس أنه كان يجند شركاء في حملة صليبية مناهضة للشيوعية، لكن بعض هذه الأنظمة لم تنظر إلى الاتحاد السوفييتي باعتباره تهديدا كبيرا وكانت في الغالب تريد المساعدة الأمريكية للتعامل مع مشاكلها المحلية (بما في ذلك الخصوم السياسيون المحليون)، وبدلا من ذلك يجبر المسؤولين الأمريكيين على التعامل مع القضايا الإقليمية المعقدة والمستعصية.

وعلينا ألا ننسى المعضلة الأمنية، وسواء كان ذلك مقصودا أم لا، فإن إدخال دول جديدة في الترتيبات الأمنية التي تقودها الولايات المتحدة يمكن أن يجعل الدول الأخرى أقل أمانا ويجعلها تستجيب بطرق خطيرة. فقد أدت مخاوف الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر بشأن تحالف السنتو إلى التماسه الدعم السوفييتي، وبالتالي الدخول في عقدين من المنافسة بين القوى العظمى في الشرق الأوسط.

وبنفس القدر، أثار التوسع المفتوح لحلف شمال الأطلسي انزعاج نخبة الأمن القومي الروسي، ودفع موسكو في نهاية المطاف إلى اتخاذ تدابير متزايدة الصرامة لوقف انجراف أوكرانيا نحو الغرب، وهو الجهد الذي بدأ بالاستيلاء بشكل غير قانوني على شبه جزيرة القرم، وبلغ ذروته بقرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين غزو بقية أوكرانيا بشكل غير قانوني. وربما شجعت الجهود الأمريكية لتعزيز التحالف المناهض لإيران في الخليج العربي طهران على الاقتراب من كل من الصين وروسيا واتخاذ إجراءات أخرى تهدف إلى تقويض النفوذ الأمريكي في المنطقة. والنقطة المهمة هي أن تشكيل أو توسيع الالتزامات الأمنية الأمريكية لن يعزز الأمن أو الاستقرار إذا دفع المنافسين إلى اتخاذ خطوات خطيرة ربما لم يكونوا ليفعلوها لولا ذلك.

الجانب السلبي الآخر المحتمل هو المخاطر الأخلاقية، أو ما يسميه باري بوسن من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا “القيادة المتهورة”. وإذا اعتقد الحلفاء أن واشنطن سوف تهب للإنقاذ بغض النظر عما يفعلونه، فسيكونون أكثر ميلا إلى خوض المخاطر التي قد تورط الولايات المتحدة في صراع غير ضروري. ولنتأمل هنا الحرب الكارثية التي تخوضها السعودية في اليمن، أو بدء جورجيا المشؤوم اشتباكا عسكريا مع روسيا في عام 2008.

كما أن توسيع التحالفات بشكل عشوائي يزيد من خطر الوقوع في فخ المصداقية. فعادة ما يصور المتشددون التزامات الولايات المتحدة على أنها مترابطة بشكل وثيق، ويصرون على أن استجابة الولايات المتحدة في موقف ما ترسل دائما إشارة قوية حول كيفية ردها في كل مكان آخر. وعلى أي حال، يشارك العديد من شركاء أمريكا في هذه اللعبة، ولهذا السبب يتذمرون باستمرار من تراجع ثقتهم في الوعود الأمريكية.

لا تعني هذه الحجج أن الولايات المتحدة يجب أن تتخلى عن جميع حلفائها الحاليين أو تمتنع عن اتخاذ أي التزام جديد. ولكنها تسلط الضوء على الحاجة إلى قدر أكبر من التشكك والعناية الواجبة مقارنة بما مارسه صناع السياسات في الولايات المتحدة في الماضي القريب. وعلى المسؤولين أن يدرسوا بعناية ما إذا كانت الفوائد الاستراتيجية المترتبة على أي التزام جديد سوف تتجاوز التكاليف والمخاطر المحتملة ويحذروا الترتيبات التي قد تكون ذات فائدة أكبر للآخرين مما هي عليه لنا. والأهم هو أن يتجنبوا تقديم الالتزامات التي قد تبدو جذابة فقط عند افتراض أنهم لن يضطروا للوفاء بها أبدا.

*أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد

ForeignPolicy: The Biden Administration Is Addicted to Partnerships

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى