ترجمات أجنبية

فورين أفيرز- مارتن إنديك -خطة ترامب غير العادلة للشرق الأوسط لا تترك أي شيء للتفاوض بشأنه

فورين أفيرز  – مارتن إنديك* –  4/2/2020

لن يصمد أي حل مفروض وغير واقعي للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.

****

ما عليك سوى تسليم الأمور لفريق الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، للسلام في الشرق الأوسط. لقد اقترح الفريق حلاً شاملاً وخلاقاً للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وحتى على الرغم من أن ترامب عادة ما يكون سريعاً إلى استنكار الجهود الفاشلة للإدارات السابقة، فقد استند فريقه فعلياً إلى المفاهيم والمبادئ، وحتى المفرادات التي استخدمتها الخطط السابقة. ومع ذلك، كان الوسطاء الأميركيون السابقون قد حاولوا إرساء أساس للاتفاق عن طريق جسر الهوة في المواقف المتباينة بين جانبي الصراع. وفي المقابل، قام فريق ترامب ببساطة بحل القضايا بالشعوذة وخفة اليد: قرر بشأن كل واحدة من قضايا الوضع النهائي -الحدود، والأمن، والقدس، واللاجئين والاعتراف المتبادل- ولصالح إسرائيل، حتى قبل بدء المفاوضات.

على سبيل المثال، ظل المفاوضون الأميركيون دائماً يولون اهتماماً خاصاً لتأمين الحدود بين الأردن ودولة فلسطينية مستقبلية، خشية أن تصبح هذه الحدود بوابة للجيوش أو الإرهابيين الذين يعبرون إلى الضفة الغربية، ومن هناك إلى داخل إسرائيل. وأثناء فترة إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، قام فريق من خبراء الأمن الأميركيين، بالتشاور مع نظرائهم الإسرائيليين والفلسطينيين، بوضع خطة يمكن من خلالها لقوات الأمن الفلسطينية أن تتولى السيطرة تدريجياً على الحدود؛ وعلى مدى فترة من أعوام عدة، سوف تتاح للقوات الفلسطينية الفرصة لإظهار التزامها وقدراتها.

من تلك الخطة استعار فريق ترامب مفهوم وضع معايير أمنية ومقاييس لقياس التقدم الفلسطيني -لكنه طبقها بدلاً من الحدود على الأمن الداخلي داخل الدولة الفلسطينية، وحيث تكون إسرائيل هي صاحب الحكم النهائي على سوية الأداء الفلسطيني. وحلَّ مسألة أمن الحدود من خلال إعطاء وادي الأردن بأكمله لإسرائيل. وسوف تحيط خطة ترامب الدولة الفلسطينية بالأراضي الإسرائيلية، فتقطع تواصلها مع الأردن، وتحول أريحا إلى جيب فلسطيني والدولة الفلسطينية إلى بانتوستان.

وبالمثل، كافح المفاوضون السابقون للتوفيق بين المطالب المتنافسة بالسيادة على القدس، وخاصة في الحوض المقدس الذي يشمل المدينة القديمة والمقدسات المسيحية والإسلامية واليهودية. في السابق، سعى المفاوضون إلى حل مسألة السيادة لصالح الحكم المشترك للمدينة القديمة. وبدلاً من ذلك، قام فريق ترامب بحل هذه المسألة من خلال منح إسرائيل السيادة للأبد على كامل المنطقة، بما في ذلك الأحياء المسيحية والإسلامية والمسجد الأقصى.

على مدار الـ52 عاما الماضية، تمكن اليهود من زيارة الموقع المعروف باسم “جبل الهيكل” لليهود والحرم الشريف للمسلمين، لكن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، بسبب الحساسيات الدينية، سمحت الحكومات للمسلمين فقط بالصلاة هناك. وقد أصبح ذلك جزءا من الوضع الراهن الذي يحكم إدارة الأماكن المقدسة. وتلتزم خطة ترامب بالحفاظ على هذا الوضع الراهن -ولكنها تنص أيضاً على السماح لليهود بالصلاة في “جبل الهيكل”، وهو ما سيكون في الواقع افتراقاً مثيراً للقلق عن الوضع القائم ومنطوياً على إمكانية الاشتعال.

كتعويض عن التخلي عن مطالبهم بالسيادة على الحرم الشريف، وهو ثالث أقدس موقع في الإسلام، يُعرض على الفلسطينيين مركز سياحي شمال القدس، ووصول خاضع لسيطرة إسرائيل من هناك إلى الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية. وهذا هو نوع العرض الذي كان ياسر عرفات قد رفضه في كامب ديفيد في تموز (يوليو) 2000، وأبلغ الرئيس بيل كلينتون بأنه إذا قبِل بذلك، فإنه لن ينتظر حتى يأتي شعبه لقتله؛ إنه سيفضل قتل نفسه بنفسه.

كما تتجاهل خطة ترامب صيغاً أخرى تم التفاوض بشأنها بشق الأنفس لصالح صيغ غير عادلة وغير متوازنة بكل وضوح. منذ إدارة كلينتون، على سبيل المثال، كان الأساس العادل لجميع المقترحات الأميركية بشأن القدس هو النص على أن الضواحي العربية في القدس الشرقية يجب أن تخضع للسيادة الفلسطينية، وأن الضواحي اليهودية يجب أن تخضع للسيادة الإسرائيلية. ومع ذلك، تضع خطة ترامب كل الضواحي العربية في القدس الشرقية تقريباً تحت السيادة الإسرائيلية، تاركة للفلسطينيين ضاحية عربية واحدة ومخيماً للاجئين على الجانب الشرقي من الجدار كانت إسرائيل قد تخلت عنه خلال الانتفاضة الثانية. وعلى هذا الجزء من القدس الشرقية، يُقال للفلسطينيين الآن أن بإمكانهم بناء عاصمتهم التي يقطعها الجدار عن كل من المسجد الأقصى وعن 300.000 فلسطيني يسكنون في القدس الشرقية.

وفيما يتعلق بالمستوطنات، فكر المفاوضون الإسرائيليون والفلسطينيون السابقون في جعل إسرائيل تضم الكتل الاستيطانية الرئيسية الواقعة على طول حدود العام 1967 بين إسرائيل والضفة الغربية، طالما حصل الفلسطينيون على ما يعادلها من الأرض من إسرائيل للتعويض. وبموجب هذا الترتيب، سيتم استيعاب 85 في المائة من المستوطنين في حوالي 3 إلى 5 في المائة من أراضي الضفة الغربية، وضمهم في إسرائيل. وسيتم إخلاء المستوطنات النائية في قلب الضفة الغربية للسماح بقيام دولة فلسطينية متصلة. وقد تبنى فريق سلام ترامب فكرة تبادل الأراضي -لكن الخطة تعرضُ على الفلسطينيين أراضٍ قاحلة على الحدود المصرية للتعويض عن دمج جميع مستوطنات الضفة الغربية في إسرائيل، بما في ذلك المستوطنات النائية. وستكون النتيجة دولة فلسطينية مثل الجبن السويسري، مع عدم وجود أي إمكانية للتواصل الإقليمي. وبدلاً من ذلك، تقترح خطة ترامب التواصل “المواصلاتي”، من خلال أنفاق تربط جزر السيادة الفلسطينية. وسوف تكون هذه الأنفاق، بطبيعة الحال، تحت السيطرة الإسرائيلية.

يتفق العديد من الإسرائيليين والأميركيين ذوي النوايا الحسنة، وحتى بعض زعماء الخليج، مع رؤية كاتب العمود في صحيفة “نيويورك تايمز”، بريت ستيفنز، الذي كتب مؤخراً أن “الرفض الفلسطيني اليوم سيؤدي بشكل حتمي تقريباً إلى الحصول على ما هو أقل غداً”. بعد كل شيء، كان أول رئيس وزراء لإسرائيل، دافيد بن غوريون، قد أخذ الدولة اليهودية المقتطعة التي عرضتها الأمم المتحدة في العام 1947 وبنى عليها. ولم يشمل ذلك العرض حتى شريحة من القدس لتكون عاصمة لإسرائيل. كانت المدينة كلها ستوضع تحت إشراف دولي. وعلى الفلسطينيين، كما تقول الأطروحة، أن يتبنوا الآن نهجاً مماثلاً: يجب أن يأخذوا الدولة الفلسطينية المقطوعة التي يعرضونها عليهم الآن وأن يساموا من أجل شروط أفضل. وفي الحقيقة، صرح جاريد كوشنر، المهندس الرئيسي لخطة ترامب، بأنه إذا كان الفلسطينيون لا يحبون جوانب من الخطة، فيمكنهم المجادلة من أجل تغييرات.

لكن هذه الحجة تتجاهل اختلال التوازن الكبير في الخطة كنقطة انطلاق للمفاوضات. إنها تتجاهل حقيقة أن القدر الضئيل الذي تعرضه خطة ترامب يظل فوق ذلك مشروطاً بشكل كبير: من أجل الحصول حتى على هذا القدر، يتعين على السلطة الفلسطينية أولاً أن تفي بمعايير أي دولة ديمقراطية غربية؛ ثم عليها أن تتولى السيطرة على غزة وتقوم بنزع سلاح جميع العناصر الإرهابية هناك، وهو أمر لا تملك أي وسيلة للقيام به. و، من الذي سيحكم على ما إذا كانت الحكومة الفلسطينية قد أوفت بهذه المتطلبات؟ إسرائيل.

بل إن الأسوأ من ذلك هو أنه تم تقديم خطة ترامب كإملاء مفروض. ويتحدث فريق ترامب كما لو أن كل شيء تم الاتفاق عليه مسبقاً بين ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وكل ما تبقى هو أن يقوم فريق أميركي إسرائيلي -وليس فريقاً إسرائيلياً فلسطينياً- بتعيين وترسيم الخطوط الدقيقة لخريطة ترامب المحددة سلفاً. هذه المهمة، وتشكيل حكومة إسرائيلية جديدة بعد انتخابات 2 آذار (مارس)، هي كل ما يقف على ما يبدو في طريق قيام إسرائيل بضم غور الأردن وجميع المستوطنات، بغض النظر عما إذا كانت هناك مفاوضات إسرائيلية فلسطينية أم لا. وتنال إسرائيل مثل هذه الغنائم، كما يشرح مهندسو خطة ترامب، مقابل قبول فكرة إقامة دولة فلسطينية والتخلي عن 30 في المائة من الضفة الغربية. وهكذا، يمكن للفلسطينيين أن يسألوا فقط، وبشكل معقول: إذن، ما الذي بقي للتفاوض عليه؟

على مدى أعوام، عارضت الحكومات الإسرائيلية حلاً مفروضاً، والتزمت الإدارات الأميركية رسمياً وبحزم بتجنب مثل هذا الحل. والآن قام فريق ترامب -بتشاور وثيق مع نتنياهو ومن دون أي تشاور على الإطلاق مع المسؤولين الفلسطينيين- بصياغة حل شامل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والذي يبدو أنه عازم على فرضه على الفلسطينيين. ولا عجب في أن الفلسطينيين عندما ينظرون إلى خطة ترامب، لا يكونون مستعدين للجلوس على طاولة مفاوضات لا تميل بشكل واضح نحو إسرائيل فحسب، وإنما تم توزيع جميع أوراق اللعب العالية عليها مسبقاً وأعطيت للجانب الآخر.

ومع ذلك، لا يمكن للفلسطينيين التغلب على شيء بلا شيء. إن رفضهم لخطة ترامب، الذي يبدو حتمياً في ضوء الشروط المعروضة، سوف يوفر لنتنياهو المبرر للمضي قدماً في الضم الذي باركه ترامب. وبدلاً من ذلك، يجب على القيادة الفلسطينية أن تتجاوز خطة ترامب وأن تعلن استعدادها للدخول في مفاوضات مباشرة مع حكومة إسرائيلية جديدة بعد انتخابات 2 آذار (مارس). ويجب أن تفعل ذلك على أساس قرارات مجلس الأمن الدولي الموافق عليها مسبقاً والتي تنص على حل على أساس الدولتين ومقايضات في الأراضي مقابل السلام. ويمكن للقادة الفلسطينيين أن يستحضروا مبادرة جامعة الدول العربية، التي ستجعل 22 دولة عربية تطبع علاقاتها مع إسرائيل بمجرد إتمام الصفقة الفلسطينية. وقد تؤدي مثل هذه الخطوة إلى تعزيز الدعم العربي الهش وتوليد دعم من المجتمع الدولي -ومن يدري-؟ قد ينجح عرضٌ فلسطيني بديل بإجراء محادثات مباشرة مع إسرائيل في إجبار ترامب على التخلي عن خطته والسعي إلى مقاربة أكثر توازناً وواقعية لحل نزاع القرن.

*زميل متميز بارز في مجلس العلاقات الخارجية، ومؤلف الكتاب المقبل “هنري كيسنجر وفن دبلوماسية الشرق الأوسط”. شغل سابقاً منصب المبعوث الخاص للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، ومنصب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، والسفير الأميركي لدى إسرائيل.

*نشر هذا المقال تحت عنوان :

Trump’s Unfair Middle East Plan Leaves Nothing to Negotiate 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى