ترجمات أجنبيةشوؤن دولية

فورين أفيرز: ماذا تكشف وتخفي حملات التطهير التي يقودها شي جينبينغ حول طموحات بكين؟

هل الجيش الصيني مستعد للحرب؟

فورين أفيرز 18-7-2025، ماريس تايلور فرافيل: هل الجيش الصيني مستعد للحرب؟ ماذا تكشف وتخفي حملات التطهير التي يقودها شي جينبينغ حول طموحات بكين؟

ماريس تايلور فرافيل

تجتاح موجة جديدة من حملات التطهير القيادة العليا لـ “جيش التحرير الشعبي” الصيني، فمنذ انعقاد “المؤتمر الوطني الـ 20” للحزب الشيوعي في أكتوبر (تشرين الأول) 2022 اختفى أكثر من 20 ضابطاً رفيعاً من الجيش بمختلف فروعه، البرية والبحرية والجوية وقوة الصواريخ، عن الأنظار أو أُقيلوا من مناصبهم، كما وردت تقارير عن غياب جنرالات آخرين مما قد ينذر بمزيد من الإقالات.

وكان لافتاً أنه منذ خريف عام 2023 أقيل ثلاثة من أصل ستة أعضاء عسكريين في “اللجنة العسكرية المركزية” للحزب، وهي الهيئة الأعلى في الحزب الشيوعي الصيني والمكلفة بالإشراف على القوات المسلحة.

أول المقالين كان وزير الدفاع لي شانغ فو الذي أعفي من منصبه في أكتوبر 2023 وطُرد من الحزب في يونيو (حزيران) 2024، ثم في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عُلقت مهمات مياو هوا، وهو رئيس قسم العمل السياسي في اللجنة العسكرية المركزية التي تدير شؤون الموظفين والحزب، بتهمة “انتهاكات خطرة للنظام” قبل إقالته رسمياً من اللجنة العسكرية المركزية الشهر الماضي.

وخلال الآونة الأخيرة ذكرت صحيفة “فايننشال تايمز” أن النائب الثاني لرئيس اللجنة هي وي دونغ [يترأس اللجنة شي جينبينغ وعادة ما يكون هناك نائبان للرئيس، النائب الأعلى أو الأول والنائب الثاني]، الذي لم يظهر علناً منذ أوائل مارس (آذار) الماضي، قد استبعد من منصبه هو الآخر، ولم يحدث وأن أقيل نصف أعضاء اللجنة العسكرية المركزية في مثل هذه الفترة الزمنية القصيرة من قبل، وما يزيد من غرابة الأمر هو أن الجنرالات الثلاثة كانوا قد نالوا ترقيات سابقاً من الزعيم الصيني شي جينبينغ نفسه، فقد عُينوا في اللجنة العسكرية المركزية عام 2022 بعد أن عزز شي سيطرته على الحزب خلال مؤتمره الـ 20، وكان هي وي دونغ حتى عضواً في المكتب السياسي، أحد أعلى هيئات صنع القرار في الحزب المؤلف من 24 عضواً من القادة الأعلى رتبة في الحزب. ويصنف كل من مياو وهي، وفقاً لتحليلات، بأنهما ضمن ما يعرف بـ “فصيل فوجيان” داخل الجيش، نظراً إلى أنهما خدما في تلك المقاطعة خلال الفترة ذاتها التي خدم فيها شي هناك، ويعتقد أنهما يتمتعان بعلاقات وثيقة معه.

ولم تغب هذه التطورات عن أعين المراقبين الخارجيين، ولا سيما مع اقتراب عام 2027 الذي سيشهد احتفال “جيش التحرير الشعبي” بالذكرى المئوية لتأسيسه، ويفترض أن يكون الجيش قد أحرز بحلول ذلك العام تقدماً ملموساً في مسار التحديث العسكري، بحسب تطلعات شي، كما يكتسب العام أهمية إضافية، وفقاً لما قاله مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية السابق بيل بيرنز، إذ أصدر شي تعليمات للجيش بأن يكون “جاهزاً بحلول عام 2027 لتنفيذ غزو ناجح لتايوان”، ولا تعني هذه التعليمات بالضرورة أن الصين ستقدم فعلياً على غزو الجزيرة ذلك العام، لكن كما أوضح بيرنز فإنها “تذكير بمدى جدية شي وتركيزه وطموحه”.

ومع هذه الأهداف الطموحة التي وضعت لـ “جيش التحرير الشعبي” يبرز التساؤل حول الكيفية التي قد تؤثر بها موجة التطهير الجديدة في جاهزية الجيش، فمن المرجح أن تؤدي هذه الحملات إلى تباطؤ بعض برامج تحديث الأسلحة وتعطيل منظومة القيادة وآليات اتخاذ القرار وإضعاف الروح المعنوية، وهي جميعها عوامل من شأنها أن تقوض قدرة الجيش على خوض المعارك في المدى القريب إلى المتوسط، وقد تجد بكين نفسها الآن مضطرة إلى التصرف بحذر أكبر قبل الإقدام على عمليات عسكرية واسعة النطاق، مثل الهجوم البرمائي على تايوان، حتى في ظل مواصلة الجيش الضغط على الجزيرة من خلال الطلعات الجوية والدوريات البحرية حولها.

ومع ذلك فمن المفيد التذكير بأن بكين نادراً ما انتظرت الظروف المناسبة قبل إصدار أوامرها للجيش بدخول المعركة، فعلى سبيل المثال في عام 1950 تدخلت القوات الصينية دعماً لبيونغ يانغ في الحرب الكورية على رغم أن الاقتصاد والمجتمع الصينيين كانا لا يزالان يعانيان تبعات أعوام طويلة من الحرب الأهلية، وفي عام 1962 شن “جيش التحرير الشعبي” هجوماً على الهند، على رغم أن أعلى قائد عسكري في الصين آنذاك كان قد أُقصي من منصبه بسبب اعتراضه على سياسة “القفزة العظيمة إلى الأمام” الكارثية التي أطلقها ماو تسي تونغ [حملة اقتصادية واجتماعية أطلقها الزعيم الصيني ماو تسي تونغ بين عامي 1958 و1962 بهدف تحويل الصين بسرعة من اقتصاد زراعي إلى قوة صناعية اشتراكية متقدمة]، وفي عام 1979 أرسلت بكين جيشاً غير مستعد إلى فيتنام حيث تكبدت القوات الصينية خسائر كبيرة في مقابل مكاسب سياسية محدودة، واليوم، كما في تلك الفترات، قد يُقدم القادة الصينيون على خوض الحرب حتى وإن بدت الأوضاع الاقتصادية والسياسية الداخلية غير مواتية، وحتى وإن لم يكن جيش التحرير الشعبي مستعداً للقتال.

المنفيون

بالنسبة إلى المراقبين من الخارج فمن الصعب جداً جمع معلومات مفصلة وتحليل حملات التطهير الجارية في الصين، فنادراً ما يعلن الحزب الشيوعي الصيني هذه الحملات، وحتى عند إعلانها فإن التهم التي تؤدي إلى الإقالة غالباً ما توصف بصورة مبهمة بأنها انتهاكات للانضباط والنظام، وقد لا تظهر التهم المعلنة السبب الحقيقي الكامن وراء إقالة مسؤول من منصبه، ومع ذلك فهناك أسباب عدة محتملة لإقصاء لي ومياو وهي وغيرهم من كبار الضباط.

أول هذه الدوافع وأكثرها شيوعاً هو الفساد، إذ لطالما شكل الفساد مشكلة مستشرية في صفوف “جيش التحرير الشعبي” بل وفي الحزب الشيوعي نفسه، فمنذ وصول شي إلى السلطة عام 2012، زادت بكين موازنة الدفاع بأكثر من الضعف لتمويل التحديث السريع للجيش، وقد أدى هذا التدفق الجديد للأموال، بخاصة في ما يتعلق بمشتريات الأسلحة ومشاريع البناء، إلى زيادة فرص الضباط والمسؤولين في قطاع الدفاع لزيادة مخصصاتهم أو اختلاس الأموال، وقبل أن يصبح وزيراً للدفاع كان لي مسؤولاً عن إدارة تطوير الأسلحة في اللجنة العسكرية المركزية، وهي الجهة المشرفة على عملية الشراء، وقبل بضعة أشهر من إقالة لي اُعتقل كل من قائد قوة الصواريخ والمفوض السياسي لهذه القوة في “جيش التحرير الشعبي” الصيني واثنين من نواب المفوض السياسي، ومن المرجح أن التوسع السريع لقوة الصواريخ في “جيش التحرير الشعبي” في عهد لي، بما في ذلك بناء أكثر من 300 صومعة صواريخ والتوسع الكبير في ترسانة الصواريخ الباليستية، أتاح كثيراً من الفرص للإثراء غير المشروع.

وقد يكون بعض الجنرالات قد أقيلوا أيضاً بسبب تورطهم في قضايا رشوة تتعلق بالترقيات وشبكات المحسوبية، وهذه مشكلة مزمنة في “جيش التحرير الشعبي”، فكثيراً ما يُرقى الضباط الأكثر نفوذاً واتصالاً وليس بالضرورة الأكثر كفاءة، إلى الرتب العليا، وكان مياو، بصفته رئيس إدارة العمل السياسي، مسؤولاً عن شؤون الأفراد والتعيينات، وإذا كانت الترقيات التي صادق عليها لم تستند إلى الجدارة وحدها، فقد يكون ذلك من الأسباب التي أطاحت به، إذ خضع سلفه، تشانغ يانغ، لتحقيق عام 2017 لأسباب مشابهة، وتوفي منتحراً بعد أقل من شهرين ثم طُرد بعد وفاته من الحزب في العام التالي.

وقد يكون أعضاء اللجنة العسكرية المركزية وغيرهم من كبار الضباط قد أُبعدوا أيضاً لاستشعار أنهم يستخدمون التعيينات لبناء مراكز قوة خاصة بهم داخل الجيش تعرف أحياناً باسم “القمم الجبلية”، فالقادة الذين يسعون إلى تعزيز نفوذهم الشخصي يعتبرون عبئاً على شي جينبينغ لأنهم يخلقون ولاءات متضاربة وانقسامات داخل القوات المسلحة، وهو ما يمكن أن يضر بجاهزيته العملياتية، وبما أن مياو وهي كانا عضوين معينين حديثاً في اللجنة العسكرية المركزية، فمن الممكن أنهما حاولا تقوية موقعيهما على حساب الأعضاء المخضرمين مثل النائب الأعلى لرئيس اللجنة تشانغ يوشيا، وهو صديق شي منذ الطفولة، وقرر شي إبقاء تشان البالغ من العمر الآن 75 سنة في اللجنة العسكرية المركزية على رغم تجاوزه سن التقاعد الرسمي وهو 68 سنة.

وأخيراً من الممكن أن الضباط الكبار الذين طاولتهم الإقالات لم يرتكبوا أية مخالفة على الإطلاق سوى عدم الكفاءة، وربما كان شي ببساطة غير راض عن أدائهم وفقد الثقة في قدرتهم على القيادة وتحقيق أهدافه في ما يتعلق بـ “جيش التحرير الشعبي”، وكما كتب جويل ووثنو وفيليب ساندرز في كتابهما الجديد، “سعي الصين إلى التفوق العسكري”، فإن طبيعة العلاقة بين الحزب والقوات المسلحة يجعل من الصعب على شي أن يثق بالقيادات العسكرية، فـ “جيش التحرير الشعبي” يتمتع باستقلالية كبيرة مع القليل من الإشراف المباشر، ولذلك يضطر الحزب إلى الاعتماد على الجيش في فرض الانضباط الذاتي، وعلاوة على ذلك فإن الطابع التخصصي المتزايد للشؤون العسكرية الحديثة يعني أن الحزب يفتقر إلى الخبرة اللازمة للتأكد من أن الجيش يحقق أهداف التحديث المنشودة.

معضلة انعدام الأمن

وأياً كانت الأسباب الكامنة وراء حملات التطهير الأخيرة فمن شبه المؤكد أنها ستضعف جاهزية الصين القتالية وثقة القيادة الصينية بقدرات “جيش التحرير الشعبي” كي يتمكن من الانتصار في النزاعات المحتملة في محيط الصين الإقليمي، ولا سيما في حال حرب محتملة على تايوان، فعليه إتقان العمليات المشتركة التي تدمج بين مختلف فروع القوات لتحقيق أهداف عسكرية موحدة، وتتطلب هذه العمليات المعقدة وحدة القيادة وتخطيطاً متكاملاً وقدرة على التشغيل المتبادل للأنظمة والمعدات داخل كل فرع من فروع الجيش وفي ما بين هذه الفروع، فضلاً عن تفويض الصلاحيات والمرونة وأنظمة قوية للقيادة والسيطرة والاتصالات والمراقبة، وكان أحد الدوافع الأساس التي دفعت شي جينبينغ إلى إطلاق إصلاحات تنظيمية غير مسبوقة عام 2015 هو إعادة هيكلة الجيش لتمكينه من تنفيذ هذا النوع من العمليات بكفاءة، والآن، وعلى رغم وجود أسباب عدة قد تدفع شي إلى تجنب أي تحرك عسكري كبير ضد تايوان، فإنه قد يكون قلقاً أيضاً من أداء الجيش في ظل ما أحدثته هذه الحملات من اضطراب، فعلى سبيل المثال إذا كانت التحقيقات الحزبية قد كشفت عن فساد في نظام شراء الأسلحة، فقد يشكك قادة الحزب في موثوقية وأداء أنظمة الأسلحة المتقدمة التي طورت ونشرت خلال العقد الماضي، ووفقاً لمعلومات استخباراتية أميركية فقد تبين أن بعض الصواريخ الباليستية الجديدة في الصين كانت مملوءة بالماء بدلاً من الوقود، كما أن أبواب التحصين التي شيدت لصوامع الصواريخ الجديدة احتاجت إلى إصلاح أو استبدال، ويُرجح أن تكون هناك جهود جارية لمراجعة واعتماد هذه الأنظمة الحالية والمخطط لها من جديد لضمان فاعليتها، مما قد يؤدي إلى إبطاء وتيرة تطويرها ونشرها.

كذلك فإن هذه الإقالات تربك عمل منظومة القيادة بأكملها، فاللجنة العسكرية المركزية التي يترأسها شي وتتكون من ستة أعضاء، تشرف على جميع جوانب عمل الجيش عبر 15 وحدة تابعة لها، لكن مع غياب ثلاثة من أعضائها الستة قد تتأخر القرارات الأساس المتعلقة بالعمليات والتخطيط وبناء القوة العسكرية إلى حين تعيين أعضاء دائمين جدد، فمثلاً كان “هي” قبل انضمامه إلى اللجنة العسكرية المركزية يضطلع بدور أساس في التخطيط العملياتي بصفته قائداً لمنطقة القيادة الشرقية التي تعد قواتها من بين الأهم في أي تحرك عسكري نحو تايوان، أما اليوم فإن قمة هرم القرار العسكري في الصين تفتقر إلى شخص بخبرته.

وقد تتأثر عملية اتخاذ القرار والقيادة بطرق أخرى أيضاً، فكل الضباط على مختلف المستويات باتوا على الأرجح أكثر ميلاً إلى تجنب المخاطرة خشية أن تقودهم قراراتهم مستقبلاً إلى مصير مشابه، كما أن الحافز لدى الضباط الأصغر رتبة على اتخاذ المبادرة قد يتراجع مما يعزز النزعة المركزية القوية أصلاً في الجيش ويقوض فعالية العمليات المشتركة، وسيقضي الضباط وقتاً أكبر في المهمات السياسية وجلسات التثقيف المرتبطة بأيديولوجية الحزب والانضباط على حساب مهماتهم العسكرية المهنية، وقد تتأثر الروح المعنوية بدورها في ظل قلق متزايد لدى الضباط في شأن من قد يكون التالي، وهو ما يغذي الشكوك داخل صفوف القيادة ويضعف التماسك الداخلي.

جاهزون أم لا؟

التركيز على كيفية تأثير الاضطرابات القيادية في الجيش في جاهزيته العملياتية يجب ألا يحجب حقيقة أساسية وهي أن شي جينبينغ قد يرى أن اللجوء إلى الحرب أمر لا مفر منه حتى لو لم يكن جيش التحرير الشعبي مستعداً بالكامل، فمنذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949 خاضت بكين الحروب عادة في ظروف غير مواتية، وفي عام 1950، وبعد جدل واسع داخل قيادة الحزب، قررت الصين التدخل في الحرب الكورية مما حول النزاع إلى حد كبير إلى مواجهة مباشرة بين الصين والولايات المتحدة، وفي ذلك الوقت كان الحزب الشيوعي الصيني منشغلاً بترسيخ سيطرته على كامل أراضي البلاد وإعادة بناء الاقتصاد بعد الحرب مع القوميين، وكان كثير من كبار قادة الحزب والجيش المنهكين بعد أعوام من الحرب الأهلية القاسية مترددين في مواجهة أقوى قوة عسكرية في العالم، لكن في نهاية المطاف تغلب المنطق الإستراتيجي المتمثل في إبعاد الولايات المتحدة عن حدود الصين (وعن شبه الجزيرة الكورية بأكملها إن أمكن) على تلك المخاوف، ومع ذلك وبحلول وقت الهدنة عام 1953، كانت القوات الصينية قد تكبدت أكثر من 500 ألف إصابة، في حين انتهت الحرب تقريباً حيث بدأت عند خط العرض 38، وشرعت الولايات المتحدة ببناء شبكة تحالفات على أطراف الصين الشرقية.

وفي أوائل العقد التالي هاجمت الصين القوات الهندية على الحدود المتنازع عليها بين البلدين، وخلال ذلك الوقت كان ماو تسي تونغ ضعيفاً سياسياً بعد فشل حملته الكارثية “القفزة العظيمة إلى الأمام”، وهي خطة للتصنيع أفضت إلى مجاعات أودت بحياة نحو 45 مليون شخص، ومع ذلك خلُص قادة الحزب والجيش في الصين إلى أن الحرب كانت ضرورية لإيقاف الضغوط الهندية على التبت وإعادة الاستقرار إلى الحدود الصينية – الهندية. وعلاوة على ذلك وقع الهجوم بعد أعوام قليلة فقط من إقالة بنغ دهواي، أعلى ضابط عسكري في الصين طوال فترة خمسينيات القرن الـ 20، بسبب تشكيكه في جدوى “القفزة العظيمة إلى الأمام”، وقد أدى إقصاء بِنغ أيضاً إلى إقالة كثير من كبار الضباط المرتبطين به، مما تسبب في زلزال داخل القيادة العليا للجيش، وآنذاك تمتعت الصين بتفوق ساحق على أرض المعركة، فدمرت القوات الهندية وحققت أهدافها السياسية، ولم تُقدم الهند على تحدي الصين عسكرياً على الحدود طوال العقدين التاليين.

وفي عام 1979 غزت بكين فيتنام بحجة تعليم هانوي درساً بسبب تحالفها مع الاتحاد السوفياتي، عدو الصين اللدود حينذاك، ولغزوها كمبوديا التي كانت بكين تدعمها، وفي ذلك الوقت كانت الصين قد بدأت للتو تتعافى من الفوضى الاقتصادية والسياسية التي سببتها الثورة الثقافية، وكان نائب رئيس الوزراء دنغ شياو بينغ لا يزال يخوض صراعاً على السلطة مع خليفة ماو المختار، هوا غوفنغ، وانقسم “جيش التحرير الشعبي” بين الماويين والإصلاحيين، وكان دنغ يدرك جيداً نقاط ضعف “جيش التحرير الشعبي”، إذ وصفه بأنه “متضخم [ضخم وغير فعال]، ومتراخ ومتغطرس ومبذر وكسول” وبالكاد مستعد للقتال، حتى إن دنغ أرجأ الغزو مدة شهر بعد أن أبلغه كبير مستشاريه العسكريين بعدم جاهزية القوات، ومع ذلك فإن الحاجة إلى إظهار الحزم ضد محاولات الاتحاد السوفياتي تطويق الصين كانت لها الغلبة على حساب جاهزية الجيش، فدفعت قوات “جيش التحرير الشعبي” ثمناً باهظاً حين سقط أكثر من 31 ألف جندي في شهر واحد فقط من القتال، ولم تسحب فيتنام قواتها العسكرية من كمبوديا إلا في أواخر ثمانينيات القرن الـ 20.

تمثل هذه العمليات في كوريا والهند وفيتنام أكبر استخدامات للقوة المسلحة من قبل الجيش الصيني منذ تأسيس الجمهورية، وفي الحالات الثلاث كانت الحسابات السياسية أهم من الجاهزية العسكرية أو الظروف الداخلية المواتية، فقد رأى القادة الصينيون في تلك الحروب صراعات ضرورية لا خيارات أو فرصاً، وإذا كانت حملات التطهير الأخيرة قد أضرت بجاهزية الجيش وأثرت في ثقة شي بقدراته، فقد تقل احتمالات استخدام القوة بدوافع انتهازية خلال المدى القريب إلى المتوسط، لكن إن اعتبر شي أن العمل العسكري ضد تايوان ضرورة فسيصدر الأوامر بالهجوم، بغض النظر عن الجاهزية.

ماريس تايلور فرافيل هو أستاذ كرسي “آرثر وروث سلون” في العلوم السياسية ومدير برنامج الدراسات الأمنية في “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا”.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى